مع تأزم وقتامة مستقبل شباب المملكة المغربية تعليميا ووظيفيا بعد عامي إغلاق كورونا يوفر ألتراس أندية كرة القدم منافذ تعبير عن الإحباط والغضب من الوضع السياسي الراهن.
وبحسب تقرير نشره موقع MERIP -المعني ببحوث ومعلومات الشرق الأوسط- أصبح ملعب كرة القدم أحد الأماكن العامة القليلة الخالية نسبيا من سيطرة الدولة. حيث يشعر المواطنون بأنه يمكنهم التعبير عن مظالمهم.
وقد أصبحت روابط مشجعي كرة القدم -ألتراس- مرئية بشكل متزايد كممثلين سياسيين داخل هذه المساحات الخضراء. رغم أن الألتراس معروفون تقليديًا بتنافسهم مع الأندية الأخرى. فقد تطورت هذه المجموعات من المشجعين على مدار السنوات العشر الماضية لتكون “حركات شبه اجتماعية” تواجه السلطات المغربية للمطالبة بفرص اقتصادية أكبر واندماج سياسي أفضل.
والعلاقة بين “الألتراس” والتنافس الاجتماعي السياسي تعد اتجاها ناشئا في جميع أنحاء المنطقة. حيث فشلت الأنظمة الحاكمة في معالجة البطالة وانعدام الأمن الاجتماعي والافتقار للوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم.
في مصر مثلا لعب الألتراس البارزون مثل “وايت ناتس” -الزمالك- و”ألتراس أهلاوي” -الأهلي- أدوارًا رئيسية في ثورة 2011 والمظاهرات الجماهيرية التي أعقبت ذلك.
حُكم بالكُرة
وتُظهر المملكة المغربية -مع الحفاظ على انتخابات حرة ونزيهة اسميًا- حكمًا قويًا من أعلى إلى أسفل. يتمحور حول النظام الملكي والنخب الموالية للقصر. والتي يُطلق عليها عادةً اسم “المخزن”. إذ يشعر العديد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عامًا بأنهم محرومون من قبل نظام استبدادي. ويرون أن الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة تنفر من مشاركتهم ومصالحهم.
في أعقاب الانتفاضات الشعبية 2011-2012 عزز “المخزن” الإجراءات القمعية. بكبح الاحتجاجات والنشاط عبر الإنترنت وقيّد منافذ المواطنين للتنفيس عن إحباطاتهم.
الملعب الباقي
ووسط حملات قمع الاحتجاجات في الشوارع وحريات الصحافة تحول الشباب الساخطون إلى كرة القدم باعتبارها السبيل الباقية للتعبير عن مظالمهم.
وتوضح تصرفات “الألتراس” في السنوات الأخيرة انخراطهم الاجتماعي والسياسي المتزايد. بعد جهود من السلطات لاستعادة السيطرة على الملاعب. ما زاد الخلاف بين الألتراس والسلطات.
وفي مواجهة التهميش المتزايد للشباب قد يصبح الألتراس المغاربة قريبًا كنظرائهم المصريين في العقد الماضي ويظهرون كمنتقدين رئيسيين للدولة.
تعود أصول كرة القدم في المغرب إلى المحميات الفرنسية والإسبانية (1912-1956). وبعد استقلال المغرب استمرت كرة القدم في الازدهار باعتبارها رياضة رئيسية في البلاد. فتم إنشاء بطولات الدوري للمحترفين ودورة كأس العرش السنوية. التي يشرف عليها الاتحاد الملكي المغربي لكرة القدم.
السلطة وإدارة الأندية
خلال فترة ما بعد الاستقلال قاد النظام تطوير الرياضة وسيطرته بإحكام عليها. واهتم الملك الحسن الثاني -حكم من 1962 إلى 1999- بشدة بكرة القدم. وتدخل بشكل مباشر في شؤون اتحاد الكرة وإدارة الأندية. وتم تعيين العديد من المسئولين بشكل مباشر أو الموافقة عليهم من قبل القصر الملكي. ومُنح حلفاء الملك وأصدقاؤه رئاسات الأندية الكبرى. على سبيل المثال شغل رئيس المخابرات السابق إدريس البصري منصب رئيس نادي “نهضة سطات”. بينما كان الحارس الشخصي السابق للملك محمد ميديوري يرأس نادي “كوكب مراكش”.
وأسس الحسن الثاني نادي الاتحاد الرياضي للقوات المسلحة الملكية. الذي أصبح أحد الفريقين الرئيسيين في الرباط والملقب بـ”فريق الملك”. والذي تم تأسيسه كمبادرة رياضية عسكرية. فيما يشتبه أن النادي تلقى امتيازات وعقودا مربحة من القصر والحكومة ونخب رجال الأعمال. خاصة خلال سنواته الذهبية بين 1960-1980 عندما سيطر على الدوري المغربي وفاز بالعديد من كؤوس العرش. ما ساهم في تسهيل حياة الحكام المؤيدين للفريق.
