إن الحديث عن مصر دار خلال القرنين 19 و20 الميلاديين، حول بناء الدولة المركزية المعاصرة على رأسها الحاكم الذي يحدث تحولات جذرية تغير وجه مصر، لكن في حقيقة الأمر فإن التحولات الحقيقية في مصر حدثت نتيجة لرغبة المصريين في إعادة بناء مصر بصورة مختلفة وحينما كان رأس السلطة يذهب بعيدا سرعان ما تعود مصر إلى مصر مرة أخرى.

إن من الأخطاء التاريخية الشائعة أن محمد على أول وال عثماني على مصر يولي حكم مصر بناء على رغبة المصريين، الحقيقة التاريخية أنه خلال القرن 17 و18 الميلاديين عزل المصريون عددا من الولاة حينما كانوا يثورون ضد ممارسات السلطة ضدهم، فيحاصرون القلعة ويعزلوا الوالي الذي يغادر مصر ليرسل السلطان العثماني بديلا عنه، لكن حينما أصر المصريون على عزل خورشيد باشا حدث تحول نوعي، إذ فرضوا على السلطان العثماني واليا اختاروه وفق شروطهم واشترطوا عليه خريطة طريق لحكم مصر.

نكث محمد علي بوعوده مع النخبة المصرية التي صعدت به إلى سدة حكم مصر، بل ونفى عمر مكرم وأبعده، وكان هذا رمزا لإنهاء العلاقة بينه وبين النخبة المصرية، بل همش الجمعية وألغاها بعد زمن.. الجمعية هي مجلس من طوائف المصريين والأمراء والمشايخ، وهو تقليد راسخ بدأ على استحياء في العصر المملوكي البحري وتصاعد في العصر المملوكي الجركسي، وترسخ في العصر العثماني، كانت الجمعية أشبه ببرلمان صغير يشارك في صناعة القرار خاصة في شئون الحياة اليومية.

حينما وضع محمد علي يده على مصر سرعان ما حقق تنمية شاملة ونوعية، لكنها كانت تدور في فلك رغبته الشخصية في إنهاء حكم الدولة العثمانية وأن يكون هو البديل مع أسرته، تحطم هذا على صخرة الرغبة الأوروبية في إبقاء رجل أوربا المريض (الدولة العثمانية) على ما هو عليه لالتهامه قطعة قطعة وهو ما حدث، ليعود محمد علي إلى مصر 1840 بعد اتفاقية لندن.

عندئذ كانت البعثات ونخبها عادت وصارت جزءا من منظومة الدولة، فبدأت هي من تطرح تصورات حول مصر.. نخب طامحة درست وعرفت ما هو المعنى الحقيقي للدولة المعاصرة، فكان لها دورها في نقل التنمية من التمحور حول الجيش كأداة لتحقيق طموحات محمد علي إلى المشروعات التي تحدث نقلة نوعية في وجه مصر، وعلينا في هذا الصدد أن نراجع ديوان الأشغال ووثائقه، فبدأت مصر تستفيد بصورة كبيرة من حركة نقل البريد البريطاني والركاب عبر مصر، وبدأت حركة تجارة وتصدير غير مسبوقة، أدرك خلالها إبراهيم بن محمد علي أن النهضة العلمية هي أداة جيدة لكي يستقر الحكم لأسرة محمد علي فزار بريطانيا وبدأ ينظر لها كنموذج مناسب لمصر، غير أن وفاته عقب هذه الزيارة عرقلت هذا المشروع الجديد نسبيا.

