رغم أن مخصصات دعم القطاع الكهربائي في الموازنة العامة للدولة سجلت (صفر) آخر عامين ماليين 2020-2021 و2021-2022، إضافة إلى العام المالي الجاري، -وفق البيان المالي المعروض على مجلس النواب، إلا أن الحكومة قالت الأيام الماضية أنها تحملت دعما للمواطنين يتخطى 40 مليار جنيه.
ويعني عدم وجود دعم للكهرباء في موازنة الدولة بداية من منتصف 2020، أنَه قد تم تحرير سعر الكهرباء، ولا يوجد دعم للمواطن، فلماذا تحملت الحكومة 40 مليار جنيه في أقل من 5 أشهر وبالتحديد منذ بداية العام المالي 2022/2023، رغم وجود احتياطي في الكهرباء يقارب الـ 30 ألف ميجا وات يوميا؟
اقرأ أيضا.. دفتر الشكاوى يرد على “مساهمة دعم الكهرباء والبوتاجاز في تخفيض نسبة الفقر”
قبل عام 2014 عانت الدولة من أزمة على مستوى توليد الطاقة الكهربية. ما أثر في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية. لذا كان التوجه هو التوسع في إنشاء محطات توليد سواء تقليدية أو جديدة ومتجددة. حتى تمكنت الدولة من الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وتحقيق فائض 25% غير مستغل.
ورغم تحقيق الاكتفاء الذاتي فإن الدولة لا تزال تقوم بتحريك سنوي في تسعيرة الطاقة الكهربية المباعة للمواطن. بحجة أن الموازنة العامة تتحمل دعمًا كبيرًا فيما يتعلق بسعر الغاز الموجه إلى محطات التوليد. بالإضافة إلى رغبة الحكومة في بيع الكهرباء للمستهلك بسعر التكلفة.
في سبيل ذلك تبنت الحكومة برنامجًا لرفع الدعم عن الكهرباء تدريجيا وإعادة هيكلة الأسعار بالكامل في السوق المحلية. بحيث يتم تحرير الدعم نهائيًا على جميع فئات الاستهلاك.
إعادة هيكلة الأسعار
وفي عام 2014 رفعت الحكومة أسعار الكهرباء لأول مرة، بعد أن وصلت الالتزامات الواجبة على وزارة الكهرباء إلى نحو 163 مليار جنيه، من بينها متأخرات لوزارة البترول والمالية تصل إلى 56 مليار جنيه، كما أعلنت بعدها بعامين عن اعتزامها إجراء المزيد من الخفض لدعم الكهرباء، ضمن برنامج صندوق النقد الدولي الذي استمر لثلاثة أعوام بقيمة 12 مليار دولار.
وخططت الحكومة في الأصل إلى إلغاء الدعم على الكهرباء بالكامل بحلول يوليو 2022، لكنها قررت في عام 2020 تأجيل الموعد النهائي لهيكلة الدعم إلى منتصف 2025.
وقال مصطفى بدر، الخبير الاقتصادي في تصريح خاص، أن تأخير برنامج إلغاء الدعم على الكهرباء جاء في وقت تطلعت فيه الحكومة إلى عدم زيادة أعباء جديدة على المواطنين بسبب جائحة فيروس كورونا، وارتفاع الأسعار منذ نهاية 2019 وحتى الآن.
تابع أن الحكومة ألغت في 2020 الدعم بالكامل عن الاستهلاك المنزلي الذي يتخطى 650 كيلووات ساعة شهرياً، ليحصل المواطن على الكهرباء بالتكلفة الفعلية.
