إذا كانت الطاقة هي شريان الحياة للتنمية الاقتصادية، يجب التأكيد على أن قارة إفريقيا لا تنقصها الإمكانات. فقط، إدارة استهلاك هذه الطاقة هي محور الخلاف في المناقشات حول الخطوات التي يجب اتخاذها لمواجهة واقع تغير المناخ. حيث تقف القارة في قلب مفاضلة حاسمة بين التخفيف من أزمة المناخ -التي تثقل كاهل بلدانها بالفعل بشدة- واستغلال موارد الطاقة، والتي يمكن أن تعطي دفعة حاسمة لتنميتها الاقتصادية.

وفي سياق دولي يتميز بأزمة طاقة ذات حجم تاريخي، فإن موارد الغاز الوفيرة تجتذب أيضًا الاهتمام شمال البحر الأبيض المتوسط. لذلك، جمع المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية ISPI. عددا من آراء الخبراء، للإجابة على تساؤلات عدة. منها: كيف يمكن التوفيق بين هذه الأولويات المختلفة؟ ما هي إمكانات تنمية الطاقة الإفريقية؟ وعلى أي خطوط تتكشف دبلوماسية المناخ بين إفريقيا وأوروبا؟

من المعروف أن إفريقيا تساهم بأقل من 4% في الانبعاثات العالمية وتعاني بشكل غير متناسب من عواقب تغير المناخ

تتنوع آراء الخبراء المشاركين في الملف، من محاولة لإيجاد البوصلة لأولويات الطاقة الأفريقية، بين التغيرات المناخية والتداعيات الاقتصادية. إلى تشابكات ومصالح الغاز والنفط والطاقة والمناخ. والتعاون بين قارتي إفريقيا وأوروبا في المصير المشترك في مواجهة التحديات المناخية.

اقرأ أيضا: أين ذهب العمل المناخي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

أهداف عالمية وتحديات مختلفة

نحو “إيجاد البوصلة لأولويات الطاقة الأفريقية”، جاء تحليل لوسيا راجازي وهي زميلة باحثة في برنامج إفريقيا في ISPI.حيث أشارت إلى أن  المفاضلة بين استغلال الموارد الملوثة، والتخفيف من آثار تغير المناخ، تسترعي الانتباه إلى التفكير الضروري في الأولويات المشتركة والمساءلة على المستوى العالمي.

وتلفت إلى أنه “في إفريقيا، في ظل زخم الظواهر المناخية المتطرفة والصدمات الاقتصادية في العامين الماضيين. يتجلى التناقض بين هذه الأولويات أكثر من أي وقت مضى”.

ترى لوسيا أنه “يمكن لإفريقيا الاعتماد على مجموعة كبيرة من الموارد. في قطاع الطاقة المتجددة، مدفوعًا بالطاقة الشمسية -ولكن أيضًا طاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية- وعززه زخم انتقال الطاقة على المستوى الدولي. فإن هذا القطاع، إذا تم دعمه باستثمارات كافية، يمنح القارة إمكانية تحقيق قفزات كبيرة نحو مستقبل يركز على مصادر الطاقة المتجددة.

وقالت: قد يلعب قطاع الهيدروجين -الذي لا يزال حاليًا في مراحله الأولى- دورًا مهمًا في بعض البلدان، مع ظهور المغرب وناميبيا كمرشحين واعدين بشكل خاص.

مع ذلك، لا يزال الغاز والنفط يمثلان شريحة أساسية في استدامة طلب البلدان الأفريقية على الطاقة. ويمكن للمصالح الأوروبية، جنبًا إلى جنب مع ارتفاع أسعار الغاز، أن تدر عائدات كبيرة لبلدان إفريقيا، والتي تشتد الحاجة إليها للحفاظ على التأثير الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا.

ورغم هذا، من المعروف أن إفريقيا تساهم بأقل من 4% في الانبعاثات العالمية، وتعاني بشكل غير متناسب من عواقب تغير المناخ. فوفقًا لبنك التنمية الأفريقي، تخسر إفريقيا بسبب آثار تغير المناخ ما بين 5% إلى 15% من ناتجها المحلي الإجمالي.

