تمثل “مبادلات الديون لأغراض الاستثمار في الطبيعة” -التي اقترحتها مصر خلال قمة المناخ المنعقدة حاليًا بشرم الشيخ- طوق نجاة للدول النامية خصوصًا الإفريقية، حاليًا، في ظل الارتفاع غير المسبوق بمعدلات الفائدة، التي تفرض مزيدا من الأعباء على تمويل الاستثمارات الحكومية. وقد اقترحت مصر إنشاء “تحالف الديون المستدامة” لدعم النمو الأخضر بالاقتصاديات الناشئة. ذلك بتحويل الديون إلى الاستثمارات الجديدة والخضراء للتصدي للتحديات البيئية التي تضاعفت مع ظاهرة التغيرات المناخية بالبلدان النامية.

تتعرض 23 دولة في إفريقيا لمخاطر كبيرة نتيجة أزمة الديون. فمتوسط الإنفاق على خدمة القروض الخارجية للقارة، قفز من 5% من الإيرادات عام 2020 إلى 16.5% في 2021، مقارنة بـ 12.5% للدول الناشئة الأخرى. ومن شأن إجراء كهذا الذي تقترحه مصر أن ينقذ هذه الدول.

اقرأ أيضًا: كوب 27.. أزمة أوروبا تزيد جاذبية مشروعات الطاقة المتجددة بمصر

الدكتور محمد معيط، وزير المالية، اعتبر ربط ملف الديون بالمرونة المناخية ذو تأثير كبير على مقدار الموارد المخصصة لتحقيق الالتزامات والأهداف البيئية للدول. مضيفا أنه أمر يساعد أي دولة مستعدة لمواءمة استثماراتها مع المناخ، في مقابل تحسين ظروف الديون.

تلك الدعوة تأتي في ظل مواجهة تمويل مشروعات الطاقة النظيفة العديد من التعقيدات؛ من بينها أنه قطاع سريع التغير يفتقر إلى سياسة راسخة، ما يشكل مخاطر لا يرغب المستثمرون والبنوك التي تعاني من قيود رأس المال، بشكل متزايد في تحملها بكثير من الأحيان.

محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، مصر (الصورة: وكالات)
محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، مصر (الصورة: وكالات)

ارتفاع الفائدة

تمثل أسعار الفائدة المنخفضة الشريان الأول لتمويل أصول الطاقة المتجددة. فمنذ عام 2004، تم تمويل ما يقرب من 4.4 تريليون دولار من أصول الطاقة المتجددة. لكن 3.6 تريليون منها كان خلال فترة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية من 2009 إلى 2021.

رومان تالاجراند، رئيس الطاقة المتجددة في “بي إن بي باريبا”، يقول إن هناك عقبة رئيسية أمام مشروعات الطاقة الجديدة، تتمثل في التقنيات التي تتطور بسرعة في ظل سلاسل توريد لم يتم تصنيعها، وعدم وجود بيئة منظمة لكثير من فئات الأصول الجديد.

يقول “تالاجراند” إن الأعمال الجديدة مثل تصنيع البطاريات أو الهيدروجين يقابلها الممولون بعدم اليقين. كما تحتاج البنوك في سبيل تقييم مسارات تلك القطاعات، إلى وجود إشارات أوضح وأطول أجلا بشأن تكاليف الكربون.

اقرأ أيضًا: “المركزي”: تحرير كامل للجنيه ورفع الفائدة.. قرارات تؤثر سلبا على الاستثمار والتشغيل وتزيد فوائد الديون

تكاليف الكربون مبدأ متداول منذ 20 عاما، ينص على دفع المؤسسات ثمن الأضرار التي ألحقتها بالبيئة؛ بهدف إبطاء تغيُّر المناخ. ويطالب البنك الدولي بنطاق سعري يتراوح بين 40 و80 دولارا لطن الكربون، لتحقيق الأهداف الواردة في اتفاقية باريس للأمم المتحدة لعام 2015.

ديفيد ماكنيل، رئيس مخاطر المناخ بوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، يقول إن تسعير الكربون الدولي سيكون مفيدا للمخاطر التنظيمية؛ فالحالة المالية طويلة الأجل للطاقة الهيدروجينية على سبيل المثال، تعتمد على “افتراض ارتفاع سعر الكربون”، خصوصا إلى الحد الذي يؤثر فيه على مشروعات الغاز الطبيعي.

يقترض مطورو أصول طاقة الرياح والطاقة الشمسية من كيانات تجارية ترتبط بأسعار الفائدة الحكومية، ويضيفون عليها سلسلة من العلاوات ترفع تكلفة الديون النهائية للمُقترض، وتشمل الأقساط عقود مقايضة لأجل، للتحويل من دين أقصر إلى طويل الأمد، وتأمين الائتمان لمواجهة المخاطر؛ وأخيرا هامش يتعلق بالمشروع ذاته.

المقترح المصري للديون المستدامة

خلال “يوم التمويل” على هامش فعاليات قمة المناخ بشرم الشيخ، اقترح وزير المالية إنشاء “تحالف الديون المستدامة” لدعم النمو الأخضر بالاقتصاديات الناشئة. ذلك بتحويل الديون إلى الاستثمارات الجديدة والخضراء للتصدي للتحديات البيئية التي تضاعفت مع ظاهرة التغيرات المناخية بالبلدان النامية.

