وصف وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” غياب ملك المغرب “محمد السادس” عن حضور القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر العاصمة، بـ”الفرصة الضائعة”. التصريح رآه البعض مؤشرا إيجابيا يعكس رغبة جزائرية في تسوية الخلاف بين الدولتين، استجابت المغرب له ودعت الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” إلى زيارة الرباط للحوار بين البلدين.
اقرأ أيضا.. الجزائر وتنامي الحضور الإقليمي.. حسابات داخلية وخروج من الانكفاء
عمَق توتر العلاقات الجزائرية المغربية، انضمام المغرب إلى اتفاقية إبراهام لتطبع علاقتها مع إسرائيل وتتعاون معها على أصعدة مختلفة، وما لحق التطبيق من توقيع صفقة عسكرية بين تل أبيب والرباط تقضي بشراء نظام دفاع جوي إسرائيلي تقدر قيمته بـ500 مليون دولار، إضافة إلى التنسيق والتعاون الاستخباراتي وأمني بين البلدين.
كذلك وقعت اتفاقيات سفر بين الطرفين يتم الإعفاء بمقتضاها من إجراءات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمية بين إسرائيل والمغرب. بالإضافة إلى مذكرتي تفاهم في الطيران المدني، والابتكار وتنمية الموارد المائية. كذلك تم الاتفاق على إحياء العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب.
التطبيع يزيد الخلافات
وتعتبر العلاقات المغربية الجزائرية حاليا في أسوأ مراحلها، نظرا لتعقد ملفات الخلاف. إذ قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع المغرب في 25 أغسطس/آب العام الماضي لعدة أسباب أهمها التصريحات الجزائرية بشأن الاعتراف بجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء المغربية. بالإضافة إلى العلاقات المتنامية بين المغرب وإسرائيل إثر اتفاقية التطبيع المبرمة بين الطرفين في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.
في نفس الوقت كان هناك رهانا على القمة العربية التي عُقدت في الجزائر مطلع نوفمبر/تشرين ثاني، كفرصة لقاء وتصفية الخلافات بين الدولتين، إلا أن البيان الختامي للقمة لم يتطرق إلى إمكانية حل الأزمة، ما عكس تباينا في الموقف العربي تجاه الدولتين وتجاه القضايا محل النزاع وخصوصا بعد التطبيع.
تاريخ الخلافات
لكن تاريخ توتر العلاقات بين البلدين أبعد من مرحلة التطبيع. فسبق أن أغلقت الحدود البرية بين البلدين عام 1994 بناء على طلب الجزائر، بعد أن اتهمت المغرب أجهزة المخابرات الجزائرية بالتورط في تفجيرات مراكش باستخدام عملاء فرنسيين من أصول شرق إفريقية. كما فرضت المغرب استخراج تأشيرة دخول للمواطنين الجزائريين وطردت من لا يحملون رخصة إقامة.
وحسب تقرير لمركز كارينجي، لم تكن القطيعة الدبلوماسية الأخيرة هي الأولى من نوعها ولكنها زادت من عمق الهوة التي تجلت في إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران المغربي. كذلك رفض الجزائر تجديد عقد خط الغاز المغاربي الأوروبي الذي يحمل الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر المغرب.
لا انفراجة قريبة
وعن إمكانية حدوث انفراجه قريبة بيت البلدين، يرى الباحث في العلوم السياسية نورالدين اليزيد، أنه لا يمكن حدوثها بأي حال من الأحوال، على الأقل في ظل وجود النظام الجزائري الحالي. كما أضاف أن العلاقات بين الرباط والجزائر لن تعرف أية انفراجة قريبة؛ وإذا كانت القمة العربية التي جرت بداية شهر نوفمبر/تشرين ثاني في الجزائر، حتمت على الأخيرة الالتزام أمام العرب بخفض التوتر مع جارتها الغربية، فإنها سرعان ما بدأت مخالفة ذلك بمجرد إسدال الستار على القمة.
يقول اليزيد لـ”مصر 360″: “لاحظنا كمتتبعين كيف شنت الآلة الإعلامية الجزائرية هجوما حادا يخلو حتى من اللباقة على وزير الخارجية المغربي، الذي صرح على هامش القمة بأنه وجه دعوة مفتوحة للرئيس الجزائري من الملك المغربي بزيارة المغرب، فاستعملت الوكالة الرسمية الجزائرية أقذع النعوت للتهجم على الوزير المغربي متهمة إياه بالكذب”.
ويبدو أن ملفات الخلاف المتعددة بالفعل تمنع عودة العلاقات بين البلدين إلى مستوى أقل من التوتر، خاصة وسط مخاوف الجزائر المتعددة سواء فيما يتعلق بنفوذها في المنطقة أو التطبيع الذي ترى فيه تهديدا مباشرا.
