محمد علي الديب، تاجر تجزئة بالأرز، لا يخفي مخاوفه وهو يحكي لـ”مصر 360″ قائلا: “أنا عارضه وقلقان من مباحث التموين يصادروه عشان عايزيني أبيعه بـ12 جنيه وأنا بشتري الكيلو من تاجر الجملة بـ16.5. لكن أنا بابيعه بـ18 للكيلو للسايب و20 للمعبأ”.
هذه المخاوف تسببت في نقص المعروض من الأرز في الأسواق وأنتجت أزمة زيادة الطلب عليه من المستهلكين فيما هو موجود لكنه مخبأ.
أرفف فارغة
سمية حسين -ربة منزل- أكدت لـ”مصر 360″ اختفاء الأرز من المحال الكبيرة والسوبر ماركت. خاصة التي كانت تطرحه بكميات ضخمة. وقالت: “النهاردة روحت أشتري من سوبر ماركت شهير لقيت الأرفف فاضية مفيهاش كيس رز واحد. ولما سألت كانت الإجابة أنهم بيجيلهم كميات كبيرة يوميا لكن بتخلص على طول لأن كل فرد بقى يشتري مش أقل من 20 كيلو”.
فيما أكد “الديب” أن الأرز متوفر لكن التاجر “قلقان من العقاب والمصادرة والخسارة”. متسائلا: “كيف يشتريه التاجر من الفلاح بـ11 ألف للطن ويسلمه للحكومة بـ6600 في المضارب والمجمعات الرسمية؟”.
كانت وزارة التموين قررت أن يكون الأرز من المحاصيل التعاقدية وربطت سعر التوريد عند 6600 للبلدي رفيع الحبة و6850 لعريض الحبة. وألزمت المزارعين تسليمها طن أرز عن كل فدان بنسبة 25%. مع توقيعها عقوبات على الممتنعين عن التسليم. وذلك بهدف جمع مليون ونصف مليون طن هذا الموسم لتحقيق اكتفاء ذاتي وتأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز.
ثم أعقبت الوزارة ذلك بقرار آخر يحظر على أصحاب المضارب (أو المسئولين عن إدارتها) التابعة للقطاع الخاص غير المعتمدة من مديرية التموين المختصة وغير المتعاقدة مع الهيئة العامة للسلع التموينية بالعمل ضمن منظومة تسويق وتسلم الأرز الشعير المحلي. والسماح فقط للمضارب المتعاقدة مع الهيئة العامة للسلع التموينية بضرب كميات الأرز الموردة لحساب الهيئة تحت إشراف مديرية التموين المختصة لتوريد أرز أبيض بسعر الكيلو (12) جنيها. وحظر نقل الأرز بين المحافظات بهدف منع التهريب وضبط عملية التوريد.
ووفقا لمصدر بوزارة التموين أكد لـ”مصر 360″ أن اغلب كمية الأرز التي تم توريدها للقطاع العام هذا الموسم هي الكميات التي تم مصادرتها في عمليات التهريب بين المحافظات على الطرق. ما تسبب في نقص المعروض من الأرز بعد امتناع المزارعين عن التوريد لانخفاض الأسعار عن السوق بفارق 3000 جنيه للطن.
صعيد بلا أرز
وبحسب المصدر فإن قرار وزارة التموين بحظر نقل الأرز بين المحافظات أثر في إمدادات الصعيد والمناطق التي لا تزرع الأرز. إضافة لقرار التموين بوقف مضارب القطاع الخاص عن العمل إلا عبر المضارب التي تم الترخيص لها تحت إشراف لجنة من الوزارة لتسجيل الكميات الموردة قبل المطروح من القطاع الخاص.
وبحسب المصدر فإن سياسة الضغط على الفلاح وإجباره على التوريد بسعر محدد أقل من تكلفته وتهديده بالحبس جاء بنتيجة عكسية على السوق والمستهلك. وأعطت فرصة للمضاربة بين القطاع الخاص والعام. وبدأ القطاع الخاص في التلاعب لتعطيش السوق خاصة الشركات الكبيرة. وكانت النتيجة امتناع المزارعين عن التوريد لمضارب القطاع العام. لأن القطاع الخاص زاد السعر وطبيعي أن تكون عملية التوريد للأعلى سعرا.
