كتبت: هنا الداعور
أصبح مشرط الطبيب خيارا أول لكثير من السيدات عند الولادة دون وعي بأبعاد قرارهن على الصحة الجسدية والنفسية عبر الولادة القيصرية. وكثيرا دون وجود مبرر وضرورة طبية لولادة من هذا النوع قد تسبب معاناة تدوم لفترات طويلة.
تقول حنان محمود 28 عاما: “حملي الأول جاء بعد 3 سنوات من زواجي. كانت صحتي على ما يرام، واتفقت مع طبيبي على أن تكون الولادة طبيعية، متيقنة أنه الخيار الأفضل. وعندما ذهبت إلى المستشفى يوم الولادة، فاجأني طبيبي بقرار منفرد بحتمية الولادة قيصريا. ووافقت”.
انتشرت الولادة القيصرية في مصر خلال السنوات الأخيرة بنسبة غير مسبوقة. وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة الولادة القيصرية عام 2021 وصلت إلى 72 بالمئة من إجمالي عمليات الولادة في مصر. مقابل 52 بالمئة في عام 2014.
وتشير نتائج المسح الصحي الذي أجراه الجهاز إلى أن تقريبا ثلاث سيدات بين كل أربع تمت ولادة طفلهن الأخير قيصريا.
تحكي “حنان” عن ذكريات ذلك اليوم: “خدعنا الطبيب، وأوهمنا بأن الطفل معرض للاختناق إذا لم يتم إجراء العملية على الفور. وخدعنا مرة أخرى بأن طلب من زوجي ضعف المبلغ المُتفق عليه”.
اقرأ أيضًا: “ألم فوق الألم”.. توصيات من “دام” لمواجهة العنف الطبي ضد النساء في مصر
تشير حنان التي تنصح كل من تخوض تجربة الحمل بالولادة الطبيعية، إلى استمرار شعورها الدائم بوجود جرح كبير في منطقة البطن، لا تنساه على الإطلاق، بل يذكرها دائما بدورها في تشجيع الأخريات على عدم الاستسلام لـ “سهولة” الولادة القيصرية. تقول:” ندمت كثيرا ولكن فات الأوان”.
قد تكون الولادة القيصرية ضرورية عندما تشكل الولادة المهبلية خطرا على الأم أو الطفل وتكشف الإحصائيات الرسمية الارتفاع المتزايد في معدل الولادة القيصري في مصر. ما يؤشر على تراجع ثقافة الولادة الطبيعية. حيث تحولت مصر لسوق طبية للولادة القيصرية لأسباب تخص الخوف من طول فترة الولادة الطبيعية. وقلق الطاقم الطبي من الولادة الطبيعية الذي يدفع الطبيب لاتخاذ قرار التوليد القيصري. وهواجس تأثير الولادة الطبيعية سلبا في العلاقة الحميمية بين الأزواج فيما بعد.
حسب منظمة الصحة العالمية قد تكون الولادة القيصرية ضرورية عندما تشكل الولادة المهبلية خطرا على الأم أو الطفل حال كان وضع الطفل غير طبيعي وهناك ضائقة جنينية. وحددت المنظمة “المعدل المثالي” بنسب بين 10٪ و15٪. لكن الدواعي الطبية ليست وحدها التي تدفع النساء والأطباء إلى اتخاذ قرار الولادة القيصرية.
العلاقة الحميمية
تقول نادية السيد -أم لطفلين تمت ولادتهما قيصريا- أنها اتخذت قرار الولادة بالاتفاق مع زوجها لأسباب. منها الخوف من تأثير الولادة الطبيعية في العلاقة الحميمية بينهما فيما بعد. تقول: “كتير قالولي إن الولادة الطبيعية بتعمل توسيع للمهبل”.
تضيف أنها اعتمدت كذلك في قرارها على ما سمعته من صعوبات وألم الولادة الطبيعية. وهو قرار اتخذته شقيقتها الكبرى كذلك خوفا من ألم الطلق الذي يطول أحيانا ليوم كامل.
سوق طبية
ارتفعت نسبة الولادات القيصرية في مصر إلى ما فوق 70% بينما عالميا تبلغ ما يقارب 20%. ما يجعل مصر سوقا طبية للولادات القيصرية.