تتضح العواقب العملية بالفعل في الظواهر المناخية القاسية، من حالات الجفاف التي حطمت الرقم القياسي في القرن الأفريقي. إلى الفيضانات الأخيرة في نيجيريا، والتي بدورها تؤدي إلى حلقة مفرغة من تحويل الموارد إلى التخفيف من حدة الطوارئ وزيادة الفقر المدقع، مما يؤدي إلى مزيد من التباعد عن أهداف تنمية الطاقة.

تكافح أوروبا وأفريقيا لإيجاد أرضية مشتركة في الفترة التي تسبق مؤتمر COP27 في شرم الشيخ ، مصر ، في وقت يستمر فيه تغير المناخ في إحداث فوضى في حياة الناس في جميع أنحاء إفريقيا.

دبلوماسية المناخ بين أوروبا وأفريقيا

في مقالها الذي نشره المركز الأوروبي لإدارة سياسة التنمية ECDPM، تشير الباحثة حنا كنايبين. إلى أن العديد من البلدان الأفريقية تفتقر إلى الموارد اللازمة للتعامل مع تداعيات تغير المناخ. في عالم تتزايد فيه انبعاثات الكربون، والصراعات الجيوسياسية، والتضخم القياسي، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وأزمة الديون المتزايدة.

وتتساءل: كان التعاون بين أوروبا وأفريقيا مفيدًا للعمل المناخي العالمي في الماضي. هل يمكن أن تجتمع القارتان في المفاوضات القادمة؟

تلتف حنا إلى أنه منذ عام 2019، كان الاتحاد الأوروبي “يسير على طريق وعر، لكنه لا يزال موثوقًا به لإزالة الكربون وحماية المناخ”. حيث تخصص ميزانية الاتحاد الأوروبي 2021-2027، ما يقرب من 30% على الأقل من 79.5 مليار يورو لدعم العمل المناخي، بما في ذلك التكيف. لكن “يدعو التغيير المفاجئ في موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية إلى اتهامات بالنفاق”.

تقول: الدول الإفريقية تكافح من أجل تمويل مشاريع الوقود الأحفوري. بينما يُظهر الدعم الفاتر -إلى حد ما- لأوكرانيا في الأمم المتحدة أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه تحمل ذلك. كما بدأت تظهر الآثار الدولية المستقبلية للصفقة الخضراء الأوروبية. حيث تبرز آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) التابعة للاتحاد الأوروبي لما يُنظر إليه على أنه سياسة خارجية غير عادلة ومنفردة للغاية. حيث تهدد السياسة المناخية الأوروبية التنمية الصناعية الإفريقية.

وتؤكد: تختبر الحرب ضد أوكرانيا أيضًا التزام أوروبا بالعمل المناخي العالمي. حيث تتعرض المساعدات الخارجية وميزانيات المناخ لضغوط متزايدة، مع عمليات إعادة توجيه رئيسية نحو أوكرانيا والإنفاق الداخلي من قبل بعض الدول الأوروبية. وهذا من شأنه أن يزيد من تعميق الفجوة بين العرض والطلب في تمويل المناخ العالمي.

وتشير حنا إلى أنه “للحفاظ على دوره القيادي في مجال المناخ، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إعادة بناء وحدته وإعادة التفكير في تحالفاته مع الآخرين. يجب أن نعمل مع إفريقيا، إذا تُركت هذه “التأثيرات المناخية العابرة للحدود” دون معالجة، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانهيار لجدول أعمال المناخ العالمي”.

تختبر الحرب ضد أوكرانيا أيضًا التزام أوروبا بالعمل المناخي العالمي حيث تتعرض المساعدات الخارجية وميزانيات المناخ لضغوط متزايدة

اقرأ أيضا: “حروب المناخ” و “التواطؤ الأمريكي”.. قراءات 5 خبراء عن أزمة الاحتباس الحراري

التوفيق بين الاحتياجات الإفريقية والتحديات العالمية

في حديثهما عن تشابكات ومصالح الغاز والنفط والطاقة والمناخ، يشير كلا من نجوجونا ندونج، وتيوفيل أزوماهو. الخبيران في اتحاد البحوث الاقتصادية الإفريقية. إلى أن معظم البلدان الإفريقية لا تزال تعاني من الأثر الاقتصادي لوباء COVID-19. كما أدى الجفاف في القرن الإفريقي إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية في المنطقة.

