بات الهيدروجين الأخضر هو الملف الأكثر طرحًا على ساحة الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة خلال الوقت الراهن. حيث أعلنت العديد من الدول بما فيها مصر عن مبادرات لمشروعات الهيدروجين الأخضر.
وقد انضمت مصر لتلك المبادرات. وقالت الحكومة إنها ستواصل الإعلان عن مزيد من المشاريع المتعلقة بهذا النوع من التحول الطاقي. كجزء من مبادرة وطنية تهدف إلى دمجه في استراتيجية الطاقة 2035.
وحظيت مشروعات الهيدروجين الأخضر باهتمام كبير من الحكومة المصرية خلال الآونة الأخيرة. واستمر الاهتمام حتى فعاليات قمة المناخ cop27 المقامة حاليًا بشرم الشيخ. في ظل توافر كميات من الطاقات الجديدة والمتجددة. التي تُعد عنصرًا أساسيًا -بجانب المياه- في توليد الهيدروجين الأخضر. ودفع التوجه العالمي نحو “الهيدروجين الأخضر” الحكومة إلى السعي نحو إطلاق خطة وطنية للهيدروجين بقيمة 40 مليار دولار.
وستحتاج المشروعات التي وقعت الحكومة عدة مذكرات تفاهم بشأنها إلى توافر كميات هائلة من المياه لتدخل كعنصر أساسي في تشغيل المشروعات. وذلك في وقت تسعى فيه الحكومة إلى سد الفجوة المائية المحلية بسبب أزمة نقص المياه التي تعانيها مصر. وهنا السؤال: “كيف ستتعامل الحكومة والشركات المنفذة مع تحدي توفير المياه؟”.
استراتيجية الهيدروجين
الهيدروجين الأخضر نوع من الوقود الناتج عن عملية كيميائية يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة -شمس أو رياح- لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء. وبالتالي تصبح طاقة ناتجة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي والمسبب للاحتباس الحراري بحسب محمد السبكي -رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة الأسبق لـ”مصر 360″.
وسيكون الهيدروجين وسيلة محورية لتعزيز إسهام الطاقة الخضراء في مزيج الطاقة بمصر. باعتبار أن الطلب على الهيدروجين كلما زاد سيرتفع معه الطلب على مصادر الطاقة النظيفة. نظرًا لأن الهيدروجين الأخضر يعتمد فقط على مصادر الطاقات الخالية من الكربون.
وأضاف “السبكي” أن الحكومة تحرص -وفق استراتيجية الهيدروجين الأخضر- على تنفيذ سيناريو طموح يعمل على خفض 33% من انبعاثات الكهرباء. و65% من انبعاثات قطاع البترول. وخفض 7% من قطاع النقل. على أن يصبح هذا المحور هو ركيزة عمل الحكومة خلال المرحلة المقبلة.
ولفت إلى أن برنامج عمل الحكومة حاليًا يهدف إلى زيادة إسهام نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية. والاهتمام الذي يوليه قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة لتنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية والاستفادة من ثروات مصر الطبيعية. وبخاصة مصادر الطاقة المتجددة. والتي تستهدف الوصول بنسبة إسهامها بمزيج الطاقة في مصر إلى 42٪ بحلول 2035.
وأشار إلى توقيع الحكومة مذكرات تفاهم مع تحالفات دولية ومحلية لإنتاج نحو 6 آلاف ميجاوات من القدرات المركبة لإنتاج الهيدروجين. موضحًا أن خفض الانبعاثات الكربونية في مصر مربوط بنمو استثمارات الطاقة الجديدة والمتجددة. وأن الأمر لا يقتصر على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح -رغم أن لهما التأثير الأكبر- لكن إسهام الطاقة الكهرومائية وباقي القدرات المركبة لها إسهامات كبرى.
منتدى الهيدروجين المتجدد
وتكللت جهود الدولة بالنسبة للهيدروجين بإطلاق المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد بالشراكة مع بلجيكا. والذي تم الإعلان عنه خلال فعاليات قمة المناخ cop27. والذي يهدف لإنشاء منصة دائمة للحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للهيدروجين والقطاع الخاص والمنظمات ومؤسسات التمويل العاملة لتنسيق السياسات والإجراءات.
كما سيعمل على خلق ممرات للتجارة في الهيدروجين بما يساعد في الإسراع من وتيرة الانتقال العادل الذي يصبو إليه الجميع بالنسبة للطاقة البديلة.
ووفق وزير الكهرباء المصري فإن المنتدى سيسهم في خفض الانبعاثات الكربونية والإسراع نحو الانتقال العادل للطاقة المُتجددة. والاستفادة من المنافع البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي يوفرها الاقتصاد العالمي للهيدروجين الأخضر. وتحديد أفضل الأدوات التي تُسهم في تعزيز تجارة الهيدروجين الأخضر العابرة للحدود بين الدول النامية الغنية بالطاقة المُتجددة والدول المتقدمة.
