خلال ماراثون مفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي حول قرض بـ8 مليارات دولار دار جدل حول ضرورة توحيد أسعار الفائدة بالسوق المصرفية -حسب الصندوق- ما يعني إعادة النظر في مبادرات الدولة ذات الفائدة المنخفضة على المواطنين. والتي تتراوح بين 5 و8% مثل قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة وقطاع السياحة والتمويل العقاري.
وقبل أيام من عرض الاتفاق بين مصر والصندوق على مجلس إدارة الأخير خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2022 لاعتماده اتخذت الحكومة حلًا لتجاوز هذه المشكلة. وذلك بنقل هذه المبادرات إلى وزارة المالية اعتبارا من الاثنين الماضي لتتولى إدارة ومتابعة المبادرات القائمة ذات العائد المنخفض عن أسعار السوق.
القرار الذي تم نشره في الجريدة الرسمية يؤكد أن وزارة المالية ستتولى اتخاذ القرارات وتحديد الضوابط المتعلقة بهذه المبادرات منخفضة الفائدة. من حيث تحديد المستفيدين والتكلفة والمدى الزمني والجهة التي ستتولى الإدارة التنفيذية لكل مبادرة ومصدر تمويلها والجهة التي ستتحمل التكلفة.
تشوهات سعرية
وأكد مصدر بوزارة المالية أن نقل المبادرات لوزارة المالية يعالج التشوهات السعرية الموجودة في أسعار الفائدة ولا يعني التوقف عنها. ولكن الفكرة فقط في تغيير الجهة الداعمة. مشددًا على أن الحكومة ستواصل العمل على هذه المبادرات باعتبارها من وسائل تحقيق الحماية المجتمعية وتحسين حياة المواطنين خاصة فيما يتعلق بالتمويل العقاري.
وبموجب القرار ستدير وتتابع وزارة المالية المبادرات المذكورة وستتحمل أعباء عدد منها. وفي مقدمتها مبادرة إحلال مركبات جديدة تعمل بالغاز الطبيعي بدلا من القديمة. وذلك عبر فائدة 3% سنويا على أساس متناقص بشريحة مخصص لها 15 مليار جنيه. بجانب مبادرة التحول لطرق الري الحديث بسعر فائدة صفر مخصص لها شريحة بقيمة 55.5 مليار جنيه.
من المقرر أيضًا أن تتحمل وزارة الإسكان الفارق بين سعر الفائدة في البنوك وسعر الفائدة المدعمة ضمن مبادرة التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل. وذلك بفائدة 3% سنويا متناقصة. وهي مبادرة خُصص لها 100 مليار جنيه. بينما يتحمل صندوق دعم السياحة والآثار أو الوزارة ذاتها مبادرة دعم السياحة التي تم رفع فائدتها من 8 إلى 11% بصورة متناقصة. فيما مخصصاتها كانت 50 مليار جنيه.
تحرير المبادرات
يقول الخبير الاقتصادي هاني جنينة إن فلسفة مطالب صندوق النقد الدولي بتوحيد الفائدة تتعلق بأن معدلات الفائدة المتعددة -بما في ذلك سعر الفائدة المدعوم- تعطل فاعلية السياسة النقدية.
ويرى جنينة أن صندوق النقد الدولي مهتم بالسياسة النقدية فيما يتعلق بأسعار الفائدة وسعر الصرف. فمعدلات الفائدة المتعددة تعطل إحدى الآليات التي يتحكم بها أي بنك مركزي في التضخم وأسعار الإقراض.
صندوق النقد يعتقد أن الإعانات يجب أن تقدم من مؤسسة واحدة وهي وزارة المالية. وأن يتم تحديدها تحت بند واحد في الميزانية العامة للدولة حتى يمكن معرفة الخسائر الناتجة عن هذا الدعم وتعويضها أو تغطيتها -بحسب “جنينة”.
