الجريمة الاقتصادية في مفهومها العام تعني الإخلال بالنظام الاقتصادي. ويمكن تعريفها بأنها كل عمل أو امتناع عن عمل يقع مخالفا لمجموعة القوانين الاقتصادية.

ويختلف مفهوم الجريمة الاقتصادية من بلد إلى آخر، ذلك بحسب النظام السياسي القائم فيها. والدول جميعا وبصرف النظر عن النظام الذي تدين به، تولي عناية خاصة بتنظيم اقتصاداتها بجوانبه المختلفة، من أجل تحقيق ما يطلق عليه اليوم بالأمن الاقتصادي، الذي له صلة وثيقة بسيادة الدولة وبهيبتها في نظر مواطنيها.

الدولة وهي بصدد تنظيم اقتصادها تتخذ نوعين من الإجراءات؛ الأول يتمثل بوضع قواعد منظمة للعملية الاقتصادية، والإجراء الثاني يتمثل بوضع قواعد تنص على تجريم الأفعال الماسة بالاقتصاد. ويستوي أن تكون هذه النصوص واردة في قانون العقوبات أم في القوانين الخاصة الأخرى.

وتسمى هذه الأفعال بالجرائم الاقتصادية، وهي باعتبارها تنظيما قانونيا، شأنها في ذلك شأن أي جريمة أخرى تقوم على تكامل ركنيها المادي والمعنوي، واقتران حدوثهما وقت ارتكابها في وقت واحد. ولكن لهذا النوع من الجرائم في بعض الجوانب خصائص تميزها عن الجرائم التقليدية.

ومن هذه الخصائص وصف أغلبها بأنها جرائم قانونية يخلقها المشرع وحدة ويعاقب عليها من أجل حماية الأنظمة المختلفة التي تحدثها الدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. وبالتالي، فهي تختلف عن الجرائم التقليدية القائمة على العدوان وانتهاك القيم الأخلاقية الثابتة التي يحرص المجتمع على صيانتها، ومن أمثلتها القتل والسرقة والجرح والنصب.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنه نظرًا لأهمية الجرائم الاقتصادية في دعم السياسة الاقتصادية وخطط التنمية في البلاد نجد توسع المشرع في نصوص السلوك المجرم، وخروجه في بعض الأحيان من مجال القواعد العامة المقررة في قانون العقوبات، والأحكام التي تخرج عن القواعد العامة تتسم عادة بطابع الشدة في مجال التجريم أو المسئولية. وهذا ما جوزته الحلقة العربية الاولى للدفاع الاجتماعي في التوصية الأولى عندما أجازت النص في القوانين الخاصة على مبادئ معينة تخالف الأحكام العامة في قانون العقوبات، وعند عدم وجود نص مخالف يعمل بالأحكام العامة في قانون العقوبات.

وتدخل التشريعات الجنائية في الميدان الاقتصادي يعد أمرا ضروريا، وذلك حتى يمكنه من حماية الاقتصاد العام للدولة من ناحية وملكيات الأفراد من ناحية. كما أنه يضمن حسن تصرف المواطنين فيما بينهم في المجالات الاقتصادية.

ويكتسب قانون العقوبات الاقتصادي أهمية دراسته من الآثار التي تسببها الجرائم الاقتصادية على النمو الاقتصادي والقطاع الضريبي والإنفاق الحكومي، وكذا تأثير هذه الجرائم على سوق الأوراق المالية، فقد ظهرت فكرة قانون العقوبات الاقتصادي مع بداية الحرب العالمية الأولى، فخلال هذه الحرب عرف العالم نظام التسعير للمواد التموينية وتوزيعها بالبطاقات أثناء الحرب. وكنتيجة للحرب تعرضت اقتصاديات الدول للتصدع وأدت بها الحرب إلى فقدانها جزءا كبيرا من وسائل الإنتاج ومن قوتها العاملة.

