بعد ثورة 25 يناير 2011، وعندما تولى المجلس العسكري زمام الأمور في البلاد، أصدر القرار رقم 116 لسنة 2011 بحل المجالس الشعبية المحلية. وقتها برر المجلس القرار بضرورة تعديل الدستور أولا وإجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل عقد انتخابات للمجالس المحلية (المحليات). لكن ومنذ ذلك الوقت لم تجر إي انتخابات للمحليات طول 12 عاما كاملة، ما أحدث حالة من الفراغ الرقابي على السلطةا لتنفيذية في المحليات، من خلال أوعية شعبية منتخبة.

وطبقا لدستور 2014 وتعديلاته في 2019 فإن الإدارة المحلية هي المكون الثالث للسلطة التنفيذية. كما أعطيت فترة انتقالية لمدة 5 سنوات. لتعمل خلالها المجالس المحلية بالقانون الحالي رقم 43 لسنة 1979 لحين إعداد قانون جديد للإدارة المحلية. على أن يتم الانتهاء من صدوره قبل انتهاء الفترة الانتقالية. وهي التي انقضت بالفعل عام 2019 طبقا لنص المادة 180 الخاصة بالأحكام الانتقالية.

الحركة المدنية المكونة من 12 حزبا، قالت إنها بدأت قبل انعقاد أول جلسات الحوار الوطني، في العمل على إعداد مشروعات قوانين للمحليات. بالإضافة إلى وضع أطر عامة حول النظام الانتخابي الأمثل. كما عملت الحركة على الاستعداد لطرح رؤاها بشأن الانتخابات المحلية المقبلة ومناقشتها في لجنة المحليات الملحقة بالحوار الوطني.

اقرأ أيضا.. 14 عامًا من ” تضخم الفساد”.. أمل عودة المحليات يطرق بوابة “الحوار الوطني”

المحليات والدستور

يأتي على رأس مطالب الحركة المدنية سرعة إصدار قانون الإدارة المحلية الذي انتهى البرلمان من مناقشته في 2016 لكنه لم يصدر حتى الآن. بالإضافة إلى إفساح المجال أمام القوى السياسة لمناقشة المسودة التي أعدتها الحكومة والتعديل عليها. كذلك تطرح الحركة إيجاد مخرج قانوني مما اعتبرته “فخا دستوريا” يزيد تعقيدات إجراء انتخابات المحليات ويهدد بعدم دستوريتها حال عدم استيفاء الاستحقاقات والنسب الفئوية المنصوص عليها في الدستور. ذلك بأن يكون 50% من أعضاء المجالس المحلية من العمال والفلاحين و25% من المرأة و25% من الشباب. فضلا عن تمثيل مناسب من المسيحيين وذوي القدرات الخاصة.

“الحركة المدنية” كذلك وضعت حلا لما قالت إنه “معضلة دستورية”. إذ ترى الحركة إنه لا بد من وضع نظام انتخابي تمثل فيه القوى المختلفة بشكل عادل. وفقا لما اتفق عليه ممثلو التيار المدني في أول اجتماع لهم بمقر حزب الإصلاح والتنمية، بمشاركة أحزاب الدستور، والعدل، والتحالف الشعبي، والشيوعي المصري، والمصري الديمقراطي، والناصري، بالإضالفة إلى حزب المحافظين.

كما اتفق الحضور على صعوبة إجراء انتخابات المحليات في ظل الوضع الحالي أو من خلال القائمة المطلقة المغلقة، حيث ستقيد مشاركة الأحزاب والتيارات المدنية في تشكيل قوائمها، بشكل قد يكون مستحيل تحقيقه، إلا عن طريق التحالف مع الأحزاب الموالية للسلطة، على حسب وصفهم. أو تلك التي تعد القوائم عن طريق توزيع الحصص والأنصبة، مطالبين بأن يكون النظام الانتخابي بالقائمة النسبية والفردي في القانون الجديد.

اختلافات وتباينات 

إحدى جلسات الحوار الوطنيعبد الناصر مؤمن ممثل حزب المحافظين، قال خلال الاجتماع، إنهم مازالوا في مرحلة وضع الأطر، وصياغتها لطرحها على “الحوار الوطني”. لكن هناك توصيات مكتوبة سيتم النقاش حولها قبل تقديمها من بينها طرح مسودتين لقانونين للمحليات، واحد يختص بالشق “الرقابي” على السلطة التنفيذية للمجالس الشعبية المنتخبة، والثاني متعلق بالشق “التنفيذي”.

“مؤمن” أكد ضرورة الدفع بكل الوسائل في سبيل تعديل المادة 180 من الدستور حتى لا تكون انتخابات المحليات عن طريق القائمة المطلقة. وأن لم يتحقق المطلب ستدفع الحركة أن يكون النظام الانتخابي عن طريق الثلثين بالقائمة المطلقة والثلث بالنسبية، مع التركيز على تعديل صفة العامل فى القانون. بأن يحدد بكل من يعمل عند الغير بأجر ومؤمن عليه عامل ولا يشارك في الإدارة.

