شهدت السوق المحلية قفزات في أسعار بيع عبوات لبن الأطفال الحر. حيث ارتفع سعر العبوة الواحدة بنحو 20% خلال الأيام الماضية وذلك لمختلف الأنواع المستوردة.
وليست زيادة الـ20% هي الوحيدة خلال عام 2022. حيث عانت السوق من تقلبات عدة على مستوى تسعيرة البيع. ما أثر بشكل مباشر في فئات محدودي ومتوسطي الدخل الذين يعتمدون على عبوات اللبن المدعمة لأطفالهم حتى سن عامين.
متوسط أسعار عبوات الألبان الذي تجاوز 150 جنيها في بعض الأنواع دفع كثيرين للمطالبة باتخاذ إجراءات وخطوات فعلية لتثبيت الأسعار التي كانت متداولة عند مستوى أقل من 100 جنيه. حفاظًا على قوام الأسر ومحدودي الدخل. في ظل غياب الأسباب الملموسة التي تستدعي إجراء أكثر من ارتفاع في غذاء الأطفال الرُضع خلال عام. لتزداد معها معاناة شرائح مجتمعية عديدة من محدودي الدخل المعتمدين على اللبن الصناعي في تغذية أطفالها.
الاستيراد ولبن الأطفال
قبل عام 2016 كانت هناك أزمة حقيقية على مستوى توافر لبن الأطفال في السوق المحلية. ما كان يؤثر في معدل استهلاك الطفل الطبيعي من الألبان شهريًا إلى أقل من 9 عبوات. خاصة أولئك الذين يعتمدون بشكل أساسي على الألبان الصناعية وفق الدكتورة رشا بيومي -أستاذ طب الأطفال بجامعة الزقازيق لـ”مصر 360″.
بعدها بدأت الدولة في تنويع مصادر توريد لبن الأطفال. كما جعلت تسجيل الألبان عبر هيئة سلامة الغذاء. ما سهل عملية استيراد ألبان للأطفال بما يتوافق مع المعايير العالمية ووفق الاشتراطات المصرية. ما جعل تسجيل اللبن المستورد يتم في مدة لا تتجاوز 60 يومًا -بعد تقديم أوراق ومستندات مطلوبة والتأكد من مطابقة الألبان للمواصفات العالمية.
وأضافت الدكتورة رشا أن إفساح الطريق أمام القطاع الخاص لاستيراد لبن الأطفال بعد تسجيله خلق وفْرا كبيرا في أغلب الأصناف وبكميات جيدة. لكن ذلك أثر أحيانا في الأسعار باعتبار أن تلك الشركات تتحكم في سعر البيع وفق تكلفة الاستيراد.
لماذا ارتفعت الأسعار؟
توافر عبوات لبن الأطفال خلق حالة ارتياح بالسوق لكنه جاء على حساب سعر المنتج الذي شهد قفزات عدة منذ عام 2017 وحتى الآن. وتم خلال تلك السنوات الماضية مضاعفة أسعار جميع الأنواع المستوردة. وكان بينها الزيادة التي حدثت في مايو/أيار الماضي. وتراوحت بين 10 و30%. إلى أن شهدت السوق زيادة أخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بلغت 20%. وارتفعت الأسعار على إثرها إلى ما يزيد على 150 جنيه للعبوة الواحدة -وفق أيمن الشاعر عضو شعبة الأدوية لـ”مصر 360″.
وفي ظل التسعير الحر لأنواع لبن الأطفال فهناك زيادة في أسعار الأنواع الأكثر مبيعًا بالسوق لأسباب ترجع إلى التقلبات الاقتصادية العالمية. والتي أثرت في عديد من الأسواق خاصة بالدول المستوردة للبن الأطفال مثل مصر. حيث أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى أزمة فيما يتعلق بفاتورة الاستيراد بسبب مصاريف الشحن وتكاليف الإنتاج في الدولة المصدّرة.
كما رد زيادة أسعار لبن الأطفال حاليًا إلى سعر صرف الجنيه الذي شهد هبوطًا حادا أمام الدولار. ما تسبب في قفزة في مستوى الأسعار وصلت إلى 20% بعد وصول سعر صرف الدولار إلى ما يزيد على 24 جنيه حسب البنك المركزي المصري.
اللبن والدولار
مصادر مسؤولة قالت إن الشركات المستوردة للبن الأطفال لم تكن قادرة على تدبير الدولار بالسوق خلال الأشهر الماضية. ما جعلها تتعامل خارج سوق الصرف عند مستويات وصلت إلى 26 جنيها للدولار. ما دفع الشركات المستوردة إلى إجراء تحريك لأسعار لبن الأطفال.
أضافت المصادر أن هامش ربح الشركات لم يتحرك. فتلك الزيادات في أسعار عبوات اللبن عوضت جزءا مما كانت تتحمله الشركات المستوردة من زيادة على مستوى ارتفاع تكلفة الاستيراد.