وليست المدن وحدها التي شهدت نسب ارتفاع بل شهد الريف بشكل ملحوظ -مع كثافة الخدمات الطبية- ارتفاع نسب الولادة القيصرية. ويوضح مسح عام 2022 ارتفاع نسب الولادة القيصرية من 48% عام 2014 إلى ما يقارب 70% عام 2021.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الولادة عملية فسيولوجية “عضوية” طبيعية يمكن إنجازها دون مضاعفات بالنسبة لغالبية النساء. وتحذر المنظمة من مخاطر زيادة التدخلات بما يقوض قدرة المرأة نفسها على الولادة ويؤثر سلبا في تجربتها أثناء الوضع.
اقرأ أيضًا: “مشرط الاستسهال”.. حكايات الإجبار على الولادة القيصرية
رغبة الحوامل
يؤكد الدكتور حسام السنوفي -أستاذ النساء والتوليد بقصر العيني- لمصر 360 أن المشكلة تخص السيدات لعدم استعدادهن لتقبل أعراض الولادة الطبيعية. بسبب المدة التي تتطلبها عملية التوليد الطبيعي التي تتراوح بين 16 و18 ساعة فيرفضنها بشدة. بالإضافة إلى المفاهيم التي ترسخت لديهن عن الولادة الطبيعية وأهمها الخوف الشديد من الألم.
وأشار إلى قلق الأطباء من الولادة الطبيعية أحيانا. إذ يشعر الطبيب بالقلق بشأن مضاعفات الولادة الطبيعية وما يترتب عليها من مسؤوليات قانونية إذا حدث للأم أي ضرر قد يؤثر في مستقبل الطبيب المهني”. وتابع: “وللحد من الولادات القيصرية لا بد من حملات إعلامية مكثفة تقوم بها الجهات المختصة للعمل على محاربة المعتقدات الشائعة لدى النساء. والتشجيع على الولادة الطبيعية”.
افتقار الوعي
أصبحت الولادة القيصرية “موضة” بين السيدات بمختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية. تقول الدكتورة عايدة عبد الرازق -أستاذ التمريض بقسم النساء والتوليد بجامعة المنوفية. وتضيف: “هناك انعدام للوعي الطبي لدى السيدات بمخاطر الولادة القيصرية. هنا تكمن المشكلة، فالحالات الحرجة فقط هي التي تحتاج إلى تدخل طبيب وجراحة ويجب على السيدات أن تعي ذلك قبل اتخاذ قرارها”.
وتابعت: “قمت بتوليد العديد من النساء. أمددتهن جميعا بالمعلومات الطبية الدقيقة الخاصة بحالتهن. فضلا عن تقديم الدعم لنفسي الكافي طوال فترة الحمل حتى أنتزع الخوف المرتبط بألم الولادة ليتخذن بأنفسهن قرار الولادة الطبيعية”.
بيزنس الأطباء
وأشارت الدكتورة “عايدة” إلى غياب الرقابة الفعالة على المستشفيات. فأجور الأطباء في الولادة القيصرية مرتفعة مقارنة بالولادة الطبيعية. ما يجعلهم يشجعون السيدات عليها. مضيفة أن آثار الولادة القيصرية قد تصل إلى التسبب في تهتك جدار الرحم وتكوين مشيمة بوضع خاطئ. إضافة إلى حالات تعاني من العدوى أو حساسية البنج التي قد تؤدي إلى الوفاة.
تحركات حكومية
وفي إطار تحركات الدولة للحد من تفشي الولادة القيصرية احتفلت وزارة الصحة فى 31 أغسطس/آب الماضي بتخريج الدفعة الأولى من الممرضات المدربات على الولادة الطبيعية (القبالة) بمحافظة شمال سيناء. التي يلاحظ فيها ارتفاع معدلات الولادة القيصرية أيضا كثقافة مستجدة.
واستمر البرنامج التدريبي 6 أشهر وضم 24 ممرضة من جامعتي الجلالة والملك سلمان -وفق ما أشار الدكتور حسام عبد الغفار متحدث وزارة الصحة. وذلك في إطار مخططات لخفض معدل الولادة القيصرية وتوفير الرعاية الصحية.
