استمرارا لرصد حالة حقوق الإنسان في مصر ومنها ظروف الاحتجاز وأحوال السجناء أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” تقريره الثاني الذي يغطي سبتمبر وأكتوبر الماضيين.

وتابع التقرير حالة السجناء ومناطق الاحتجاز ومشكلات وشكاوى قدمها ذوو السجناء وأسرهم وهيئة الدفاع. كما رصد قرارات العفو والإفراج وحالات الموت في مناطق الاحتجاز.

يأتي هذا بالتزامن مع انفراجة في ملف السجناء ضمن دعوة للحوار الوطني. وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي. حيث أفرج عن مئات السجناء بشكل متتابع. فيما يطالب حقوقيون بتسريع وتيرة الإفراجات خاصة عن كبار السن وأصحاب الظروف الصحية الصعبة. والتي تزيد ظروف الاحتجاز من معاناتهم. وأيضا سرعة النظر في حالات الاتهام والقضايا التي تتصل بحرية الرأي والتعبير. مجددين مطالبهم بتعديل قانون الحبس الاحتياطي. والذي أصبح عقوبة يقضي بموجبها متهمون سنوات من أعمارهم -وإن ثبتت براءتهم- وهم رهن التحقيق.

حالة السجناء ومناطق الاحتجاز

أولا: مطالبات بالإفراج الصحي والشرطي

خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين قدم عدد كبير من ذوي السجناء مناشدات بالإفراج عن ذويهم. سواء الإفراج الصحي الذي ينظمه قانون الإجراءات الجنائية وتنظيم السجون. أو الإفراج الشرطي أو العفو. وغالبا ما تؤخذ الأوضاع الصحية في الاعتبار خلال إجراءات العفو والإفراج ويتم الدفع بها قضائيا.

وتؤثر السجون بما تتضمنه من ظروف قاسية في تفاقم الأمراض الجسدية والنفسية. كما أن السجن يزيد فرص المرض ويضعف الجسد وقدرته على المقاومة.

رصد لحالات الوفاة بين السجناء
رصد لحالات الوفاة بين السجناء

العفو الصحي:

تدفع مطالب العفو بتقديرات الحالة الصحية. وهي في الفترة الأخيرة لم تقتصر على منظمات المجتمع المدني. بل طرحتها أيضا أطراف من السلطة كمدخل لتفكيك أزمة السجناء. وسبق وطالب ياسر الهضيبي -عضو مجلس الشيوخ وأستاذ القانون بجامعة عين شمس- بتفعيل شروط الإفراج الصحي كأحد المطالب الأساسية التي يطالب بها ذوو السجناء وينص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ديسمبر/كانون الأول 1990.

وأشار “الهضيبي” إلى أنَّ الإفراج الصحي لم يعد مفعّلًا رغم وجود كثير من السجناء يعانون أمراضا مزمنة. وهو ما يتطلب إعادة النظر وتفعيله مع ضرورة إجراء كشف دوري على جميع السجناء. فضلا عن إعداد ملف طبي لكل منهم. مطالبًا بتكوين لجنة طبية مستقلة لبحث حالات الإفراج الصحي في السجون المصرية.

وضمن القضايا الشهيرة التي تم فيها الإفراج الصحي قضية “فض رابعة”. حيث أفرج عن 10 متهمين ضمن ما يزيد على 739 متهما في القضية. بينما مرت قضية هشام طلعت مصطفى بمراحل من رفض دعوى الإفراج في 2014. بعد أن حكم بالسجن 15 عاما في قضية قتل الفنانة سوزان تميم. وكان طلب الإفراج مدعوما بادعاء إصابة المتهم بمرض نادر يسمى النشواني يستدعي سفره للخارج ثم أفرج عنه بعفو رئاسي في يونيو/حزيران 2017 ضمن قائمة ضمت 539 سجينا بينهم شباب وطلاب جامعة وفتيات وغارمات.

