على مدى العقدين الماضيين، شهد الشرق الأوسط اتجاها متزايدا في استخدام العديد من الدول الجماعات المسلحة كوكلاء لخوض معاركها. لتصير، مع الوقت وبشكل ما، سمة ثابتة للصراعات الإقليمية، برزت فيها إيران قبل غيرها، بعد أن نشرت وكلاء في سوريا والعراق واليمن.
من أبرز هذه الجماعات لواءا “فاطميون” و”زينبيون”، هما مثالان حديثان على الجماعات المسلحة غير الحكومية التي ترعاها طهران في سياق الصراع السوري. كما يوضح مقال منشور في مجلة “دراسات البلقان والشرق الأدنى”. سعى لتقصي دور الجماعتين في استراتيجية إيران العسكرية في سوريا، ومدى فاعليتها في تأمين المصالح الاستراتيجية لطهران في الدولة التي مزقتها الحرب.
يجادل المقال بأنه في أعقاب اندلاع الأزمة السورية -باعتبارها التحدي الأكثر أهمية لسياسة إيران الخارجية في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي- وبسبب القيود الإيرانية في الحفاظ على وجود عسكري مباشر واسع النطاق في سوريا، انعكس الدور الفعال الذي لعبه اللواءان بشكل أساسي في المعارك الاستراتيجية الأربع. في حلب، وجنوب سوريا، وتدمر، وشرق سوريا.
يلفت محررو المقال إلى أنه على الرغم من الدور المهم لهاتين الميليشيات في التطورات العسكرية في سوريا. لم يتم إجراء بحث شامل حتى الآن حول خلفيتهما وأدائهم العسكري وأهميتهما الاستراتيجية. فقط قام البعض بالتركيز بشكل أساسي على هويتهم وتوجههم الأيديولوجي/ الديني. لكنهم لم يحاولوا استكشاف دورهما الاستراتيجي في ساحات القتال في سوريا، لا سيما في سياق الاستراتيجية العسكرية لإيران.
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا
بدلاً من تبني نهج الانتظار والترقب، حاولت إيران مواجهة التهديدات الفعلية أو المحتملة في أصولها وبعيدًا عن حدودها الإقليمية. سواء القادمة من إسرائيل أو بعض دول الخليج العربي. من خلال تواجد نشط وشامل في النقاط الساخنة الرئيسية في المنطقة. في الأدبيات العسكرية والأمنية الإيرانية، يُشار إلى هذه الاستراتيجية باسم “الدفاع الأمامي” أو “الدفاع الهجومي”.
من الجوانب الرئيسية لهذه الاستراتيجية استخدام جماعات مسلحة غير حكومية في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن. عبر توظيفها في إطار ما يسمى بـ “محور المقاومة”. والذي يمكن أن يخلق حزامًا أمنيًا حول حدود إيران المتقلبة، ويقلل من تكلفة الصراع المحتمل لنظام طهران ويساعد على توسيع عمقها الاستراتيجي، بينما يزيده للخصوم.
اقرأ أيضا: تحليل إسرائيلي: إيران قد تعود لنظام “الأسرة الحاكمة” عن طريق “الفقيه”
صناعة الوكلاء
يلعب كلا من لواء فاطميون وزينبيون دورًا مهمًا في ملف السياسة الإقليمية الأكثر أهمية لإيران على مدار العقد الماضي، وهو الأزمة السورية. حيث أشاد مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى مرارًا وتكرارًا بدور هذه المليشيات في دفع أجندة إيران الإقليمية. مثل الجنرال قاسم سليماني -القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي (IRGC)-الذي وصف فاطميون بأنهم “ثروة قيمة للعالم الإسلامي بأسره”.
يجادل المقال بأنه “نظرًا للضعف المتزايد للجيش السوري، والقيود الإيرانية في الحفاظ على وجود عسكري واسع النطاق في البلاد. فقد لعب اللواءان دورًا حاسمًا في إجراء العمليات البرية، ومحاربة المتمردين والجماعات المسلحة المتطرفة. وبالتالي، أصبحا جزء لا يتجزأ من استراتيجية إيران في سوريا. كما ساعدوا إيران في الحفاظ على التكاليف البشرية والمالية المحتملة لانخراطها في سوريا عند الحد الأدنى”.