ودائما ما كانت كرة القدم المغربية تستثمر في الأيقونات الملكية. حيث تزين الملاعب صور لا حصر لها للملك ورموز ملكية أخرى. وغالبًا ما كان الملك نفسه يترأس حفلات توزيع الجوائز وافتتاح مرافق رياضية جديدة وتحدث عن مركزية الرياضة في المجتمع. فيما احتفظ الملك محمد السادس -رغم اعتباره أقل استبدادية من والده- بالإشراف الملكي على الرياضة.
ظهور الألتراس
أول ألتراس ظهر على الساحة في المغرب هم “الفتية الخُضر”. وهم قد نشأوا كمشجعين لنادي الرجاء البيضاوي في عام 2005. وشكّل منافسهم “الوداد” في وقت لاحق اتحادهم الخاص. وأطلقوا على أنفسهم اسم “الفائزون”.
من 2005 إلى 2011 عكس المشهد الفائق إلى حد ما تقاليد المعجبين المتشددين في أوروبا وأمريكا اللاتينية. فاحتشد أعضاء ألتراس وقادوا الهتافات والعروض لدعم فريقهم من المدرجات. ونظموا عروضا مضيئة ضخمة بلون النادي وعرضوا قطعًا فنية هائلة تغطي المدرجات -تمتد أحيانًا على مساحة 100 قدم مربع- لإظهار فخر الفريق وتأكيد الهيمنة الجسدية على الملعب.
كانت الانتفاضات الشعبية عام 2011 بمثابة بداية انتقال ملموس نحو مشاركة سياسية أكبر للألتراس. كما هو الحال مع العديد من البلدان الإقليمية الأخرى. إذ شاركت قطاعات كبيرة من المواطنين المغاربة في مظاهرات عبر المدن والبلدات الرئيسية للضغط من أجل تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية.
واندمجت هذه المطالب التي تضمنت المزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية تحت راية حركة 20 فبراير/شباط. وهي حركة اجتماعية شاملة تضم العديد من المجموعات الفرعية. بما في ذلك النشطاء الشباب ونشطاء حقوق الإنسان وجماعات حقوق الأمازيغ والحركات العمالية.
الفتية الخضر
خارج المنافسات التقليدية تبنّى بعض الألتراس قضايا اجتماعية وشاركوا في حملات ناشطة. فمثلا أطلق فريق “الفتية الخُضر” حملة لجعل الملاعب أكثر أمانًا للنساء بعد اهتمام وسائل الإعلام الوطنية بالعنف الجنسي في مباريات كرة القدم عام 2018. وذلك بعد أن قتلت البحرية المغربية حياة بلقاسم. وهي طالبة جامعية كانت تحاول عبور الحدود.
في عام 2017 برزت أغنية بارزة كتبها فرقة من Green Boy في الملاعب وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “فبلادي دالموني” -في بلدي أعاني من الظلم. وهاجمت الكلمات فساد السلطة وحرمان المواطنين من فرص عيش حياة ناجحة.
وأصبحت الأغنية ترنيمة رئيسية لمشجعي فريق “الرجاء البيضاوي” لكرة القدم. حيث نظم ألتراس “الفتية الخضر” تشكيلات فنية في المدرجات على خلفية الأغنية. وتبنّت مجموعات الألتراس الأخرى الأغنية أيضًا. وأثناء الاحتجاج على وفاة “بلقاسم” في 2018 هتف مشجعو “المغرب تطوان” بهتافات ضد سلطات المباريات.
من خلال تبادل الاستراتيجيات والأغاني يتحدى الألتراس المغاربة الرواية السائدة بأن اتحاداتهم لكرة القدم “معادية لبعضها ومتعارضة بطبيعتها مع بعضها”.
رد النظام
وشهدت الملاعب ردود فعل عدوانية من جانب الشرطة المغربية. وألقت وسائل الإعلام المملوكة للدولة باللوم على من سمتهم “المتطرفين” في أعمال العنف. واصفة إياهم بأنهم “مشاغبون”. لكن النظام كافح لكبح التسييس المتزايد لألتراس كرة القدم بشكل عام.
وعلى عكس نظرائهم في مصر كان ألتراس المغرب أكثر مهارة في مواجهاتهم مع الدولة. مفضلين تجنب المواجهات العنيفة أو العدوانية. ومع ذلك قد يتغير هذا النهج الخفيف قريبًا. حيث يسعى الشباب المغربي إلى إيجاد سبل لمواجهة التهميش المتزايد لهم والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وعنف الدولة.