أزمة مياه
ورغم مبادرات الهيدروجين التي تبنتها حكومات عدة ومنها الحكومة المصرية فإنه ثمة أزمة تؤرق تنفيذ المشروعات. وهي توفير المياه المحلاة اللازمة لإتمام التشغيل.
فإنتاج الهيدروجين يحتاج إلى كميات من الطاقة النظيفة “الشمس والرياح” بجانب المياه النقية عبر الأنهار أو مياه محطات التحلية -وفق محمد شريف مدير تطوير الأعمال بإحدى شركات الطاقة المتجددة لـ”مصر 360″.
وأوضح أن 2.5% فقط من المياه الموجودة على كوكب الأرض قابلة للاستهلاك الآدمي.
وبالنسبة لمصر “فنحن دولة صحراوية ومصدرنا من المياه هو نهر النيل”. حيث نحصل على كمية سنوية من المياه تقدر بنحو 55.5 مليار متر مكعب. بجانب نحو 3.5 مليار متر مكعب مياه من الأمطار والآبار الجوفية. أي يصل مصر سنويًا ما يقارب 60 مليار متر مكعب مياه.
تابع أن الأمم المتحددة حددت خط الفقر المائي في السنة بنحو ألف متر مكعب للفرد.
وإذا اعتبرنا أن تعداد مصر حاليًا نحو 100 مليون نسمة فقط. فإننا بحاجة إلى 100 مليار متر مكعب من المياه سنويا. وبالتالي تعاني الدولة من عجز سنوي 40 مليار متر مكعب لنصل إلى خط الفقر وليس الرفاهية المائية.
ويحتاج إنتاج كيلو جرام واحد من الهيدروجين الأخضر كمية مياه تصل إلى نحو 11 لترًا. أي إن المشروع سيحتاج إلى توافر كميات ضخمة من المياه لإتمام عمليات الإنتاج. وبالتالي سيتم تحديد إجمالي كميات المياه التي ستحتاج إليها الدولة بمجرد إتمام كامل تعاقداتها والقدرات التي ستتولى توليدها -وفق “شريف”.
وبالنسبة لتكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر فإنها ترتفع حين يتم الاعتماد على المياه المحلاة من البحار. مقابل المياه القادمة من الأنهار التي تكون أقل كلفة في مدخلات إنتاج المشروع. “مياه الأنهار التي تستخدم في إنتاج الهيدروجين تدخل مراحل تنقية قبل استخدامها. في حين يتم تحلية مياه البحر عبر عدة مراحل وهنا يأتي السبب وراء ارتفاع التكلفة”.
اكتفاء الهيدروجين
هنا سيكون أمام الجهات المعنية مُعضلة حقيقية وهي توفير المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي أولًا. وتحقيق الاكتفاء الذاتي ثم السعي عقب ذلك إلى توفير حاجة مشروعات الهيدروجين من حاجتها المائية.
فمصر تواجه منذ سنوات مشكلة نقص المياه في أوقات عدة من السنة حتى قبل البدء بملء سد النهضة الإثيوبي. ويزيد من النقص في المياه بالدولة هو الطلب المتزايد نتيجة عوامل. منها الزراعة ومشاريع توسيع رقعة الأراضي الزراعية وزيادة عدد السكان وبناء مدن جديدة. الأمر الذي يعني الحاجة إلى مزيد من مياه الشرب والاستهلاك المنزلي.
وقال المهندس محمد غانم المتحدث باسم وزارة الري -في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى- إن إيرادات مصر من المياه 60 مليار متر مكعب فقط. والاحتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب. وهو ما يصل إلى ضعف مواردنا. وبالتالي فإن العجز يقدر بنحو 54 مليار متر مكعب ويتم سد جزء من الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه واستيراد بعض السلع الزراعية.
وأكد أن مصر تواجه تحديات كبيرة بشأن المياه. وأنفقنا عشرات المليارت على تبطين الترع والتحويل للري الحديث. مشيرا إلى أنه تم تخصيص 50 مليار دولار ومن المقرر أن تصل إلى 100 مليار دولار لتحسين المنظومة المائية.
سد الفجوة
من جانبه أكد وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي أنه يتم سد الفجوة المائية عبر إعادة استخدام المياه واستيراد مصر محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويّا. مشيرا إلى تنفيذ الوزارة العديد من المشروعات الكبرى التي تهدف إلى زيادة قدرة المنظومة المائية على التعامل مع مثل هذه التحديات بدرجة عالية من المرونة والكفاءة. فضلا عن تحقيق أهداف مثل ترشيد استخدام المياه وتعظيم العائد من وحدة المياه وتحسين إدارة المنظومة المائية. والتأقلم مع التغيرات المناخية. مثل مشروعات تأهيل الترع والمساقي والتحول للري الحديث وإنشاء محطات معالجة ثلاثية للمياه بطاقة تصل إلى 15 مليون متر مكعب يوميا. وإنشاء ما يقرب من 1500 منشأ للحماية من أخطار السيول. وتنفيذ أعمال حماية للشواطئ بأطوال تصل إلى 120 كم. والعمل على حماية أطوال أخرى تصل إلى 110 كم.