خسائر “المركزي”
مسئول في وزارة المالية قال لـ”مصر 360″ إن البنك المركزي كانت لديه شكاوى من العبء المالي الذي تتحمله ميزانيته لتعويض البنوك عن فارق الفائدة بين المبادرة وبين البنوك. ما يعني أن هذه المبادرات سيتم تعويض البنوك المشاركة فيها من موازنة الدولة وليس من البنك المركزي.
وبلغت الخسائر المُرحّلة للبنك المركزي المصري نحو 47.592 مليار جنيه بنهاية مايو/أيار 2021. وتم إرجاعها لتكلفة بعض مبادرات دعم الفائدة التي أطلقها بغرض تعزيز النشاط الاقتصادي ودعم معدلات النمو لتوفير فرص عمل. بجانب العمل على استقرار الأسعار في السوق عبر تقليص المعروض النقدي.
يقول أيمن فودة -الخبير الاقتصادي- إن القرار أحد ملامح مساعي الدولة لضبط السياستين المالية والنقدية وتقييم كيفية الاستفادة من المبادرات التي تم طرحها بفائدة منخفضة. مثل تمويل القطاع السياحي بفائدة 8%. وأنشطة التمويل العقاري بفائدة تتراوح بين 3% لمحدودي الدخل و8% لمتوسطي الدخل.
ويشير “فودة” إلى خفض البنك المركزي مبادرة التمويل العقاري التي أطلقها عام 2020 من 50 مليار جنيه إلى 15 مليار جنيه -بحسب القرار- بجانب حظر جميع الجهات أو الهيئات بما فيها البنك المركزي من إعداد أو صياغة أو تمويل أي مبادرة جديدة أو تعديل أي مبادرة قائمة يترتب عليها أعباء مالية مباشرة أو غير مباشرة على الخزانة العامة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء بناء على دراسة تعدها وزارة المالية.
ويضيف أن القرار سيعمل على تمكين القطاع الخاص أيضًا. فقطاع الخدمات المالية غير المصرفية يقوم بدور كبير فيما يتعلق بالتمويل العقاري. كما توجد شركات كثيرة متخصصة في التمويل متناهي الصغر. وكل هذه المؤسسات تتسم بالمرونة والتنافسية الشديدة ويمكنها أن تكون بديلاً للدولة في هذا الصدد.
دعم الصناعة
لم يذكر القرار مصير مبادرة دعم الصناعة ذات الفائدة 8%. أو مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة 5% سنويا على أساس متناقص. لكن مصادر مصرفية أكدت لـ”بلومبيرج” أن البنك المركزي المصري وبنوكه العاملة في السوق قرر تجميد مبادرة دعم الصناعة.
وقالت مسئول بوزارة المالية لـ”مصر 360″ إن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة خارج نطاق إدارة الوزارة ومتابعتها. وستظل كما هي دون تغيير في يد القطاع المصرفي.
وأضاف أن هذه المبادرة لا تحمّل البنوك أي أعباء مالية. فالبنك المركزي يعفي البنوك المشاركة فيها من وضعه الاحتياطي النقدي الإلزامي. بما يعادل حجم التمويلات الممنوحة. أو بمعنى آخر إعفاء البنوك من وضع مبالغ بـ”المركزي” دون فائدة. بما يعني أن هذه المبالغ غير مدعومة.
وشدد المسئول على أن القرارات الأخيرة في أغلبها تنظيمية وإدارية بتغيير الجهة الداعمة فقط. ولن تؤثر في التمويل العقاري لمحدودي الدخل في شروط التمويل. لكنه لم يحدد في الوقت ذاته وضع التمويل المتوسط بعد خفض قيمته من 50 إلى 15 مليار جنيه.
في المقابل يتوقع مسئولو عدد من شركات التمويل حدوث انخفاض بقروض التمويل العقاري الممنوحة للعملاء بالسوق المحلية خلال الفترة المقبلة. ودعوا الحكومة لعقد اجتماع لتحديد آلية عمل مبادرات التمويل للإسكان المتوسط. وكيفية حصول شركات التمويل العقاري على فارق الفائدة من الوزارة المختصة بعد تسليم الوحدة للعميل.