تضم قارة إفريقيا 6 دول بين الأسوأ من إجمالي 10 دول تُصنف بالأكثر هشاشة على مستوى العالم. بينما هناك عدد من الدول الإفريقية يجتمع بها أكثر من مؤشر للهشاشة؛ منها عامل التدهور الاقتصادي والأمني، إلى جانب وجود أزمة تتعلق بمفهوم الديمقراطية. ذلك في وقت لم تحقق الدول السلطوية في هذه المنطقة الرفاهية الاقتصادية أو الاستقرار الأمني على الرغم من الانفراد بسلطة باتخاذ القرار.
تعرف الهشاشة بأنها حالة ارتفاع مخاطر التدهور المؤسسي أو الانهيار المجتمعي أو الصراع الداخلي. وقد وضع البنك الدولي عدة مؤشرات لتحديد مستوى هشاشة أي دولة، تتضمن وضع الضغوط الديموجرافية، واللاجئين، والنزوح، ومعدلات الفقر والتدهور الاقتصادي، وشرعية الدولة، والخدمات العامة، وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وجهاز الأمن، والتدخل الخارجي.
وتعد كلا من الصومال وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية من الدول التي تعاني وضعًا هشًا بفعل التدهور الأمني والأزمة الاقتصادية. فضلًا عن الصراعات المسلحة. وهو أمر يدفع في أحيان كثيرة إلى تدخل قوى دولية بقوات أجنبية كأحد أدوات معالجةالوضع.
الصومال الأولى إفريقيًا
تصنف الصومال باعتبارها الدولة الهشة الأولى إفريقيًا والثانية عالميًا. وهي تعاني أزمة سياسية عميقة، كان من أمثلتها أزمة الانتخابات الرئاسية التي استمرت قرابة العامين حتى حلها بانتخاب حسن محمود كرئيس للبلاد لفترة ثانية، بعد تأجيل متكرر لعملية تنظيم الانتخابات.
ولا تزال البلاد تعاني الآثار السياسية لفترة تولي “عبد الله فرماجو”، وتتمثل في ارتفاع حدة التوتر العشائري بسبب اختلالات توزيع السلطة، ومحاولة تهميش بعض القبائل في المعادلة السياسية. هذا بالاضافة إلى انتشار الفساد، وعدم فعالية مؤسسات الدولة، التي تحتاج إلى ضبط عملها وفاعليتها.
وقد علقت خمس ولايات التعاون مع الحكومة الفيدرالية، في أغسطس/ آب، بمزاعم فشل الرئيس في تحقيق مطالبهم.
استطاعت حركة الشباب (تأسست عام 2006 كذراع عسكرية لقوى سلفية مرتبطة بتنظيم القاعدة)، ومن بعدها تنظيم داعش، استغلال الظروف الإنسانية والسياسية المتدهورة في بناء قاعدة عريضة من المتطرفين. وهو ما أضر كثيرًا بالملف الأمني؛ الضامن الأساسي لإمكانية استقرار الحكومة.
ويكشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020 -الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام- أن حركة الشباب مسؤولة عن 88% من إجمالي الوفيات في عام 2019. وفي عام 2021، ارتفعت نسبة هجمات حركة الشباب في مقديشيو إلى نحو 16%، ومع إعلان الرئيس حسن شيخ محمود الحرب على الإرهاب، تواجه البلاد هجمات إرهابية بوتيرة مرتفعة، بمتوسط 10 هجمات أسبوعيًا.
فضلًا عن الإرهاب، تشير الأوضاع الاقتصادية والإنسانية السيئة في الصومال إلى مدى هشاشة هذا البلد. حيث تدفع أغلب التقارير إلى أنه من المرجح أن تتعرض الصومال لخطر المجاعة بنهاية العام، وأن تتكرر أحداث مجاعة 2011، بما تضمنته من ارتفاع مستويات سوء التغذية ومعدل الوفيات، بالإضافة إلى تفشي الأمراض، ومنها الكوليرا.
كما أن ما يقرب من 6.7 مليون صومالي يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بسبب آثار 4 مواسم متتالية من ندرة هطول الأمطار. وهو ما تسبب فى تراجع إنتاج المحاصيل، والثروة الحيوانية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 15-20%. الأمر الذي فاقم الصراع المستمر، بينما عمقت الحرب الروسية الأوكرانية أزمة توفير الغذاء.
نتاجًا لكل هذه الأوضاع، بلغ عدد النازحين داخليًا نحو مليون شخص يبحثون عن الطعام والمراعي والمياه، وفق مؤشر النزوح. ما قد يؤدي إلى نشوب صراع على الموارد الغذائية والمائية، ومن ثم انهيار الهياكل الأسرية والمجتمعية.
