تحتل النساء الصفوف الأولى في مواجهة التغيرات المناخية. فهن الأكثر تضررا من آثارها السلبية، خاصة العاملات الزراعيات لكونهن الأكثر عرضة للكوارث الناتجة عن ارتفاع درجات حرارة الأرض والاحتباس الحراري.
كما تزداد بيئة العمل في القطاع الزراعي سوءا أمام النساء، خاصة تحت أشعة الشمس الحارقة أو خلال البرودة القارسة. أو أثناء هطول الأمطار والتعرض للفيضانات والسيول، سيما أثناء الوصول إلى مواقع العمل بوسائل نقل غير آمنة.
ووفق بيان الأمم المتحدة الصادر في اليوم العالمي للمرأة مارس/آذار 2022، فإن النساء أكثر عرضة لتأثير التغير المناخي أكثر من الرجال، لكونهن يُشكلن الغالبية العظمى من الفقراء حول العالم. كما يؤدي تغير المناخ إلى زيادة نسب تعرضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي. إذ يعود ذلك إلى أنه في مختلف أنحاء العالم تتحمل النساء مسئولية غير متكافئة فيما يتعلق بتأمين الغذاء والماء والوقود، وهي المهام التي تُصبح أكثر صعوبة واستهلاكا للوقت في ظل التغيّر المناخي.
“في المقابل هناك ضعف كبير في البرامج الاقتصادية والصحية والاجتماعية الداعمة لهؤلاء العاملات في المجتمعات المحلية. ما رفع سقف التحديات أمام قدرتهن على تحمل آثار أزمات البيئة والمناخ. تلك الأزمات التي تحتاج دعما صحيا واجتماعيا وتدريبا وتأهيلا، يعزز آليات مواجهة التغير المناخي”. وفقا لمنى عزت استشارية التمكين الاقتصادي والنوع الاجتماعي.
التطرف المناخي
وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لمكافحة التغير المناخي “COP 27” في شرم الشيخ، ناقش مركز القاهرة للتنمية والقانون “أثر التطرف المناخي علي العاملات الزراعيات صحيا واقتصاديا” وأوضاعهن في مصر، والحقوق الغائبة عنهن، ومنها الحق في التأمين الصحي والاجتماعي، بالإضافة إلى أولويات مواجهة التطرف المناخي، وآثار ذلك على قضايا العنف ضد النساء.
استشاري التمكين الاقتصادي منى عزت قالت خلال الندوة، إن هناك العديد من الأضرار الصحية الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة على العاملات الزراعيات. وزيادة معدلات حرائق المخلفات الزراعية، التي يمكن أن تتضاعف آثارها السلبية على النساء في فترات الحمل وما بعد الولادة. بالإضافة إلى آثارها السلبية على الأطفال، من خلال الإصابة بالأمراض التنفسية والجلدية.
وبحسب “عزت” تتغير العادات الغذائية الصحية بسبب المشكلات الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ. ما يؤدي بتلك الأسر لبدائل غذائية أرخص، وأقل في القيمة الغذائية. وبالتالي معاناتهن وأسرهن من الأمراض الناتجة عن البدانة، وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري.
نسبة العمالة الزراعية
تبلغ نسبة الأيدى العاملة في الزراعة 20.62% من إجمالي الأيدي العاملة للنساء والرجال، وتبلغ بين المشتغلين بها من الرجال 20.46%، بينما تمثل النساء بها 21.21% بحسب مركز القاهرة للتنمية والقانون.
“عزت” أكدت أن أغلب الإحصائيات حول العمالة الزراعية، تعد استرشادية من البنك الدولي لعام 2019، لكوّن العاملين في الزراعة ضمن العمالة غير المنتظمة. أو هؤلاء الذين يخضعون لساعات عمل غير محددة، وليس لديهم عقود تضمن حقوقهم، أو ذات طابع موسمي طبقا لتعدد مواقع العمل.