نفوذ إسرائيلي
حصلت المغرب على الاعتراف الدولي بسيادتها على الصحراء الغربية مقابل التطبيع، كذلك تراهن على إحراز نفوذ إقليمي ودولي، على الجانب الآخر، ساعد التطبيع، إسرائيل في التوسع غربا إلى أقصى حدود القارة الإفريقية، بما يرسخ تواجدها في الشرق الأوسط، وهو ما تعارضه الجزائر بشدة، وتعتبره يهدد طموحاتهما للريادة الإقليمية، حيث توثر العلاقة الثلاثية بين الرباط وواشنطن وتل أبيب في تعزيز موقع المغرب الإقليمي على حساب الجزائر ضمن تناقس إقليمي.
القبائل في مواجهة الصحراء
وفي يوليو/ تموز 2021، أثار دعم السفير المغربي لدى الأمم المتحدة “عمر هلال” لتقرير مصير منطقة القبائل ردا على الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، غضب القادة الجزائريين. حيث أعلن هلال، تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في تقرير مصيرهم، وهو ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التي سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب “للتشاور”.
شكلت الواقعة أحد “قواعد اشتباك” جديدة للنزاع بين البلدين، وكأن المغرب يضع الجزائر أمام خيار “اليد الممدودة للملك” أو الربط المنهجي بين الصحراء الغربية ومنطقة القبائل.
تجسس وحرائق
وفي الوقت نفسه تصدرت الصحف تقارير إعلامية –نفتها المغرب فيما بعد- تشير إلى تورط المملكة في استخدام برنامج بيجاسوس للتجسس الإلكتروني لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين جزائريين.
علاوة على ذلك، اتهمت الجزائر المغرب وإسرائيل بالوقوف وراء حرائق الغابات في منطقة القبايل، بالتعاون مع جماعة القبايل الانفصالية MAK، والتي أودت بحياة العشرات وأحرقت مئات الأفدنة من الغابات، في شرق البلاد.
ونتيجة لهذه العوامل، أعلنت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، واتهم وزير الخارجية الجزائري في بيان رسمي، المغرب بالتخلي عن التزامه بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية
واستمرت سلسلة تبادل الاتهامات بين البلدين، حيث نسبت الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى المغرب حادث مقتل ثلاث سائقي شاحنات جزائريين في تفجير بالصحراء الغربية قادمين من موريتانيا.
تداعيات التطبيع
يشكل وجود إسرائيل كحليف للمغرب نقطة محورية في العلاقات المغربية الجزائرية في الوقت الراهن. إذ يخلق تأثيرات على عدة أصعدة، منها البعد الاقتصادي وقضية الحدود وملف الصحراء المغربية.
كما عقُد التطبيع الخلافات الجزائرية المغربية، وجعل إنهاء الأزمة الدبلوماسية أكثر صعوبة، خاصة أن التعاون العسكري والأمني بين إسرائيل والمغرب يمثل حجر عثرة أمام إمكانية عودة العلاقات بين البلدين.
تعقيد الخلاف
أعطى اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية شرعية دولية لتحركات المغرب، كذلك دفع دولا أوروبية لتبني نفس الموقف. ما شكل انتصارا دبلوماسيا للمغرب ضد الجزائر، التي تمثل فاعلا رئيسيا في قضية الصحراء، وجاهدت طويلا لتوفير الدعم السياسي والعسكري لجبهة البوليساريو. حيث وفرت قضية الصحراء مدخل للجزائر لممارسة نفوذ إقليمي في القارة.
أدى الاشتباك بين البلدين إلى تدهور العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى مستوى منخفض. حيث تراجعت صادرات المغرب إلى الجزائر إلى نحو 0.48٪ من إجمالي صادراته. بينما بلغت واردات المغرب من الجزائر نسبة 0.79% من إجمالي وارداته.
دلالات الموقف الجزائري
اتفاق الفصائل الفلسطينية الأخير في الجزائريمكن وصف خطوة قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب بالخطأ الاستراتيجي. إذ يساعد ذلك إسرائيل على التواجد بشكل أكبر. كما أنه لم يخدم قضية الصحراء المغربية. وهناك عوامل دفعت الجزائر تجاه هذا التصعيد منها القضية الفلسطينية والتهديد الأمني المباشر لمصالحها.
ونددت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بالتطبيع المغربي الإسرائيلي، واعتبراه بمثابة خيانة، كما وصف مراقبون فلسطينيون الصفقة المغربية الإسرائيلية بأنها ضربة مزدوجة لأنها تضفي الشرعية على الاحتلال في فلسطين والصحراء.
