تشهد مصر منذ سنوات فجوة غذائية، تتمثل عناصرها، في الفارق بين الإنتاج والاستهلاك. خاصة في قطاع اللحوم والحبوب والزيوت.

ورغم ما تظهره مؤشرات حديثة حول تحقيق البلاد الاكتفاء الذاتي من الثروة الداجنة، بحجم استثمارات يقارب 100 مليار جنيه، تظل معدلات الاستيراد عالية في قطاع اللحوم والأسماك والألبان ومنتجاتها، ضمن فاتورة استيراد المواد الغذائية، ومعها يتراجع الأمن الغذائي، ويظل الوضع مرهون بحجم المخزون الاستراتيجي المتوافر. ذلك في ظل ضعف الإنتاجية، والتي تتعلق بأسباب عدة منها عجز في الإنتاج الزراعي والحيواني، يفاقم الأزمة.

يقدم “مصر 360” في هذا الملف عرضًا لجوانب الفجوة الغذائية، موضحة بمؤشرات الاستهلاك والإنتاج، وحجم العجز. كما يتناول أسباب الفجوة، بما فيها انخفاض المساحات الزراعية، وارتفاع أسعار الأعلاف والذرة، وأزمة سلاسل التوريد، وتأثير الحرب في أوكرانيا على أسعار الغذاء وخاصة الحبوب.

للاطلاع على الملف كاملًا..

يعتمد الملف -في طرحه- على آراء خبراء ومختصين في قطاع الزراعة والغذاء، يناقشون جوانب الأزمة ويطرحون حلولا لها. ويتطرق للإجابة على أسئلة مهمة، تتضمن: كيف نسد الفجوة الغذائية؟ ومتى تصاعدت؟ فيما يستعرض أيضًا سياسة التحرير والإصلاح الزراعي برؤية تاريخية، متناولًا تأثيراتها على قطاع الزراعة، وكذلك أوضاع الفلاحين المصريين، والقوانين التي تحكم ملكية الأراضي الزراعية.

لماذا زادت الفجوة؟

في تقريره عن “لماذا زادت الفجوة الغذائية بمصر.. وكيف نسدها؟”، يستعرض المحرر الاقتصادي محمد حميد، كيف أن مصر لا تزال تُعاني فجوة غذائية كبيرة، مدفوعةً بعدم قدرتها على توفير احتياجاتها من البروتين. ذلك كونها تعتمد في سد احتياجاتها على الخارج.

وقد بلغ حجم استيراد اللحوم حوالي 12.1% سنويًا، ونحو 20.2% من اللحوم الحمراء، ونحو 17.6% من الأسماك، ونحو 19.5% من الألبان ومنتجاتها، من إجمالي ما تستورده مصر من المواد الغذائية. الأمر الذي تراجع معه معامل الأمن الغذائي للسلع الحيوانية في البلاد. إذ بلغ متوسطه في اللحوم الحمراء 0.012%، وفي الأسماك 0.02%، وقرابة 0.04% في اللحوم البيضاء. ما يشير إلى ضعف المخزون الاستراتيجي وحجم التربية في مصر.

التقرير يستند إلى بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي وجهاز التعبئة العامة والإحصاء، إلى جانب الدراسات التي تناولت الأزمة، ومنها ما استعرضه الباحث الاقتصادي حازم الهواري حول أزمة اللحوم الحمراء في مصر، في دراسة مدفوعة بالبيانات، أعدها لبنك الاستثمار القومي الحكومي.

وقد أكدت الدراسة أن مصر لديها فجوة كبيرة في توفير احتياجاتها الغذائية وتغطيتها من السوق المحلي، يرجع بشكل كبير الي الزيادة السكانية الكبيرة والتي تنمو من عام لآخر بشكل متوالي، في الوقت الذي تنحصر فيه الثروة الحيوانية نتيجة تراجع فيه المساحات الزراعية وانكماشها بفعل استمرار التجاوزات في البناء وإقامة المساكن على الأراضي الزراعية. فضلًا عن التكاليف الباهظة التي تحتاجها عملية الاستصلاح الزراعي للأراضي الصحراوية. وبالتالي، ستظل عملية تغطية وتوفير الاحتياجات الغذائية تحدي كبير أمام الدولة نتيجة عدم تواجد مقومات العملية الغذائية.