لا تستهدف وزارة المالية من التحالف الجديد أن يكون داعمًا لجهود إعادة هيكلة الديون، بل لتسليط الضوء على الوضع المالي الصعب للاقتصاديات الناشئة والنامية وآثاره على العمل المناخي، وإطلاق مسار جديد للمشاورات عند تقاطع الديون والمناخ والتنمية معًا، أو بمعنى آخر يكون منبرًا يجمع بين الدول الدائنة والمدينة ويخدم مصالح الجميع، بحسب مسئولي الوزارة.

توفر “مبادلة الديون” للدول سيولة إضافية لمشروعات التكيف مع التغيرات المناخية التي تحتاج إلى دعم مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، من خلال نشر “التمويل المختلط”.

يقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن التمويل المختلط هذا يتم فيه استخدام التمويل العام لتوفير الحماية من الخسارة الأولى للمستثمرين من المؤسسات الخاصة، في حالة التخلف عن السداد. ما يعمل على تحسين الملف الائتماني للصندوق. وبالتالي جذب مستثمرين مؤسسيين يبحثون عن مخاطر وعائدات منخفضة.

معيط يطالب بمبادلة الديون الأفريقية بالتنمية المستدامة والعمل المناخي (الصورة: وكالات)
معيط يطالب بمبادلة الديون الإفريقية بالتنمية المستدامة والعمل المناخي (الصورة: وكالات)

مجربة سابقًا

وقد طور التحالف الدولي للطاقة الشمسية وسائل شبيهة للتخفيف من مخاطر التمويل لقطاع الطاقة الشمسية في المنطقة الإفريقية. ذلك بجمع رأس المال من الممولين من القطاعين العام والخاص. وهو أمر يمكن تكراره وتوسيع نطاقه ليشمل الرياح والهيدروجين الأخضر، وفق عزام.

وزارة المالية المصرية تطرقت لذلك الملف، بعدما طالبت وكالات التصنيف الائتماني بعدم اعتبار “مبادلات الديون” وسيلة لتجنب سداد أعباء الديون بالنسبة للدول التي تواجه مشاكل استدامة المديونية، مع تبني الحكومات في الوقت ذاته استراتيجيات وطنية لوضع “خارطة طريق” بآليات تنفيذية مُحددة لتشجيع الاستثمار المستدام في المناخ. إذ لا تواجه الطاقة المتجددة تحديات تمويلية فقط، ولكن أخرى تتعلق بإدارة المعرفة للطاقة المتجددة، والإطار القانوني، والشفافية.

وبالنسبة للمعرفة غير الدقيقة، تعاني بعض البلدان النامية فيما يتعلق بتكلفة توليد الطاقة المتجددة، والتي تستند إلى قرارات صانعي السياسات، وهو نتاج غياب الشفافية والمنهجية لدى الحكومات، فضلًا عن الافتقار للبيانات والموارد والافتراضات الموثوقة لإجراء حسابات التكلفة.

وبالتالي، تجد تلك البلدان النامية نفسها عند مفترق طرق، عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات في قطاع التكنولوجيا النظيفة. لأنه مجال يجمع بين كثافة رأس المال والتقنيات الجديدة.

مشروعات ضخمة

لمضاعفة حصة قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، يجب أن تتراوح الاستثمارات السنوية العالمية في القطاع بين 500 و750 مليار دولار حتى عام 2030، مقارنة بنحو 270 مليار دولار عام 2014. ولتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، فإن فجوة الاستثمار سنويًا في قطاع الطاقة المتجددة في الاقتصادات الناشئة والنامية تبلغ 1.35 تريليون دولار.

وبالقياس على ما سبق، فإن الوصول لرأس المال لا يزال يمثل تحديًا للطاقة الشمسية في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، إذ أن البنوك تحد من قروضها طويلة الأجل لأن مدة مسئوليتها تمنعها من إقراض القطاع على المدى الطويل.

هنا، تعد صناديق التقاعد وشركات التأمين أكثر ملاءمة لتمويل مشروعات الطاقة الجديدة؛ لأن مدة استثمار تلك المشروعات طويلة الأجل تتناسب مع التزامات شركات التأمين والصناديق طويلة الأجل أيضا.

يعزز من ذلك أن مشروعات الطاقة الشمسية تتسم باستقرار التدفق النقدي العالي بفضل القدرة العالية على التنبؤ بحجم المبيعات والتسعير والنفقات النقدية المنخفضة، والمستقرة على مدى عمر المشروع.

ولسد فجوة الاستثمار، يمكن الاعتماد على وسطاء يربطون بين مقدمي رأس المال ومشاريع الطاقة الشمسية لتسهيل تدفق أكبر لرأس المال نحو قطاع الطاقة الشمسية من خلال تحديد مصادر الصفقات وإجراء الدراسة الأولية، ومن ثم هيكلة الصفقات ومراقبتها وتوفير حلول ائتمانية.