النساء في التشريعات
على المستوى التشريعي فإن دستور 2014 نص على وجود تأمين صحي على العمالة الزراعية والحماية الاجتماعية لغير المنظمين. كما شملهم قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018 لتغطية كل الأسرة. أيضا فإن القانون رقم 148 لسنة 2019، ينص على أن تقوم الدولة بدفع حصة صاحب العمل، ما اعتبرته “عزت” مكسبا لتوسيع الحماية للعمالة التي ليس لها أماكن عمل وساعات عمل محددة.
لكنها بينت أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، استثنى العاملات الزراعيات، من لائحة تشغيل النساء، فيما يخص تحديد عدد أيام الإجازات في حالة الوضع وساعات الرضاعة. أو توفير دور الحضانة. ورغم أن المادة 213 لسنة 2017 تنص على تأسيس نقابة للعاملين في الزراعة لكن لا يوجد تنظيم نقابي حتى الآن يضم العاملين في مجال الزراعة البحتة يدافع عن حقوق العاملين فيه، رجال أو نساء.
انتصار السعيد المحامية بالنقض، ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون أكدت ضرورة ووجوب أن يشمل التأمين الصحي والاجتماعي العمالة الزراعية لكونهم في الصفوف الأولى في مواجهة التغيرات المناخية، لأنهم خارج مظلة التأمين الاجتماعى والصحي وأكثر عرضة للآثار السلبية الناتجة عنها، خاصة العاملات الزراعيات لكونهن الفئة الأكثر هشاشة.
العنف
بالعودة إلى منى عزت استشارية التمكين، قالت إن التمييز في الأجور بين النساء والرجال، يعتبر أحد أشكال العنف التي تمارس في مواقع العمل الزراعي. لكنها أوضحت أن التمييز في الأجور في هذا القطاع يأتي وفقا لطبيعة تقسيم المهام ونظرة المجتمع لهذه المهام وعدد ساعات العمل والورديات والأعمال الشاقة التي تسند للرجال. إذ أن أغلب أدوار النساء في الزراعة تنحصر في جمع المحصول ونقله إلى سيارات النقل.
كذلك لفتت إلى أن كثيرا من هؤلاء النسوة خاصة العاملات في المزارع الكبيرة الممتدة على الظهير الصحراوي بين المحافظات، لا تتوفر لهن مواصلات آمنة. إذ يتم “تعبئتهن” في سيارات نقل أو “تروسيكلات” عن طريق مقاول أنفار، ما يعرضهن وأطفالهن للسقوط والانزلاق، إضافة إلى الاضطرار للسير أوقات طويلة تحت أشعة الشمس ونوبات البرودة القارس، ما يجعلهن عرضة للإصابة بضربات الشمس ونزلات البرد.
أيضا خلال فترات الحمل تضطر بعضهن إلى حمل الأقفاص الثقيلة، ما يعرضهن للإجهاض أو النزيف. كما أنهن لا يستطعن الاعتراض داخل مواقع العمل، حيث يتم خصم الأجر.
أمراض مهنية
من أكثر الإمراض المهنية نتيجة الظروف القاسية التي تتعرض لها العاملات بالزراعة، حالات الإغماء وضربات الشمس وأمراض الكلى والمسالك البولية، لعدم توفير دورات مياه فيقضون حاجاتهم في الخلاء. وخوفا من تعرضهن للانتهاك، تضطر الكثيرات لتحمل تأجيل “قضاء الحاجة” لساعات طويل ما يؤدي للإصابة بالفشل الكلوي إضافة إلى أمراض وخشونة فقرات الظهر ومفاصل القدمين نتيجة الانحناء لساعات طويلة.
ومع عدم توافر الخدمات الصحية في بيئتهن يصبح الأمر أكثر تعقيدا للعاملات الزراعيات بحسب “عزت”. خاصة بسبب التدخلات المجتمعية التي لا تسمح بتمكينها من وسائل علاجية. إذ لا يسمح للمرأة غالبا أن تكشف على طبيب رجل ما يمكن وصفه بـ”انعدام وسائل التحقق الخدمي والصحي في تلك المجتمعات”.
