منذ الثورة الإسلامية التي اجتاحت إيران عام 1979، عندما تمت الإطاحة بالشاه، وقف بعض الطلاب مع الحركة التي تدعم سقوط الأسرة الحاكمة وظهور الجمهورية الجديدة، إما بحافز ديني “ما يشار إليه بالإسلاموية” أو بدافع اجتماعي “أي  الاشتراكية”. في البداية، عمل جميعهم إلى جانب المساندين للزعيم الديني آية الله الخميني. بعدها، واجه الطلاب الإيرانيون ضغوطًا من رجال الدين المتشددين، ليبتعد الطرفان فور قيام النظام الإسلامي الجديد.

بعد عقود من التشدد والسيطرة الصارخة، عادت الاحتجاجات، التي أشعلها مقتل الشابة مهسا أميني، لتشعل البلاد، ومن ضمنها أروقة الحرم الجامعي. وهو ما رصده كرستين نيب، المحرر السياسي في دويتش فيله، والذي تتركز كتاباته على الشرق الأوسط.

أظهر طلاب الجامعة تضامنهم مع تلاميذ المدارس الإيرانيين الناشطين في الاحتجاجات ونتيجة لذلك يدفعون الثمن

يقول نيب: في مقاطع الفيديو التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، يُرى الطلاب والطالبات في حرم الجامعات الإيرانية يأكلون معًا. غالبًا يفعلون هذا خارج قاعات الطعام التي يتم فيها الفصل بين الجنسين، والتي تم إغلاقها، بعد أن قام الطلاب بهدم الجدران الفاصلة بين الرجال والنساء.

أوضح نيب أن “تناول الطعام معًا أمام الكافيتريات المغلقة يعتبر فعل مقاومة. مقاطع الفيديو هي عمل احتجاجي، وتضامن مع المظاهرات المناهضة للحكومة، والمستمرة منذ شهور في إيران. في العديد من مقاطع الفيديو، يلفت المتظاهرون -الذين يحملون لافتات- الانتباه إلى زملائهم الطلاب الذين تم اعتقالهم. وبحسب تقارير إعلامية، فقد اعتقلت السلطات حوالي 300 طالب.

اقرأ أيضا: “مهسا أميني”.. زلزال يضرب إيران وارتداداته مرشحة للتمدد في الإقليم

انعدام الثقة

يتحدث المراسل الألماني عن المتظاهرين قائلا: “يبدو أنهم لم يخافوا من قمع الحكومة للمظاهرات. رددوا هتافات في جامعة شهيد جمران في الأهواز بمحافظة خوزستان الجنوبية الغربية: قد يموت طالب، لكنه لن يقبل الإذلال”. كان هذا في مقطع فيديو انتشر على الإنترنت، وتحققت منه وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس”.

أيضا، أظهر طلاب الجامعة تضامنهم مع تلاميذ المدارس الإيرانيين الناشطين في الاحتجاجات، ونتيجة لذلك يدفعون الثمن. حيث -على سبيل المثال- تعرضت تلميذات في مدرسة الشهيد صدر المهنية للبنات في طهران للضرب مؤخرًا، لمشاركتهن في المظاهرات، وفقًا لنشطاء.

ونقل التقرير الألماني عن واحدة من المنظمات الحقوقية الإيرانية: “تعرضت تلميذات من مدرسة الصدر الثانوية في طهران للهجوم وتفتيش ملابسهن وضربهن”. بينما نفت وزارة التعليم الإيرانية تقارير عن مقتل طالبة في المواجهة، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية الرسمية.

يُرجع نيب شدة تعامل السلطات الإيرانية إلى “عدم ثقة الخميني في الجامعات منذ الثورة الإسلامية”، عندما واجه الطلاب الإيرانيون ضغوطًا من رجال الخميني المتشددين. حيث شهد الطلاب كيف تم اختطاف وقتل زملائهم الذين اختلفوا مع القادة الجدد على يد قوات أمن النظام. فيما تفاقمت حالة انعدام الثقة بين الجانبين، لدرجة أن المجلس الثوري أغلق جميع جامعات البلاد في يونيو/ حزيران 1980.

جاء القرار تماشياً مع عدم ثقة الخميني بالطلاب والأساتذة. وقال وقتها: “لسنا خائفين من الهجمات العسكرية. نحن خائفون من الجامعات الاستعمارية”.

ولفت التقرير إلى أنه “في ذلك الوقت، كان النظام ينظر إلى الجامعات على أنها موطن “مجاهدي خلق (الشعب)”، الذين كانوا المصدر الرئيسي لمعارضة القيادة الإسلامية”.

