تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة لتداعيات تغير المناخ التي تزايد سرعتها أكثر مما توقعته الدراسات وتحمل تأثيرات على مختلف القطاعات خاصة الزراعة. التي تتسم بالحساسية لتقلبات الحرارة وكذلك السياحة التي تلعب فيها جودة الطقس أحد معايير اختيار وجهات السفر.
لا يوجد تقديرات رسمية للخسائر التي يتعرض لها الاقتصاد المحلي جراء تغير المناخ. لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقدرها بأكثر من 50 مليار جنيه مصري سنويًا بحلول 2030 دون احتساب قطاع الزراعة. ثم تقفز لتتراوح الخسائر الاقتصادية بين 200 و350 مليار جنيه سنويا بحلول 2060.
تأثيرات تغيرات المناخ ستنعكس على غالبية مكونات الاقتصاد المصري رغم تنوعه. بداية من الحاصلات الزراعية -خاصة القمح والأرز- اللذين يتسمان بتأثر شديد بارتفاع درجة الحرارة- مرورًا بالصناعات الغذائية وحركة السياحة. ومن جهة أخرى يزيد من الأعباء على الموازنة العامة في مواجهة تأثيراته الصحية والاجتماعية في موجات الطقس المتطرف.
ضحية المناخ
من المتوقع أن يستأثر القطاع الزراعي بنحو 20% من الأضرار الناجمة عن تغير المناخ على المستوى العالمي.
وفي الحالة المصرية يتسم متوسط هطول الأمطار بتقلبات شديدة. إذ تراجع من 3.91 مم عام 1901 إلى 93 .2 مم عام 2015. بمعدل نمو سالب قدره 25%. لكن في الوقت ذاته تزايد متوسط هطول الأمطار من 2.12 مم عام 2011 لـ93 .2 مم عام 2015 بمعدل نمو قدره 38%.
وترتبط الزراعات خاصة محصولي الذرة الشامية والقمح بدرجة الحرارة في علاقة طويلة الأجل. ووفق الدراسات شهد صيف 2021 ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة منذ 5 سنوات. حيث سجلت الحرارة ارتفاعًا بمتوسط (3-4) درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية.
ووفقا للتقرير الوطني الثالث المُقدم للجنة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فإن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر فقط قد يؤدي لغرق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية. ما سيؤثر بطبيعة الحال على حجم الإنتاج الزراعي للعديد من المحاصيل.
الإنتاج الزراعي
تشير التقديرات إلى أن الإنتاج الزراعي سينخفض بمقدار بين 8 و47٪ بحلول عام 2060. مع انخفاض العمالة المرتبطة بالزراعة بنسبة تصل إلى 39٪. بينما تبلغ قيمة الممتلكات في دلتا نهر النيل المهددة بين 7 و16 مليار جنيه.
الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة خلال صيف 2021 أثر في حجم إنتاجية محاصيل موسم الصيف حينها بنسبة تجاوزت 50% في بعض الأماكن. ما عرّض المزارعين لخسائر فادحة وعرّض المستهلك لموجة غلاء بسبب قلة المعروض مقارنة بحجم الطلب على هذه المنتجات.
تراجعت إنتاجية الزيتون والمانجو حينها بنسبة 60٪ إلى 80%. ما أثر على مكانة مصر العالمية في أسواق الزيتون كأكبر مُصدِّر له خلال موسم 2018-2019. كما حصدت المانجو خلال التسعة أشهر الأولى من 2021 المركز الأخير من بين الصادرات بنحو 768 طنًا فقط.
بحسب وحدة بحوث الأرصاد الجوية الزراعية وتغير المناخ التابعة بمركز البحوث الزراعي فإنتاجية محصول القمح تقل بنحو 9% حال ارتفاع درجة الحرارة درجتين فقط. و18% إذا ارتفعت الحرارة 3.5 درجة.
استهلاك مائي
وسيزداد الاستهلاك المائي للمحصول بنحو 2.5% بالمقارنة بالاستهلاك الحالي.
ينطبق الأمر ذاته على الشعير الذي سينخفض 18% بحلول 2050. وكذا محصولي الذرة الشامية والريفية سيقلان 19% عند ارتفاع الحرارة بنحو 3.5 درجة مقارنة بالإنتاجية الحالية. كما يزداد استهلاكهما المائي 8% وكذلك إنتاجية محصول الأرز التي ستنخفض 11% مع ارتفاع استهلاكه المائي 16%.
وتشير الدراسات ذاتها إلى أن محصول الطماطم ستنخفض إنتاجيته بنحو 14% حال ارتفاع الحرارة 1.5 درجة. وكذلك السكر بنسبة 25% مع تزايد استهلاكه المائي بنسبة 2.5%.
في المقابل تؤثر التغيرات المناخية إيجابيًا في إنتاجية محصول القطن الذي قد يزيد إنتاجه 17% عند ارتفاع درجة حرارة الجو درجتين. ويزداد 31% عند ارتفاع الحرارة 4 درجات. لكن استهلاكه المائي سيزيد بنحو 10% في الوقت ذاته.
