في سبتمبر/ أيلول 2021، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن -في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة- بمضاعفة المساعدات الأمريكية للدول النامية للتعامل مع تغير المناخ إلى 11.4 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2024. أيضا، قدم الرئيس الصيني شي جين بينج وعدًا مماثلاً بشأن تخفيض انبعاثات طاقة الكربون.

مع ذلك، بعد أكثر من عام، لم يقم أي من الزعيمين بتنفيذ وعده. لم يخصص الكونجرس الأمريكي بعد أي أموال إضافية متعلقة بالمناخ للبلدان النامية. وليس لدى الصين الكثير لتظهره من أجل دفع الطاقة النظيفة في البلدان الفقيرة.

في جميع أنحاء العالم تفشل الحكومات -ولا سيما الغنية منها- في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بتمويل المناخ (الصورة: من شرم الشيخ حيث تقام فعاليات كوب 27)

في الواقع، تضاعف التمويل والاستثمارات الصينية المتعلقة بالنفط في مبادرة الحزام والطريق -مخطط بكين الضخم للاستثمار في البنية التحتية- بأكثر من الضعف في عام 2021 مقارنة بالعام السابق. بينما ظلت استثماراتها في الطاقة الخضراء كما هي تقريبًا، وفقًا لمحللين في جامعة فودان.

في تحليلها، تؤكد كيلي جالاجر، التي شغلت منصب كبير مستشاري السياسات في مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا بالبيت الأبيض خلال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. أنه في جميع أنحاء العالم، تفشل الحكومات -ولا سيما الغنية منها- في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بتمويل المناخ.

اقرأ أيضا: ما الذي فعله قادة العالم بشأن تغير المناخ في عام 2022؟

فشل التحول

في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ عام 2021 في جلاسكو، اضطر المفاوضون الحكوميون إلى الإقرار بأنهم فشلوا في تحقيق هدفهم المتمثل في جمع 100 مليار دولار من تمويل المناخ من مصادر عامة وخاصة بحلول عام 2020. وأقروا بأنهم لن يفعلوا ذلك على الأرجح حتى عام 2023.

لذلك، بدأ تحالف جلاسكو المالي من أجل الوصول إلى “صفر كربون” في الانهيار. وهو تحالف من المؤسسات المالية الخاصة، التي تعهدت باتخاذ إجراءات سريعة للحد من انبعاثات الكربون، وتحريك الاقتصاد العالمي نحو صافي الصفر. حيث امتنع الأعضاء عن تقييد تمويل المشاريع القائمة بشأن الوقود الأحفوري.

تقول جالاجر: لا تتراجع الحكومات والشركات الخاصة فقط عن التزاماتها المتعلقة بالمناخ. في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، رفض رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس الاعتراف بأن حرق الوقود الأحفوري يسبب تغير المناخ. ناهيك عن الإجابة على سؤال ما إذا كانت معالجة تغير المناخ أمرًا محوريًا لمهمة أكبر مؤسسة تمويل إنمائي في العالم.

وفقًا لقاعدة بيانات مشاريع البنك الدولي، فقد استثمر 31.6 مليار دولار في الطاقة المتجددة، و34.4 مليار دولار في نقل وتوزيع الكهرباء، منذ اعتماد اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، لكنه استثمر أيضًا 18.8 مليار دولار في النفط والغاز.

تضيف جالاجر: قد تكون بعض هذه الاستثمارات في الوقود الأحفوري قد مكنت من الحد من الفقر، أو عززت الوصول إلى الطاقة في البلدان النامية. لكن افتقار البنك إلى استراتيجية متماسكة لانتقال الطاقة أضعف ثقة الجمهور.

من العوامل الأخرى التي تحول دون تحول الطاقة، ارتفاع أسعار الطاقة وتقلبها والتضخم السريع. تضرر المستهلكون بشدة، ليس فقط في البلدان النامية، ولكن في الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة، حيث تخلف ما يصل إلى 20 مليون شخص عن سداد فواتير الكهرباء.  كما بدأت أسعار النفط الخام هذا العام عند 86 دولارًا للبرميل، لتصل إلى أعلى مستوى لها عند 122 دولارًا في يونيو/ حزيران، قبل أن تتراجع إلى 89 دولارًا بحلول أكتوبر/ تشرين الأول.

