في ليلة العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، حينما يطلق الحكم صافرة افتتاح كأس العالم 2022 بين قطر والإكوادور، ستصبح الدولة الخليجية رسميًا أول دولة عربية تستضيف الحدث العالمي، وأصغر دولة مضيفة للمونديال. والمعلومة الأخيرة تحديدًا كان لها الأثر الأكبر في انتعاش اقتصادي منتظر بدول الخليج المجاورة، وهو أثر يمتد -بشكل أقل- إلى مصر أيضًا.
مع صغر مساحة قطر، كان من الصعب أن تتمكن بمفردها من استقبال أكثر من مليون زائر، متوقع حضورهم للمونديال. إذ رغم عشرات المليارات التي أُنفقت على البنية التحتية ومنشآت الضيافة، لم تكن لتتسع لهذا العدد. لذا اتجهت الأنظار سريعًا إلى الجيران الذين تتقارب المسافات الجغرافية معهم وتقدر بنيتهم التحتية على استضافة عشرات الآلاف من المشجعين.
لكن قبل تلك الخطوة، عانت قطر من الحصار المفروض عليها من قبل الإمارات والسعودية ومصر والبحرين إثر الخلافات السياسية، ما صعّب من هدف التكامل السياحي الإقليمي في المونديال. وهكذا كان لاتفاق المصالحة “العُلا” في يناير/كانون الأول 2021 أثره في إنهاء تلك العقبة، وفتح الطريق أمام الجسور الجوية وتحسين التعاون الثنائي.
كيف ستستفيد الدوحة اقتصاديًا؟
أنفقت قطر نحو 200 مليار دولار على البنية التحتية ومشاريع تنموية أخرى منذ فوزها باستضافة كأس العالم الذي يستمر لمدة شهر، وفقًا لتصريحات رسمية. كان حوالي 6.5 مليار دولار من ذلك المبلغ لبناء ثمانية ملاعب للبطولة (خالية من الكربون ومبردة بالهواء، صممها مهندسون معماريون مشهورون عالميًا). كما أُنفقت مليارات لبناء خطوط مترو ومطار جديد وطرق حديثة وبنية تحتية أخرى.
وتلك البنية التحتية الجديدة سيكون لها تأثير فوري على الاقتصاد المحلي، بحسب موقع “المونيتور“. إذ تم بناء -إضافة إلى الملاعب- مناطق المشجعين ومواقع التدريب، ومناطق خارجية أخرى للسياح تم بناؤها من الصفر. ومع توقع أكثر من مليون زائر، سيسرع المونديال من النمو في قطاعات متنوعة مثل السفر والسياحة والضيافة والبنية التحتية. ويساعد في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، التي تستهدف ما بين ستة إلى سبعة ملايين زائر بحلول ذلك العام.
وقال خريستو عياد، المستشار في “إنسترات”، وهي منصة بحثية واستشارية مستقلة في الدوحة، لـ”المونيتور”: “ستكون البطولة بالتأكيد علامة فارقة في رحلة التنويع في البلاد نحو اقتصاد حديث قائم على المعرفة. ليس ذلك فقط، وإنما منفتح على المجتمع الدولي بشكل عام كجزء لا يتجزأ منه”.
اقرأ أيضًا: كيف تقدم مصر نفسها كدولة ترانزيت في مونديال قطر؟
ويضيف عياد “في الواقع، إن حملة قطر للاستثمار والتنمية تهدف إلى ترسيخ مكانتها كمركز للرياضة والدبلوماسية والثقافة والأعمال. وقد بدأت بالفعل (في اتخاذ تلك الخطوات) من قبل منحها فرصة استضافة المونديال عام 2010”.
وفقًا للتقارير، كان قطاع السكن والخدمات الغذائية الأسرع نموًا في قطر، بمعدل نمو سنوي قدره 29.8%، وهو ما يمثل الطلب المتزايد الذي سيشهده الاقتصاد مع نمو السياحة. “أدى كأس العالم إلى زيادة الطلب بشكل كبير على الفنادق والمطاعم والمؤسسات الترفيهية، والتي من المتوقع أن تشهد ارتفاعًا وتعززًا في الأشهر المقبلة”، يلفت تقريرلموقع Fast Company.
ناصر الخاطر، الرئيس التنفيذي للبطولة، قال إنه بمجرد انتهاء البطولة يتوقع أن “يتحول تركيز البلاد من تطوير البنية التحتية إلى السياحة ومن المرجح أن يتجه مثل روسيا ما بعد كأس العالم 2018″، في إشارة إلى مزاعم موسكو بتحقيقها نحو 14 مليار دولار أُضيفت إلى اقتصادها بعد استضافتها للمونديال.
