قبيل ساعات من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، بدا أن الضغوط التي مارسها الجمهوريون على إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن فيما يخص علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها وخصومها في الشرق الأوسط حققت نتائجها.
الرئيس الأمريكي الذي اتخذ موقفا حادا من ولي العهد السعودي محمد بن سليمان وتعهده بالعمل على جعل السعودية «دولة منبوذة دوليا» بسبب سجلها الحقوقي السيئ وقت أن كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية قبل عامين، حاول قبل شهور جبر الخلافات مع الرياض بزيارته إلى المملكة في يوليو الماضي والتي أجمع مراقبون على أنها لم تحقق أهدافها.
ومع تزايد التوتر بين السعودية والولايات المتحدة الشهر الماضي، بعد تبادلهما انتقادات بشأن قرار تجمع «أوبك+» بقيادة السعودية وروسيا خفض إنتاج النفط ودعم الرياض «المعنوي والعسكري» لموسكو، سعت الإدارة الأمريكية تحت ضغوط خصومها الجمهوريين إلى جر السعوديين لمظلتها مجددا، وتصدير موقف متشدد من إيران الخصم اللدود للسعوديين في الشرق الأوسط، وهو ما يعتقد المحللون أنه محاولة أخيرة من الديمقراطيين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة اليوم الثلاثاء.
وحمل مراقبون الرئيس بايدن وإدارته مسئولية ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق منذ أربعة عقود، فيما يتهم الجمهوريون الرئيس الأمريكي بأنه فشل في إدارة تحالفته مع الدول المنتجة للبترول ما تسبب في رفع أسعار الوقود ومعظم السلع في الولايات المتحدة، وهو أثر على شعبية الحزب الديمقراطي ويهدد بخسارته أغلبية الكونجرس.
صحيفة «نيويورك تايمز» اعتبرت أن سيطرة الجمهوريين المتوقعة على الكونجرس بعد انتخابات التجديد النصفي، ستمثل أداة ضغط قوية على إدارة الرئيس، بايدن، فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية.
وقالت الصحيفة في تقرير لها نشر مطلع الأسبوع الجاري إن الجمهوريين في كلا المجلسين حريصون على الضغط على الإدارة بشأن سياستها تجاه طهران، مشيرة إلى أن العديد من الجمهوريين قد انتقدوا بايدن لعدم بذل المزيد من الجهد لدعم الاحتجاجات التي اجتاحت إيران والتي اشتعلت إثر قتل شرطة الأخلاق للفتاة مهسا أميني.
وأضافت الصحيفة: «كما أن مكاسب الجمهوريين في الكونجرس ستزيد تعقيد جهود بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي تخلى عنه الرئيس السابق، دونالد ترامب. ومما يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لبايدن العودة المنتظرة لبنيامين نتنياهو كرئيس وزراء إسرائيل، وهو الذي كانت له علاقات وثيقة مع قادة الجمهوريين في الكونغرس».
ونقلت الصحيفة تصريحا للرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبويتز أشار فيه إلى أن الجمهوريين سيعيدون إيران إلى الصدارة في واشنطن، «الجمهوريون سوف يقدمون مشروع قانون عقوبات جديد»، وهو ما سيؤثر على جهود بايدن لإحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه ترامب.
مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون تسأل عن سبب تفضيل الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسات تنفر السعودية التي وصفها بأنها «أقدم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط» بينما يدلل إيران التي تمثل «أخطر عدو لأمريكا في الشرق الأوسط».
وفي مقال له بصحيفة «ذا هيل» الأمريكية وصف بولتون وهو جمهوري بارز زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة للرياض بالفاشلة، منتقدا الضغوط والتهديدات التي أطلقها ديمقراطيون ضد المملكة بسبب قرارتها التي لم تتفق مع سياسات الإدراة الأمريكية فيما يخص تسعير الطاقة. وقال إن «الانتقام من السعوديين سيسبب ضررا استراتيجيا دائما لواشنطن، وفي الواقع، سيعزز نفوذ موسكو في الرياض».
واعتبر بولتون أن «هوس بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران» التي تهدد أمن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتدعم ما وصفه بـ«المجموعات الإرهابية»، ما هو إلا «عمى سياسي ونظرة مقلوبة إلى الشرق الأوسط تهدد ليس فقط حلفاء واشطن بل الولايات المتحدة ذاتها».
وقال بولتون إن الحرب المأساوية في اليمن مستمرة بسبب جهود إيران المتواصلة للتدخل في الفناء الخلفي لدول الخليج العربي، منتقدا السياسة الأمريكية تجاه تلك الحرب، «إن شحنات الأسلحة من إيران إلى الحوثيين هي التي يجب أن تتوقف، لا مبيعات الأسلحة إلى السعودية أو الإمارات. وستجد الحرب الأهلية على الأرجح حلا جزئيا على الأقل بعد فترة قصيرة».
