ترتهن قدرة المواطنين والمواطنات على التكيف مع التغيرات المناخية بمدى تمكينهم على المستوى الاجتماعي،
والاقتصادي، والثقافي، والسياسي، ومدى تمكينهم من الأدوات التي تعزز قدراتهم. فكلما كانت فرص تعزيز القدرات أقل كلما كانت التغيرات المناخية أكثر تأثيرا على حياتهم.

ومن هنا، يكون حجم التأثير المناخي على النساء والأقليات الجنسية كبيرا. إذ إن المجموعات الضعيفة والمهمشة هي الأكثر تضررا من التغيرات المناخية. خاصة إذا ما نظرنا إلى المسئوليات الاجتماعية التي تتحكم فيها الأعراف والثقافة المجتمعية. وهي تبني بالأساس في العديد من المجتمعات على أساس الجنس، وتؤثر بدورها على الإجراءات والتدابير المتبعة على المستوى التشريعي والخدمات والحقوق المعترف بها لتلك المجموعات. وكذا مدى قدرة تلك المجموعات الأقل تمثيلًا في الوصول إلى حقوقهم. خاصة على مستوى الخدمات (الصحة، والسكن، والتعليم، والعمل، والمشاركة في الحياة العامة، إلخ).

يشير مصطلح الأقليات الجنسية إلى مجموعة متنوعة من الهويات الجنسية والجندرية والتعبيرات ذات البعد الاجتماعي
والجسدي والنفسي التي تختلف عن معايير الثقافة السائدة في المجتمع. وفي العادة يعتبر المثليين/ والمثليات/ والعابرين/ والعابرات/ ومزدوجي الميل الجنسي تعبيرًا عن طيف واسع من المنتمين للأقليات الجنسية.

في ورقة حقوقية جديدة، صادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام (دام)، يستعرض الباحث مجدي عبد الفتاح أثر التغيرات المناخية على الأقليات الجنسية، متطرقًا إلى المفهوم الذي يحدد ماهيتهم، وآثار التغيرات المناخية عليهم.

للاطلاع على الورقة الحقوقية كاملة..

المناخ والأقليات الجنسية

تعتبر الأقليات الجنسية من بين الفئات الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية. فالأعراف والثقافة الاجتماعية التي تمارس النبذ والإقصاء في العديد من المجتمعات ذات الطابع الشمولي، الذي يمارس الوصم والتمييز والكراهية ضد الأقليات الجنسية. الأمر الذي يؤثر بشكل أساسي على مدى قدرتهم على الوصول إلى حقوقهم المشروعة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وكذلك السياسي. وهو ما تؤكده نتائج الفريق الحكومي المعني بتغير المناخ (IPCC).

IPCC هي هيئة دولية أنشئت عام 1988 بالاشتراك بين الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للأرصاد، وقدمت تقديرات حول تغيير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي له.

على سبيل المثال، في عام 2005 وأثناء إعصار كاترينا بالولايات المتحدة الأمريكية، تعرض أشخاص من الأقليات الجنسية إلى التمييز والإقصاء، خاصة العابرين جنسيا، والذين ينتمى أغلبهم إلى أصحاب البشرة الملونة.

وقد سُجلت على فرق الإغاثة المعنية بإنقاذ المواطنين من الإعصار، ممارسات تتسم بالتمييز والنبذ ضد العابرين جنسيا في الملاجئ، الذين عانوا من غياب وسائل النقل إلى المناطق الآمنة التي كانت يتم توفيرها من جانب فرق الإغاثة، رغم ما أطلقته هيئة الأرصاد من إنذارات إلى السكان قبل وصول كاترينا إلى الساحل.

كذلك، لم يتقبل أغلب السكان الأقليات الجنسية في الملاجئ، وأشار تعداد الولايات المتحدة إلى أن معدل الفقر في نيو أورلينز في عام 1999 يقارب 28 في المائة، الغالبية العظمى منهم من ذوى البشرة الملونة، يقدرون بأكثر من مائة ألف شخص، لم يتمكنوا من الوصول إلى وسائل النقل التي كانت ستسمح لهم بالإخلاء قبل الإعصار.