ومن المتوقع أن ينمو قطاع الرياضة في الشرق الأوسط الأوسع بنسبة 8.7% في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة -وفقًا لبحث أجرته شركة Pwc- مقارنة بـ 3% عالميًا خلال نفس الفترة. ويرجع ذلك إلى الأحداث الرياضية الكبرى التي تستضيفها المنطقة، مثل سباقات الفورمولا 1 في أبو ظبي والبحرين والسعودية، وبطولات الجولف الدولية في أبو ظبي، وبطولات التنس في دبي.
وتشير تقارير إلى أنه من المتوقع أن تحقق الدوحة أرباحًا اقتصادية إجمالية في المونديال تُقدر بـ17 مليار دولار.
تكامل إقليمي.. والإمارات المستفيد الأكبر
تقول كارولين روز، الباحثة في وحدة الأمن البشري في معهد نيولاينز في واشنطن: “أعتقد أن هذا الحدث، بالنظر إلى أماكن الإقامة المحدودة، قد زاد بشكل عام من جهود التنسيق الإقليمي لاستيعاب هذا التدفق الكبير من السياح”. وقد قدمت السعودية والإمارات وسلطنة عمان والأردن تسهيلات لحاملي تذاكر مباريات المونديال (بطاقة “هيا”).
“لقد روجت قطر لحملتها في كأس العالم على أنها إظهار للوحدة العربية منذ البداية، واعتبرت كأس العالم فرصة لبناء الجسور بين العالم العربي والغربي”، قال خريستو عياد. وأضاف أنه سيعود بالفائدة على دول مجلس التعاون الخليجي بأكملها “فيما يتعلق بنقاط البيع الفريدة للاستثمار والسياحة والأعمال وما إلى ذلك، فإن وجهات النظر الخارجية حول المنطقة غالبًا ما ترى أن أصول قوتها الناعمة مشتركة، أو على الأقل مكملة لكل منها آخر. ونجاح كأس العالم في قطر سيكون له إيجابيات مباشرة على السمعة العامة لجميع دول الخليج”.
ومع قدوم عشرات الآلاف من مشجعي كرة القدم، معظمهم من أوروبا وأمريكا الجنوبية، ستصبح البلدان المجاورة قاعدة لكأس العالم في قطر. والأهم أن الإمارات ستكون أكثر الدول استفادة، فرحلات شركات الطيران الإماراتية حاليًا تصل إلى 45 رحلة يوميًا إلى الدوحة، ومن المتوقع أن ترتفع خلال البطولة بين 60 و80 رحلة. ما يمثل نصف إجمالي الرحلات القادمة لقطر تقريبا.
وبالطائرة فإنك تحتاج إلى 40 دقيقة فقط للوصول من دبي إلى العاصمة القطرية. في حين أن الفنادق في دبي مكتظة بالفعل، مما أدى إلى تأجيل ماراثون دبي من ديسمبر/كانون الأول من هذا العام إلى فبراير/شباط 2023.
وأشار عياد إلى أن “كأس العالم يجب أن يشهد عددًا كبيرًا من مشجعي كرة القدم الدوليين الذين يستفيدون من عروض السفر والإقامة ليس فقط للدوحة ولكن للوجهات الشهيرة الأخرى مثل دبي أو مسقط. باختصار، من المرجح جدًا أن يقود كأس العالم الحركة والأعمال بشكل كبير في قطاع السياحة خارج الدولة المضيفة”.
اقرأ أيضًا: مونديال 2022.. هكذا تسيطر قطر على مواطنيها والمقيمين
يتفق بول غريفيث، الرئيس التنفيذي لمطارات دبي، وأوضح مؤخرًا أن دبي ستكون “البوابة الرئيسية” لكأس العالم، حيث من المرجح أن يدخل قطر عبر الإمارة أكثر من عاصمتها الدوحة. وأضاف “حجم الطاقة الاستيعابية للفنادق في قطر محدود إلى حد ما ولدينا الكثير لنقدمه هنا”. وأعلنت دبي، التي تضم بالفعل عددًا كبيرًا من الفنادق، عن افتتاح أول فندق مكون من 533 غرفة على شكل كرة قدم مبني على جزيرة اصطناعية.
وقد شهد القطاع الفندقي في الإمارات ازدحامًا للغرف قبل أشهر من البطولة. وفي يوليو/تموز، ارتفعت أسعار الفنادق بنسبة 20%، حيث توقع العديد من خبراء الصناعة نسبة إشغال 100% خلال المونديال. وقالت سو هولت، المديرة التنفيذية لشركة Expat Sport: “على الصعيد الدولي، شهدنا أعلى طلب للإقامة في دبي من مشجعي المملكة المتحدة وأمريكا الجنوبية والمكسيك والهند والصين”.
“إن إقامة مثل هذا الحدث المهم في المنطقة سيقود بلا شك المزيد من الإيرادات، ولا سيما دبي. فمع عدم الحاجة لتأشيرات الدخول الآن لأولئك الذين لديهم تذاكر لكأس العالم، من المرجح أن يؤدي هذا إلى تحقيق الكثير من الإيرادات الإضافية لفنادق المدينة في مواقع رائعة (وقريبة بما يكفي من المطار). ولكننا نتوقع أيضًا نفس الشيء بالنسبة لمنافذ المأكولات والمشروبات في جميع أنحاء المدينة”، يعبّر نعيم مدد، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة جيتس للضيافة في دبي، عن توقعاته للمكاسب المنتظرة.