فرص العمل
تتعرض مناطق شمال الدلتا التي تواجه ارتفاع منسوب مياه البحر بفعل التغير المناخي لتهديدات تنعكس على الاقتصاد. خاصة أنها منطقة ذات مقومات اقتصادية متميزة. ونقصد هنا المناطق الصناعية القائمة.
فمسطح الأراضي الزراعية المتضررة نتيجة التغيرات المناخية والظواهر البيئية نحو 700 ألف فدان. بالإضافة لـ152 ألف فدان من أراضي الاستصلاح وتضرر 4 آلاف فدان من المسطحات الصناعية. فضلا عن تضرر نحو 100 ألف فرصة عمل في ذلك النطاق المكاني (شمال الدلتا).
فقدان الأراضي الزراعية يحمل تأثيرات في الصناعات الغذائية التي تسهم بقرابة 25% من الناتج المحلي بإجمالي حجم استثمارات يتجاوز نصف تريليون جنيه. تمثل 18 ألف منشأة وهي الشركات المسجلة بالقطاع الرسمي.
كما يؤثر نقص الإنتاج السمكي بسبب تغير الأنظمة الإيكولوجية في المناطق الساحلية وارتفاع حرارة مياه البحار سلبيا على فرص العمل في الصيد. الذي يعمل به قرابة 50 ألف شخص بجانب عمال مصانع التمليح والتجميد والتعبئة.
خسائر سياحية
تحتل مصر المرتبة الأولى عالميًا من حيث الدول الأعلى في قوائم سياحة الشعب المرجانية. إلا أن التقلبات المناخية التي يشهدها العالم تجعل مصر واحدة من ضمن الدول الساحلية المُعرَّضة لفقدان نسبة كبيرة من إيرادات سياحة الشعب المرجانية. كما تتعرض الوجهات السياحية المختلفة والشواطئ لخطر الفيضانات والسيول. ما يؤثر بطبيعة الحال على البنية التحتية.
تغير المناخ يتمثل في ارتفاع درجات الحرارة في مصر. ما يؤثر على 20٪ من السائحين بتغيير وجهاتهم. وهي تكلفة مالية تتراوح عام 2060 بين 13 و17 مليار جنيه سنويًا. ويرتفع هذا الرقم حال إضافة خسائر ابيضاض الشعاب المرجانية التي تقدر بنحو 100 مليار جنيه سنويًا بحلول 2060.
ويؤكد الخبير الاقتصادي نادي عزام وجود مخاطر غير مباشرة لتغير المناخ. تتمثل في زيادة الأعباء المالية المخصصة للكوارث البيئية بجانب التكلفة الاجتماعية حال حدوثها من إعادة بناء مساكن وبنية تحتية جديدة.
ويضيف أن خسائر تغير المناخ ظاهرة عالمية. إذ تتجاوز في الاتحاد الأوروبي 145 مليار يورو سنويا بسبب الظروف الجوية السيئة الناجمة عن تغير المناخ خلال العقد الماضي. لكن مصر وضعت آليات للمواجهة والتكيف من شأنها تقليص الأضرار المستقبلية الاقتصادية لتغير المناخ.
حلول للمواجهة
بحسب الدكتورة سامية المرصفاوي -رئيس وحدة بحوث الأرصاد الجوية الزراعية والتغير في المناخ- فإن مصر بحاجة إلى استنباط أصناف مزروعات جديدة تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف. وهى الظروف التي ستكون سائدة تحت ظروف التغيرات المناخية. بجانب أصناف أخرى المدى الزمني لنموها قصير لتقليل الاحتياجات المائية لها.
وتؤكد أيضًا ضرورة تغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة. وكذلك زراعة الأصناف المناسبة في المناطق المناخية المناسبة لها لزيادة العائد من وحدة المياه لكل محصول. بجانب تقليل مساحة المحاصيل المسرفة في الاستهلاك المائي أو على الأقل عدم زيادة المساحة المقررة لها.
وتطالب الدراسات بوضـع سـياسـة عامة متكاملة لإدارة وتنمية المناطق السـاحلية. مع مراعاة إمكانية ارتفاع سطح البحر بوضع استراتيجية عامة لاستخدامات الأراضي. بحيث لا تبنى المشروعات السياحية في المناطق التي قد تتأثر بارتفاع سطح البحر.
وتوصي الدراسات أيضًا بتحسـينات وراثية للثروة الحيوانية لاسـتنباط سـلالات لها القدرة على تحمل التغيرات المناخية والتأقلم معها. وتوعية المزارعين بخطورة التغيرات المناخية وأثرها في إنتاجية اللبن باسـتخدام وسـائل للحد من أثر تلك التغيرات مثل تظليل مناطق التربية واستخدام وسائل تهوية.
ويطالب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتأكد من أن أنظمة المراقبة يمكنها الكشف والتحذير من ظهور وانتشار الأمراض إذا كانت الأنظمة الحالية غير كافية للمخاطر المستقبلية. مع ضوابط أكثر صرامة لمواجهة مستويات تلوث المياه والهواء في المستقبل.