في الثلاثينيات من القرن الماضي، خاض أعداء المستقبل في الحرب العالمية الثانية -ألمانيا النازية وحلفاؤها الإيطاليون من جانب، والاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين من جانب آخر، حربًا بالوكالة. حيث كانت الحرب الأهلية الإسبانية بمثابة اختبار للعديد من التقنيات والتكتيكات المستخدمة في الحرب العالمية اللاحقة، وخاصة القصف الجوي للأهداف المدنية والعسكرية.

اليوم، يشير عدد من الخبراء إلى أنه يتم استخدام الصراع في أوكرانيا من قبل إيران للأغراض نفسها وقد تمت إضافته إلى بيئات التدريب الأخرى لنظام الملالي (إشارة لحكم رجال الدين في طهران). مثل لبنان، والعراق، واليمن، ودول الخليج، وغزة، وحتى ممرات الشحن الدولية.

متظاهرون ينددون باستخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية أمام السفارة الإيرانية في وارسو ، بولندا ، أكتوبر/ تشرين الأول 2022

في تحليلهما، يشير مايكل نايتس زميل برنشتاين في معهد واشنطن، وأليكس الميدا محلل الأمن الرئيسي في شركة استشارات مخاطر رائدة. إلى أنه -كما في الحرب الأهلية الإسبانية- ستتعلم القوى العظمى اليوم بعض الدروس من أوكرانيا بشكل صحيح، وتسيء تفسير البعض الآخر. حيث يقدم استخدام هذه الطائرات لمحة عن المستقبل، حيث تكون معدات الهجوم الرخيصة قادرة على طحن مواد باهظة الثمن ومتطورة.

يقول التحليل: الكشف عن القدرات سيكون له ثمن. دبلوماسياً، ومن حيث الإعداد الأفضل لخصوم إيران في النزاعات المستقبلية. لا يوجد مكان تتضح فيه الطبيعة المختبرة للحرب الأوكرانية أكثر من تزويد إيران للطائرات بدون طيار (UAVs) للجيش الروسي.

اقرأ أيضا: الأفخاخ الروسية في أوكرانيا.. هل تنجح موسكو في محو الغزو!

“شاهد” فوق كييف

أصبحت الطائرات بدون طيار الإيرانية سلاحًا مهمًا بشكل متزايد لروسيا في حربها في أوكرانيا. حيث تُستخدم لضرب مجموعة من الأهداف المدنية والعسكرية.

وفقًا لمسئولين أمريكيين، أرسلت إيران أيضًا مدربين إلى شبه جزيرة القرم، لتعليم الروس كيفية استخدامها بشكل صحيح.  حيث بدأت الطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع من سلسلتي شاهد 131 وشاهد 136 بالظهور لأول مرة في أوكرانيا في منتصف أغسطس/ آب 2022.

في البداية، يبدو أن الجيش الروسي استخدمها بشكل أساسي كذخائر تتسكع في ساحة المعركة -تُعرف أيضًا باسم “هجوم أحادي الاتجاه “أو الطائرات بدون طيار الانتحارية “كاميكازي”- واستخدامها لضرب المدفعية الأوكرانية، وغيرها من الأهداف التكتيكية متوسطة القيمة.

يلفت التحليل إلى أن روسيا كانت في حاجة إلى الطائرات الإيرانية لتكملة مخزونها السريع من صواريخ كروز التي تُطلق من الجو والبحر، والتي تعتمد على كمية متناقصة من المكونات الإلكترونية المستوردة.

يقول: مع مدى فعال يصل إلى عدة مئات من الأميال، سمحت “شاهد” للجيش الروسي بضرب أهداف في عمق غرب ووسط أوكرانيا، من نقاط الإطلاق في شبه جزيرة القرم وجنوب بيلاروسيا. في أكتوبر/ تشرين الأول، تمكنت روسيا من إطلاق طائرات شاهد -136 التي تحلق على ارتفاع منخفض على كييف، حيث قتلت العديد من المدنيين، بما في ذلك امرأة كانت حاملاً في شهرها السادس.

لكن، منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، عندما شكلت عائلة “شاهد” مكونًا رئيسيًا لحملة منسقة من الضربات الاستراتيجية ضد شبكة توزيع الكهرباء في أوكرانيا وقدرة توليد الطاقة. وقعت الموجة الأولى من الضربات الاستراتيجية على البنية التحتية للكهرباء في أوكرانيا في 10-11 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد وقت قصير من تولي الجنرال سيرجي سوروفكين منصب القائد العملياتي العام لحرب روسيا في أوكرانيا.

ومنذ أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، أطلق الجيش الروسي مئات صواريخ كروز وطائرات شاهد بدون طيار التي زودتها إيران بأهداف الكهرباء. مع التركيز على مجموعة محطات الطاقة الكبيرة التي تزود المدن الكبرى في أوكرانيا، إلى جانب العشرات من مراكز التوزيع المحلية.

دفاعات أوكرانية

على الرغم من أن طائرات شاهد بدون طيار يمكن أن تحمل رأسًا حربيًا صغيرًا يبلغ حوالي 33-66 رطلاً من المتفجرات شديدة الانفجار -مقارنة بحوالي 100 رطل لقنبلة طائرة صغيرة القطر- إلا أنها دقيقة بشكل موثوق، ويمكن أن تستهدف المكونات الحساسة، أو الفرعية داخل منشأة أكبر.

وفي حين أن معظم المواقع التي تضررت من الضربات قد أعيدت إلى الشبكة بسرعة إلى حد ما. فإن الإصلاحات في بعض المرافق قد تستغرق شهورًا أو تصل إلى عام. بسبب الحاجة إلى استلام عناصر يستغرق طلبها شهورا.

