تعاني عدة دول أوروبية نقصا حادا في العمالة الزراعية، في وقت لم تستطع فيه الاعتماد على الروبوتات حتى في جني المحاصيل. وفي الوقت الذي يزداد فيه الطلب على الأيدي العاملة الزراعية المدربة، ورغم توقيع مصر واليونان اتفاقية لسفر 5 آلاف عامل زراعة مصري للعمل في الحقول اليونانية، إلا أن الفلاح المصري ما زال ينقصه الكثير حتى يمكن الاعتماد عليه، في سد الفجوة بين الطلب على العمالة والمعروض منها.

الحكومة تسعى من ناحيتها لاستثمار العمالة الزراعية المصرية والتي تشكل ما لا يقل عن خمس إجمالي القوى العاملة. فكانت البداية مع اليونان، بعد الاتفاق على إرسال 5 آلاف عامل زراعي موسمي للمساعدة في تلبية الاحتياجات المتزايدة للقطاع الزراعي هناك.

البرنامج الذي اتفق عليه البلدان سيكون تجريبيا ويستمر لنحو 9 أشهر، لكنه معيار “استرشادي” لاتفاقيات مستقبلية توقعه اليونان والاتحاد الأوروبي، مع دول خارجية، لتضرب عصفورين بحجر واحد. الأول هو الحصول على العمالة الزراعية المطلوبة، والثاني مكافحة الهجرة غير الشرعية. الأمر يعني فتح المجال أمام المزيد من العمالة المصرية لدخول الدول الأوروبية، والعمل فيها لفترات مؤقتة.

اقرأ أيضا.. العمالة الزراعية.. منتجو الغذاء في مصر داخل المنطقة المظلمة

عمال أفارقة في مزارع اليونان

الحكومة اليونانية تأمل في وصول أوائل العمال المصريين إلى حقولها مطلع عام 2023 للمساعدة في الحصاد المقبل، بحسب تصريحات لنائب وزير الخارجية اليوناني ميلتياديس فارفيتسيوتيس، عقب توقيع الاتفاق مع نظيره المصري إيهاب نصر.

ويأتي الاتفاق في وقت تعاني فيها أوروبا بوجه عام نقصا حادا في العمالة الزراعية. على سبيل المثال اضطرت السلطات الإيطالية في نهاية 2020، للسماح بدخول 18 ألف عامل موسمي من غير مواطني الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها، لمعالجة نقص العمالة الموسمية في الزراعة.

كما سمحت بريطانيا بدخول 70 ألف عامل موسمي إليها سنويا للعمل في مجال جني المحاصيل. وفي نهاية 2021 اضطر المزارعون بها إلى تقليص إنتاجهم الزراعي إثر النقص الهائل في اليد العاملة، ما تسبب في تلف كميات غير مسبوقة من المحاصيل.

وبحسب رئيس الوكالة الاتحادية للتوظيف في ألمانيا ديتليف شيل، فإن بلاده تحتاج إلى نحو 400 ألف مهاجر ماهر سنويا لتعويض النقص في اليد العاملة التي لم تستطع تعويضها أجهزة الروبوت، خاصة أنه لم يثبت كفاءة في العمل.

إحصائيات متضاربة

عامل زراعي مصري في أحد الحقول

لا توجد إحصائيات دقيقة حول حجم العمالة الزراعية في مصر. ففي حين يقول وزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد القصير إنها  25% من إجمالي القوى العاملة. تقدرها الدكتور هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية بـ 30% من القوى العاملة المصرية.

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وضع تقديرات لعدد العاملين بقطاع ”الزراعة والصيد“ معًا، بنحو 20,3% من إجمالي القوى العاملة المصرية. بينما تشير العديد من الدراسات الأكاديمية إلى أن العمالة الزراعية تناهز 27% من إجمالي القوى العاملة.

من ناحية أخرى، قالت دراسة تحليلية صادرة عن كلية الزراعة جامعة الزقازيق، إن العمالة الزراعية في مصر زادت بمقدار 86 ألف عامل سنويا بمعدل 1.67% خلال الفترة من 1983 إلى 2013. لكن في الوقت ذاته لا يصاحب ذلك العدد خبرات قادرة على زراعة محاصيل بعينها في مقدمتها القطن.

يقول حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، إن فتح الباب أمام العمالة الزراعية للسفر للخارج أمر مهم في ظل محدودية الأراضي الزراعية محليا وتفتيت الملكية. علاوة على أن العمل في أوروبا فرصة لنقل خبرات جديدة واكتساب تقنيات تفيد الإنتاج المحلي.

كما تمثل تلك الاتفاقيات وسيلة لمواجهة التعطل، إذ يؤكد “التعبئة والإحصاء” أن معدل البطالة بالمحافظات الريفية يبلغ 4.7% من إجمالي قوة العمل في الريف المقدرة بنحو 16.8 مليون فرد خلال الربع الثالث من العام الحالي مقابل 4.5% في الربع الثاني من 2022 و4.4% في الربع الثالث من 2021.