كان عباس حلمي الأول مدركا للدور السلبي لنهب مصر من قبل الأجانب، ولخطورة المنافسة الفرنسية البريطانية على مصر، وأدرك من خلال معاصرته لمحمد علي في الحكم أن حفر قناة السويس هو مقدمة لاحتلال مصر، لذا انحاز لمشروع بريطانيا وهو إنشاء خط سكة حديد من الإسكندرية للسويس، لنقل البضائع والركاب، وكذلك نقل البريد، ولاختصار الوقت بين أوروبا وأسيا، فوقع عقد إنشاء السكة الحديد لصالح مصر مملوكا لها وتستفيد من كافة عوائده، لم تغلق المدارس في عهد عباس الأول ولم تتوقف البعثات، بل حافظ على مصر دون ديون، وأنشأ أول مدينة معاصرة كامتداد للعاصمة في صحراء شرق القاهرة (العباسية) وهو ما ثبت نجاحه، فشيدت مصر الجديدة كامتداد طبيعي لهذا النجاح وشيدت مدينة نصر كامتداد طبيعي آخر لهذا النجاح، كان لتحجيم دور فرنسا ومشاريعها دور في تشويه صورته، ثم هناك شكوك في دورها مع بعض أفراد أسرة محمد علي في اغتياله بقصره في بنها.

لم يكن سعيد باشا شخصا ذا عقلية فريدة، بل بلا طموح حقيقي، لم يتمرن على الحكم كسابقه، لكنه وقع أسوأ عقد في تاريخ مصر هو امتياز حفر قناة السويس دون أن تحصل مصر على ما يوازي هذا الامتياز، بل كان المساهمين الفرنسيين هم الرابح الأكبر على حساب الفلاحين الذين عملوا في السخرة وعلى حساب السيادة المصرية والخزينة المصرية، على الجانب الآخر كان لتغلغل النخب ذات الأصول المصرية والتي تعلمت في أوروبا دور في بناء دولة عصرية عبر التكنوقراط المصريين الوطنيين الذين سعوا لتكريس الملكيات للأراضي الزراعية لأهالي البلد وهو ما تم، ثم في السعي لتحديد من هم المصريون من سكان مصر، ثم في إصدار عدد من القوانين والأوامر التي تبني هيكلية جيدة ومعاصرة لإدارة الدولة، وتغلغلوا في إدارة شئون الدولة فكانت هناك منهم محاولات إما للحد من سلطات ولي النعم لكن على استحياء شديد أو بتوجيه قراراته وهو ما نجحوا فيه بصورة نسبية.

كانت النخب المصرية المتعلمة في أوربا أو التي حدثت لديها نقلة نوعية في الإدراك والمعارف نتيجة لانتشار الكتب المطبوعة والمترجمة في عصر الخديو إسماعيل مختلفة، خاصة مع صعود الصحافة التي بدأ معها وعي من نوع مختلف، كان الخديو إسماعيل طامحا إلى حكم بلد من حيث الشكل بلد أوربي الملامح، من حيث المضمون قائم على فكرة أن ولي النعم يملك الأرض ومن عليها أي بمفهوم الاستبداد الشرقي، في الوقت الذي كان المصريون من المتعلمين يرون مصر بنظرة تأمل أن تأخذ بأسباب التقدم على رأسها حكومة بالمعني الحقيقي ووزارة لديها سلطات، المعركة بدأت مع الخديو في الفصل بين مالية الخديو ومالية الدولة، وتحديد سلطات لمجلس وزراء يدير الشأن العام.

كانت الصدمة مع هزيمة الجيش المصري في الحبشة هزيمة قاسية، أدت للمناداة بأن مصر للمصريين فالضباط الأمريكيون والأتراك أهملوا في المعركة وكانوا سببا في الهزيمة، وطرحت هذه النخبة خيبات أمل في دولة نحن نتبعها هي الدولة العثمانية والتي كانت أقل تقدما من مصر آنذاك، وتحصل على صرة سنوية ضرائب دون أن تقدم شيئا، وتسببت في امتيازات للأجانب ساعدتهم على نهب ثروات الوطن، هذا كله بلور مصر للمصريين.

لكنها دعوة كانت خافتة بسبب عدم تخيل المصريين الخروج من عباءة الدولة العثمانية، تسبب جموح الخديو إسماعيل في ديون قاده لها ارتفاع أسعار القطن نتيجة للحرب في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للقطن في العالم أنذاك، فأسرف في الديون وكانت أن توقفت الحرب في الولايات المتحدة وانخفض سعر القطن، فما كان أن عجز عن السداد وباع أسهم مصر في قناة السويس بثمن بخس لبريطانيا لتفقد مصر المكسب الحقيقي من مشروع القناة، وليمهد لمطامع بريطانيا في السيطرة على مصر، خاصة مع عجزه عن سداد الديون الكبيرة، فما كان إلا أن تدخلت الدول الأجنبية في إدارة مصر ثم في احتلال بريطانيا لمصر تحت دعوى حماية مصالح بريطانيا والدول الأوربية والدائنين.