يلفت المحللان إلى أن قدرة أوكرانيا على الدفاع ضد الهجمات محدودة. بسبب العدد الهائل من المواقع التي يجب الدفاع عنها، والتي تشمل العشرات من المحطات الفرعية المحلية.

ومع ذلك، فقد تطورت الدفاعات بسرعة، مع تحليق الطائرات بدون طيار، يستطيع الراصدون والرادار الأرضي توجيه الطائرات المقاتلة المأهولة إليهم. وقد أدى ذلك إلى عدد من “مطاردات الذيل”، حيث يطير الطيارون الأوكرانيون على ارتفاع منخفض وبطيء لإطلاق صواريخ بحثًا عن الحرارة على عوادم محركات الطائرات بدون طيار.

أيضًا، تغطي بطاريات الصواريخ الاعتراضية الأرضية المدن الرئيسية، وسيتم استكمالها بوصول أنظمة إضافية. بما في ذلك IRIS-T الألمانية، ونظام Aspide الأوروبي، ونظام صواريخ أرض-جو الوطني المتقدم الأمريكي (NASAMS)، وصاروخ كروتال وهوك سطح – جو (سام) من فرنسا وإسبانيا.

لكن للحصول على “دفاع نقطي” نهائي عند الهدف، لا يمتلك الجيش الأوكراني سوى عدد محدود من أنظمة المدافع قصيرة المدى الموجهة بالرادار، مثل مدفع Gepard المضاد للطائرات الموفر من ألمانيا، والذي يكمله بمواقع مدافع رشاشة محلية مأهولة لتوفير خط دفاع أخير.

ويوضح التحليل أنه مع قيام القوات الأوكرانية بتحسين تكتيكاتها المضادة للطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، ارتفعت معدلات اعتراضها بشكل مطرد.

يقول: يزعم الجيش الأوكراني أنه اعترض ما بين 65% و85% من ضربات الشاهد وصواريخ كروز. لكن هذا الرقم – حتى لو كان دقيقًا – يخفي الأثر الحقيقي للهجمات.

الطائرة “شاهد” 131 بدون طيار الإيرانية الصنع بعد إسقاطها في أوكرانيا

اقرأ أيضا: كيف تتصرف أمريكا لو استخدمت روسيا النووي في أوكرانيا؟

مصالح مشتركة

يوضح المحللان أن أوكرانيا أُجبرت على تحويل المساعدات الغربية والجهود العسكرية الداخلية إلى إجراءات دفاعية، وبالتالي الابتعاد عن الهجوم المضاد. وأنه، حتى لو تم اعتراض غالبية الضربات، فإن هذا لا يزال يعني مرور عدد كبير من الأنظمة عالية الدقة.

أخيرًا، تقف روسيا في الجانب الرابح من “منحنى فرض التكلفة”. حيث يبدو أن سلسلة طائرات شاهد تكلف حوالي 20 ألف دولار لكل منها، في حين أن صواريخ جو-جو أو الصواريخ الاعتراضية الأرضية تكلف ما بين 400 ألف دولار و1.2 مليون دولار لكل منها.

وبحسب كييف، طلبت روسيا ما بين 2000 و2400 طائرة مسيرة من إيران. وبينما أرقام الإنتاج الإيرانية الحالية لسلسلة “شاهد” غير معروفة، لكن هناك تقارير تفيد بأن صناعة الدفاع الروسية تتحرك بالفعل لإنشاء خطوط إنتاج مرخصة خاصة بها للطائرات بدون طيار.

يقول التحليل: قد يطلب الكرملين أيضًا أعدادًا كبيرة من طرازات الطائرات بدون طيار الإيرانية الأخرى، مثل الأثقل والأطول مدى Arash-2. إذا تمكنت روسيا من الاعتماد على معظم إنتاج إيران جنبًا إلى جنب مع إنتاجها، فقد يكون الجيش الروسي قادرًا على الحفاظ على وتيرة ضربة عالية نسبيًا إلى أجل غير مسمى.

بالنسبة لإيران، توفر الأزمة الأوكرانية وسيلة للتمتع بعلاقة أكثر إنصافًا مع قوة عظمى -روسيا- على الرغم من أن إمداد الرئيس فلاديمير بوتين بالطائرات بدون طيار كان له تكلفة كبيرة على طهران، مما أدى إلى تهدئة الاهتمام من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. بالاتفاق النووي مع ايران، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات تتعلق بأوكرانيا على إيران.

حقل معارك جديد

يؤكد المحللان أنه “بصرف النظر عن الثمار الجيوسياسية وأي عملة أو مقايضة تقدمها روسيا، والتي قد تشمل التقنيات العسكرية أو النووية. فإن الإمداد الإيراني بالطائرات بدون طيار لروسيا سيوفر أيضًا بيئة تعليمية غنية، قد تُعلم التصميم الإيراني المستقبلي وتوظيف الطائرات بدون طيار”.

ويضيف التحليل: أوكرانيا هي بيئة تدعم فيها روسيا التجارب العسكرية الإيرانية، مما يجعل العملية ليست مجانية لإيران فحسب، بل قد تكون مربحة أيضًا. على أقل تقدير، ستقوم إيران بتفريغ طائراتها بدون طيار القديمة، ويمكنها استخدام أي عائد من روسيا من أجل “إعادة تمويل” أساطيل طائراتها بدون طيار بنماذج أكثر حداثة ومحسنة.

بالفعل، في السنوات الأخيرة، جربت إيران الاستخدام الفعلي للطائرات بدون طيار ذات الرؤوس المتفجرة في العديد من البيئات. مثلما زودت حزب الله اللبناني بطائرات بدون طيار كما تلقى المتمردون الحوثيون في اليمن حزمة مماثلة ابتداءً من عام 2015.