لكن جيمس دورسي، الباحث في العلاقات الدولية ومؤلف مدونة “العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط” يرى بُعدا آخر يُضفي مزيدًا من الإقبال على التوجه نحو الإمارات -وليس السعودية- وهو أنها “أكثر دول الخليج ليبرالية”، حيث لا يُحظر الكحول والجنس خارج نطاق الزواج والتقييد على المثليين.
“على عكس المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، لا تظهر هذه التقييدات في الإمارات، التي سهلت بشكل كبير الوصول إلى الكحول في السنوات الأخيرة ورفعت الحظر المفروض على الشركاء غير المتزوجين من جنسين مختلفين ويعيشون معًا”، يقول دورسي.
السعودية ودول الخليج الأخرى ومصر
قد تشهد السعودية ارتفاعًا في عدد الحجاج بسبب كأس العالم، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة الإشغال في مكة بنسبة 106% مقارنة بعام 2021 إذ قدمت الرياض تسهيلات للمشجعين لإقامة عُمرة. وأيضًا قد ترتفع في فنادق البحرين بنسبة 9%، والكويت بنحو 24%، والأردن كذلك بنحو 33%.
حتى إيران تتوقع طفرة في السياحة، فقد توصلت إلى سلسلة من الاتفاقيات مع قطر لاستضافة مشجعي كرة القدم. ومن خلال إبرام صفقة لربط منطقة معلومات الطيران بالدوحة (FIR) بمنطقة معلومات الطيران بطهران، تأمل الأخيرة في زيادة الإقبال السياحي على جزيرة كيش المرجانية، التي تبعد 40 دقيقة بالطائرة من الدوحة. بالإضافة إلى جزر ومدن أخرى في محافظة هرمزجان الجنوبية. كما سيتم افتتاح خط سياحي بحري بين ميناء “بوشهر” في إيران وميناء “حمد” في قطر خلال المونديال.
وستنظم الخطوط الجوية الكويتية حوالي 20 رحلة إلى الدوحة، مقابل 48 رحلة للخطوط الجوية العمانية. بينما سيصل عدد رحلات الخطوط السعودية إلى 40 رحلة كجزء من اتفاقية شركات الطيران الخليجية مع قطر لتنظيم النقل السريع.
من جانبها، تقدم المملكة العربية السعودية للجماهير تأشيرة دخول متعددة وتخطط لإقامة مهرجان سياحي في نفس الفترة؛ في محاولة لاجتذاب عدد أكبر من المشجعين. وتقول هيئة السياحة السعودية إنها تتوقع استقبال 30 ألف زائر خلال كأس العالم.
اقرأ أيضًا: انتهاكات أجور العمال في قطر.. عبودية حديثة على جناح “المونديال”
وانشأت المملكة منصة “Here For You” التي تهدف إلى تسهيل رحلة المشجعين الذين سيسافرون من أراضيها صوب قطر، من خلال توضيح المتطلبات اللازمة للراغبين في السفر برًا أو جوًا لرحلات يومية أو إقامات طويلة الأمد.
أما مصر فاتخذت إجراءات لجذب مشجعي المونديال. وأطلقت الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة مبادرة بالتنسيق مع شركات الطيران لتشجيع عشاق الكرة على قضاء جزء من إجازتهم في مدينتي الغردقة وشرم الشيخ.
وكجزء من هذه المبادرة، أعلنت غرفة المنشآت الفندقية في مصر -مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي- عن إطلاق رحلات مباشرة من الغردقة وشرم الشيخ إلى الدوحة. كما دعت الغرفة إدارات الفنادق الراغبة في المشاركة في المبادرة إلى تقديم خصم لا يقل عن 10% لمشجعي كأس العالم من حاملي بطاقة “هيا”، التي توفر تصريح دخول إلى قطر وملاعبها.
بحسب نيسيب أوغلو، الباحثة في معهد دراسات الخليج بقطر، فإنه نظرًا لتأثير البطولة على دول الخليج المجاورة، فقد أثبت الحدث العالمي أنه فرصة لتعزيز العلاقات المجتمعية وبناء الثقة بين مواطني الخليج في أعقاب اتفاقية المصالحة الخليجية التي أنهت الحصار المفروض على قطر في عام 2021.
بينما يعتقد جورجيو كافييرو، مؤسس شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها في واشنطن، أن “كأس العالم فرصة فريدة لجميع دول مجلس التعاون الخليجي للاستفادة اقتصاديًا والجمع بين مواطني دول الخليج الست، بطرق لم تكن لتصبح واقعية لو استمر الحصار المفروض على قطر”.