إن الاحتلال البريطاني لمصر واكبه خيانة السلطان العثماني بل أعطى الشرعية لهذا الاحتلال عبر فرمانات متتالية وأحيانا متضاربة، فشاركت قوات تركية مع الجيش البريطاني في احتلال مصر، حتى تصاعدت أثناء وبعد الثورة العرابية بأن مصر للمصريين، وبدأ الصوت الخافت يعلو أن مصالح مصر تقتضي فصل مصر عن الدولة العثمانية، نزل الحزب الوطني الحر الذي كان حزب الثورة العرابية ليعمل تحت الأرض، وكان من أعضائه محمد عبده وسعد زغلول وعبد الله النديم، وخاض حركة مقاومة ضد قوات الاحتلال وهو ما لم يُلق عليه الضوء إلى الآن.

كان الإنجليز قد أرهقوا من مقاومة المصريين خاصة من التكنوقراط داخل الدولة ثم من المقاومة بصور متعددة، حتى بدأ الإنجليز مفاوضات مع الحزب الوطني الحر وتوصل لاتفاقية جلاء الإنجليز عن مصر عام 1898، كشف عن جانب منها الدكتور عماد أبوغازي ثم ما نشر من الأرشيف العثماني عن وثيقة جلاء الإنجليز عن مصر ورفض السلطان العثماني التوقيع عليها لأن بها شرطا بإرسال 6 آلاف جندي تركي لتأمين مصر لحين بناء جيش وطني، وهؤلاء إذا جاؤوا مصر ورأوا حرية الرأي بها سيكونون خطرا عليه بعد ذلك، فكان أن خاض الحزب الوطني الحر مفاوضات لتسوية الأوضاع مرة أخرى، نتج عنها عودة عبد الله النديم للحياة العامة هو والمنفيين من الثوار العرابيين، إصدار عملة مصرية فصدر الجنيه المصري إعلانا لاستقلال مصر اقتصاديا عن تركيا وبريطانيا، الحد من نفوذ صندوق الدين الذي شكل من إدارة أوروبية وسيطر على اقتصاد مصر فوضع مواردها لصالح سداد الديون، خاصة مع فشله في إدارة مرفق السكة الحديد الهام للتجارة المحلية والدولية فعادت الإدارة للمصريين الأكفاء.

وصنعت مصر عام 1898 أول عربة سكة حديد كرمز لهذا، ثم اشترط الحزب الوطني الحر الحصول لاحقا على مقاعد في الوزارة واختار التعليم فعين سعد زغلول وزيرا للمعارف ليعطي الأولوية لزيادة موازنة المعارف وزيادة عدد المدارس وبناء جامعة مصرية، لإدراكه أن التعليم هو الذي سيقود وعي المصريين، فكان هذا مدخل سعد زغلول لتجميع نخب من الطلاب والمدرسين حوله وإلمامه بهم ومعرفته بهم ليجدد شباب الحزب الوطني الحر، وهؤلاء كانوا نواة الحركة السرية التي أدت لثورة 1919، كانت هذه النخبة هي التي تقود آنذاك وتحجم ضمنيا من سلطة أسرة محمد علي، حتى إنها ساندت الإصلاحات التي أدخلها كرومر في إدارة الدولة على النمط الحديث، أي الفصل التام بين مالية الخديو وبين مالية الدولة تحديد صلاحيات كل إدارة مع تحديد صلاحيات الخديو والوزراء ومجلس شورى النواب، هذا ما يقدم تفسيرا حول علاقة النخب به، فقد وطدوا هذه العلاقة بعد فقدان الأمل في الدولة العثمانية ومساندتها للمصالح المصرية، كان هذا ظاهرا بقوة في الصراع المصري العثماني على ترسيم الحدود الشرقية لمصر.