لفتت إلى وجود زيادة أيضًا على مستوى تكاليف الشحن العالمية. ما انعكس على أسعار السلع في الأسواق سواء الداخلية أو العالمية. حيث تعاني دول العالم حاليا من ارتفاعات متتالية في معدلات التضخم. وأشارت المصادر إلى أن هناك ارتفاعا في نسب المواليد خلال 2022 بمعدل وصل إلى 4525 نسمة في اليوم الواحد. وهذا يزيد حجم الاستهلاك المحلي من لبن الأطفال وبالتالي ارتفاع فاتورة الاستيراد الشهرية.
الاستهلاك والدعم
ويعتبر قياس حجم استهلاك السوق من لبن الأطفال متغيرا من فترة إلى أخرى. ويتحكم فيه بشكل كبير معدل الإنجاب اليومي وكذلك الأطفال مستحقو اللبن الصناعي. سواء المدعم من قبل الحكومة أو المباع بشكل حر في السوق الخارجية -وفق الدكتور محمد السيد عضو شعبة الأدوية.
وتابع أن معدل السحب اليومي على لبن الأطفال غير ثابت لعدم وجود خريطة شهرية باحتياجات الأطفال. حيث يتم الاعتماد الرئيسي في كميات التوزيع على الصيدليات. لكن وفقًا للنسب المحددة لمستحقي الدعم فتقسم الاحتياجات السنوية من الألبان إلى نحو 20.4 مليون عبوة سنويًا لمستحقي دعم اللبن الصناعي. منها مليون علبة شهرية مدعمة توجه إلى الأطفال من سن يوم حتى 6 أشهر. و700 ألف عبوة أخرى للفئات العمرية الأكبر. ويقوم باقي الأطفال بتدبير احتياجاتهم من خارج منظومة الدعم.
ولفت إلى أن بيع اللبن الصناعي غير مقتصر على التأمين الصحي. فهناك أنواع عديدة يتم بيعها خارج منظومة التأمين بالسعر الحر وفق سعر العبوة المستوردة. ما يخضع في النهاية لمتغيرات في تسعيرته حسب وضع السوق المحلية والخارجية.
وحول مستحقي الدعم أوضح أن وزارة الصحة تقوم بدور مزدوج على مستوى تحديد مستحقي الدعم بشكل دقيق. وكذلك توفير مخزون استراتيجي من الألبان عبر منافذ رعاية الأمومة والطفولة يكفي لمدة تتجاوز 3 أشهر لتجنب حدوث أزمات على مستوى توافر المنتج كما حدث في 2016.
تأثر محدودي الدخل
وأوضح مصدر بغرفة صناعة الأدوية لـ”مصر 360″ أن ارتفاع أسعار عبوات اللبن ليس المُتحكم فيه شركات الاستيراد. وإنما أوضاع السوق وتقلباتها داخليًا وخارجيًا. وفي النهاية يتحمل هذا الارتفاع المواطن والمستهلك النهائي.
الطبقات المتوسطة سيكون بإمكانها توفير عبوات الأطفال حتى بعد الزيادة. لكن الأزمة في محدودي الدخل. حيث يُعد التسعير الحالي أكثر من 150 جنيها للعبوة. وهذا لن يكون في استطاعتهم إذا اعتبرنا أن العبوة الواحدة تكفي من يومين إلى ثلاثة. أي إن الطفل الواحد قد يحتاج إلى متوسط 12 عبوة بما قد يصل إلى 120- 1500 جنيه -وفق المصدر.
أي تحرك آخر على مستوى التسعير النهائي للمنتج سيزيد أزمة فئات عدة في الحصول على عبوات لبن الأطفال غير المدعمة -يختلف معدل استيرادها حسب طاقة السوق- وإن لم يكن هناك آلية تستطيع التحكم في ذلك. إذ يتعلق الأمر بتكاليف الاستيراد والشحن وسعر الصرف المحلي.
“لاكتو مصر”
واصل أيمن الشاعر -عضو شعبة الأدوية- أن الدولة اتجهت منذ فترة إلى خلق صناعة وطنية تلبي جانبا من احتياجات السوق من عبوات اللبن المدعم. وهو ما تكلل بإنشاء مصنع “لاكتو مصر” الذي يوفر كميات من الألبان التي تبيعها الحكومة بسعر مدعم عبر منافذ التأمين ووزارة الصحة سواء للفئات العمرية “حديثي الولادة” أو الذين تجاوزوا العام. وهم فئة تحصل على اللبن المدعم بتسعيرة أعلى من حديثي الولادة.
أضاف أن الطاقة الإنتاجية لمصنع “لاكتو” تصل إلى نحو 35 مليون علبة سنويا. توجه الغالبية العظمى إلى السوق المحلية. في حين يتم تصدير كميات إلى دول خارجية مثل هولندا.
وفي إبريل/نيسان الماضي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتنسيق والتعاون بين جهات الاختصاص الوطنية ومصنع “لاكتو مصر” لتطوير الطاقة الإنتاجية المحلية من لبن الأطفال. وذلك لبناء قاعدة قوية لإنتاج أفضل أنواع ألبان وأغذية الأطفال عالية الجودة لتغطية الاحتياجات المحلية وسد فجوة الاستيراد من هذه السلعة المهمة لتغذية الأطفال في المراحل العمرية المختلفة.