أعلن بيان للاتحاد الأوروبي في القاهرة توقيع اتفاق يهدف للحد من الهجرة غير الشرعية. ويتضمن الاتفاق الذي وقع نهاية أكتوبر/تشرين الأول برنامج لإدارة الحدود بتكلفة 80 مليون يورو. كما يركز على مسار الإجراءات الاستباقية للحد من ظاهرة الهجرة والتي تعد ضمن نقاط النقاش في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ “كوب 27”.
ويهدف المشروع إلى مساعدة حرس الحدود على الحد من الهجرة والاتجار بالبشر عبر الحدود. ويتضمن تمويلا لشراء معدات للمراقبة والإنقاذ.
منذ يومين فُقد 24 مصريا في مياه البحر المتوسط بعد غرق قارب للمهاجرين غير الشرعيين أبحر من ميناء أزمير بتركيا متجها إلى إيطاليا. وعلى متنه جنيسات مختلفة. بينما نجا 3 مصريين آخرين.
وذكر بيان حكومي أنه يتم التواصل مع الأهالي الذين أبلغوا عن اختفاء ذويهم.
أرقام مفزعة
شهدت موجات الهجرة غير الشرعية لأوروبا تراجعا منذ أواخر 2016. لكن بيانات أوروبية تفيد بأن خروج المصريين عبر الحدود الصحراوية الشاسعة بين مصر وليبيا ومن ساحل ليبيا على البحر المتوسط إلى أوروبا في تزايد.
وتظهر بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية أنه منذ أول يناير/كانون الثاني حتى 28 أكتوبر/كانون الأول من العام الحالي وصول 16413 مهاجرا مصريا. ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين المهاجرين. ووفقًا لوثيقة المفوضية الأوروبية فقد تم توقيف أكثر من 26500 مصري على الحدود الليبية في 2021.
هذا بالرغم من تصريحات رسمية مصرية تقول إن معدلات المهاجرين غير الشرعيين تراجعت بشكل كبير. بل ونفت وزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم عبيد خروج أي مركب غير شرعي من مصر منذ 2016.
استراتيجية تأهيل
غلظ القانون الصادر في 2016 العقوبات على المهاجرين غير الشرعيين. إذ يحمل القانون عقوبات رادعة لأشكال تهريب المهاجرين. كما تأسست اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. وأطلقت مبادرات مراكب النجاة في ديسمبر/كانون الأول 2019.
كانت هذه الخطوات ضمن استراتجية للتعامل مع قضايا المهاجرين تتضمن التوعية بمخاطرها. وما سيواجهه المهاجر. فضلًا عن توفير برامج تدريب للشباب حتى يصبحوا مؤهلين للسفر بشكل شرعي.
الهجرة بوابة أحلام
توقع الباحث الاقتصادي حسام عيد أبو نعمة أن تؤثر الأزمات الاقتصادية في هجرة المواطنين خلال الفترات القادمة.
ويقول لـ”مصر 360″ إن الأزمة الاقتصادية وتراجع فرص العمل تجعل من الهجرة بوابة أحلام.
من جهته يتوقع البنك الدولي أنه سيكون هناك 86 مليون مهاجر بسبب تغير المناخ في إفريقيا بحلول عام 2050. وقد يجد نحو 18 مليون عامل مهاجر موسمي في إفريقيا أن وظائفهم في الزراعة والتعدين وصيد الأسماك آخذة في الاختفاء. ما يزيد من احتمالات الهجرة بحثًا عن فرص عمل.
وأبلغ 30% من مواطني غرب ووسط إفريقيا والإثيوبيين عن تأثيرات بيئية في ظروفهم الاقتصادية. وهؤلاء ستكون مصر لهم إحدى بوابات الخروج كمنطقة عبور إلى الشمال.
الدلتا والفيوم
في مصر تعتبر قرى زنارة وبابل وميت خاقان وكفر الشيخ ربيع في محافظة المنوفية. إضافة إلى إبشواي بالفيوم وقرى بالمنيا وبني سويف والعياط بالجيزة. من أكثر القرى التي يهاجر شبابها عبر الأراضي الليبية وتونس إلى أوروبا. وغالبا تكون وجهتهم إيطاليا واليونان.
البيوت في بعض القرى التي يهاجر شبابها للعمل بالخارج تشبه أحياء ميلانو بنظام مبانيها الحديث. حيث شيدها عدد من أبناء القرية الذين قدر لهم النجاة في رحلة المهاجرين وعملوا كبائعين بمطاعم المدن الإيطالية.
في ذات القرية يسكن البعض عششا مبنية بالطوب اللبن في تضاد وتناقض يدفع الكثيرين للمغامرة حد مواجهة الموت في رحلات عبر البحر المتوسط. ومنهم من مات على يد عصابات التهريب بسبب اختلافات على الأموال أو لتخفيف حمولة القوارب المتهالكة.
أحمد نعيم -نقاش- يقول إنه يتمنى لو عاد به الزمن ليسافر إلى أخيه الذي انتقل إلى إيطاليا ولا يريد أن يعود حتى بعد أن تزوج من فتاة إيطالية. ووفّق أوضاعه القانونية هناك منذ سنوات وأصبح يعمل بإقامة كاملة في أحد الفنادق.
تروي نورة السيد -من تلبانة بمدينة المنصورة بالدلتا- أحزانها قائلة: “ابني سافر مع العشرات من الشباب إلى إيطاليا. وكل يوم أسمع عن قوارب غرقت وحتى الآن لا أعرف ابني عايش ولا ميت. نفسي حد يطمني على ابني أو جثته ترجع وندفنه”.