وتعتبر (القبالة) أو كما يطلق عليها مصطلح (الميد وايف) امتدادا لدور “الداية”. ولكن بشكل قائم على التدريب. وهي المسؤولة عن متابعة السيدة الحامل طوال أشهر حملها ومدها بالدعم الطبي والنفسي اللازم. ولا ينتهي دورها بمجرد الولادة. بل تستمر لمتابعة الأم والمولود حتى 6 أسابيع.
ولكن لا تزال أعداد العاملات في مهنة القبالة ضئيلة جدا مقارنة بأطباء النساء والتوليد بحسب الدكتورة كوثر محمود -نقيب التمريض- لـ”مصر 360″. وقالت: “مصر تعاني فقرا في أعداد القابلات عكس الدول الغربية. التي تلقى فيها هذه المهنة اهتماما كبيرا. وهذا له علاقة وثيقة بتفضيل السيدات الولادة القيصرية”.
القبالة في كلياتنا
وأضافت أنه تم إدراج تخصص (قبالة) في اثنتين من كليات التمريض الأهلية (جامعة الملك سلمان، والجلالة). وتابعت أن هناك تعاونا مع المجلس الأعلى للجامعات ولجنة قطاع التمريض وتمت الموافقة على إدراج شعبة القبالة بحيث تشمل جميع كليات التمريض. وهو من شأنه زيادة فرص التدريب النظري والعملي.
وأشارت نقيب عام التمريض إلى أنه تم إدراج القابلات في الزمالة المصرية لمدة ثلاث سنوات. ناهيك بمد فترة البرنامج التدريبي للقبالة من 6 أشهر فقط إلى عام كامل (دبلومة) للتدريب على التعامل مع حالات الولادة المختلفة.
تشجيع الولادة الطبيعية
وعن حلول لتقليل عمليات الولادة القيصرية تقول نقيب عام التمريض إن هناك احتياجا إلى تنسيق لقاءات متتالية مع الأطباء لتوعيتهم بأهمية عنصر القبالة ضمن الطاقم الطبي. وكذلك حملات توعية لدور القابلات والتي من شأنها تشجيع السيدات على الولادة الطبيعية.
وقد أشارت تقديرات منظمة الأمم المتحدة لعام 2021 إلى وجود نقص عالمي قدره 900 ألف قابلة. ومن المتوقع أن ينخفض إلى 750 ألف قابلة بحلول عام 2030.
وعقدت في الشرق الأوسط عدة اجتماعات تشاورية حول توصيات المنظمة بشأن التدخلات غير السريرية للحد من العمليات القيصرية وتحقيق الاستخدام الأمثل لها.
تقول الدكتورة عايدة عبد الرازق إن الهيكل الطبي يخلو من (الميد وايف). وهذا من أهم أسباب ارتفاع نسبة الولادة القيصرية. مؤكدة أن هذه المهنة تحظى باهتمام غربي باعتبارها جزءا من الطاقم الطبي ومكملة له. ولكنها في مصر تعاني مشكلة عند أطباء التوليد. فمنهم مَن يقول: “دا شغلي أنا يجيي حد ياخده ليه؟!”. وتضيف أن الأزمة تعود للتشريع. فلا توجد جهة محددة تضمن حقوق من يمتهن القبالة. كما أنه لا توجد ضوابط محددة لدور الطبيب في الولادة ودور القابلات.
المسؤولية الطبية
تشير الدكتورة عبلة الألفي عضو مجلس النواب إلى أهمية إصدار قانون المسؤولية الطبية. والذي يمثل غيابه أحد أهم أسباب ارتفاع نسبة الولادة القيصرية. وذلك لحماية الطبيب والقابلة إذا وقعت أي مضاعفات في الولادة الطبيعية.
وأضافت لـ”مصر 360″: “أول حاجه بتتقال للطبيب ليه ما ولدتش قيصري؟”. وتابعت: “بصفتي عضو اللجنة المصغرة للقانون سوف يخرج للنور بأسرع وقت”. وأشارت إلى أنه تم إطلاق مبادرة “الألف الذهبية” لتنمية الأسرة. وهي مبادرة شاملة لتحسين صحة الأم والطفل بالتعاون مع وزارة الصحة. وأخذنا في الاعتبار ارتفاع معدلات الولادة القيصرية. لافتة إلى أهمية المبادرة في تدريب القابلات وإيجاد الدعم اللازم لهن للممارسة السليمة. وكذلك المساواة في التكلفة بين الولادة الطبيعية والقيصرية ماليا.