وأشار “مؤمن” إلى أنه على مدار أكثر من أربعين جلسة نقاشية في تنسيقية شباب الأحزاب، نوقش قانون الإدارة المحلية، وتم الاتفاق على أن عقد انتخابات محلية بالشكل القانوني الحالي لا يصلح، إلا من خلال القائمة النسبية لكن الدستور يحول دون ذلك.

بسام الصواف، ممثل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، قال إن هناك احتياجا لـ”فن الممكن” لمعالجة “الفخ الدستورى” الحالي والتعامل مع الواقع. كما أضاف أن الأمر ضروري لأن الدستور يقيد الانتخابات المحلية بنصوص لا يجوز مخالفتها عن العمال والفلاحين، والمرأة، والمسيحيين، والمعاقين، والشباب، حتى لا يتم الطعن عليها بعدم الدستورية وتنتهي بحل المجالس.

“صواف” قال إن القانون الحالي يتحدث بأريحية عن فكرة اللامركزية، فى حين أن صلاحياته على التنفيذيين من مديري شركات المرافق كالكهرباء و الصرف الصحي والمياه، والغاز ، والتعليم مقيدة، وتنحصر في مجرد توصيات أو تعديل الخطط، ولا يستطيع عزل مسئول أو مسائلته. كما أكد أننا فى حاجة لوضع فلسفة قانون، تعطي صلاحيات رقابية على المجالس ومنح حق الاستجواب للأعضاء ومنح المجالس المحلية صفة الاستقلال، ولا يجوز حلها إلا بحكم قضائي.

فيما أشار إسلام الجندي، ممثل حزب العدل وعضو تنسيقية شباب الأحزاب، إلى أن هناك توجها سياسيا لإنهاء الحوار الوطني خلال 6 أشهر فقط. ما يستوجب التركيز على النقاط المهمة التي يمكن تحقيقها في ظل الواقع المفروض دستوريا، بأن تشمل المشاريع المقدمة من حزبي العدل والمحافظين، وأن يكون اختيار المحافظين  عن طريق الانتخاب والاستعداد للتعامل مع الواقع الانتخابي المتاح كما هو حتى لا تتفاجئ الأحزاب بإجراء الانتخابات دون الإعداد لها. مبينا أن هناك فرقا بين الانتخابات البرلمانية والمحلية.

فيما اختلف المهندس علاء سليم ممثل الحزب الناصري مع ما طرحه “الجندي” إذ يرى أن مشاركة الأحزاب المدنية في ظل نظام القائمة المطلقة صعب، ما يتطلب التمسك بتعديل الدستور وإجراء الانتخابات بالنظام الفردي والقائمة النسبية. وهو نفس المطلب الذي تمسكت به نجوى عباس ممثل حزب التحالف الشعبي الاشتراكي.

أما الدكتور هشام فهمي، ممثل حزب العدل فيرى أن الإدارة المحلية التنفيذية بمستوياتها الخمسة القرية، والحي، والمدينة، والمركز، والمحافظة، تحتاج لتوسيع اختصاصاتها، وتقوية مناصب روؤساء الوحدات فيها بأن تكون مستقلة في اتخاذ القرار. كما يرى ضرورة أن تخضع لسلطان المحافظة المباشر في اتخاذ الإجراءات. وتعيين شخصيات مؤهلة لإدارة قوية، وتمكين الشباب من حملة الماجستير والدكتوراة. بالإضافة إلى تشكيل لجنة عن طريق جهاز التنظيم والإدارة من ذوي العلم والكفاءات، لإعطاء الإدارة المحلية قيمة، وربط الجامعات والإدارات الهندسية والنقابات بالسلطة التنفيذية لتقديم الدعم الفني والمساعدة.

حائط صد

من ناحية أخرى، أكد خبير المحليات هلال عبد الحميد استحالة إجراء انتخابات المجالس المحلية بالقائمة النسبية والفردي، حيث لا يمكن استيفاء الاستحقاقات الدستورية الفئوية التي نصت عليها المادة 180 من الدستور. كما يضيف أنه ليس أمامهم كحركة، إلا الاستجابة للوضع المفروض دستوريا لأن النص الدستوري يقف حائط صد. كذلك أضاف أنه حال رفض المشاركة ومقاطعة الانتخابات سيؤدي بهم لنفس النتائج في 2011، عندما انقسمت القوى المدنية بين المشاركة والمقاطعة، وفي النهاية استفادت جماعة الإخوان من الفراغ.

