يشهد اليوم بالتزامن مع توقيت نشر هذا المقال إعلان الكشوف المبدئية للمرشحين لانتخابات الاتحادات الطلابية بجامعات مصر، والتي تبدأ بعدها مرحلة الطعون الانتخابية والنظر فيها، ثم إعلان الكشوف النهائية للمرشحين في 30 نوفمبر الجاري، وإجراء عملية التصويت وإعلان النتائج بدءا من 4 ديسمبر وحتى 8 ديسمبر على مستوى عضوية اتحادات الكليات ثم أمناء اللجان ومساعديهم للكليات ثم رؤساء اتحادات الكليات ونوابهم وصولا إلى رئيس الاتحادات ونوابهم وأمناء اللجان ومساعديهم على مستوى الجامعات.

اقرأ أيضا.. لولا واليسار الجديد في أمريكا اللاتينية.. رسائل للأمل ودروس للتأمل

حدث مثل ذلك في ظروف طبيعية كان يفترض أن يشهد كثيرا من الزخم والتفاعل على المستوى العام والسياسي والطلابي، فانتخابات الاتحادات الطلابية هي المفرخة الطبيعية لقيادات المستقبل السياسية والمجتمعية، لكن في ظل الوضع القائم فيما يتعلق بالسياسة عموما والعمل الطلابي خصوصا طوال السنوات السابقة، تأتى تلك الانتخابات فيما يبدو تكرارا لنموذج باهت مستمر ومتواصل لعدة سنوات، تنتهى بإحجام من الغالبية العظمى من الطلاب حتى المهتمين منهم بالشأن العام، وإعلان فوز اتحادات طلابية بمستوياتها المختلفة يكون في كثير من الحالات بالتزكية وأقرب للتعيين منه للمنافسة الانتخابية.

في أجواء الدعوة للحوار الوطني كان يفترض أن تكتسب هذه الانتخابات زخما خاصا، باعتبارها أحد الاختبارات المهمة لمدى إمكانية وجدية وجود تحول نسبي نحو فتح مساحات العمل العام والتنافس الانتخابي الحر وحضور ما للقوى المدنية الديمقراطية عبر ممثليها من الطلاب، وباعتبارها أحد التجارب السياسية بالغة الأهمية في البناء عليها فيما هو مقبل.

أغلب الظن أن الغالبية العظمى من القوى السياسية لم تلتفت لهذه الانتخابات بحكم عوامل عديدة، منها ضعف الحركات والقوى الطلابية المنتمية لها في ظل تراجع الاهتمام بالحضور الحزبي للأجيال الأصغر من الطلاب، والضعف الذي أصاب غالبية الأحزاب في سنوات التضييق الماضية، فضلا عن اختلاف وتعدد المهام والأولويات الحالية لكثير من الأحزاب في ظل ضعف بناها التنظيمية الراهن.

انتخابات اتحاد الطلاب عام 2020

وأغلب الظن أن هذه الانتخابات لن تختلف كثيرا عن السنوات السابقة سواء في سياقها العام أو غياب التنافس فيها أو نتائجها المتوقعة، والأرجح أنها ستنتج اتحادات طلابية شديدة الشبه بسابقتها، سواء من حيث التوجه والانتماء أو طبيعة الأنشطة الممارسة التي لا تتعدى في أغلبها أنشطة اجتماعية وترفيهية وأحيانا مرتبطة بمجالات الدراسة والتعليم.