الحاجة لإصلاح جذري

تلفت كبير مستشاري سياسات العلوم والتكنولوجيا بالبيت الأبيض السابقة، إلى أن “الأمر الأكثر إثارة للقلق مع اقتراب فصل الشتاء، هو أن أسعار الغاز الطبيعي تضاعفت لأكثر من الضعف منذ بداية العام في أوروبا والولايات المتحدة. وفي آسيا، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير. مما يثير التساؤل عن قدرة دول مثل فيتنام على تنفيذ التحولات المخطط لها من الفحم إلى الغاز الأكثر ملاءمة للمناخ”.

تشير أيضا إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا لم يؤد إلى تسريع هذه الاتجاهات التضخمية فحسب “بل حوّل انتباه قادة العالم، الذين صرفوا انتباههم بالفعل بسبب جائحة COVID-19 عن جهود التخفيف العاجل للمناخ والتكيف معه”.

تقول: خصصت الولايات المتحدة بالفعل 17.5 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا. كان ثلثا هذا المبلغ فقط سيسمح لبايدن بالوفاء بتعهده بتمويل المناخ للعالم النامي. لا تكمن النقطة في أن الولايات المتحدة كان ينبغي أن تترك أوكرانيا لدفاعاتها الخاصة، بل -بالأحرى- أن الحرب، إلى جانب العديد من العوامل الأخرى، قد تسببت في تراجع الحكومات والشركات ومؤسسات تمويل التنمية عن تمويل المناخ في نفس اللحظة.

وتضيف: بينما يجتمع قادة العالم هذا الأسبوع في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر، لحضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ هذا العام، المعروف باسم COP27. فإنهم يواجهون جهدًا عالميًا للاستجابة لتغير المناخ الذي يخرج عن مساره. ولإعادته إلى المسار الصحيح، سيحتاجون إلى فعل أكثر من الوفاء بتعهدات تمويل المناخ الخاصة بهم، وتشجيع الجهات الفاعلة الخاصة على فعل الشيء نفسه.

وأكدت: سوف يحتاجون إلى إصلاح جذري لهيكل تمويل التنمية، ودفع جميع مصادر رأس المال في العالم النامي لاحتضان هدف مستقبل منخفض للكربون. وإعادة تنظيم الاستراتيجيات الوطنية حول الحاجة إلى تحقيق انبعاثات صافية صفرية، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.

من فعاليات مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ بمصر (وكالات)

اقرأ أيضا: الطريق إلىCOP 27.. أين ذهب العمل المناخي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

رؤوس في الرمال

على الرغم من أن عام 2022 لم ينته بعد، فقد كان بالفعل عاما مليئا بالأزمات المناخية.

لا تزال باكستان تعاني من فيضانات قياسية غطت ثلث البلاد، وأثرت على 33 مليون شخص وتسببت في 1500 حالة وفاة مبكرة، بما في ذلك 552 طفلاً، مع تقدير أولي للأضرار لا يقل عن 40 مليار دولار.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، كافحت نيجيريا أيضًا للتعامل مع الفيضانات الهائلة التي شردت أكثر من 1.4 مليون شخص. وقتلت أكثر من 600، وأتلفت أو دمرت مساحة ضخمة من الأراضي الزراعية، والتي بدورها ستسهم في ندرة الغذاء.

كما سجلت الصين أشد موجة حرارة وثالث صيف جفاف على الإطلاق هذا العام. وكلاهما تسبب في حرائق الغابات، وخسائر المحاصيل، ونقص الكهرباء الكهرومائية.

تقول جالاجر: لقد أصبحت مثل هذه الكوارث شائعة بشكل مخيف، مما دفع البلدان النامية إلى المطالبة بتعويضات عن “الخسائر والأضرار” الناجمة عن تغير المناخ الذي تسببت فيه البلدان المتقدمة بشكل كبير.