مع الحرب العالمية الأولى وزيادة أعداد القوات البريطانية في مصر، لم يكن للمصريين من دور حقيقي في إدارة البلاد، فإعلان الحماية البريطانية جعل مصر تحت رحمة الجيش البريطاني، ولكن هذه النخب المصرية كانت لديها تساؤلات حول مرحلة ما بعد الحرب، نراها بوضوح في مذكرات سعد زغلول الذي لم يفصح عن كل شيء بها، لكن ما نشر في السنوات الأخيرة من دراسات ووثائق فك ألغازا كثيرة في هذه المذكرات، فكان الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب، لم يكن لدى مصر القوة المسلحة ولا لدى المصريين السلاح لمجابهة الإنجليز، فكانت ثورة بها حركة سلمية مع تنظيم سري أداره عبد الرحمن فهمي، لم تنجح ثورة 1919 على ضراوتها وعلى عنف الإنجليز ضدها، لكن في النهاية حصلت مصر على استقلالها النسبي الذي عززته على مراحل، كان أهمها تصفية الديون الخارجية لتتحول بريطانيا لدولة مديونة لمصر.

كان أخطر ما أفسد ثورة 1919 خلافات النخب المصرية، ثم رغبة الملك فؤاد في الحصول على السلطة بالمفهوم الاستبدادي الشرقي فكان دستور 1923 الذي أعطى الملك حقوقا منها حل الحكومة وحل البرلمان، فأعاق تقدم مصر واستقرارها سياسيا، حتى إن حزب الوفد حزب الأغلبية حكم مصر سنوات معدودات لم تعرف استقرارا، كان استبداد فؤاد سببا في انهيار حكم أسرة محمد علي وانتهاء دورها في حكم مصر.

خاضت النخبة المصرية معارك شرسة منذ عام 1919 إلى توقيع معاهدة 1936 والتي كانت خطوة كبيرة لمزيد من الاستقلال الوطني وهو ما أتاح بناء جيش وطني من الطبقة الوسطى بصورة أساسية، ثم بناء اقتصاد كان الأقوى خارج أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، بل شكلت مصر قاعدة للثورات ضد الاستعمار، وقاد رجال أعمال وطنيون بناء الصناعة المصرية، حتى شيد في الإسكندرية قبل ثورة يوليو 1952 أول مصنع للسيارات، ثم ساهمت الصناعة لأول مرة في زيادة صادرات مصر حتى للدول الأوروبية، ما لم تدركه الطبقة الحاكمة والنخب أن الاستقلال وتطور التكنولوجيا (الراديو وطباعة الصحف) أوجد طموحات جديدة لدى المصريين تتجاوز فكرة أن هناك حكما للمصريين بيد نخبة متعلمة متعالية، وطبقة من ملاك الأراضي، مع زيادة التعليم في المدارس وجامعتي فؤاد الأول وفاروق الأول، أصبح لدينا طبقة وسطى ترغب في نصيبها من السلطة والثروة، وبلد أطلقت له هذه الطبقة طموحات لا حدود لها، وسلطة مضطربة لا تستوعب المتغيرات على الأرض، ثم حالة ثورية ضد الوجود البريطاني في منطقة قناة السويس، مع هزيمة عسكرية في حرب 1948.

انغلاق أفق الحراك والاستقرار السياسي، هو ما أدى لحركة الجيش الشاب في يوليو 1952، ثم قام بإدماج الطبقات الجديدة الصاعدة في مشروعه، فدغدغ المشاعر والطموحات، وأمم الأجانب وملاك الأراضي الزراعية، لكن كانت أكبر كارثة هي تأميم الصناعة الوطنية مثل شركة ياسين للزجاج وصابون نابلسي شاهين والشبراويشي للعطور ومحلات تجارية صغيرة وشركات ناجحة فأدى ذلك إلى فقدان مصر تراكم الثروة الاقتصادية والنمو، بل لهروب رأس المال الوطني الحقيقي خارج الوطن.