ومع ذلك، فإن حالة علاقة إيران باللواءين تمثل أيضًا اختلافات كبيرة عن ممارسات الحرب بالوكالة المعروفة. وتشمل هذه الاختلافات التقارب الأيديولوجي للمقاتلين الأفغان والباكستانيين مع الجمهورية الإسلامية، ووضعهم غير المحلي -في السياق السوري- وقدرتهم العملياتية العالية التي تسمح بانتشارهم السريع على جبهات مختلفة.
“فاطميون”
تم تشكيل اللواء المكون من شيعة أفغان في عام 2013، بدعم من فيلق القدس الإيراني. حيث تعود جذور العلاقة الوثيقة بين شيعة الهزارة في أفغانستان وجمهورية إيران الإسلامية إلى تطورين رئيسيين، الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979، والحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات.
في الحدث الأول -بعد احتلال الجيش الأحمر لأفغانستان- نظمت “وحدة حركات التحرير” التابعة للحرس الثوري الإيراني الشيعة الأفغان ضمن صفوف “جيش محمد” الذي تم إنشاؤه حديثًا لمحاربة السوفييت. وفي مواجهة العراق، كان “المقر الرمضاني” قاعدة خارجية للحرس الثوري، وكانت مهمته تنفيذ عمليات حرب العصابات على الأراضي العراقية.
إحدى الوحدات في المقر كانت “لواء أبو ذر”، حيث تم تدريب المتطوعين الأفغان المقيمين في إيران للمشاركة في الحرب مع العراق. ومع ذلك، وفقًا للقائد الأفغاني غلام علي حساني، تم حل اللواء بعد عام بسبب عدم كفاية الدعم. وبعدما عاد مقاتلو اللواء إلى أفغانستان في التسعينيات، عادوا إلى إيران بعد سقوط حكومة طالبان في عام 2001، خوفا من الاعتقال من قبل قوات التحالف أو قوات الأمن الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.
فيما بعد، تم إرسال نواة هذه المجموعة -المكونة من 22 شخصًا- إلى سوريا تحت راية “لواء فاطميون”، بعد وقت قصير من بدء الأزمة السورية. ووفقًا للواء محمد فلكي -قائد سابق في فيلق القدس في سوريا- رغم أن لواء فاطميون كان بمثابة طليعة المعركة في سوريا تحت إشراف فيلق القدس، إلا أنه كان لديه أيضًا قادة خاص بهم من الأفغان.
ويبلغ عدد قوات فاطميون، بين تقديرات تتراوح من 8000 إلى 50000 مقاتل. ومع ذلك -في العديد من التقارير- يقدر عدد جنود فاطميون النشطين في ساحة المعركة السورية ما بين 12000 و14000، بحلول عام 2018.
ووفقًا للبيانات التي قدمها زهير مجاهد، رئيس المكتب الإعلامي للواء، كانت خسائرهم أكثر من 2000 قتيل و8000 جريح.
“زينبيون”
تم تشكيل لواء زينبيون، وأعضاؤه من الشيعة الباكستانيين، عام 2014 برعاية فيلق القدس. حيث تعود العلاقات الوثيقة بين الشيعة الباكستانيين وإيران إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما أسس رجل الدين الباكستاني سيد عارف حسين الحسيني، المدرسة الجعفرية الدينية في باراشينار، للترويج لتعاليم آية الله روح الله الخميني. لكن أنشطته أثارت غضب المتطرفين السنة، الذين اغتالوه عام 1988. لكن، هاجر بعض أنصاره إلى قم، لمواصلة تعليمهم الديني.
هؤلاء الرجال، الذين ازداد عددهم، سيشكلون فيما بعد النواة الأولية للواء زينبيون. ومثل رفاقهم من فاطميون، كانت المعتقدات الدينية/ الأيديولوجية، والحرمان الاجتماعي والاقتصادي عاملاً رئيسًا في جذب الشيعة الباكستانيين إلى لواء زينبيون.
