ربما يكون من اللافت في قمة شرم الشيخ للتغير المناخي بروز التحالف الإفريقي للعدالة المناخية، هذا التحالف يعد من أهم التحالفات الفاعلة منذ عقد تقريبا على مستوى منظمات المجتمع المدني في مجال تغير المناخ، وقد يكون أخد أهم الأصوات الإفريقية في هذه المرحلة التي يمكن أن تمارس ضغوطا من أجل حصول القارة الإفريقية على الدعم الدولي التمويلي الموعودة به من أجل مكافحة تداعيات تدهور المناخ، الذي لم تكن فاعلة فيه، ولكنها للأسف تجني أسوأ نتائجه من تصحر وجفاف وربما الأكثر إيلاما على المستوى الإنساني هو الجوع.
يضم التحالف الإفريقي للعدالة المناخية أكثر من 1000 منظمة من 48 دولة إفريقية تجمع أعضاءً متنوعين من المنظمات الشعبية، والمنظمات المجتمعية، والمنظمات الدينية، والمنظمات غير الحكومية، والصناديق الإنمائية، والمؤسسات، ومجتمعات السكان الأصليين، والمزارعين ومجموعات الرعاة مع رؤية مشتركة للنهوض بنهج محوره مصالح الناس، الذين يواجهون بصدور عارية ظواهر الفيضانات والتصحر فيفقدون ما يملكون وينتقلون من أماكنهم المحلية فيما يسمي النزوح البيئي.
التحالف الإفريقي بدأ عمله قبل عقد تقريبا ودوافعه هو حالة القارة الإفريقية، ومدى التحديات التي تواجهها بسبب التغيرالمناخي، فإفريقيا تتعرض لمخاطر وجودية بسبب الإحترار العالمي، ذلك أنه في الوقت الذي يشكل فيه ذوبان الجليد عند خطي القطب الشمالي فتح فرص هائلة أمام الاستثمار الزراعي لدول الشمال، فإنه ينتج ظاهرتي الجفاف وتقلبات في معدلات تساقط الأمطار، وهو من الملاحظ في دول حوض النيل خلال الفترة الأخيرة، حيث أن بعض مناطق نهر النيل قد جفت في بعض دول منابعه.
وطبقا لأدبيات الدراسات البيئية، فإن هذه الظواهر سوف يكون لها عدد من التداعيات، منها مثلا أنه في الوقت الذي يتعزز فيه الأمن الغذائي لدول الشمال، فإن المجاعات ونقص الغذاء سيكون من نصيب دول الجنوب، ولعل ذلك قد انعكس في إفريقيا، التي يعاني فيها 17 مليون شخص من المجاعة، خصوصًا في مناطق شرق إفريقيا وبين دول الساحل.
كما تنعكس آثار تغير المناخ على السلام الاجتماعي في دول وسط إفريقيا، حيث كانت ظاهرة الجفاف وانخفاض خط إقليم السافانا معطيات أساسية في بروز صراعات مسلحة، خصوصًا في منطقة وسط إفريقيا بين الرعاة الذين يضطرون للإغارة على المزارعين من أجل توفير الغذاء لمراشيهم، وغالبًا ما تكون هناك فروقًا إثنية بين الفريقين، وهو ما يعمق من حدة الصراعات ويجعلها مهددًا لاستقرار الدول، ومن ذلك حدوث صراعات قبلية في كل من نيجيريا ومالي فضلًا عن صراع دارفور، الذي كان أحد معطياته هو التصحر والجفاف إلى جانب معطيات أخرى.
ويمكن القول بارتياح أن ظاهرة تغير المناخ مسئولة جزئيًا عن ظاهرة النزوح الداخلي في إفريقيا، والتي يتجاوز حجمها ٢٣ مليون نسمة، حيث يهجر السكان مناطقهم المحلية بحثًا عن الماء وهربًا من ارتفاع معدلات الرمال حول بيوتهم، ولعل الهجرة من شواطئ بحيرتي السنغال وتشاد وكذلك بحيرة فيكتوريا بما عكسته من تأثير بجفاف أجزاء ضئيلة من نهر النيل، يعد تجسيدًا لما يطلق عليه الهجرة البيئية.
على المستوى الصحي، فإن لظاهرة الاحترار تداعيات على انتشار بعض الأمراض منها الملاريا التي توسع انتشارها في كينيا مؤخرًا من ثلاث بؤر إلى ثلاثة عشر، وهناك تحذيرات من منظمة الصحة العالمية بتأثر كل من تنزانيا وروندا بهذه الظاهرة بسبب انتقال العدوى.