أيضا، أدت الحرب الروسية- الأوكرانية، والعقوبات اللاحقة، إلى زيادات متصاعدة في تكاليف الطاقة، واضطرابات في سلسلة التوريد والتضخم العالمي. وفي إفريقيا، أدى ذلك بشكل خاص إلى تضخم أسعار الغذاء. وفقًا لديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن الكارثة الإنسانية التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا “تتجاوز أي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية”.

ومن الناحية الجيوسياسية، لم ينقسم العالم إلى هذا الحد منذ نهاية الحرب الباردة. أدت الحرب الروسية- الأوكرانية إلى تفاقم الاستقطاب بين الشرق والغرب، وقوضت قدرة قادة العالم على الاجتماع معًا والتصدي للتحديات العالمية. ويحدث هذا الاستقطاب أيضًا في إفريقيا، مع الضغط على الدول الإفريقية للانضمام إلى جانب أو آخر، وهذا واضح بشكل خاص في التنافس بين فرنسا وروسيا في منطقة الساحل.

يرى الخبيران الإفريقيان أن COP26 “أضاع الفرصة لتعبئة البلدان المتقدمة حول تعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لتمويل المناخ بحلول عام 2020″. وأن المؤتمر المنعقد في شرم الشيخ “سيكون فرصة لإعادة تعبئة البلدان المتقدمة على التزاماتها وما بعدها”.

وقالا: إنها فرصة للبلدان الأفريقية للتحدث بصوت واحد عن عدم التناسق بين مساهمة إفريقيا في مأساة المناخ والعواقب الوخيمة التي تواجهها. يساهم حوالي 17% من سكان العالم في أقل من 4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، في حين أنها الأكثر عرضة لتغير المناخ.

ومع ذلك، فإن مثل هذا الموقف يتطلب جهودًا من الدول الإفريقية للوفاء بالتزاماتها أيضًا “لا يُفهم “التحول العادل للطاقة” بنفس الطريقة لدى الحكومات”.

لذلك، يجب “التحدث بصوت واحد”. حيث يُظهر الوضع الحالي تباينًا في الاهتمام بين البلدان. بينما يحتاج الاتحاد الإفريقي إلى اتخاذ خيارات مستنيرة مسترشدة بالأدلة العلمية في Cop 27.

تمويل الطاقة النظيفة في إفريقيا

يؤكد برونو ميشود، الباحث في CIRED، أن منظور المخاطر يلعب دورًا أساسيًا وحساسًا في القضايا المتعلقة بالمناخ وقطاع الطاقة في إفريقيا. حيث تواجه القارة حاليًا التحدي المقلق المتمثل في تغير المناخ، جنبًا إلى جنب مع مخاوف مهمة بشأن ثلاثية الطاقة، والتي تفاقمت بسبب تقلبات الأسعار بسبب عدم الاستقرار الدولي الحالي.

يقول: بينما يعاني سكانها -أي إفريقيا- من الآثار المتزايدة لتغير المناخ، لا يزال الملايين من الناس يفتقرون إلى الوصول إلى الطاقة النظيفة والموثوقة. وهو وضع يمنع الاقتصادات من الازدهار، ويتعارض بشكل صارخ مع ثراء المنطقة بالموارد الطبيعية.

يشير برونو إلى أن المستثمرين يميلون إلى الحد من الاستثمارات أو تغطية أقساط المخاطر بسبب ارتفاع المخاطر المتصورة في المنطقة. وهذا يقلل من توافر رأس المال الميسور التكلفة للمشاريع المتعلقة بالطاقة النظيفة، مع زيادة تكلفة التمويل، على الرغم من الموثوقية المستمرة والتحسين التكنولوجي في هذا القطاع.

لذلك، هناك حاجة ملحة لتحسين إدراك المخاطر للمشاريع والشركات النشطة في إفريقيا التي تتصدى لتغير المناخ. وينطبق هذا بشكل خاص على قطاع الطاقة، في وقت تنطوي فيه الإجراءات والسياسات الحكومية المصممة بشكل صحيح على التزام سياسي معقد وطويل الأجل، إلى جانب القيادة والتخطيط الفعال، لتوجيه عملية الإصلاحات وضمان تخصيص الموارد الكافية.