احتكار الشركات
حددت وزارة التموين سعر الأرز السائب عند 12 جنيها والمعبأ 15 جنيها بناء على السعر الرسمي للتوريد. لكن الشركات العاملة في تعبئة وتغليف الأرز سحبت الأرز من الأسواق. خاصة الأسماء الشهيرة. بحجة أن تكلفة التوريد والتغليف أغلى من السعر الرسمي الذي تفرضه “التموين”.
مدير أحد فروع المتاجر الشهيرة بمنطقة المعادي قال لـ”مصر 360″: “الشركات التي سحبت منتجاتها من السوق قررت تختفي شوية من أكثر من شهرين. منتجها غير موجود عشان أول ما يرجع ثاني الناس تتقبله بأي شكل وبأي ثمن”.
ووفقا لمدير الفرع فإن هذه الشركات “تروّج لأزمة أرز مع أنه موجود لديها. ويحجمون عن طرحه في السوبر ماركت” ومع زيادة الطلب تنسحب من السوق لفترة فتخلق أزمة”. ويكمل: “فيه بدايل شركات ثانية بصراحة أنا شخصيا كنت أول مرة أسمع عنها. لكن جربتها وكانت ممتازة لكن الأزمة حاليا بسبب الإشاعات وزيادة الطلب”.
غرامات كبيرة
الأزمة سببها قرارات الحكومة الخاطئة بحسب “الديب”. فهي تريد إجبار التجار على التسليم بالسعر الرسمي. وتقوم بتشكيل لجان و كمائن في الطرق بين المحافظات. والكميات التي يتم ضبطها تصنف على أنها سلعة مجهولة المصدر وتأخذ “رقم صادر” والتموين تشتريها بـ7 آلاف للطن. فى حين أن المضارب الخاصة تشترى بـ10 آلاف. ما أدى لتراجع المزارعين عن التوريد.
وقال مؤمن سعد رزق -تاجر- لـ”مصر 360″: “ماباشتريش من وجه بحري لأنه على ما يوصلني في الصعيد هيكون بـ16 جنيه للكيلو. في حين الحكومة عايزاني أبيعه بــ15 مغلف. وبيفتشوا على المحلات اللي بتبيع أعلى من التسعيرة وبتتغرم 100 ألف جنيه فقولنا بناقص الرز”.
وأضاف أن الأرز الشعير متوفر وبكثرة: “بيتخزن فترة كبيرة من غير مشاكل”. لكن الأزمة في رأيه من ناحية أخرى في زيت “البرافين” الذي يتم به تبييض الأرز. وقال إن هذا الزيت “غير موجود وسعره ارتفع جدا لأنه من السلع المستوردة فزود هو كمان سعر الأرز”.
ويرى أحمد إسكندر “تاجر” أن الحكومة اتخذت أسوأ قرار بشكل مفاجئ عندما “قررت عدم فرض غرامات على المزارعين ممن زرعوا الأرز بشكل مخالف مقابل أنهم يوردوا نفس النسبة”. وقال: “التسعير الإجباري عمل شح في المعروض من الأرز بالأسواق وخلى سعر الإردب 1500 جنيه قابل للزيادة. وبقى فيه أزمة كبيرة عند المستهلك حيث وصل سعر كيلو الأرز الأبيض لـ20 جنيه. والحكومة يوم ما تلم مش هتقدر تجمع أكتر من 20٪ من إنتاج الموسم. ودا كمية عمرها ما تعمل أمن غذائي للسلعة. تحديد الأسعار ولعت سعر الأرز وضربت المزارع والمستهلك معا”.
وأوضح أن الأرز الذي جمعته الحكومة لتغطية حصة التموين مليون ونصف مليون طن أقل جودة. لأنه “بيتم خلط كل الأنواع مع بعضها في المجمعات الرسمية. ودا هيخلي الناس ماتشتريهوش”.
ميزة تسويقية
الدكتور شريف فياض -أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة- أوضح أن محصول الأرز يتمتع بميزة تسويقية تنافسية طول العام. فهو “سلعة استهلاكية يومية يستطيع الفلاح تخزينها بأريحية ولا يضطر لبيعه والتخلص منها كباقي المحاصيل. فهو لا يتلف”.
ورغم أن السعر الذي حددته الحكومة هذا العام يعد مرتفعا بالمقارنة بأسعار العام الماضي التي سجلت 4500 “عريض الحبة”. و4000 “رفيع الحبة”. يعتبر سعر العام الحالي منخفضا مقابل أسعار السوق الحالية والعالمية.