من المتوقع أن تطلق مجموعة من البلدان الأكثر ضعفًا، والمعروفة باسم V-20، آلية تأمين جديدة مع دول مجموعة السبع في COP27 تسمى “الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ”. حيث تنشئ صناديق وإعانات مخصصة للتأمين، لمساعدة المجتمعات المعرضة للخطر على مواجهة الكوارث المناخية.

تضيف: مثل هذه المبادرات جديرة بالثناء، لكنها لن تكون كافية لجميع البلدان، التي يواجه بعضها احتمالية حقيقية لغمرها بالكامل بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر.

أيضا، الدول الغنية ليست محصنة ضد آثار تغير المناخ. إعصار “إيان” هو أحدث حدث متطرف للطقس في الولايات المتحدة، وقد يتضح أنه أكثر عواصف فلوريدا تكلفة على الإطلاق، حيث تقدر الخسائر الأولية المؤمنة بـ 47 مليار دولار.

ووفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، منذ عام 1980، شهدت الولايات المتحدة 338 كارثة جوية ومناخية تسببت في أضرار تجاوزت مليار دولار -معدلة للتضخم- بتكلفة إجمالية تزيد عن 2.295 تريليون دولار. وحتى عام 2022، شهدت الولايات المتحدة 15 كارثة مناخية، بما في ذلك الجفاف والفيضانات والعواصف الشديدة والأعاصير المدارية وحرائق الغابات.

التريليونات وليس المليارات

تؤكد مستشارة إدارة أوباما السابقة، أنه لبدء التحول إلى الطاقة النظيفة، وتجنب حدوث تسونامي من الانبعاثات من البلدان النامية. سيحتاج قادة العالم المجتمعون في COP27 إلى “القيام بأكثر من مجرد إصلاح حواف المشكلة”، حسب تعبيرها.

تقول: الهدف السابق المتمثل في 100 مليار دولار في تمويل المناخ، هو أمر مثير للضحك، في مواجهة الكوارث المناخية اليومية التي تتسبب بشكل روتيني في أضرار بمليارات الدولارات. وفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن الحجم الحقيقي للحاجة التمويلية للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه هو بالتريليونات، وليس المليارات. يشار هنا أن قمة المناخ في شرم الشيخ “نجحت” في أول أيامها أمس الأحد أن تدرج في جدول أعمالها مسألة التعويضات.

وأكدت أنه يجب على المفاوضين في COP27 تبني نهج “محدد وطنيا” لتمويل المناخ “يجب على كل بلد النظر في حجم التمويل للتخفيف من تغير المناخ والتكيف الذي يمكنه حشده، للأغراض المحلية والدولية على حد سواء. قد تكون بعض البلدان النامية قادرة على جمع التمويل الكافي للاحتياجات المحلية فقط. قد تتمكن دول أخرى، مثل الصين، التي تعهدت سابقًا بزيادة دعمها للطاقة النظيفة في الخارج، من فعل المزيد لدعم البلدان الفقيرة.

وأضافت: يجب أن تبدأ الأجندة الجديدة لتمويل المناخ بإصلاح مؤسسات تمويل التنمية الرئيسية. بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. في الوقت الحالي، لا تضع هذه المؤسسات ببساطة التمويل الكافي للطاقة النظيفة والتخفيف من آثار تغير المناخ. إنهم بحاجة إلى تعبئة رأس مال “أخضر” إضافي للإقراض المتعلق بالمناخ، وبعد ذلك يحتاجون إلى استخدامه.

ولكن، والحديث لا يزال لجالاجر، هناك حاجة إلى ما هو أكثر من إصلاح المؤسسات المالية الدولية. حيث “يجب على جميع مصادر التمويل للبلدان النامية -من المقرضين من القطاع الخاص إلى وكالات التنمية الثنائية- مواءمة استراتيجياتها حول هدف النمو منخفض الكربون. وبعد ذلك يجب عليهم تحويل استراتيجياتهم إلى أفعال، وتحقيق التوازن بين المخاوف المناخية وولاياتهم الحالية، سواء كان ذلك لزيادة العائدات أو تسهيل التنمية.