يضيف: فيما يتعلق بقطاع الطاقة الإفريقي، يميل المشهد الحالي عادة إلى التجزئة وإهمال بعض الحواجز. من منظور الأعمال التجارية، غالبًا ما تغطي الأدوات والآليات المستخدمة مراحل معينة فقط من دورات حياة المشروع، ومراحل التطوير المبكرة بشكل عام، وتركز بشكل أساسي على المشاريع المتوسطة والكبيرة الحجم. وبالتالي، ينبغي سد هذه الفجوة من خلال استراتيجية شاملة وشاملة لمعالجة تغير المناخ وتطوير أنظمة طاقة موثوقة وحديثة للجميع.

ويؤكد أن “نقص رأس المال المتدفق نحو القارة يمثل إحدى العقبات الرئيسية للتصدي لتغير المناخ والتكيف مع عواقبه، وكذلك لتنفيذ أنظمة طاقة قادرة على تقديم خدمات نظيفة وموثوقة لجميع سكانها”.

ومع ذلك، ظهرت مؤخرًا العديد من المبادرات والآليات التي تشارك فيها جهات فاعلة من القطاعين العام والخاص. بهدف تعزيز الاستثمار في المنطقة.

تمثل أفريقيا جنوب الصحراء أقل من 5% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بينما تمثل 15% من سكان العالم

اقرأ أيضا: ما الذي فعله قادة العالم بشأن تغير المناخ في عام 2022؟

فجوات الطاقة والتنمية في المناطق الريفية بإفريقيا

يؤكد جياكومو فالشيتا الباحث بالمعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية. أن المناطق الريفية في إفريقيا جنوب الصحراء تعتبر نقطة ساخنة عالمية للفقر، حيث تعتمد المجتمعات الريفية على زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة كمصدر رئيسي للدخل.

يقول: إن الافتقار إلى الوصول إلى مياه الري والكهرباء يجعل المزارعين بشكل خاص عرضة للضغوط المرتبطة بالمناخ، كما يهدد الأمن الغذائي للمجتمعات. وفي حين أن هناك العديد من الحواجز أمام كهربة الريف، فإن النهج القائم على الطاقة المتجددة يمكن أن يغير قواعد اللعبة.

ويلفت إلى أن “هذه القضايا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأزمة المناخ المستمرة. على الرغم من مساهمتها الهامشية في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. حيث تمثل إفريقيا جنوب الصحراء أقل من 5% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، بينما تمثل 15% من سكان العالم”.

في الوقت نفسه، يعيش سكان الريف الأفارقة باعتبارهم الأكثر تعرضًا للشعور بتأثيرات تغير المناخ.

ويشير جياكومو إلى أن القطاع الزراعي الذي يفتقر إلى الطاقة يعتبر عائقًا رئيسيًا أمام التنمية الريفية. بينما أنظمة الطاقة المتجددة اللامركزية مناسبة بشكل خاص لتحقيق كهربة سلسلة القيمة الزراعية في سياق إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

السبب، هو أن الطاقة المتجددة متوفرة على نطاق واسع، وبتكلفة منخفضة في المنطقة، وبشكل رئيسي على شكل خلايا ضوئية شمسية. أيضًا، كطاقة مائية صغيرة تعمل على توليد الكتلة الحيوية، مع طاقة الرياح، وأنظمة الطاقة الحرارية الأرضية. وذلك اعتمادًا على السياقات المحلية.

يقول: تسمح الطبيعة اللامركزية لمصادر الطاقة المتجددة بالنظر في خيار أنظمة الشبكة المحلية المستقلة، والتي لا تحتاج إلى الاعتماد على -أو أن تكون مترابطة مع- الشبكات الوطنية الرئيسية، والتي غالبًا ما تكون بعيدة عن المجتمعات الريفية، وبالتالي فهي عرضة لتقديم خدمات تزويد كهربائية غير موثوق بها.

في المقابل، هي أقل تأثراً بالصدمات الخارجية، بما في ذلك الآثار الجيوسياسية المحتملة على قطاع الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم الأنظمة القائمة على الطاقة المتجددة في تعزيز التنمية المستدامة، سواء من حيث خفض الانبعاثات، أو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.