وبسبب غياب وسائل تطوير الوعي وارتفاع معدلات الأمية، زادت المهن الهامشية والإنجاب والاعتماد على المرأة في الإنفاق. ووصل الأمر بحسب “عزت” إلى أنه في بعض قرى محافظة أسيوط تعمل النساء في مزارع مخدر “البانجو” للإنفاق على مزاج الرجل أولا والأسرة ثانيا.
العنف الجنسي
تتعرض العاملات بالزراعة للتحرش الجنسي واللفظي بألفاظ جنسية واضحة. وفي حالات كثيرة يحدث ذلك أثناء اصطحابهن لأبنائهن للعمل. ولا تستطيع العاملة الدفاع عن نفسها ما يشكل ضغطا نفسيا كبيرا. وقد تلجأ بعض النساء العاملات الزراعيات خاصة الفتيات صغيرات السن، للعمل تحت قيادة قائد “طبيعي” من البيئة المحيطة بها مثل السيدات الكبيرات في السن لحمايتهن من الاعتداء والتحرش وفقا لـ”عزت”.
أكثر عرضة للفقر
ومن المخاطر المتوقعة نتيجة التطرف المناخي أيضا وفق المحامية انتصار السعيد ، قيام العديد من الأسر نتيجة للكوارث الطبيعية الناجمة عن تطرف المناخ وبالتالي التأثير السلبي على موارد الدخل والأعمال، بتزويج بناتهم بالإكراه، لتخفيف الضغوط الاقتصادية الملقاة على كاهل الأسرة، وبالتالي تسرب الفتيات من التعليم.
أيضا يؤدي الأمر إلى ارتفاع احتمالات حدوث العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. حيث إن النساء يمثلن النسبة الأكبر من العمالة الزراعية، ومع التأثير الكبير للتغير المناخي على الزراعة، فإن كثيرات منهن يفقدن وظائفهن، ويصبحن أكثر عرضة للعنف المنزلي. كذلك تتحمّل النساء متاعب كبيرة مرتبطة بالأدوار الاجتماعية المفروضة عليهن في رعاية أسرهن.
كما أكدت “السعيد” أهمية العمل من أجل تخفيف تلك الأضرار على النساء من خلال تمكين الفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا، وإيجاد بيئة تشريعية منصفة للنساء، وإعادة هيكلة النظم الصحية حتى تصبح أكثر قدرة على الصمود أمام الكوارث المتزايدة لتغير المناخ.
مواجهة المخاطر
واتفقت استشارية التمكين “عزت” ورئيس مجلس أمناء مركز القاهرة للتنمية والقانون “السعيد” على أن التغيرات المناخية ستحد من مجالات العمل التقليدية للنساء، إذا لم يتم التدريب والتأهيل على استخدام الميكنة، وطرق الري الحديثة، والتحول نحو التصنيع الزراعي، حيث ستكون فرص العمل محدودة ما يمكن اعتباره أحد أشكال العنف التي تتعرض لها العاملات بالزراعة نتيجة التغيرات الاقتصادية التي تجعل العاملات الزراعيات أكثر فقرا. إذ لابد من تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية ولابد أن يكون المجتمع قادرا على ترجمتها بتوسيع عمل النساء في مشروعات إنتاجية تأمينية لتحسين فرص الإنتاج.
أيضا أكدا ضرورة إطلاق الحق في تنظيم النقابات، لإتاحة الفرصة للدفاع عن العاملات الزراعيات، وتقنين أوضاعهن وخلق عقود عمل ضامنة للحقوق وعلى رأسها قيمة الأجر والإجازة. وعمل تنظيمات اقتصادية داعمة مثل التعاونيات يسهل تنظيمها.
ويمكن الإشارة إلى تجربة دولتي المغرب وتونس، حيث تمكنت النقابات هناك من توقيع برتوكول تعاون مع الشركات الزراعية للحصول على إجازات وضع للعاملات الزراعيات، ووقف تصنيفها على أنها عمالة موسمية.