خروج للموت
(م. أ) -عاطل يقول لـ”مصر 360″: “سافرت قبل كدا ومسكوني على السواحل الليبية قبل التهريب بساعات. والسماسرة خدوا كل فلوسي ورجعت مترحل من ليبيا. ورغم كل البهدلة اللي شوفتها في رحلة الموت ورجوعي ححاول تاني وتالت. مش حقدر أكمل هنا وأعيش وأنا ميت. مفيش شغل يساعد على إني أعيش كويس”.
حسام محمد عامر -35 سنة موظف بالشباب والرياضة من قرية تطون بالفيوم- يروي لـ”مصر 360″ ماسأة أسرته التي فقدت اثنين من أبناء عمومته. هاجرا في رحلة إلى إيطاليا في يناير/كانون الأول 2021 وفُقدا على متن القارب الذي كان يقلهما مع أكثر من 14 مهاجرًا فى رحلة ذهاب بلا عودة.
ويقول أحمد الغمري -17 سنة من أبشواي بالفيوم- لـ”مصر 360″: “نفسي أسافر. تفتكر لو كملت هنا حبقى إيه، الحياة غالية زي ما انت شايف. حكون نفسي امتى وإزاي؟”.
رحلات كابوسية
يروي علي سمعان من قرية جنزور بالمنوفية لـ”مصر 360″: “سافرت إلى ليبيا عن طريق وسيط أخذ مني 100 ألف جنيه مقابل السفر إلى ليبيا. على أن يدفع هو للسماسرة نصيبهم لي لتسفيري”.
ويضيف: “احتجزت في ثلاجة قديمة ومعطلة لحفظ الموز مع أكثر من 100 شخص أغلبهم أفارقة. نخرج وقت الطعام صباحًا ومساءً والمياه مصدرها برميل في ركن الثلاجة. كل أسبوع أو 10 أيام تحضر مجموعة مسلحين يحملون بنادق آلية وخناجر بيسوقوا مننا مجموعة للتسفير عبر شاحنات مقفولة وأحيانًا يكون هناك مشادات مع المهاجرين”.
سميرة عايش من كفر الشيخ تحكي لـ”مصر 360″ مأساة ابنها الذي تحدث إليها مرة تليفونيًا من ليبيا بعدما قرر السفر سرًا إلى اليونان ومنها إلى أوروبا: “كلمني ابني في يناير اللي فات وكانت آخر مرة. قال لي كل ملابسي اللي تدل على هويتي خلعتها ولبست بدلها قديمة. ويمكن أسافر خلال 24 ساعة ادعيلي يا أمي وأنا ونصيبي ومحدش يزعل عليا لو مت. خلوا بالكم من نفسكم ومن أخواتي البنات”.
ظروف مشتركة
السفر بشكل غير شرعي إلى أوروبا يضم نكبات. فليست مصر وحدها بوابة عبور إلى جنة أوروبا. فهناك في تونس المشهد ذاته وربما بكثافة أكبر.
تقول أمل الدبيجي -تونسية تعمل حاليا في مصر- لـ”مصر 360″: “يموت العشرات كل يوم في مراكب المهاجرين التي تنطلق من سواحل المنستير ومدينة صفاقس وباقي المنافذ البحرية المطلة على البحر المتوسط”.
وأضافت: “أسوأ ما عرفته عن ضحايا هذه المراكب هو تمكن خفر السواحل التونسي من الإمساك بمجموعات تحاول الهرب على سواحل المنستير. بينهم عائلة أصغر أفرادها طفلة عمرها 4 أعوام. كانت مختبئة في القارب. هرب بها سائقه وقت مداهمة القوات فوصلت إلى شواطئ إيطاليا وتبنتها الحكومة هناك وحاولت عائلتها عبثًا استعادتها”.
مبادرة تشغيل
في أكتوبر/تشرين الأول 2016 طالب أشرف جلال -مؤسس مبادرة “شغلوهم واستغلوا طاقتهم” بتشغيل الشباب في ميادين العمل والسعي لجذب الاستثمارات المشغلة للشباب وتعليم الحرف بدلًا من تركهم ضحايا البطالة أو رحلات الموت. خاصة مع أزمات اقتصادية وارتفاع معدلات التضخم.
وأضاف لـ”مصر 360″ أن مصر تعاني من أزمات طاحنة تسبب الهجرة غير الشرعية. كما تسبب الهجرة مشكلات مع الدول الأوروبية المشاطئة على البحر المتوسط مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
أسباب الخروج
أفاد تقرير حكومي بتنوع العوامل التي تدفع إلى الهجرة غير الشرعية. منها العوامل الاقتصادية. إضافةً إلى العوامل الاجتماعية المتمثلة في ضعف أو انعدام الروابط الاجتماعية. أما عوامل جذب المهاجرين خاصةً إلى أوروبا فتتمثل في ارتفاع أجور العمال وارتفاع المستوى المعيشي وتوفر الخدمات مقارنةً بدولة المهجر.
كما رصد التقرير ثقافة التقليد السائدة بين أهالي القرى لتحقيق نموذج المهاجر الذي استطاع كسب الأموال. دون النظر لما يتعرض له من مأساة.
توقعات الهجرة
رغم جهود مكافحة المهاجرين غير الشرعيين من مصر تجاه أوروبا، من المتوقع أن تشهد مصر “تدفقات كثيفة” من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية، ذلك حسب تصريحات أوروبية.
تسعون بالمائة من المهاجرين المصريين يعودون إلى مصر بعد فترة. لأن هدفهم الرئيسي هو البحث عن فرصة عمل أفضل. ورغم خطوات للحد من الهجرة لكن لا يبدو أن الظاهرة ستتراجع. وذلك مع اتساع ثقافة الانتقال من الريف المصري واعتبار العمل بالخارج هو حل الأزمة الشخصية والعامة.