كما أضاف أن الأفضل للحركة حاليا هو التركيز على إعادة تعريف صفة العمال والفلاحين في القانون وفقا لتعريف المحكمة الدستورية، ومحاولة الاستفادة من نسبة الثلث بالفردي والنسبية، لتفادي أن يكون التشكيل غير دستوري، لأن أي محاولة لتغيير نسبة الثلثين ستؤدي في النهاية لشبهة عدم الدستورية وحل المجالس.

البديل

أما نجوى عباس، عضو مجلس محلي سابق، قالت خلال الجلسة النقاشية أن البديل الانتخابي الوحيد لضمان مشاركة التيار المدني هو النظام الفردي، حيث تسمح للأحزاب بإعداد قوائمها. كما أن المطالبة بتعديل المادة 180 من الدستور مطلب ليس بكبير بعد فترة تهميش فرضت على أحزاب المعارضة لمدة 12 سنة كاملة. خاصة أن تلك الأحزاب احترمت الظرف السياسي ووقفت بجوار الدولة في محاربة الإرهاب. كذلك اعتبرت التمييز الإيجابي عن طريق الانتخابات بالقائمة النسبية أو النظام الفردي، حقا لإثبات وجودها في الشارع من خلال التغيير السلمي.

مضيفة أن الظرف اختلف حاليا، ولا بد من فتح المجال للأحزاب للتفاعل مع الشارع، لتكوين قوائم انتخابية بكوادر وقيادات طبيعية مشتبكة مع مصالح الناس على الأرض، بقائمة نسبية مفتوحة غير مشروطة لضمان تمثيل الشباب الجسم الصلب للثورة والمرأة.

كما طالبت بأن تكون اللامركزية أحد النقاط المهمة في القانون لتحقيق مبدأين: القضاء على الإرهاب ورفع نسبة الوعي لدى المواطن، وتطبيق اللامركزية بالتفاعل المجتمعي بتكوين مجالس أمناء للمدارس. وأن يكون المحافظ ورئيس الحي لهم السلطة في التفتيش على مراكز الشرطة والرقابة على التنفيذيين. وأن ينص القانون أيضا على حكم محلي لا إدارة محلية وأن تكون القيادات التنفيذية بالانتخاب، مثل بلدية باريس. كذلك لابد أن تكون للوحدات سلطة فرض رسوم لتنمية مواردها ويكون للمجالس حق المراقبة وليس مجرد توصيات الاستجواب وسحب الثقة من التنفيذيين.

القائمة المطلقة خطيئة

واعتبرت دكتورة آمال علي، ممثلة الحزب الحزب المصري الديمقراطي في اجتماع الحركة المدنية، أن إجراء الانتخابات بالقائمة المطلقة خطيئة لكننا محشورون فى حارة سد حسب وصفها، طبقا للاستحقاقات الدستورية، ما يستوجب على الحركة الدخول في الحوار بطلب “أصلي” هو تعديل الدستور وطلب “احتياطي” وهو توصيات الحركة بتعديل القانون.

من ناحيته قال الدكتور سمير عبد الوهاب، مقرر لجنة المحليات بالحوار الوطني فى تصريحات سابقة له إن إجراء انتخابات المجالس المحلية على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة. كما أن الفترة المقبلة ستشهد عقد لقاءات لتحديد أجندة عمل اللجنة ودعوة الأطراف للحوار وبحث القضايا والاستماع إلى الرؤى والمحاور.

متطلبات الحوار الناجح

“يأخذ بعض المهتمين بالمحليات على المسئولين عن إدارة الإصلاح السياسي والحوار الوطني، تجاهل إصدار قانون الإدارة المحلية واستمرار غياب المجالس المحلية أحد أدوات الرقابة المساعدة للبرلمان. حيث يتطلب الحوار الناجح إيجاد مناخ مهيأ سياسيا وتنظيميا وإداريا وفنيا”.. وفقا لعبد الحميد كمال وكيل لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان سابقا.

يرى “كمال” أن نجاح الحوار الوطني يعني أن المقدمات تؤدي إلى نتائج ملموسة، وأن يضع ضمن أولوياته الإسراع بإصدار قانون الإدارة المحلية وإجراء انتخابات شعبية. تمثل جميع القوى السياسية على أرض الواقع، حتى لا يضيع الحوار هباء أو يتحول إلى مجرد مقترحات أو توصيات وحبر على ورق من وجهة نظره.

وكان عبد الحميد قال لــ”مصر360 فى تصريحات سابقة″: “لابد من تحديد أولويات زمنية وجداول لتنفيذ التوصيات ونتائج الحوار على أرض الواقع وعلى رأسها إجراء انتخابات محلية. لأن ذلك من أهم المكونات التي تحدد التوجهات الاقتصادية والاجتماعية السياسية، التي يتم البناء عليها حول جدية الحوار”.