يقول أبو صدام إن الطلب المستجد على العمالة المصرية حتى لو كان نشاطها في جمع المحاصيل، يتطلب من الدولة الاهتمام بالتعليم الزراعي. فالمناهج في المدارس بعيدة تماما على الوضع على الطبيعة. كما يؤثر غياب الإرشاد الزراعي، واختفاء المرشد المترجل على حجم الإنتاج، خاصة أن غالبية المزارعين لا يمكنهم استخدام تطبيقات الإرشاد الإلكترونية التي دشنتها وزارة الزراعة.

الاهتمام بالزراعة

فلاحات مصريات أثناء حصاد القطن

يضيف نقيب عام الفلاحين أن الاهتمام بالتعليم الزراعي من شأنه زيادة الإنتاجية والعائد من زراعة المحاصيل الذي قل خلال الأعوام الأخيرة وكان سببا وراء هجرة المزارع أرضه. بجانب التأهيل على التوسع الرأسي لـ”زيادة إنتاجية الرقعة الزراعية” لمواجهة محدودية المساحة ونقص مياه الري معا.

تكشف الدراسات أن زيادة المنفق على الصحة والتعليم للقطاعات المعنية بالزراعة بحوالي مليار جنيه سنويًا يؤدي لزيادة قيمة الناتج المحلي الزراعي بمقدار 2.6 مليار جنيه سنويًا. كما أن زيادة الإنفاق على التعليم بحوالي مليار جنيه يرفع الناتج المحلي بنحو 1.8 مليار جنيه.

كما أنه خلال الفترة من 2000 إلى 2013، بلغت نسبة الزيادة فـي قوة العمل الزراعية 24.4% تعادل 1.2 مليون عامل. بينما بلغت نسبة الزيادة في قوة العمل الكلية نحـو 31.06%، ما يشير إلى مدى الجمود النسبي في قوة العمل الزراعية بالمقارنة بقوة العمـل الكاملة.

ويرجع انخفاض قوة العمل الزراعية إلى اتباع سياسة إنتاجيـة كثيفـة رأس المال وقليلة العمالة، وتبني بعض الإجراءات التي تسببت في تدهور الميزة النسبية التقليدية لقطاع الإنتاج في استيعاب العمالة مقابل قطـاع الخدمات والمعلومات الذي توسع وسيطر على الاقتصاد العالمي والمصري كقطاع رئيسي يـستوعب النسبة العالية من إجمالي القوى العاملة.

المدارس الزراعية

تعاني المدارس الفنية الزراعية من ضعف الإمكانيات التدريبية والخامات المتاحة للممارسة العملية لا ترتقي للمستوى اللازم لتدريب الطالب علي الواقع في مجالات الإنتاج والخدمات. بجانب عدم ربط المناهج الدراسية الفنية بتطور السوق واحتياجاته طبقا لأسس التكنولوجية الحديثة، وبالتالي ما تعلمه الطالب يكون منفصلا عن سوق العمل.

لا تزال المناهج الزراعية تعتمد على أسلوب التلقين لغياب الوسائل التعليمية المناسبة للمعلمين الذين يدرس غالبيتهم مواد غير تخصصهم. كذلك يعدون مذكرات خاصة لطلاب الصفوف الأولى تتوقف كفاءتها على مستوى المعلم وخبرته.

يعزف الطلبة عن الالتحاق بالمدارس الزراعية بسبب عدم توفر ضمان العمل اللاحق للتخرج وضعف المزايا والحوافز المادية الممنوحة. بجانب وجود بعض الآلات والمعدات والأدوات الفنية الخاصة بالعملية التعليمية والتدريبية التي تحتاج إلى إصلاح لا يتم لعدم وجود عقود صيانه لها، أو اندثار قطع الغيار اللازمة لها ما يجعلها معطلة دون الاستفادة منها.

الدكتور أسامة سلام، الأستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه بمصر، يرى أن نظرة المجتمع السلبية للزراعة وعدم توافر فرص عمل بأجور مجزية، وراء الإجحام عن الالتحاق بالتعليم الزراعي.

يطالب سلام بتغيير نظرة المجتمع لخريجي التعليم الزراعي الفني والجامعي وتطوير المناهج الدراسية بما يتواكب مع احتياجات سوق العمل المتنامي، وإنشاء مراكز تدريب بين الجهات المختلفة كالتعليم ومراكز البحوث والقطاع الخاص ووزارات الزراعة والري لتدريب وتأهيل الطلاب عمليا. مع توفير النماذج الإرشادية اللازمة لتدريبهم عمليا في الحقول والمزارع في الأحواض الزراعية، أو بمحطات البحوث والجامعات.