تظل الضرائب وقضية الإصلاح الضريبي أحد أهم الملفات التي تشهد حالة كبيرة من الجدل لما تمثله من أهمية بالغة داخل المجتمعات المختلفة. في مصر يطرح النقاش حول عدالة الأعباء الضريبية نفسه بقوة، خاصة حينما تكون النسبة الأكبر من ضريبة الدخول والأرباح، من رواتب موظفي الدولة أو العاملين في القطاع الخاص الذين يعملون بعقود مثبتة رسميا.

يأتي هذا في الوقت الذي قررت فيه عدة دول استحداث أنواع جديدة من الضرائب للمساعدة في حل أزمة الإصلاح الهيكلي للضريبة مثل ضريبة الكربون للحد من التلوث البيئي وحماية المناخ، أو ضريبة الخدمات الرقمية التي تطبق في المملكة المتحدة وتركيا والنمسا. بالإضافة إلى إصلاح ضريبة الدخل، وفرض ضرائب على الشركات عابرة الحدود وتحويل الثروات للخارج، وأخيرا بناء جسور الثقة مع المواطنين الذين يعدون الممول الأول للضريبة.

يفتتح الباحث محمد سالم ورقة سياسات جديدة، صادرة عن “مصر 360″، بخلفية تاريخية مبسطة عن فكرة الضرائب ومفاهيم العدالة والكفاءة، تتناول عددا من الأسئلة حول النظام الضريبي المصري وتكوينه، ومدى تحقيقه للعدالة، وكفاءته في جلب الموارد المطلوبة، عبر أداة التحليل الوصفي. وكذلك تناقش مدى احتياج النظام الضريبي لإصلاحات على مستوى السياسات والتشريعات والإجراءات، مدعمة ببعض التجارب والخبرات الدولية التي من الممكن الاستفادة منها.

اقرأ أيضا.. ملفات خاصة| الفجوة الغذائية في مصر.. عجز مزمن وبدائل مطروحة

لقراءة الورقة كاملة:

خلفية تاريخية

محمد علي باشا

“لا شيء حتمي كالموت والضرائب”، تلك العبارة المنسوبة إلى “بنجامين فرانكلين” أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، تشير لاعتبار الضرائب منذ ذلك الحين بمثابة حق مسلم به تمامًا مثل الحق في الطعام والمسكن والحياة والأمان، وهو ما يعكس تطور أفكار البشر والمجتمعات حول فكرة الضرائب وأهميتها.

سُجّلت أول ضريبة منظمة في مصر في العام 3 آلاف قبل الميلاد، والتي وثقتها كتب التاريخ والكتب الدينية المقدسة، فقد استخدم الفراعنة الضرائب في بناء مخازن الحبوب وإطعام الفقراء أثناء فترات الحاجة.

وفي مصر عرفت الدولة الحديثة الضرائب في عهد محمد علي، حيث لم يكن للضرائب قاعدة أو نظام قبل المسح الكامل للأراضي وإنشاء السجلات التي قام بها محمد علي، قبل أن تتمكن حكومته لاحقًا من فرض الضرائب والإتاوات، والتي كانت تتم في البداية بعد استشارة العلماء وأعيان المجتمع.

لقراءة الورقة كاملة اضغط هنا

الجهد الضريبي المصري

يعرف الجهد الضريبي بأنه نسبة التحصيل الضريبي الفعلي إلى الإمكانات الضريبية التقديرية، فكلما زاد الجهد الضريبي في دولة كلما تضاءلت الفجوة بين التحصيل الضريبي الفعلي والإمكانات الضريبية التقديرية.

تطور حجم الإيرادات الضريبية في الموازنة العامة للدولة بشكل كبير، فكانت حجم الإيرادات الضريبية للعام المالي 2005 / 2006 هي 97.2 مليار جنيه، حتى وصلت إلى 1.168 تريليون جنيه في العام المالي الحالي 2022 / 2023.