الكونغو الديمقراطية
في مؤشر الهشاشة، تأتي الكونغو الديمقراطية الثالثة إفريقيًا والخامسة عالميًا، متأثرةً بعدة عوامل، أهمها ضعف الحكم وانتشار العديد من الجماعات المسلحة. الأمر الذي انتشرت معه جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي على نطاق واسع (56% منها وقعت على يد الجماعات المسلحة وفق تقارير أممية).
كذلك، يعاني شرق البلاد صراعًا مستمرًا بين 122 جماعة متمردة، مثل التعاونية من أجل تنمية الكونغو (CODECO)، والماي ماي، والقوات الديمقراطية المتحالفة (ADF)، و M23.
كما تشهد البلاد توترات مسلحة بين الجيش الوطني وحركة 23 مارس/ آذار (جماعة مسلحة متمردة تنشط في المناطق الشرقية من البلاد)، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بـ”الجيش غير النظامي”، معترفًا بأن بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (MONUSCO)، لم تعد قادرة على هزيمة هذه الحركة، المزود بمعدات ثقيلة متطورة.
ويأتي ذلك في وقت تتبادل فيه حكومتا الكونغو الديمقراطية ورواندا اتهامات دعم وتأييد الجماعات المسلحة المختلفة والاستفزاز العسكري. وكان من بين أمثلة هذا التوتر، تظاهر مئات النشطاء وجماعات المجتمع المدني في مسيرات مناهضة لرواندا، باعتبارها المحرك الرئيسي للصراع في المنطقة الحدودية الشرقية.
وفي ظل تلك العوامل، تواجه البلاد واحدة من أسوأ أزمات اللاجئين. وقد أعلن المجلس النرويجي للاجئين أن أزمة اللاجئين في الكونغو الديمقراطية هي الأكثر إهمالًا في العالم، في ظل وجود أكثر من 5 ملايين شخص في حالة نزوح، بما في ذلك 3 ملايين طفل.
ويواجه 27 مليون شخص – حوالي ربع سكان البلاد – في الكونغو الديمقراطية انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). وينتج هذا الوضع الغذائي غير المستقر في شرق البلاد خاصة، عن مجموعة من العوامل، على سبيل المثال، الاشتباكات المتكررة والعنف، إلى جانب سوء نوعية الغذاء، وانتشار أمراض الأطفال (الملاريا)، وسوء النظافة، وتقييد الوصول إلى مياه الشرب.
مستقبل الدول الهشة
يعتمد مستقبل الدول الهشة، خاصة التي تعاني أزمات مركبة، على مدى قدرة النظام على إدراك الأسباب الحقيقية وراء الأزمات القائمة. لاسيما ظاهرة الإرهاب المستفيدة من المظالم المحلية والتوترات القبلية والمستقطبة للفئات المهمشة.
وتتطلب معالجة ظاهرة الهشاشة استراتيجية شاملة ومحكمة، تقوم على هيكلة الأجهزة الأمنية، بما فيها الاستعانة بالتجارب الناجحة، وكذلك الاهتمام بالشق القانوني، والتعريف الدقيق للإرهاب والتحريض، إلى جانب الاهتمام بالإصلاح الديني والتخلص من الأفكار التي تحرض على العنف.
كذلك يجب إصلاح الترهل السياسي -وهو سمت عام في أغلب الدول الإفريقية- نتيجة قصور مؤسسات الدولة في تحقيق المصالحة الداخلية لتقريب المواقف، كما يجب حل المسائل والقضايا الشائكة بين أطراف النزاع عبر الحوار، لاسيما في الدول الفيدرالية، التي تحتاج لتعزيز العلاقة بين المركز والأطراف.
يؤثر في مستقبل دول إفريقيا أيضًا الأدوار التي تلعبها القوى الخارجية في الخريطة الجيوسياسية في القارة، حيث ينتشر الحضور الصيني في القرن الإفريقي، وكذلك القوى الإقليمية تركيا وإسرائيل وإيران، وفي منطقة الساحل والغرب يتنامى التنافس الغربي الروسي، وبعض القوى الإقليمية، وهو ما يغذي الصراع المحلي والإقليمي نتيجة دور القوى الفاعلة في تصعيد حلفائها وتوجيه الرأي العام وعقد شراكات عابرة للدول.
كل هذه العوامل تشكل معًا جرس إنذار يهدد باحتمالية وقوع مزيد من الدول الإفريقية في قائمة الدول الهشة إذا لم تعالج أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية وتقنن علاقتها بالدول الخارجية.