السجناء والإفراج الصحي والشرطي

 

تم الإفراج عن هشام طلعت مصطفى بعفو رئاسي عام 2017
تم الإفراج عن هشام طلعت مصطفى بعفو رئاسي عام 2017

يعاني كثير من السجناء الإصابة بأمراض مزمنة تؤدي إلى موت العديد منهم في أماكن الاحتجاز. وكثيرا “ما تكون هناك حاجة إلى رعاية صحية وعلاج أكبر في السجن منه في المجتمع الخارجي. بيد أنه اتضحت صعوبة شديدة في توفير الرعاية الصحية الأساسية للسجناء.

وهنا تتجلى أهمية الإفراج الصحي والشرطي وقرارات العفو. والتي يمكن بها الحد من حالات موت السجناء وحصول كثير منهم على حريتهم.

أما الإفراج الشرطي فهو إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كامل مدة عقوبته إطلاقا مقيدا بشروط. تتمثل في التزامات تفرض عليه. وجاء الإفراج الشرطي بالمواد من 52 حتى 64 من القانون رقم 396 لسنة 1956 -المعروف بقانون تنظيم السجون- وفقًا لآخر تعديلاته. والمواد من 86 إلى 88 من لائحته التنفيذية. وورد فيها عدد من الشروط اللازمة للإفراج الشرطي.

سياسة التدوير

وجهت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم عددا من أحزاب المعارضة المصرية خلال سبتمبر/أيلول انتقادات بشأن ما أسموه “تباطؤ السلطة في الإفراج عن سجناء الرأي”. وألمحت بعض قياداتها إلى الانسحاب من الحوار الوطني إذا لم تتحقق الضمانات التي أعلنتها الحركة في بيان 8 مايو/أيار الماضي. وعلى رأسها الإفراج عن سجناء الرأي. وقد أفرج عن نحو ألف سجين منذ انطلاق دعوة الحوار الوطني. إلا أن هناك مئات السجناء تم تجديد حبسهم في قضايا نظرت خلال الشهرين الماضيين.

قضايا حرية الرأي والتعبير

 

واقعة القبض على "الروبي" جاءت عبر تعبيره عن ضيق ظروف المفرج عنهم حديثا
واقعة القبض على “الروبي” جاءت عبر تعبيره عن ضيق ظروف المفرج عنهم حديثا

خلال سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول استمرت إجراءات التحقيق في عدد من القضايا التي تخص حرية الرأي والتعبير. وضمنها السجن احتياطيا للصحفيين محمد فوزي وصفاء الكوربيجي ودنيا سمير والإعلامية هالة فهمي والمهندس حسن مصطفى. وذلك بعد جلسة محكمة جنايات القاهرة بمركز تأهيل بدر. بينما قُبض على شريف الروبي يوم 16 سبتمبر/أيلول من وسط القاهرة على ذمة القضية رقم 1634 لسنة 2022 بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية. وهى المرة الرابعة التي يتم القبض عليه منذ 2016. ما يشير إلى تخوفات تواجه المفرج عنهم من تكرار القبض عليهم إذ ما عبروا عن مشكلات تواجههم أو أدلوا بتصريحات أو آراء سياسة.

وأتت واقعة القبض على “الروبي” عبر تعبيره عن ضيق ظروف المفرج عنهم حديثا وكذلك استمرار أزمة السجناء.

وشهد سبتمبر وأكتوبر نظر عدد من القضايا وتحويل بعض المواطنين إلى النيابات وإدراجهم في قضايا جديدة.

على سبيل المثال أصدرت نيابة الدخيلة بداية أكتوبر/تشرين الأول قرارا بحبس شادي محمد -قيادي عمالي ونقابي- على ذمة القضية رقم 10233 لسنة 2022. وذلك بعد القبض عليه في كمين ببرج العرب بالإسكندرية. وجرى ترحيله إلى سجن الدخيلة. ونظرت المحاكم بعض القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والمتهم فيها إعلاميون. بينها القضية رقم 1360/ 2019 المدرج فيها الكاتب الصحفي أحمد سبيع -47 عاما (قبض عليه 2013 وخرج من السجن 2017 بعد صدور قرار ببراءته في قضية غرفة عمليات رابعة ليتم القبض عليه في فبراير/شباط 2020).