الاستيراد الضخم

يناقش تقرير “أمن مصر الغذائي” ما شهدته منتجات الحبوب والزيوت في مصر من أزمة أسعار كانت نتاجًا لاعتماد مصر بشكل كبير على الاستيراد. إذ وبحسب بيانات الغرف التجارية، تستهلك مصر من الفول سنويًا حوالي 700 ألف طن، 580 ألف طن منها يتم استيراده من الخارج. بينما يبلغ المنتج المحلي منها نحو 135 ألف طن في المتوسط سنويا.

وكميات الفول المستهلكة محليا تلك، تتم معالجة الغالبية العظمى منها (400 ألف طن) بالجرش لصالح محال الفلافل، بينما الباقي (300 ألف طن) يتم استهلاكه كما هو؛ سواء أخضر أو مدمس.

كذلك هو الأمر بالنسبة للقمح، فإن مصر التي تحتل المرتبة الأولى في قائمة مستوردي القمح بالعالم (12.9 مليون طن للحكومة والقطاع الخاص)، لا يمكنها تنمية الإنتاج المحلي لديها لعدة عوامل، أهمها التكاليف الإنتاجية للفدان، التي بلغت خلال الفترة من 2012 إلى 2016 نحو 5437 جنيهًا. وهو أعلى من المعدل العالمي البلغ 5178 جنيها. بينما صافي العائد المالي من الفدان الواحد لا تتجاوز 3838 جنيهًا.

كما أن البلاد تعاني من تناقص الرقعة الزراعية، وتآكل الحيازات الزراعية. الأمر الذي يؤثر على عائد المزارع، إذا كان مثلا ممن يملكون نصف فدان (لن يحصل مقابل الجهد طوال موسم الزراعة والحصاد سوى على 1650 جنيهًا كربح صافٍ).

تعاني مصر من تناقص الرقعة الزراعية وتآكل الحيازات الزراعية (الصورة: وكالات)
تعود بعض أسباب تدهور أحوال المزارعين في مصر إلى تناقص الرقعة الزراعية وتآكل الحيازات (الصورة: وكالات)

تدهور أحوال الفلاح

يتتبع تقرير “تدهور أحوال الفلاحين” ما شهدته تسعينيات القرن الماضي، عندما تبنت الحكومة سياسات زراعية جديدة، جراء اتفاقها مع منظمة التجارة العالمية “الجات”، والذي منح مصر فترة سماح تمتد بين أعوام 1995 وحتى 2004، لإدخال إصلاحات جوهرية تتعلق بالتخفيف من قيود تسويق الإنتاج الزراعي. بالإضافة إلى إلغاء حصص التوريد الإجباري لبعض المحاصيل، وتخفيض دعم مستلزمات الإنتاج.

وقد نتج عن هذه الإصلاحات إلغاء توريد حصص الأرز، وإلغاء الدعم لجميع مستلزمات الإنتاج، وتقليص دور مؤسسات القطاع العام في توزيع مستلزمات الإنتاج، وخفض الإعانات الائتمانية. وكذلك إلغاء التدخل الحكومي في السياسات السعرية والتركيب المحصولي. الأمر الذي أضر بالمزارع الضلع الرئيسي في مثلث الإنتاج الزراعي في مصر، وفق آراء خبراء ودراسات اعتمد عليها التقرير.

ما علينا فعله

حاول تقرير “صرخة البيض الأورجانيك” الإجابة على سؤال “ما الذي يمكن أن تفعله الحكومة لضبط أسعار المنتجات؟”. ذلك بعد الزيادات التي شهدتها في أعقاب أزمة الحرب الروسية الأوكرانية. وقد استند التقرير إلى آراء الخبراء والمحللين، الذي رأى بعضهم أن الحكومة لا تملك حلًا لمشكلة ارتفاع الأسعار، كونها أزمة عالمية. لكن بمقدورها أن تتخذ إجراءات إدارية ضد التجار بواسطة أجهزتها الرقابية.

ذلك إلى جانب زيادة المعروض من السلع عبر استخدام مخزون الدولة الاستراتيجي من السلع المختلفة. ومعاقبة التجار حال امتنعوا عن تقديم السلعة أو أخفوها.

في تقريرها عن تحرير الزراعة والمحاصيل التعاقدية، تحاول المحررة ألفت كامل، الإجابة على سؤال: “هل تنجح إجراءات الدولة المتأخرة في ترميم تصدعات الزراعة المصرية المتراكمة منذ 40 عام؟” شارحةً ماذا تعني سياسة تحرير الزراعة وما تعنيه التعاقدات الزراعية، مستعرضة مميزاتها والمشكلات التي تواجه المنتجات الزراعية المصرية، ذلك وفقًا لخبراء في الاقتصاد والسياسات الزراعية.