ويلفت التقرير أيضا إلى أن الحوافز المادية لعبت دورًا أساسيًا في إقناع الشيعة الباكستانيين بالانضمام إلى لواء الزينبيون.
يقول: وفقًا لإعلان تجنيد على صفحة زينبيون على Facebook، يمكن للمتطوعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا الانضمام إلى اللواء. سيخضعون لتدريب عسكري لمدة 45 يومًا في حامية بازوكي في فارامين، ثم يتم نشرهم في سوريا. كان الراتب 1100 دولار في الشهر، ويمكن أن تحصل القوات على 15 يوم راحة كل ثلاثة أشهر.
بعد إرسالها إلى سوريا، تمركزت قوات زينبيون في قاعدة عسكرية في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق. ثم تم نشرها لاحقًا في مناطق الصراع في أجزاء مختلفة من سوريا. وكان أشهر قائد للواء هو محمد جنتي، المعروف باسم “الحاج حيدر”، والذي عينه الجنرال سليماني كأول قائد إيراني، وهو ضابط كبير في فيلق القدس سبق أن قدم تدريبات عسكرية للقوات العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية في سوريا.
كما لعب الحاج حيدر، الذي وصفه سليماني بأنه أحد أفضل قادته في سوريا، دورًا نشطًا في عدد من العمليات العسكرية الناجحة في البلاد. ومن ثم، أطلق عليه بين القوات المدعومة من إيران اسم “الحاج قاسم -سليماني- الابن”.
اقرأ أيضا: إيران في إفريقيا.. التفاف على عقوبات الغرب وبحث عن شركاء جدد
معاركهما
كانت الوظيفة الأساسية للقوات الأفغانية والباكستانية بالنسبة لإيران هي وجودها في ساحات القتال في سوريا لتعويض النقص في القوات والضعف التدريجي للجيش السوري. يُظهر أداؤهم الناجح في المعارك الاستراتيجية فعالية كقوات بالوكالة، لتعزيز أهداف إيران الاستراتيجية في الصراع السوري.
حلب
كانت معركة السيطرة على حلب في شمال سوريا، واحدة من أكثر المعارك حسماً في الحرب السورية. باعتبارها ثاني أكبر مدينة في البلاد وعاصمة تجارية. دفعت الأهمية الاستراتيجية للمدينة في المعادلات السياسية والعسكرية للحرب السورية أطراف مختلفة إلى الإشارة إلى معركة حلب على أنها “أم المعارك” و “ستالينجراد السورية”.
وكانت الحملة الناجحة لقوات فاطميون وزينبيون جنبًا إلى جنب مع الجيش السوري في شباط/ فبراير 2015 لرفع الحصار الذي دام أربع سنوات عن بلدتان شيعيتان هما نبل والزهراء، وربطها بالأراضي التي تمت استعادتها سابقاً بالمناطق الكردية في أطراف عفرين. وفي عام 2016، أدى التدفق المتزايد لمقاتلي اللواءين -اللذين تمتعا بالدعم الجوي الروسي- إلى قلب التيار في حلب لصالح الجبهة الموالية للأسد.
وتزعم بعض التقارير أن ما لا يقل عن 255 من مقاتلي فاطميون، و55 من قوات زينبيون، قتلوا في المعركة.
جنوب سوريا
كان جنوب سوريا مرتعًا للاحتجاجات المناهضة للأسد منذ بداية الربيع العربي. في مارس/ أذار 2011، بدأت الاحتجاجات في مدينة درعا، ثم امتدت إلى مناطق جنوبية أخرى. وكانت السيطرة على جنوب سوريا حاسمة لأن المنطقة تقع على حدود دمشق من الشمال ومحافظة القنيطرة ومرتفعات الجولان من الغرب والأردن من الجنوب.