وقالت حنان عشراوي، عضو سابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، “إن الفلسطينيين والصحراويين يعانون من الاحتلال”.
وتعتبر القضية الفلسطينية محورا رئيسيا في السياسية الخارجية للجزائر، بينما تجد إسرائيل من موجة التطبيع الأخيرة غطاءً سياسيا لمواصلة سياساتها الاستعمارية تجاه الفلسطينيين.
على المستوى الأمني، يشكل عقد اتفاقيات أمنية ومناورات عسكرية مغربية إسرائيلية تهديدا مباشرا للجزائر، ففي يوليو الماضي، التقى رئيس الأركان الإسرائيلي “أفيف كوخافي” بنظيره المغربي. كما وقع وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس”، في نوفمبر/تشرين ثاني 2021 اتفاقًا أمنيًا مع المغرب، تزود بمقتضاه تل أبيب الرباط بالتقنيات العسكرية المختلفة، بما فيها طائرات بدون طيار، وصفقة دفاع جوي بقيمة 500 مليون دولار، وحضر عسكريون إسرائيليون التدريبات العسكرية السنوية لـ “الأسد الأفريقي” والتي ينظمها المغرب والولايات المتحدة.
تهديد لطموحات الجزائر
منذ أن تولى عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر في ديسمبر/كانون أول 2019، حاول تنشيط السياسة الخارجية لبلاده، بهدف تحقيق ريادة إقليمية. لاسيما من خلال عرضها تسوية بعض النزاعات، كذلك قادت الموقف الإفريقي ضد مقترح إسرائيل أن تصبح مراقبا في الاتحاد الإفريقي.
كما أدت ظروف الحرب الروسية الأوكرانية لوضع الجزائر كمورد غاز رئيسي للدول الأوروبية، حيث زودت أوروبا بـ11 % من احتياجاتها من الغاز، ومؤخرا عقدت شركة الطاقة الجزائرية سوناطراك اتفاقية مع إيطاليا يتضمن زيادة واردات الغاز بنحو 40%، أيضا شكلت زيارة وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” إلى الجزائر استعراضا للقوة الدبلوماسية للجزائر كشريك إقليمي.
مستقبل العلاقات بين الدولتين
لأكثر من أربعة عقود، مثلت قضية الصحراء الغربية ملف خلاف بين البلدين. حيث يعتبر المغرب سيادته على الصحراء الغربية قضية وطنية غير قابلة للتفاوض. بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو المؤيدة للاستقلال.
وفيما يتعلق بالتعاون مع إسرائيل، بالنسبة للرباط، سيكون من الصعب أن تتخلى عن حليفتها الجديدة نتيجة الارتباطات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويعد المغرب من بين الدول الإفريقية الأولى المصدرة إلى إسرائيل.
أفق العلاقات
حسب وجهة النظر الجزائرية، المصدر الحقيقي وراء التوترات ينبع من الصراع على قيادة المنطقة، وربما تتدخل دول أوروبية في حل النزاع المغربي الجزائري، بحكم أن المنطقة المغاربية مهمة من الناحية الاستراتيجية لأوروبا، التي تسعى لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، كما أن أي تدهور إضافي في العلاقات بين الجزائر والمغرب، يمكن أن يسبب زيادة حادة في الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع أن يستمر الخلاف بين البلدين ما لم يتم تقديم تنازلات من الطرفين أو توفير ضمانات فيما يخص بعض القضايا الخلافية.
لكن يظل التوجس الجزائري من التقارب الأمني المغربي الإسرائيلي، محل تحفظ الجزائر ويمثل تهديدا لمصالحها، وفي نفس الوقت تسعى الجزائر إلى علاقات متوازنة مع شركائها الأوروبيين، وعلاقات متميزة مع روسيا، وهناك احتمال أن يشتعل الصراع إذا لم يتم حلحلة الخلافات والوصول إلى تسوية مناسبة لجميع الأطراف.
يري محمود جمال الباحث في العلاقات الدولية، أن المتتبع للأحداث السياسية بين كل من الجزائر والمغرب لا يرى أي آمال على الأقل في المديين القصير والمتوسط عن انفراجة في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لأسباب عدة منها، أن العلاقات بين الجزائر والمغرب كانت بمثابة حرب باردة على المستويات السياسية والتصريحات المتبادلة ولكن التطبيع بين المغرب والجزائر جعل العلاقات بين البلدين تصل لأصعب مراحلها.
ويضيف “جمال” أن الجزائر ترى مسألة التطبيع هي الخط الأحمر للسياسة الخارجية. وترى أن المغرب ستتحمل نتيجة فادحة في سماحها بدخول إسرائيل إلى منطقة شمال إفريقيا عبر الأراضي المغربية.