مئات المتهمين

تم تجديد حبس مئات المتهمين بينما أخلت النيابة سبيل 31 خلال سبتمبر الماضي
تم تجديد حبس مئات المتهمين بينما أخلت النيابة سبيل 31 خلال سبتمبر الماضي

وضمن الصحفيين السجناء الصحفي كريم إبراهيم الذي كان يعمل بجريدة “البوابة”. وقد ناشدت والدته السلطات إخلاء سبيله بعد قضائه سنتين في الحبس الاحتياطي بتهم من بينها إساءة استخدام وسائل التواصل. وهي التهمة التي سجن بها الصحفي حمدي الزعيم خلال قضيتين. الأولى في 2016 والثانية خلال يناير 2021. والتي نظرت المحكمة قضيته أيضا في 24 أكتوبر/تشرين الأول. هذا بالإضافة إلى استمرار حبس عدد آخر من الصحفيين.

وتم تجديد الحبس في عشرات القضايا لمئات المتهمين بينما أخلت النيابة في 21 سبتمبر/أيلول سراح 31 بضمان محل إقامتهم. هذا بجانب إطلاق سراح ثلاث صحفيات من “مدى مصر” بكفالة. وهن: لينا عطا -رئيسة التحرير (كفالة 20 ألف جنيه)- رنا ممدوح (5 آلاف جنيه) بيسان كساب (5 آلاف جنيه). وذلك بعد استدعائهن للتحقيق إثر عملهن الصحفي والقيام بتحقيق حول حزب “مستقبل وطن”.

كما أفرج عن الكاتب الصحفي صلاح الإمام أحمد (تهمة نشر أخبار كاذبة) بعد أن تدهورت صحته. وسبق وقبض عليه 24 سبتمبر/أيلول 2021 وأودع سجن أبو زعبل 2 على ذمة قضية 910 حصر أمن دولة عليا لسنة 2021 بتهمة نشر أخبار كاذبة. وكذلك أفرج عن الصحفي مجدي عطية.

لجنة العفو الرئاسي تُصدر بيانًا مهمًا عن المفرج عنهم | الوفد

قوائم الإفراج

على صعيد قرارات العفو سجلت أعداد المفرج عنهم ألف سجين منذ إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي. بينهم هيثم محمدين وزياد العليمي. كما حصل العشرات على إخلاء سبيل من سراي النيابة. وأعلنت لجنة العفو عن استمرار صدور قرارات أخرى بالإفراج مستقبلا.

ثانيا: احتجاجات السجناء

الإضراب عن الطعام

يخوض عدد من السجناء احتجاجات ضد ظروف سجنهم. فيما يستمر علاء عبد الفتاح في الإضراب عن الطعام. كما نقلت حملة إلى آخر سجين خبرا يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن أن عددا من نزلاء سجن “بدر 3” بدؤوا إضرابا عن الطعام وامتنعوا عن قبول وجبات السجن احتجاجا على ظروف السجن “السيئة”. مطالبين بالسماح بالزيارات وتمكينهم من ملابسهم والممتلكات الشخصية التي جردوا منها. غير تسليط كشافات الضوء عليهم طوال اليوم ومنذ وصولهم إلى السجن في يونيو/حزيران الماضي.