ويتسم الجهد الضريبي المصري بممارسات التجنب الضريبي، حيث لا تزال العديد من الأنشطة والقطاعات غير خاضعة للنظام الضريبي المصري، بسبب تأثيرهم ونفوذهم السياسي والاجتماعي، مما يمكنهم من تأجيل أو تعطيل أو منع استحداث أو تطبيق ضرائب بعينها، أو ارتفاع مستويات التهرب الضريبي، عبر عدم تقديم الإقرارات الضريبية.

قراءة في الهيكل الضريبي المصري

ينقسم الهيكل الضريبي المصري إلى ضرائب مباشرة، وضرائب غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات ويمكن نقل عبئها على المستهلكين، وهي ما تطرح أسئلة عديدة عن العدالة في الهيكل الضريبي المصري.

حيث لم تتخط نسبة الضرائب المباشرة 50% من إجمالي الحصيلة الضريبية سوى في العام المالي 2019/2020 والذي يمكن تفسيره بانخفاض الاستهلاك في الأشهر الأولى لعام 2020 نتيجة جائحة كورونا والإغلاق الذي صاحبها من مارس/آذار وحتى يونيو/حزيران، لكن وبشكل عام فإن نسبة الضرائب غير المباشرة كبيرة ومتزايدة على الدوام.

من خلال مراجعة الموازنات العامة منذ عام 2005، فإن ضريبة المبيعات والتي أصبحت لاحقًا القيمة المضافة زادت قيمتها وأهميتها بشكل كبير في الهيكل الضريبي الإجمالي، حيث ارتفعت نسبتها من 28% عام 2005/2006 ووصلت إلى أكثر من 40% في موازنة 2021/2022 وهو ما يعكس مدى التوسع في تطبيق الضريبة على أعداد أكبر من السلع والخدمات، وتزايد مستويات التحصيل.

الزيادة “الكمية” في حجم الحصيلة الضريبية، هي بالتأكيد أمر جيد، لكن لا تخطئ الأعين ملاحظة أن نسبة حصيلة الضرائب بأكملها من الناتج المحلي الإجمالي، تتراوح بين الـ11% والـ 13%، وهو ما يعني بأن التطور الكمي في الحصيلة لا يعكس تحسنًا في الجهد الضريبي.

النقاش حول عدالة الأعباء الضريبية يطرح نفسه بقوة، ولاسيما حينما نلاحظ أن النسبة الأكبر من ضريبة الدخول والأرباح (428.7 مليار جنيه في موازنة العام الحالي) يتم تحصيلها من مرتبات موظفي الدولة أو مرتبات القطاع الخاص “المثبتة بعقود رسمية” عبر الاقتطاع من المنبع، بإجمالي 110 مليارات جنيه، وهم بحسب إحصاءات المركزي للتعبئة والإحصاء 53.8% فقط من العاملين بالقطاع الخاص، فضلًا عن إمكانيات التلاعب في حجم المرتبات المذكورة في العقود الرسمية داخل القطاع الخاص.

سياسات للإصلاح

وزير المالية الدكتور محمد معيط أكد أن الإيرادات الضريبية سجلت نموا 18.7% مقارنة بالعام الماضي

1- استحداث ضريبة الكربون

في ظل حاجة العالم لإجراءات ملموسة لمكافحة تغير المناخ وابتكار أدوات لخفض الانبعاثات الكربونية وتحفيز الاستثمارات لتكون صديقة للبيئة.

فكرة تسعير الكربون تهدف إلى إعادة عبء الضرر على المسؤولين عنه، بتعويضهم للمجتمعات عن تلك الانبعاثات الملوثة للبيئة التي ينتجونها في حال رغبتهم في استمرار نفس الأنشطة الملوثة للبيئة، وعدم خفض تلك الانبعاثات أو تحويل أنشطتهم لأنشطة ذات نمط أكثر استدامة وصداقة للمناخ.

2- ضريبة للخدمات الرقمية

تطبق المملكة المتحدة، وتركيا والنمسا، وعديد من الدول الأخرى، فكرة فرض ضريبة بنسبة صغيرة على المعاملات على خدمات الإعلانات من خلال المنصات الرقمية، أو خدمات التجارة الإلكترونية عبر تسويق وبيع السلع والخدمات.