دعم الأقل استهلاكا
ويوضح حافظ السلماوي رئيس مرفق تنظيم الكهرباء السابق، أن رفع الدعم عن الكهرباء في موازنة الدولة، لم يكن يعني أنه تم الإلغاء الكامل للدعم لجميع شرائح المستهلكين، لأن هناك “دعم تبادلي” بين كثيفي ومنخفضي الاستهلاك، بحيث يستمر دعم محدودي الدخل “الشرائح مرتفعة الاستهلاك للكهرباء ستدفع بقيمة أعلى ويذهب الفارق إلى الفئات الأقل استهلاكًا لتحقيق التوازن في السوق”. وهذا معناه أن الحكومة لا تدعم أي شريحة كهربائية وإنما الرقم المقدر هو عبارة عن تقدير التكلفة التي تعتمد على سعر المحروقات والغاز المستخدم في عمليات إنتاج الكهرباء.
شرح في تصريحات خاصة، أن الاستهلاك المرتفع الذي يتخطى حاجز الـ 1000 كيلووات ساعة شهرياً هو من يطبق بشأنه “الدعم التبادي” ويعني ذلك أنَّهم يحصلون على الكهرباء بأكثر من سعر التكلفة لصالح دعم الشرائح منخفضة الاستهلاك. والوضع الحالي معناه أن الفئات الأكثر استهلاكًا هي من تتحمل فارق قيمة الدعم للفئات الأقل استهلاكًا وليس وزارة الكهرباء، وبالتالي مخصصات الكهرباء بالموازنة العامة يصبح صفر% دون تحمل تكلفة لشرائح استهلاك الكهرباء المختلفة.
أما فيما يتعلق بالقطاع الصناعي فقد أوضح أن الدولة خصصت 5 مليارات جنيه لتخفيض سعر الكهرباء للقطاع الصناعي حتى منتصف 2023 -نتيجة التقلبات العالمية التي أثرت على القطاعات الصناعية المختلفة- وهو ما يعطي نوعًا من الاستقرار داخل قطاع الصناعة من تقلبات مدخلات الإنتاج التي يستحوذ فيها بند الطاقة على نسبة تتراوح بين 20 و50% وفق كل صناعة على حدة.
لماذا أنفقت الحكومة 40 مليارا؟
ورغم أن الدعم الذي يُقدم لبعض شرائح الكهرباء منخفضة الاستهلاك يأتي عبر الدعم التبادلي، إلا أن الحكومة خرجت الأسبوع الماضي لتؤكد أن ما تتحمله الدولة في بند الكهرباء فقط وصل إلى نحو 40 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري.
ووضح محمد السبكي رئيس هيئة الطاقة المتجددة السابق، أن البيان المالي للعام المالي 2022/2023 لم يشمل دعمًا للكهرباء، لكن عدد من المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد المحلي -تأثرًا بالأوضاع العالمية- دفعت الحكومة إلى تأجيل تحريك أسعار الكهرباء خلال يونيو الماضي، وتسبب ذلك في تحمل الدولة نحو 10 مليارات جنيه نظير ارتفاع المحروقات وتراجع عائد القطاع المستهدف.
أضاف أن القرار الرئاسي الصادر أكتوبر/تشرين أول الماضي أيضًا بعدم إجراء أي تحريك على مستوى أسعار الكهرباء حتى بداية العام المالي المقبل، وتأجيل الزيادة الثانية التي كان مقرر تطبيقها بداية يناير/كانون ثاني 2023، زادت من إجمالي المخصصات المالية التي تحملتها الدولة إلى ما يزيد عن 40 مليار جنيه.
وأرجع السبكي السبب الرئيسي في تحمل الحكومة 40 مليارًا لقطاع الكهرباء، إلى تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي عالميًا ما يزيد عن 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. في وقت تبيع فيه وزارة البترول، الغاز الطبيعي إلى محطات الكهرباء بـ 3.25 دولارًا فقط لكل مليون وحدة، أي أن الحكومة تحملت فارق حوالي 3 دولارات.
عاملان رئيسيان
تابع أن الحكومة حاولت تجنب تلك التكاليف من خلال ترشيد استهلاك الغاز الطبيعي في محطات الكهرباء بسبب ارتفاع الأسعار عالميًا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى رغبة الدولة في زيادة صادراتها من الغاز المسال للسوق الأوروبية لتحقيق عائد دولاري جيد للموازنة “استهلاك الغاز في الكهرباء حمل الدولة تكاليف عالية وأضاع عليها فرصة لزيادة مكاسبها من التصدير”.