مناهض للتغيرات المناخية يرفع نموذج مدمر للكرة الأرضية (الصورة: وكالات)
مناهض للتغيرات المناخية يرفع نموذجا مدمرا للكرة الأرضية (الصورة: وكالات)

الحق في السكن

أقرت المواثيق الدولية الحق في السكن. وبموجب القانون الدولي، فإن “الحصول على سكن لائق يعني ضمان الحيازة، بمنأى عن الخوف من الإخلاء أو الحرمان من المنزل أو الأرض”. كما يُقصد بذلك العيش في مكان يتوافق مع ثقافة الفرد، ويُمَكّنه من الوصول إلى ما هو ملائم من خدمات ومدارس وفرص عمل.

يقول الباحث مجدي عبد الفتاح، في ورقته الحقوقية، إن حياة الغالبية العظمى من الأقليات الجنسية لا تتوافق مع المعايير التي أقرتها الأمم المتحدة الخاصة بالسكن اللائق. فوفق دراسة عن أوضاع السكن للأقليات الجنسية في المملكة المتحدة “بريطانيا” يشكل الشباب من المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا، ما يصل إلى 24% من تعداد الشباب المشردين في بريطانيا، بكلفة إجمالية تتراوح ما بين 24 ألف جنيه إسترليني، و30 ألف جنيه إسترليني للفرد.

وتقدر مؤسسة ألبرت كيندي ترست، وهي منظمة تدعم الشباب من مجتمع الميم، أن 150 ألف شخص مشردين من الأقليات الجنسية يعيشون في بيئات معادية ومعرضون لخطر التشرد نتيجة للتعصب.

ووجدت الدراسة أن الأسباب الرئيسية للتشرد كانت رفض الوالدين أو الإساءة داخل الأسرة أو التعرض للعدوان والعنف. وهي من بين النتائج الأكثر انتشارًا لتشرد المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، إلى جانب الاستغلال الجنسي، ومشاكل الصحة العقلية، والتنمر ضد المثليين، وتعاطي الكحول.

كما أن ثلثي الشباب الذين يحصلون على خدمات من قبل “مؤسسة ألبرت كيندي ترست”، يقولون إن مشكلة الإسكان لديهم مرتبطة مباشرة بميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسية. كما أنه يتم قطع الخدمات الأساسية في ظل ضعف القدرات التمويلية لمنظمات المجتمع المدني الداعمة للأقليات الجنسية.

أشارت الدراسة كذلك إلى أن الشباب المنتمين إلى الأقليات الجنسية هم الأقل طلبا للمساعدة من أقرانهم من الشباب المغايرين. فهم لا يشعرون بالأمن والثقة نتيجة تكرار حالات النبذ والإقصاء الممارس ضدهم أو يخشون من أن يتم إيواؤهم في أماكن غير مناسبة لنوع الجنس عند الوصول إلى سكن مؤقت.

ويعقب الباحث بأن تلك الأوضاع هي تهديد مباشر لحياة الأقليات الجنسية في ظل التغيرات المناخية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة على كوكب الأرض. ويضيف أنه مع فرضية ارتفاع وتيرة الاضطرابات المناخية، والتي يمكن أن تصل لحد التطرف في بعض البلدان، فإن حياة الأقليات الجنسية سوف تصبح على المحك أكثر مما مضى.

الحق في الصحة

في استعراضه لما يتعلق بالحق في الصحة، يشير الباحث إلى المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي تعرف “الحق في الصحة” بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.

إلا أن هذا التعريف على أي حال لا يقدم تحديدا لمحتوى الحق في الصحة، نظرا لأنه من غير الواضح ما إذا كان “التمتع بأعلى مستوى” يجب أن ينظر إليه في ضوء الظروف الوطنية لدولة ما أم في ضوء الاقتصاد العالمي، وفق ما يلفت الباحث.

ويضيف أنه نتيجة ضبابية الرؤية في هذا الاتجاه، ينعكس الأمر على الخدمات والرعاية الصحية المقدمة للمواطنين والمواطنات في العديد من بلدان العالم.

وعلى سبيل المثال، كانت أزمة جائحة كوفيد 19 دليل على هشاشة الخدمات والرعاية الصحية، في أغلب بلدان العالم. وقد عانت منها الفئات الهشة في المجتمعات. وتصدر المشهد النساء والأقليات الجنسية باعتبارهم أكثر الفئات المتضررة خلال الجائحة.