في هذا السياق، فإن الاتحاد الإفريقي يعد ظاهرة التغير المناخي هي من أهم التحديات التي يواجهها كمؤسسة قارية تسعي لاستقرار دولها، وهو ما يجعل الظاهرة ترقي لمستوى تهديدات الفقر والحروب، وعلى ذلك فقد بلور الاتحاد موقفه من الظاهرة في الاستراتيجية الإفريقية لمواجهة التغير المناخي، وهي الاستراتيجية التي تم الإعلان عنها عام 2014، للمشاركة في مؤتمرات، ومفاوضات تغير المناخ العالمية، بما يعني في التحليل الأخير بلورة وحدة الموقف الإفريقي إزاء التعامل مع هذه الظاهرة، والضغط من أجل حصول إفريقيا علي تعويضات تغير المناخ من الدول الصناعية الكبرى التي تسببت أصلا في حدوث ظاهرة الاحترار العالمي.
وطبقا لهذه التحديات، فإن أدوار التحالف الإفريقي من أجل العدالة المناخية تبدو مهامها قد تبلورت في إطار ثلاث محاور؛ الأول الضغط بكل الوسائل لضمان حصول الدول الإفريقية على تمويلات وعدت بها الدول الصناعية من أجل مكافحة ظاهرة التغير المناخي، خصوصا وأن 62% من الاستثمارات الإفريقية للتحول عن الطاقة الإحفورية هي قروض، بما يكبل الاقتصادات الإفريقية بمزيد من الأعباء.
أما المحور الثاني فهو تسهيل توطين التكنولوجيا اللازمة لدعم عمليات الإنذار المبكر بالكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ، ولعل عجز كينيا عن توفير آليات التنسيق بين مراصدها الجوية وتحديثها مثال على طبيعة هذا التحدي.
أما المحور الثالث فيتعلق بدعم الحكومات في التحول نحو الأخضر عبر سياسيات بديلة عن السياسيات الحالية يتم فيها الاستفادة من الطاقة المتجددة كبديل عن الطاقة الإحفورية المعتمدة على النفط والبترول، خصوصا وأن إفريقيا تملك من مصادر الطاقة المتجددة ما يجعلها أقل تضررا من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما يمكنها أيضا من تصدير بعض من هذه الطاقة مثل الطاقة الشمسية.
وبطبيعة الحال، فإن عمليات التدقيق والمتابعة من جانب منظمات المجتمع المدني لضمان الشفافية ومكافحة الفساد فيما يتعلق بإدارة المنح العالمية لإفريقيا في مجالات مكافحة التغير المناخ هو فرض عين على التحالف الإفريقي للعدالة المناخية وغيره من منظمات المجتمع المدني.
وفي هذا السياق، فإن هناك بعض الأنواع من الطاقات المتجددة التي يجب التحول سريعا لها في إفريقيا، وذلك عبر السعي لتأمين الاستثمارات اللازمة لهذا التحول، ومن أهم هذه الطاقات الطاقة الشمسية التي تعد الأكثر وفرة، حيث أن معظم البلدان في الشمال الإفريقي وفي جنوب الصحراء هي ضمن ما يسمى بالحزام الذهبي Golden Belt.
أما النوع الثاني من مصادر الطاقة المتجددة فهو الطاقة الحرارية الأرضية Giothermal (الجيوسيرمال)، وهي الطاقة الموجودة في الإخدود الإفريقي العظيم، والذي ينطلق من زامبيا حتي مصر، واستفادت منه كينيا في إنتاج 500 جيجا من الكهرباء سنويًا، بينما لا تستخدمه دولة مثل إثيوبيا أو السودان اللتان تملكان آبارا للطاقة الحرارية المنبعثة من الأرض، ولم تستثمر مصر في هذه الطاقة بعد وهي الموجودة بمنطقة حمام فرعون بسيناء.
وأخيرًا، فإن طاقة الكتلة الحيوية من أهم أنواع الطاقات التي يمكن توظيفها في إفريقيا، حيث يشير مصطلح “الكتلة الحيوية” إلى النفايات النباتية والحيوانية التي يمكن تحويلها إلى وقود وطاقة للنقل. ونذكر من مصادر الكتلة الحيوية الصالحة لتوليد الطاقة، على سبيل المثال، محاصيل الطاقة مثل التبن وحطب الذرة (أي السيقان والأوراق) والنفايات الزراعية المتخلفة عن الحصاد، والروث، وقش القمح والأرز، والقمامة المنزلية، والنفايات النباتية والحضرية، حيث يتم تحويلها إلى شكل فيزيائي مختلف ينتج عنه توليد مصدر جديد للطاقة، مثل تحويل المخلفات الزراعية إلى كبسولات (اصبعيات) من السليلوز، يتم عند الحاجة حرقها بحيز محدود من الأوكسجين.
إجمالًا يبدو أن إفريقيا أمامها طريق طويل للتعافي من ظاهرة تغير المناخ، حيث ستحوز قضايا القارة قسمًا من اهتمامات مؤتمر شرم الشيخ COP 27.