بدأ القتال في فبراير/ شباط 2014، عندما انضم 49 فصيلا معارضا -بما في ذلك الجيش السوري الحر- لتشكيل جبهة جنوبية موحدة قوامها حوالي 30 ألف مقاتل. وبحلول أوائل عام 2015، كانت الجبهة قد نظمت قواتها في أربع فرق تنسق بينها غرفة عمليات مشتركة. ورغم تمكن الجبهة من السيطرة على الأجزاء الجنوبية من القنيطرة ومساحات واسعة من محافظة درعا.
لكن قبل وصولهم إلى بلدة الزكية -التي تبعد نحو 20 كيلومترا جنوب غربي دمشق-واجهوا مقاومة من حوالي 8000 مقاتل موالٍ للأسد، 80% منهم من لواء الفاطميون والزينبيون. ثم شنت القوات الموالية للأسد عملية “شهداء القنيطرة” لطرد المقاتلين من ريف دمشق والتقدم نحو مرتفعات الجولان واستعادة المناطق الجنوبية.
وتحقيقا لهذه الغاية، ركزت قوات الفاطميون والزينبيون، المدعومة بمقاتلي حزب الله وبدعم جوي سوري وروسي. على منطقة حيوية صغيرة بين درعا جنوبا والقنيطرة ومرتفعات الجولان غربا ودمشق شمالا، لقطع وصول المتمردين إلى الحدود الأردنية وإخراجهم من المنطقة. زيادة الدعم الخارجي للمتمردين عبر الحدود الأردنية- الإسرائيلية، واستنفاد قوات النظام.
وعلى الرغم من توقف عملية استعادة المناطق الجنوبية في عام 2015، اعتبارًا من 2018، شنت الميليشيات الموالية للأسد، إلى جانب قوات الجيش السوري، حملة جديدة لاستعادة مناطق سيطرة المعارضة.
تدمر
كانت تدمر واحدة من المعارك الرئيسية في الحرب السورية. حيث تم تسليم المدينة عدة مرات بين أطراف مختلفة، بينما السيطرة عليها ضرورية بسبب موقعها الاستراتيجي في وسط سوريا بين المدينتين الرئيسيتين دمشق وحمص، وقربها من العديد من حقول الطاقة، وقصر المسافة إلى الرقة، عاصمة داعش المزعومة.
بسبب النقص في قوات الجيش السوري ومعاركها على جبهات حلب وإدلب، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة لمدة تسعة أشهر. لكن في هجوم ناجح، تمكن الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه -بدعم جوي روسي- من استعادة المدينة في مارس/ أذار 2016. في هذه المعركة، لعب لواء فاطميون دورًا مركزيًا في جيش القوات الموالية للأسد.
وفي منتصف يناير/ كانون الثاني 2017، شن الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه عملية واسعة النطاق لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من تدمر. وكان لواء فاطميون له دور حاسم في الاستيلاء على بعض المناطق غير الهادئة. إلى جانب ذلك، لعبت كتيبة “أبو الفضل العباس” التابعة لواء فاطميون دورًا مهمًا في الاستيلاء على عدة بلدات، وصد هجمات داعش فيها.
شرق سوريا
كانت معركة شرق سوريا آخر عملية واسعة النطاق من قبل القوات الموالية للأسد في محافظة دير الزور الشرقية، والتي أنهت في النهاية حكم داعش في سوريا.
لعبت قوات فاطميون الدور القيادي في استعادة مدينة دير الزور في خريف 2017. وقتل في المعارك ما لا يقل عن ثمانية مقاتلين، من بينهم أنور يافاري، أحد قادتهم الميدانيين. لكن، مستمتعة بدعم جوي روسي، ومن خلال هجمات لا هوادة فيها، عبرت قوات الفاطميون نهر الفرات، بعد سحق مناطق على مشارف دير الزور.
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، تمكنت قوات الفاطميون أيضًا من السيطرة على الميادين جنوب شرق دير الزور. والتي كانت استعادتها مهمة للغاية بالنسبة لقوات النظام، لدرجة أن الجنرال سليماني قاد العملية بنفسه.