وفي ظل العولمة وهيمنة التجارة العالمية على الأقطار كافة، وبسبب عوامل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي يشدها العالم وستترتب عليها بلا أدنى شك أنواع جديدة من الجرائم الاقتصادية وستنشط الجريمة المنظمة التي تشمل أنماطا وأنشطة منحرفة هي بحد ذاتها جرائم اقتصادية خطيرة؛ ففي المسح الذي أجرته الأمم المتحدة عام 2012 عن اتجاهات الجريمة المنظمة التي تضمنت عددًا من الجرائم الاقتصادية كغسيل الأموال وتهريب المخدرات واختراق قطاع الأعمال المشروع والإفلاس بالتدليس والغش والفساد ورشوة الموظفين العموميين وجرائم الحاسب الآلي وسرقة الملكيات الفكرية والاتجار غير المشروع في الأسلحة وفي النساء والأطفال والاتجار غير المشروع في الأعضاء البشرية وسرقة المقتنيات الفنية والثقافية والغش في التأمين، ومع التقدم السريع والثورة التكنولوجية الهائلة سوف تظهر أنماط وصورة جديدة للجرائم الاقتصادية.

ولما كان القانون الجنائي يهتم بحماية المصالح الأساسية للمجتمع الإنساني، فإن من أهم هذه المصالح حماية المال من جرائم الاعتداء عليه سواء كان المال عاما أو خاصا.

وباستقراء نصوص التشريعات الاقتصادية تتضح سياسة المشرع تجاه حماية المال العام من العبث بوصفه جرما جسيما، وتطبيقا. لذلك فقد نص المشرع على جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر والاستيلاء عليه بأي صورة أخرى، ومن بينها أيضًا تقاضي عمولات عن صفقات أو غير ذلك من الأفعال. وقد فرضت عقوبات جسيمة لمنع العبث بالمال.

ومن أهم الجرائم الاقتصادية جرائم الفساد واختلفت النظم السياسية في شأن محاسبة المسئولين السياسيين وكبار الشخصيات في حالة انحرافهم بالمسئولية المنوطة بهم وفساد ذممهم. إذ تجنح بعض النظم إلى الاكتفاء بالتطهير أو الجزاء الإداري والإقالة في حالة شؤون الاتهام بالانحراف والفساد، بينما تأخذ دول أخرى بنظام الجمع بين العقوبة الجنائية والجزاء الإداري مهما كان مركز الجاني الوظيفي، وذلك إعمالا لمبدأ ”سيادة القانون” الذي يعتبر أصلا من الأصول التي تقوم عليها الديمقراطية.

كما يعد من أهم أنواع التجريم الاقتصادي الجرائم المرتبطة بتسعير السلع، وتبدو أهمية هذا النوع من التجريم في أحوال تردي الأحوال الاقتصادية العامة وانهيار قيمة النقود، أو ما يسمى بالتضخم، وهو ما ينتج عن أحوال استدانة الدول أو عدم كفاية مواردها، حيث يبدو دور الدولة جليا في هذه الأحوال لضبط السوق، ومنع استغلال الاحتياجات الشعبية، ومنع احتكار السلع خصوصا في أوقات الأزمات الاقتصادية، وندرة الموارد أو حالات انتشار الفقر وتردي الأحوال الاقتصادية العامة.

ولعل من المهم أن نشير هنا إلى أن مشكلة الثمن العادل تمثل إحدى تطبيقات العدالة في العلاقات الاقتصادية، وليس من شك في أنه يحدث تستر من الجمهور عن بعض جرائم الأسعار، ولكن هذا التستر راجع إلى استسلام الجمهور للاستغلال الذي يقعون فريسة له، الأمر الذي قاد بعض التشريعات إلى توقيع العقوبات على من يقوم بمثل تلك الجرائم. ولابد أن يكون لسلطات الدولة دور في مثل هذه الأحوال سواء من حيث تشديد الرقابة على الأسواق أو التدخل بتوفير السلع على نحو يجعلها في متناول المواطن البسيط.