3- إصلاح ضريبة الدخل

مع كل نقاش عن الضرائب يتجدد الحديث عن عدالة ضريبة الدخل وأسعارها وحصيلتها وطريقة حسابها، فهذا الشكل المحاسبي يعبر عن شرائح ضريبة الدخل المطبقة حاليًا بشكل تصاعدي، عند سعر إعفاء 9 آلاف جنيه للأعزب والمتزوج.

4- ضرائب الشركات عابرة الحدود وتحويل الثروات للخارج

منذ قرن من الزمن وحركة التجارة العالمية تتطور بشكل كبير، اتفاقيات التجارة الحرة، والعولمة، وظهور الشركات متعددة الجنسيات ساهمت في خلق فرص تجارية واستثمارية كبيرة، تتنافس الدول في اجتذاب تلك الشركات عبر مميزات كثيرة منها الإعفاءات الضريبية المخفضة، والاستفادة من اتفاقيات عدم الازدواج الضريبي، أو ممارسة بعض الشركات الكبرى لإجراءات معروفة للتجنب الضريبي عبر تحويل الأرباح للملاذات الضريبية المشهورة، وذلك بالتزامن مع نمو الأرباح السنوية للشركات متعددة الجنسيات بما وصل لـ 9٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي.

5- بناء جسور الثقة مع المواطنين

في معظم البلدان الإفريقية، يبدي أقل من نصف دافعي الضرائب ثقتهم في إدارات الضرائب، مع انخفاض مستويات الثقة إلى أقل من 30٪ في بعض البلدان. وفي أمريكا اللاتينية، ينخفض مستوى الثقة في الحكومة إلى 26٪ (كما في الأرجنتين) و17٪ (كما في البرازيل). والنظام الضريبي المصري ليس ببعيد عن هذه المشكلات.

التوصيات:

1- ضرورة بناء جسور ثقة حقيقية بين الممولين والإدارة الضريبية.

2- إعادة هيكلة مصلحة الضرائب المصرية من خلال إتمام التحول الرقمي، والسماح بتقديم الإقرارات الضريبية إلكترونيًا.

3- إعادة النظر في بيئة عمل العنصر البشري في الجهاز الضريبي وتحفيزه على العمل الكفء.

4- مكافحة ممارسات التجنب الضريبي المختلفة في المجال التجاري وتحويل الأرباح للخارج.

5- المزيد من بذل الجهود نحو محاصرة اقتصاد الظل أو القطاع غير الرسمي من أجل توسيع القاعدة الضريبية.

6- ضرورة تبني الدولة برنامج تحفيزي لتسجيل الثروات العقارية بدون كلفة كبيرة على المواطنين، بحيث يسهل حصر الثروة العقارية بشكل دقيق.

7- ضرورة الاتجاه نحو تطبيق ضرائب حديثة مرتبطة بالتنمية المستدامة مثل ضريبة الكربون، وبدء الإعداد لها.

8- دراسة الطاقة الضريبية للممولين ومقدرتهم على تحمل كافة تلك الأنواع من الضرائب والرسوم في ظل تطورات مستويات الدخول والأجور والتضخم.

9- ضرورة وجود مجلس أعلى للضرائب بشكل فاعل وحيوي.

10- إعادة تصميم السياسات الضريبية بما يستهدف تعديل الهيكل الضريبي.

11- ضرورة إعادة النظر في الجزاءات والعقوبات الضريبية بما يحقق التناسب بين العقوبة والجريمة المرتكبة.

12- أهمية إنشاء منتدى حكومي إقليم عربي لتحقيق التكامل في السياسة الضريبية وتعزيز التعاون في مكافحة التهرب الضريبي.

13- العدول عن طريقة التقدير الجزافي عند غياب الإقرار الضريبي أو الشك فيه.

14- العمل على تحسين مستويات الأجور في القطاع الرسمي.

15- المزيد من تطبيق قواعد الشفافية وتحسين مستويات الإنفاق العام بما يتواءم مع احتياجات المواطنين، ويحقق لهم الشعور بالرضا من خلال طريقة إنفاق المال العام الممول من جيوب دافعي الضرائب.