لفت إلى أن توفير جزء من احتياجات محطات الكهرباء من أنواع المحروقات الأخرى تأثر سلبًا بتراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار خاصة بعد قرار البنك المركزي الأخير بتعويم الجنيه تأثرًا بأزمة الدولار التي ضربت السوق.
من جانبه لفت خبير الطاقة عبد الله المحجوب، في تصريح خاص، إلى أن مستهلكي الكهرباء لم يكن لديهم الاستعداد على تحمل زيادتين متتاليتين في أسعار الكهرباء خلال -يونيو/حزيران وديسمبر/كانون أول 2022- في ظل ارتفاع أسعار باقي السلع والمنتجات الأساسية. وبالتالي قرار تحمل الحكومة هذا الفارق كان الصواب.
تطرق إلى أن عددا كبيرا من مشتركي الكهرباء من الفئات المتوسطة والأقل دخلًا -يتجاوز عددهم حاجز الـ 15 مليون مشترك- هم الفئة التي تحصل على دعم تبادلي، ويحصلون على الكهرباء بقيمة تصل إلى 50% من تكلفتها، وهذه الفئة كانت بحاجة إلى برامج حماية مجتمعية -بتثبيت الأسعار- رغم ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء بسبب سعر الغاز العالمي.
هل تتضاعف الأسعار منتصف 2023؟
التغيرات التي طرأت على مستوى دعم الكهرباء قد تدفع بالحكومة إلى مزيد من النفقات في بند الكهرباء خلال الأشهر المقبلة، وذلك حال استمرار اضطراب السوق بالأزامات الاقتصادية واستمرار الحرب في أوروبا التي ألقت بظلالها على أسعار كامل السلع الحيوية وبالتحديد المحروقات والغاز الطبيعي -وفق لطفى بدر، الخبير الاقتصادي.
بين أن وزارة الكهرباء قد تلجأ إلى معايير جديدة لتحديد حجم الزيادة القادمة في تسعيرة الكهرباء بدلًا من الأسعار التي سبقت وأعلنتها حتى 2024/2025، وذلك تجنبًا لتحمل نفقات أعلى في بند الكهرباء خلال الفترة القادمة.
أوضح أن الزيادة القادمة في تسعيرة شرائح الكهرباء من المقرر أن تكون مع بداية العام المالي 2023/2024، أي بداية يوليو 2024. وحينها ستعدل وزارة الكهرباء الأسعار بنسب مضاعفة قد تصل إلى 30%، باعتبار أن الفترتين السابقتين لم تشهدا أية تعديلات، وسيكون حجم الزيادة مضاعفًا ومضافًا عليه نسب الزيادة السابقة.
صندوق النقد وتحركات الأسعار
رفع الدعم عن الكهرباء والوقود كان واحدًا من اشتراطات صندوق النقد خلال المدة الماضية، وهو ما وافقت عليه الحكومة، إذ حُرِّرَت أسعار الوقود جزئيًا، فيما تستهدف رفع الدعم عن الكهرباء في موعد أقصاه 2025، وبالتالي سيكون تحريك أسعار الكهرباء حتميًا مع بداية العام المالي 2023/2024 -وفق عبد الله المحجوب-.
أوضح أن قرار زيادة أسعار الكهرباء مطلع العام لا مفر منه، في ظل المساعي الحكومة لمواجهة العجز في الموازنة، وكذلك تفعيلًا للمحادثات التي تمت مؤخرًا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
بين أن أسعار المحروقات وبالتحديد الغاز الطبيعي لم تشهد أي استقرار حتى الآن، وبالتالي استمرارها في الصعود قد يصعب من تكاليف مدخلات الإنتاج التي يتم تحميلها في النهاية على المستهلك بعد رفع الدعم.