ذكرى وحشية

في كتابه “فهم إيران”، كتب الصحفي جيرهارد شفايتسر، أن أنصار الخميني “أزالوا آلاف الكتب التي تحمل ميولاً معادية للإسلام من المكتبات، وطردوا آلاف المعلمين والأساتذة الذين وصفوهم بأنهم” أتباع الأيديولوجية الغربية”. لذلك، ظلت الجامعات الرائدة مغلقة لسنوات.

ينقل التقرير عن مهدي جعفري جورزيني، المحلل السياسي الإيراني المقيم في المنفى، قوله إن دعوة الخميني كانت لها عواقب وخيمة “تم شطب آلاف الطلاب قسراً. هرب البعض إلى الخارج، بينما تم القبض على آخرين وإعدامهم”.

وبينما لم يكن الخميني يرى في الأمر أكثر من نوع من” تطهير الجامعات”. لكن في جوهره “لم يكن هذا أكثر من ثورة ثقافية”، كما يقول جورزيني.

يُكمل التقرير بأنه منذ إعادة فتح الجامعات الإيرانية، تم توسيع وتحديث الجامعات باستمرار. والنتيجة هي أن لديهم الآن أكثر من 4 ملايين طالب مسجلين، وفقًا لدراسة أجرتها خدمة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD). كما ينعكس التحديث أيضًا في المساواة بين الجنسين، حيث تتجاوز نسبة الطالبات في الجامعات الإيرانية حاليًا 50%.

ووفق الدراسة نفسها، يركز نظام الجامعات الإيرانية أيضًا على ضمان الجودة وتحسينها. كما ساهم العديد من العلماء الإيرانيين الذين تعلموا في الخارج -وخاصة في الغرب- في هذا التطور. ولكن، مع ظهور الأفكار الليبرالية، أصبحت الجامعات مرة أخرى مراكز للمعارضة.

كان هذا واضحًا -على سبيل المثال- في يوليو/ تموز 1999. في ذلك الوقت، قررت الحكومة إغلاق صحيفة “سلام” الإصلاحية. عندها نزل الطلاب في جامعة طهران إلى الشوارع احتجاجًا، ثم داهمت القوات الأمنية المهاجع في الحرم الجامعي. في تلك الأزمة، قُتل طالب واحد على الأقل وأصيب المئات. وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى حركة أوسع تطالب بمحاسبة الحكومة.

قال جعفري جورزيني: “ذكرى وحشية قوات الأمن في ذلك الوقت لا تزال حية في الوسط الطلابي”.

ذكرى وحشية قوات الأمن في ذلك الوقت لا تزال حية في الوسط الطلابي

اقرأ أيضا: إيران.. “الدولة الموازية” تهيمن على الحكومة وتفقد السيطرة على المجتمع

الليبرالية والوعي

في نهاية سبتمبر/ أيلول، نشر حوالي 70 أستاذًا من جامعة طهران رسالة مفتوحة إلى الحكومة في صحيفة “اعتماد”،ووصفوا فيه بوضوح المظالم السياسية والاقتصادية للبلاد، وطالبوا بالإفراج عن جميع المتظاهرين. في الأيام التي تلت ذلك، صاغ أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأخرى خطابات مماثلة.

لذلك، يؤكد التقرير أنه “لا يزال بإمكان الطلاب الإيرانيين الاعتماد على الميول الليبرالية للعديد من الأساتذة”.

لكن، ومع ذلك، فقد أدى ذلك أيضًا إلى توسيع الصدع داخل الجامعات. حيث يشغل المقربون من النظام الأدوار القيادية داخل هذه المؤسسات.

يشير جورزيني إنه بالإضافة إلى كونهم -أي الطلاب- متعلمين جيدًا، فإن الطلاب على دراية كبيرة بالحياة خارج حدود إيران بفضل وسائل الإعلام الجديدة. قال: منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي على أبعد تقدير، كان للعديد من الشباب -بمن فيهم الطلاب- مدونات أو صفحات ويب خاصة بهم. واستخدموها للتواصل مع أشخاص في بلدان أخرى.

وأضاف: هذا أظهر لهم كيف أن الحياة خارج الحدود وأعطاهم في نفس الوقت مفاهيم أخرى للحياة غير تلك التي نشرها النظام.

وأكد أن آباءهم أخبروهم بقصص محاولات الإصلاح الفاشلة والمظاهرات والاحتجاجات الكبيرة “لكن، من الواضح لهذا الجيل أن كل شيء حتى الآن ذهب سدى، ولا يمكن أن يكون هناك حوار مع الملالي. ومن هنا الراديكالية التي نشهدها الآن”.