لكن الملفت هنا، ليس فقط غياب حضور تلك الانتخابات عن المشهد السياسي العام، بل غياب ملف العمل الطلابي داخل الجامعات والانتخابات كجزء منه عن طرحه كأحد الملفات الهامة للنقاش والحوار ضمن الحوار الوطني، الذى فقد كثيرا من زخمه والتفاعل حوله في ظل الفترة الماضية، لأسباب متعددة ذكرناها من قبل ولا داعي لتكرارها، وأصبح يحتاج لدفعة كبيرة وقوية وحقيقية في ظل تأكيدات متعددة على استمرار الحرص على إجرائه والخروج بتوصيات جادة له وهو في ذاته أمر إيجابي إن تحقق ويشير لخطأ بعض التحليلات التي كانت تعتبره مجرد مناورة مؤقتة لتمرير بعض الأحداث مثل الاتفاق على قرض الصندوق وعقد مؤتمر المناخ، وكلاهما تم بالفعل ولا زلنا نشهد حتى الآن حديثا عن الاستمرار في الحوار والحرص على إجرائه، لكن هذا الخطأ في بعض التقديرات والتحليلات لا يعنى أيضا أن الحوار في مساره الصحيح لأنه فقد الكثير من الزخم وتراجع الاهتمام العام به سوى من المنخرطين في تفاصيله فضلا عن بعض الملامح الهامة في المشهد العام التي أدت لمزيد من الإحباط في تقديري من الرهان على نتائج الحوار الوطني سواء فيما يتعلق بالمؤتمر الاقتصادي وتوصياته أو بالأداء الأمني فيما قبل يوم 11-11 في ظل الدعوات البائسة والفاشلة لهذا اليوم لكنها قوبلت بقبضة أمنية طرحت على الكثيرين تساؤلات حول مدى التغير الفعلي الذي جرى قبل وبعد الدعوة للحوار، فضلا عن استمرار تقاطر دفعات الإفراج عن سجناء الرأي، الذى وإن كان إيجابيا استمراره بدفعتين حتى الآن بعد انتهاء مؤتمر المناخ الذى كان كثيرين يتصورون أنه سيكون نهاية لهذا المشهد، إلا أنه لا يزال يغيب عن أغلبها في الدفعات الأخيرة الكثير من الأسماء المعروفة سياسيا والمنتمية لأوساط القوى المدنية الديمقراطية، لكنها أيضا تحتاج لدفعة ونقلة نوعية مختلفة خاصة بعد حملات القبض على أعداد كبيرة نسبيا في أسابيع ما قبل 11 نوفمبر.

عودة لموضوعنا الرئيسي حول ملف العمل الطلابي والسياسي داخل الجامعات، الذى يمر الآن بلحظة اختبار مهمة عبر انتخابات الاتحادات الطلابية التي نأمل ألا نشهد فيها ممارسات مماثلة لما جرى من قبل مثلا في الانتخابات العمالية قبل شهور من شطب لمرشحين لهم توجهات معارضة أو آراء مختلفة، خاصة أن الملاحظات الأولية تشير لأن حجم الاهتمام والإقبال بالأساس على تلك الانتخابات من المهتمين بالعمل الطلابي من المعارضين أو المستقلين يبدو محدودا، لكن الأهم أن إجراء تلك الانتخابات هو فرصة لطرح هذا الملف بقوة على دوائر اهتمامات وملفات القوى المشاركة في الحوار الوطني، وعلى مجلس أمنائه ولجانه، لتبنى إدراجه بشكل محدد ضمن المناقشات والجلسات المزمعة عند بدء الحوار.

إذا كانت هناك جدية في إحداث إصلاح سياسي، وبقدر أهمية أن يظهر ذلك في فتح مساحات للأحزاب السياسية وتعديل قوانين الانتخابات لاعتماد نظام انتخابات بالقوائم النسبية، وفى مساحات انفتاح إعلامي على مختلف الرؤى ووجهات النظر وضمانات للحقوق والحريات من خلال تعديلات في المواد القانونية المنظمة للحبس الاحتياطي وتحديد مدده فضلا عن ضرورة اقتران ذلك بممارسات واقعية تحد من القبض على المواطنين أو أصحاب الرأي لمجرد نشرهم رأى مخالف أو معارض، فإن حرية العمل الطلابي داخل الجامعات، وتمكين الطلاب من اختيار ممثليهم عبر انتخابات جادة لا تمنع ولا تشطب المرشحين وفقا للقيود الحالية في اللائحة الطلابية، وإعادة اتحاد طلاب مصر مرة أخرى لممارسة دوره كقيادة طبيعية منتخبة للحركة الطلابية، والسماح بممارسة الأنشطة السياسية والثقافية داخل الجامعات وعدم اقتصارها على الأنشطة الترفيهية والاجتماعية، وفتح المساحات لإعادة تشكل الحركات الطلابية من مختلف الانتماءات السياسية والفكرية المدنية الديمقراطية السلمية لفرز قيادات وكوادر حقيقية في مختلف المجالات. وهذا كله وغيره مما يتطلب تعديلات جادة على اللائحة الحالية التي تم إصدارها والعمل بها منذ 2017 بعد عامين تقريبا من تجميد الأنشطة الطلابية وعدم إجراء انتخابات اتحاداتها.

طرح ملف العمل الطلابي على أجندة قضايا وملفات الحوار الوطني يبدو ضرورة ملحة، وحضور ممثلين من القوى الطلابية والسياسية المختلفة وأصحاب الخبرات والتصورات في ذلك الملف للتعبير عن رؤاهم ومقترحاتهم أمر واجب، لأن الجامعات والحركة الطلابية فيها كانت وستبقى أحد القنوات الرئيسية لإحياء السياسة وبناء الوعي وفرز قيادات المستقبل.