ويرى بولتون أن البيت الأبيض صم آذانه تماما تجاه الاحتجاجات التي تجري في إيران والتي أشعلها قتل شرطة الأخلاق للفتاة مهسا أميني، بما يكفي لتهديد النظام ووجوده نفسه، «وصلت المعارضة الداخلية لآيات الله إلى مستويات غير مسبوقة منذ استيلائهم على السلطة في 1979، ولو سقط آيات الله فمن المرجح ألا يبيع خلفاؤهم الطائرات إلى روسيا».
وإزاء تلك الضغوط التي يمارسها خصومه من الجمهوريين خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصريح وصفه بعض المراقبين بأنه «زلة لسان»، عندما قال خلال حملة انتخابية في ولاية كاليفورنيا الأسبوع الماضي «لا تقلقوا سنحرر إيران»، ثم عاد واستدرك بقوله «سيحررون أنفسهم قريبا».
تهديدات الرئيس الأمريكي التي صدرت في عبارة مقتضبة جدا، إلا أنها مليئة بالغضب، ووصفت بأنها «رسالة للناخب الأمريكي قبيل ساعات من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الذي يتوقع أن يهيمن عليه الجمهوريون».
وفي هذا السياق، يرى محللون سياسيون، أن ما قاله بايدن لم يكن وليد الصدفة أو اللحظة، ويعتقدون أنه يمثل محاولة لاستمالة الناخبين والسعي إلى التأثير على منافسيه مع اقتراب ساعات الحسم، إذ يدرك بايدن أن الورقة الإيرانية فاعلة في كسب ود اللوبي الإسرائيلي، معتقدا أن مثل هذا التصريح يمكن أن يعدل من دعم مجموعات الضغط لصالح حزبه الديمقراطي، إلا أن «اللوبي» يبدو حاليا منسجما أكثر مع الحزب الجمهوري في الوقت الذي تزايدت الفجوة مع الديمقراطيين وقواعدهم.
التسريب الذي نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أسبوع والذي تحدث عن «تحذير من هجوم وشيك من إيران على أهداف سعودية في محاولة لتشتيت الانتباه عن الاحتجاجات المشتعلة داخل إيران» وصف بأنه محاولة لجبر الشرخ الذي طال العلاقة بين الرياض وواشنطن، وتوصيل رسالة للناخب الأمريكي أن الإداراة الأمريكية لن تتخلى عن حلفائها في الشرق الأوسط ولن ترضخ أمام التهدايدات الإيرانية.
مصدر أمريكي مسؤول، كان قد صرح لشبكة «CNN،» الأسبوع الماضي بأن المعلومات الاستخباراتية المشتركة من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تشير إلى أن إيران ربما تخطط لهجوم وشيك على منشآت للطاقة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في السعودية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله إن الولايات المتحدة «قلقة» من التهديدات الإيرانية ضد السعودية، وأضاف: نحن على اتصال دائم من خلال القنوات العسكرية والاستخبارية مع السعوديين، ولن نتردد في التحرك للدفاع عن مصالحنا وشركائنا في المنطقة.
وفي مؤتمر صحفي لوزارة الدفاع الأمريكية، رد المتحدث باسم البنتاجون باتريك رايدر على سؤال حول تقرير «وول ستريت جورنال»، قائلا: «لن أتحدث عن تفاصيل مستويات حماية القوات، ما يمكنني قوله هو أننا قلقون من التهديدات في المنطقة وعلى اتصال مستمر مع شركائنا السعوديين حول المعلومات التي قد تكون لديهم». مضيفا: «كما قلنا سابقا فإننا نحتفظ بحق الدفاع عن أنفسنا أينما كانت قواتنا».
كان قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي قد وجه تهديدات مباشرة للمملكة العربية السعودية، متهما إياها بـ«التآمر» لإشعال الاحتجاجات التي تشهدها بلاده منذ موت الشابة الإيرانية مهسا أميني بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق، في سبتمبر الماضي.
وبغض النظر عن دقة تلك التحذيرات وعن الرسائل الأمريكية السعودية المباشرة والملغزة، إلا أنه وفقا لما رصده مراقبون فإن الإدارة الأمريكية رأت أن العداء مع الرياض في مقابل ملاطفة إيران في هذا التوقيت يؤثر على موقف مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.. فهل ستفلح تهديدات بايدن وتعهداته بتحرير إيران ومغازلته السعودية في رتق الفتق الذي اتسع خلال العامين الماضيين؟ وهل سيؤثر ذلك على تصويت الناخب الأمريكي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس؟.. هذا ما ستكشف عنه صناديق الاقتراع خلال الساعات القليلة المقبلة.