في عام 1956 لم تكن مصر دولة مدينة للخارج، وإذا بنا نقرأ قصة مشابهة لمأساة الديون التي بدأت مع النصف الثاني للقرن التاسع عشر، ومن ناحية التقييم الاقتصادي فالحقبة الاقتصادية لمصر تبدأ من 1956 إلى 1967، وهي تشابه فترة حكم محمد علي في الفترة من 1816 إلى 1840، صعود طموحات سياسية ونمو اقتصادي مع انهيارهما في ظل فشل حربي، أنهى محمد علي النظام المملوكي فبدأ في تشييد قواعد حكم أسرة محمد علي، ليؤسس جمال عبد الناصر دولة قامت على شرعية 23 يوليو وإنهاء حكم أسرة محمد علي، مصر استمرت بعد تصفية الديون الخارجية عام 1943 إلى نهاية 1958 بلا ديون خارجية، بل تلقت معونات من الولايات المتحدة الأمريكية في صورة منح فنية لا ترد، ومعونات غذائية طبقا للقانون الأمريكي رقم 480، وهذه أيضا قدمت قروضا كانت تسدد بالعملة المصرية وبالتالي لم يكن على مصر أي التزامات بالعملة الأجنبية، ففي سنة 1955 / 1956 تلقت مصر معونات غذائية بما قيمته 17 مليون دولار، وكذلك في عام 1958 / 1959 من الولايات المتحدة الأمريكية، ثم عقدت قروضا مع الاتحاد السوفيتي وألمانيا الغربية لتمويل مشاريع تنموية، وتوالت القروض، غير أنها لم تكن تلك القروض التي تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي المصري، فمصر شهدت تنمية حقيقية، لكن ما أوقف وأثر سلبا هو الضغوط الخارجية التي أثرت سلبا على مصر منذ عام 1965، ثم جاءت نكسة 1967 لتضيف أعباء على الاقتصاد المصري وليتزايد حجم الدين الخارجي.

إن الدرس الأول من تجربة الاقتصاد الناصري هو أنه حين خططت مصر بالعلم نمت نموا سريعا أذهل العالم، لكن أيضا جاءت تأميمات الستينيات للقطاع الخاص المصري لتوجه ضربة قاصمة لطموح هذا القطاع وبالتالي لدوره في التنمية الوطنية الحقيقية.

أدى تصاعد النمو السكاني وعجز خطط النمو عن مواجهة ذلك، وتبعات الحرب، إلى الاستدانة لتمويل عجز الموازنة، لكن واجه هذا انفتاح اقتصادي غير مدروس، بل أضاعت مصر فرصة تنمية وفق خطط ممتازة لمنطقة قناة السويس حين أزاح عثمان أحمد عثمان مخططات مكاتب استشارية جانبا لصالح التنمية العشوائية لإقليم قناة السويس، لتحقيق شعبية سريعة، حتى كان هذا محل خلاف مع عدد من الخبراء المصريين في الخارج الذين رفضوا العمل إلا وفق خطط علمية مدروسة.

أدت هجرة المصريين المؤقتة للعمل في الخليج ثم في العراق إلى إيجاد حلول لمشكلة توفير فرص عمل وللتدفقات النقدية الأجنبية مع نمو السياحة في ظل سياسات السلام، كما أن ثمار الاستقرار السياسي ذهبت هباء في سياسات عمارة الرفاهية المطلقة في الساحل الشمالي، لكن على الجانب الآخر كانت الديون تحاصر ميزان المدفوعات المصري مع زيادة الواردات خاصة الغذائية، ثم جاء السؤال الصعب حول آليات الانتقال السلمي للسلطة في مرحلة ما بعد مبارك ليطيح بنتائج نمو اقتصادي رقمي وليس تنمية شاملة في ثورة 2011، وهو ذات المأزق الذي تعرضت له مصر قبل 1952، اضطراب اجتماعي وأزمات في توزيع الثروة الوطنية وعدم استقرار سياسي، وكأن مصر لم تستفد من تجارب التاريخ وقراءته.