يُقال في وصف زيارةٍ نادرة أو غالية أو للاثنتين معًا أنها “خطوة عَزيزة”. وهكذا كانت -على وجه الضبط- زيارة الضيف العجوز. حين تقدم إلى المنصة مرتديًا ربطة العنق الأثيرة لديه والتى ظهر بها عند إعلان استضافة بلاده الألعاب الأوليمبية في 2016، تصاعد الهتاف مُدويًا “أوليه أوليه أوليه”.

لم يكن من السهل تحديد جنسيات أصحاب الهتاف سواء من خلال ملامح وجوههم أم من خلال لكناتهم المتعددة. كان الهتاف أُمميًا بامتياز وغير رسمي بجدارة كما لو كانت شعوب العالم تحتفل على أرض شرم الشيخ بالخطوة العزيزة للعجوز القادم من أحراش الأمازون نابضًا بفَائقِ الحيوية.

وعلى الرغم من أن صاحب الخطوة العزيزة الذي حضر بعدما غادر أغلب زعماء العالم المؤتمر، لم يتقلد بَعد مهام منصبه رسميًا فإنه قد نجح أمام العالم في طرح ملامح استراتيجية العمل التي سيتبناها حين يعود بعدما زاد على عقدٍ من الزمان إلى قصر “ألفورادا” في الأول من يناير 2023 مُعَمِّدًا نفسه كمسيحٍ جديد حين قال نَصًا: “إن العالم يتغافل عن التحذيرات الخاصة بتغير المناخ في الوقت الذي ينفق فيه تريليونات الدولارات على الحروب. إن العالم بحاجة إلى قيادة أفضل للمواجهة تغير المناخ. لقد غادرت البرازيل الشرنقة عائدة للساحة الدولية”.

كانت فترة حكم سلفه “جايير بولسونارو” كارثية بكل ما تحتويه الكلمة من معانٍ. وكان مستقبل البشرية يقتضي غيابه. كان نشطاء البيئة البرازيليون يصفون “بولسونارو” بأنه “كابوس” ترأس البرازيل لمدة أربع سنوات تفشت فيها أنشطة قطع أشجار الغابات بصورة ممنهجة وأُهدرت قوانين حماية الغابات التي كان لصاحبنا فضل تشريعها وتفعيلها لمستوى انخفض فيه معدل قطع الأشجار بالأمازون إلى ما يقرب من 67% مقارنة بالوضع الذي كان قائمًا عند توليه الحكم في 2003. والذي ما إن تولى “بولسونارو” الذي كان يحتقر البيئة فلا يقيم لها وزنًا مقابل المال إلا وقد عادت للخراب سيرته الأولى لتفقد الأمازون ما يزيد على 13 ألف ميل مربع من الأشجار في الفترة من 2019 إلى 2021 وفق تقرير المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء.

في كلمته لشعوب العالم، جدد صاحبنا تعهده بالعودة لمطالبة الدول الكبرى بالتزاماتها المالية التي قطعتها على نفسها في عام 2015 بتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية لمساعدتها على التحول لمصادر الطاقة النظيفة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

في تقديري أن مبلغًا كهذا لم يعد لائقًا بعد سبع سنوات تراكمت فيها آثار الاعتداءات الحادة على البيئة. وخصوصًا في أمريكا اللاتينية للمستوى الذي كادت فيه رئة العالم الأمازونية أن تتعطل. وأظن أن الكوكب الآن قد صار بحاجة مُلحةٍ لمضاعفة هذا المبلغ حتى يمكن استعادة التوازن البيئي بشكل مقبول.

(خروجٌ محدودٌ عن النص وإن كان ذا صلة نسبيةٍ به: يدرك المتفحص المهموم بقضايا إنسان هذا العصر العبء المالي لأربع أزماتٍ على وجه التحديد تحول دون الإنقاذ. ومن ثم الانطلاق إلى عالمٍ أفضل. وهي أولا: أزمة البيئة التي أُقَدِر عبء إصلاحها بما لا يقل عن 200 مليار دولار سنويًا. وثانيًا: أزمة ديون العالم التي بلغت نحو 300 تريليون دولار بنهاية يونيو من هذا العام يخص دول مجتمعات الأطراف منها نحو 200 تريليون دولار. وثالثًا: أزمة أوكرانيا التي قَدر البعض تكلفة إعادة إعمارها -فقط- بـ750 مليار دولار. ورابعًا: تكلفة استعادة التوازن الديموغرافي وإعادة إعمار الدول التي ضربتها الحروب الأهلية ودمرها الإرهاب بالشرق الأوسط وإفريقيا. وهي لن تقل في تقديري عن 20 ألف مليار من الدولارات.

في المُجمل، يحتاج إنسان هذا العصر إلى تسوية تاريخية يمليها الشعور المحدق بالخطر وتعززها رغبة أتمنى أن تكون صادقة من جميع الأطراف في إنقاذ الكوكب).

على هامش مؤتمر شرم الشيخ، أطلق السيد/فرانز تيمرمانز -نائب رئيس المفوضية الأوروبية نيابة عن الاتحاد الأوروبي- اقتراحًا لإنشاء صندوق للخسائر والأضرار تعزيزًا لطلب من مجموعة الدول النامية الـ77. وأضاف أن هذا الطلب كان محل تردد من جانب المفوضية لأنه يستغرق وقتًا لإنشائه وضخ الأموال به. لكن قرر أن الوقت قد حان لتنفيذ هذا الطلب حيث تطمح المفوضية لخفض الانبعاثات الكربونية التي ستصل إلى الذروة في 2025. ليضيف قائلًا بالنص: “يجب أن تكون هناك صفقة شاملة” This would have to be a package deal.

الارتباط وثيق إذًا بين إصلاح البيئة التي أصاب مجتمعات الأطراف الجزء الأكبر من خرابها وبين الأحوال الاقتصادية التي تحول دون تنفيذ خطط خفض الانبعاثات الكربونية. وعلى رأسها تسوية ديون تلك المجتمعات. حيث بات الخطر محدقًا بالجميع فإما التعاون وإما الهاوية.

نعود لصاحبنا الذي قال له الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” حين التقاه في قمة لندن 2009: “أنت أكثر السياسيين شعبية في العالم”. وأزعم أن بإمكانه -بِحُكم تلك الشعبية- المساهمة في إنقاذ الكوكب من خلال التعاون مع زعماء دول مجتمعات الأطراف من أصحاب التأثير. وكذا من خلال التفاهم مع صانعي القرار بدول مجتمعات المركز. سواء تم إنشاء صندوق الخسائر والأضرار أو أعاقه البعض. فالانطلاق نحو مستقبل أفضلٍ للبشرية يلزمه انعتاق من الديون التي تكبله بقيود تعيق التقدم والتنمية وتَحُول دون تنفيذ خطط خفض الانبعاثات فتلك أمور لن تتحقق إلا بمزيد من إدراك دول المركز لحجم المأزق ثنائي الأبعاد.

خطوة عزيزة “لويس إيناسيو لولا دا سيلفا”.