علاء عبد الفتاح مستمر في الإضراب عن الطعام ومطالبات محلية ودولية للإفراج عنه

علاء عبد الفتاح مستمر في الإضراب عن الطعام ومطالبات محلية ودولية للإفراج عنه

شكاوى واستغاثات

أطلق أهالي المواطنين السجناء بسجن العقرب استغاثة بسبب ما أسموه “الانتهاكات التي يتعرض لها ذووهم” بعد نقلهم من “شديد الحراسة 1” إلى “شديد الحراسة 2”. فهم ممنوعون من التريض والعلاج مع غلق نظارات الزنازين الموجودة في الأبواب وأيضا منع الكانتين.

ورصدت شكاوى عدة من أهالي السجناء في مجمع السجون الجديد “بدر” ومن بين الشكاوى سوء حالة مياه الشرب وعدم تمكن السجناء من شراء بعض المستلزمات من كانتين السجن. إضافة إلى نظام إدارة ومراقبة السجن والذي يتزامن معه إضاءة أنوار ساطعة بالعنابر طوال 24 ساعة. ورفض إدارة السجن تخفيضها أثناء ساعات النوم. ما يسبب “ضيق نفسي” دفع بعض المحامين لتقديم دفوع بوصف أن هذا الإجراء يعد ضمن “سوء المعاملة”.

هذا ويمر عام على إطلاق مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بينما التحسن في سجل السجناء بما فيها أماكن الاحتجاز ما زال بطيئا.

رفض المثول للتحقيق

وفي احتجاج نادر رُصد منذ الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي امتناع 50 من السجناء على ذمة 4 محاضر في محافظة الشرقية عن المثول أمام قاضي التحقيقات. وهى المحافظة التي شهدت عدة حملات أمنية وتسجيل قضايا جديدة بتهم بينها نشر وبث أخبار كاذبة غير تدوير في بعض القضايا.

ثالثا: موت المحتجزين

خلال الشهرين الماضين كانت حالات أقل من معدل الموت في أغسطس والذي أصدر المركز بشأنها تقريرا مفصلا. ويتضح من تحليل الحالات أن أغلبها وقع بين سجناء في قضايا سياسية.

ويمكن تحليل حالات الموت في الشهرين السابقين من حيث نوعية القضايا وأماكن الوفاة:

تبلغ حالات الموت التي أمكن توثيقها بين السياسيين 6 حالات. إضافة إلى حالة واحدة بين الجنائيين. وهي التي وُجهت فيها تهم سوء المعاملة. بينما نفت أجهزة الأمن ذلك. ومن حيث أماكن الوفاة فهناك 7 حالات موت تتوزع بين المستشفى (3 حالات) وأماكن الحجز. بينما هناك حالة حدثت فيها الوفاة بعد الإفراج عن السجين بأسبوع وبعد تدهور حالته الصحية.

الحالة الصحية والعمرية:

أغلب حالات الوفاة خلال فترة الرصد تعاني أمراضا متنوعة. منها السرطان والقلب والسكري. وأيضا أغلب الحالات فوق سن الأربعين. ويوجد شابان بين حالات الوفاة. وتم نقل بعض المحتجزين إلى المستشفى.

الانتماء الجغرافي:

ما زالت محافظة الشرقية تشهد عددا كبير نسبيا في القضايا السياسية وحالات موت للسجناء. كما يتضح من الرصد أن أغلب حالات الموت تنتمي جغرافيا إلى المحافظات وهو ما يتشابه مع شهر أغسطس أيضا.

تقسيم لحالات وفاة السجناء من حيث أماكن الوفاة والعمر والقضية
تقسيم لحالات وفاة السجناء من حيث أماكن الوفاة والعمر والقضية

توصيات:

التوسع في الإفراج الشرطي والصحي خاصة لكبار السن والحالات التي تعاني أمراضا. فضلا عن تسريع وتوسيع وتيرة الإفراج من قبل لجنة العفو الرئاسي. بالإضافة إلى أهمية توفير رعاية صحية ملائمة بوجود وحدة صحية بكل سجن. ومراعاة حالات السجناء الذين يعانون أمراضا مزمنة. ومراجعة أوضاع السجون التي حدثت فيها حالات موت والتحقيق في ظروف موتهم.