وعلى مستوى الأقليات الجنسية، فإن الأزمة تكمن بشكل أساسي في افتقار البنية التشريعية في غالبية بلدان العالم الاعتراف بالهوية الجنسانية وما يترتب عليها من انعدام أو ندرة الوثائق القانونية التي تتطابق مع الهوية والتعبير الجنساني للأفراد داخل المجتمع. وهي أحد العوامل الخطرة التي تهدد حياة الأقليات الجنسية، وتقف حائلا في أغلب الأوقات أمام حصولهم على الرعاية والخدمات الطبية.

أزمة جائحة كوفيد كانت كاشفة بشكل لا يضع مجالا للشك في أن هناك أزمة مركبة تعاني منها الأقليات الجنسية عالميًا (الصورة: وكالات)

أزمة جائحة كوفيد كانت كاشفة بشكل لا يترك مجالا للشك في أن هناك أزمة مركبة تعاني منها الأقليات الجنسية عالميًا (الصورة: وكالات)

أزمة كوفيد الكاشفة

يقول الباحث مجدي عبد الفتاح، إنه وبشكل عام، تحرم الغالبية العظمى من الأقليات الجنسية من تلقي الرعاية والخدمات الطبية نتيجة لسياسات الرعاية الطبية في العديد من البلدان في العالم. وإن أزمة جائحة كوفيد كانت كاشفة بشكل لا يترك مجالا للشك في أن هناك أزمة مركبة تعاني منها الأقليات الجنسية في جميع أنحاء العالم.

ووفق الأمم المتحدة التي أكدت بعد جمع المعلومات من خبراء مستقلين فى 12 بلدا أوروبيا من بينها جورجيا وأوكرانيا وكذلك تركيا، والعراق وغانا وليبريا وزيمبابوي بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تم استغلال جائحة كوفيد 19 للمزيد من الاضطهاد والعنف الممارس ضد الأقليات الجنسية. وكان ذلك بمشاركة رجال دين وسياسيين، عندما وجهوا أصابع الاتهام إلى المتعايشين من نقص المناعة المكتسبة HIV من الأقليات الجنسية بأنهم هم سبب مباشر في انتشار الجائحة.

وهذه الأوضاع التي تعاني منها الأقليات الجنسية هي مؤشر يدعو للقلق في ظل التغيرات المناخية، التي بات من المؤكد أن العالم سيشهد موجات غير مسبوقة منها. ما يستدعي ضرورة وضع استراتيجيات تضمن حصول الأفراد كافة على خدمات ورعاية صحية متساوية. وهو أمر إلى الآن لم يحدث.

العدالة المناخية والاجتماعية:

يختتم الباحث بأنه لن تتحقق العدالة المناخية دون الحفاظ على حقوق الإنسان. فتحقيق العدالة المناخية مرتبط ارتباطا وثيقا بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للفئات المهمشة.

ويضيف أن الوصول إلى العدالة والمساواة وتمكين الفئات الأكثر ضعفا هو أساس كل التدابير التي تستهدف معالجة أزمة المناخ والتكيف مع المتغيرات. وأنه إذا كانت هناك إرادة سياسية دولية حقيقية تستهدف تحقيق العدالة المناخية للجميع، فيجب أن تكون حقوق الإنسان بشكل عام، وتمكين الفئات المهمشة بشكل خاص، على أجندة العمل المناخي الدولي.

بينما يقدم الباحث 3 توصيات يمكن أن تساهم في تحقيق هذه العدالة المنشودة، تشمل:

1 – ضرورة أن تعترف دول العالم بالتعددية الجندرية داخل البنية التشريعية المحلية، وما يرتبط بها من خدمات متساوية مع جميع المواطنين والمواطنات.

2 – يجب على المؤسسات الدولية أن تزيد من الحصص التمويلية للمؤسسات العاملة على دعم الأقليات الجنسية في العالم. كما أنه يجب على الحكومات في العالم تخصيص جانب من ميزانيتها من أجل تمكين الأقليات الجنسية على مستوى التعليم والسكن والصحة والتوظيف.

3 – يجب على دول العالم تقييم الأضرار الناجمة عن العنف والتمييز الممارس ضد الأقليات الجنسية، وحساب تكلفته الاقتصادية وآثاره على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ذلك من أجل وضع الخطط والاستراتجيات لمناهضة العنف والتمييز نتيجة التنوع الجنسي والجندري.