وقال “فياض” لـ”مصر 360″: “تحديد السعر عند 6850 جنيه للطن عريض الحبة و6600 رفيع الحبة وتجاهل أسعار السوق يهدد بفشل مستهدف الوزارة من الوصول للكمية المطلوبة من الأرز. 1.5 مليون طن. بسبب انخفاض الأسعار. فيما تجاوز السعر الحالي بالسوق الحر 10 آلاف جنيه للطن من كلا النوعين.
وطالب الجهات المعنية بالزراعة أن تتساوى أسعار تسويق المحصول المحلي للأرز بالأسعار العالمية لمواجهة تكاليف الزراعة والتي تصل إلى 17 ألف جنيه للفدان.
فدان أرز
يبين إبراهيم محمد مهدي -مزارع من الشرقية- أن فدان الأرز لا تقل تكلفته عن 16 ألف جنيه. حيث يحتاج إلى 1800جنيه حرث وتسوية للأرض وتقاوي. بالإضافة إلى 5000 لأعمال الشتل والأسمدة الكيماوية. بالإضافة إلى خمسة آلاف مصاريف رى وتنقية الحشائش وحصد وتعبئة المحصول. و4000 جنيه إيجار أرض حالة ما إذا كان المزارع مستأجرا للأرض وليس مالكها.
وقال “مهدي لـ”مصر 360″: عقب قرار الحكومة بمنع تداول الأرز قام التجار بجمعه من السوق السوداء بسعر من 9 لـ10 اآلاف جنيه وتخزينه. تخوفا من حالة شح بالموسم الجديد وبسبب الإجبار على توريده بأقل من سعره بـ3 آلاف جنيه”.
حجم الإنتاج
بلغت المساحة المزروعة من الأرز هذا العام مليون ونصف مليون فدان. تنتج نحو ستة ملايين طن أرز شعير. تنتج بدورها نحو 3.4 مليون طن من النوع الأبيض. وهي الكمية التي لا تكفي الاحتياجات المحلية فتلجأ الحكومة لاستيراد 250 ألف طن سنويًا لسد العجز بين الاستهلاك والإنتاج. ما دفعها لتعويض الاستيراد بقرار التوريد الإجباري هذا العام.
تحتاج وزارة التموين سنويا من 360 إلى 420 ألف طن أرز للبطاقات التموينية عبر طرح مناقصات محلية بأسعار مقاربة لأسعار السوق. للمضارب الحكومية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية ومضارب القطاع الخاص.
ويبين “فياض” أنه رغم معدل الاستهلاك المائي المرتفع لمحصول الأرز -6 ملايين و 750 ألف متر مكعب سنويا كافية لزراعة ثلاثة محاصيل أخرى- فإنه لا يمكن الاستغناء عنه لأنه سلعة رئيسية على المائدة المصرية. وأي محاولة لتعويضه بالاستيراد ستكون مكلفة أكثر خاصة في ظل التضخم العالمي.
وذكر أن حجم الإنتاج سنة 2020 بلغ 4.8 مليون طن. صدرنا نحو 109 آلاف طن واستطاعت مصر تحقيق اكتفاء ذاتي من الأرز بنسبة 98% خلال السنوات الأخيرة. رغم تحديد المساحة بــ724 ألف فدن فقط سنويا لتقليل استهلاك الماء. مشيرا إلى أن حجم المساحة الفعلية التي يتم زراعتها ضعف المساحة المحددة. حيث تتجاوز مليون ونصف مليون فدان سنويا “زراعات مخالفة”. فالمزارع يفضل دفع الغرامة وزراعة الأرز لأنه من المحاصيل الاقتصادية التي لا تحتاج إلى مجهود وذات عائد اقتصادي جيد.
الإنتاج يكفي
يقول الدكتور حمدي موافي -رئيس المشروع القومي لتطوير إنتاج الأرز الهجين بمركز البحوث الزراعية- لـ”مصر 360″ إن الأرز محصول غذائي استراتيجي في مصر تنعقد عليه آمال كبيرة في حل مشكله نقص الغذاء. علاوة على دوره الحيوي في إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتوفير فائض خاص للتصدير.
وأشار إلى أن حجم الإنتاج الزراعي من الأرز يكفي الاستهلاك المحلي. فالفدان ينتج نحو 4 أطنان من الأرز بإجمالي نحو 4.4 مليون طن وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فيما يبلغ حجم الاستهلاك المحلي 3.2 مليون طن.