مخاطر الاعتماد على النيل
ويوضح محمد الحداد -مدير تطوير الأعمال بشركة كومليت إنيرجي- أن الاعتماد على مياه النيل في تشغيل مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر سيزيد الفقر المائي الذي تعانيه الدولة حاليًا. “نحتاج إلى كمية أكبر من تحلية المياه لسد حاجة المواطنين أولًا ثم التفكير لاحقًا في توفيرها للمشروعات القائمة عليها”.
وواصل أن مياه النيل توفر الجانب الأكبر من استهلاكات المواطنين بجانب محطات التحلية التي أقامتها الحكومة مؤخرًا. وبالتالي الاعتماد على تلك المصادر في المشروعات التنموية. سواء الهيدروجين أو غيرها لن يُفيد على الإطلاق وسيزيد من عجز المياه الواجب توافرها سنويًا للمواطنين.
وتعد مصر ضمن أكثر دول العالم جفافاً. إذ تعتمد على نهر النيل في توفير مواردها المائية المتجددة ويستفيد قطاع الزراعة بنحو 80٪ من هذه الموارد. والذي يمثل مصدر الكسب الرئيسي لأكثر من 60 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف سكان مصر -وفق رئيس الورزاء مصطفى مدبولي خلال قمة المناخ بشرم الشيخ.
مشروعات تحلية
القطاع الخاص يدرس إمكانية إطلاق حزمة مشاريع ملحقة بمشروعات الهيدروجين الأخضر. مثل محطات الطاقة الشمسية والرياح اللازمة لتلك المشروعات. وكذلك إقامة محطات تحلية بقدرات تفي بالقدرة الإنتاجية المستهدفة من المشروع بحسب إيهاب إسماعيل -نائب رئيس هيئة الطاقة المتجددة لـ”مصر 360″.
وتعمل الحكومة بشكل مكثف على وضع الإطار التنظيمي الصحيح لجذب الاستثمار عبر أنظمة وتشريعات واضحة. فضلا عن بيئة استثمارية مستقرة وجذابة. تتحمل الحكومة مسئوليتها. وتضمن بها توفير البنية التحتية اللازمة لتلك المشروعات. سواء من الطاقة النظيفة والمياه أو السماح لشركات التحلية في إقامة محطات تخدم مشروعات الهيدروجين الأخضر.
وقال: “سنحتاج إلى مشروعات تحلية عديدة في منطقة قناة السويس باعتبار أن غالبية مشروعات الهيدروجين التي تم توقيع مشروعات بشأنها تقع هناك. وسيكون هناك حاجة إلى كميات مضاعفة من المياه المحلاة للوفاء بكم الإنتاج المستهدف من الهيدروجين الأخضر”.
ولفت إلى أن هناك خطة يمكن الاعتماد عليها لسد الفجوة المائية تقوم على أساس عدة محاور. منها رفع كفاءة استخدام المياه وترشيد الاستهلاك. وتطوير منظومة الري وتكنولوجيا الري وتطوير شبكات المياه لتقليص فاقد المياه. بالإضافة إلى إعادة استخدام المياه وإقامة مشروعات لتحلية مياه الصرف مثل محطتي المحسمة وبحر البقر.
الهيدروجين كوقود سيارات
أحد الاستخدامات المُثلى للهيدروجين الأخضر تكمن في استخدامه كوقود للسيارات وباقي وسائل المواصلات. ومن ثم يكون هناك تشابه مع السيارات الكهربائية من حيث الحفاظ على نظافة البيئة وتقليص مشتقات الوقود الضارة بحسب الدكتور محمد السبكي.
ولفت إلى أن التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات كبيرة وتوجيه تلك الطاقات إلى وسائل النقل سيقلص من الاعتماد على المشتقات البترولية. وبالتالي قد تتجه الحكومة إلى هذا النوع من الطاقة كوقود نظيف شرط أن تقل تكلفة إنتاجه عن 2 دولار لكل كجم. بحيث يكون ذا جدوى اقتصادية.
ويسمح استخدام الهيدروجين في السيارات بالسير لمسافات أطوال بنحو 70 إلى 80% من السيارات الكهربائية. وذلك حين يتم شحن السيارات بطاقة 5 كجم من الهيدروجين. لكن إقناع المواطن هنا بجدوى استخدام الهيدروجين في السيارات سيأخذ وقتًا طويلًا مثلما حدث وقت طرح السيارات العاملة بالغاز وكذلك السيارات الكهربائية.
استضافة مصر لقمة المناخ ستزيد اتجاه مؤسسات التمويل الدولية والبنوك العالمية لتمويل مشروعات الهيدروجين الأخضر بها. وبالتالي سيزداد الاهتمام محليًا بهذا النوع من الطاقة النظيفة الذي قد يوفر للحكومة جزءًا من الدعم الموجه للوقود المستورد من الخارج.