بات التحول العالمي نحو تغيير نمط استهلاك الوقود عنصرًا محفزًا للوصول إلى مصادر بديلة للطاقة تفي بتشغيل الأغراض اليومية للمواطنين، بما في ذلك السيارات. لذا كان الهدف خلال السنوات الماضية، هو الاتجاه تدريجيًا نحو السيارات الكهربائية، التي تعمل بالبطاريات الكهربائية الصديقية للبيئة. والتي زادت حصتها السوقية في دول الاتحاد الأوروبي إلى %9.9 من إجمالي عمليات تسجيل سيارات الملاكي خلال الربع الثاني من العام الجاري. ذلك على حساب مركبات الوقود التقليدى (الديزل والبنزين) التي هبطت حصتها السوقية من جملة التسجيلات إلى %55.8 مقابل %62 خلال الفترة المقابلة من العام الماضي.

ورغم ما حققته السيارات الكهربائية من نمو -وإن كان ليس بكبير على مستوى جميع دول العالم- إلا أن هناك خيارات أخرى باتت مطروحة في الأسواق حاليًا، يمكنها أن تنافس السيارات الكهربائية. فالسيارات التي تعمل بالهيدروجين الأخضر باتت اتجاها غالبا على فكر كثير من الحكومات بما فيها مصر، التي تسعى للتوسع في إنتاج هذا النوع من الطاقة البديلة للوقود التقليدي وللبطاريات الكهربائية.

والهيدروجين هو من الغازات القابلة للاشتعال، عديمة اللون والطعم والرائحة. أما الهيدروجين كعنصر، فهو من أكثر العناصر وفرة بشكل الغاز في الكون الفسيح وبشكل المركبات الهيدروكربونية أو بشكل المياه التي تغطي أكثر من 70% من سطح كوكبنا الأزرق.

اقرأ أيضًا: ماذا ينقص مصر لتوليد الطاقة من الهيدروجين الأخضر؟

سيارات الكهرباء والهيدروجين

خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت دول العالم بما فيها مصر، تتلمس طريقها لنشر استخدام السيارات العاملة بالطاقة النظيفة البديلة للوقود؛ كي تتمكن من اللحاق بالتوجه العالمي نحو طاقة نظيفة، ضمن مساعي مكافحة الاحتباس الحراري الذي تسببه انبعاثات الوقود الأحفوري.

وفي سبيل ذلك، كما يقول أبو بكر الديب الخبير الاقتصادي، بدأت الحكومات في التوجه بشكل مباشر نحو السيارات الكهربائية.

الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب
الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب

لكن حتى الآن يبقى التوسع في هذا النوع من السيارات محدود؛ لأسباب عديدة أهمها ارتفاع تكلفة شراء السيارات الكهربائية. كما أن السيارات الكهربائية تعمل بالطاقة التي توفرها البطاريات القابلة للشحن من خلال المحطات والمراكز المرفقة بالمدن ضمن البنية التحتية، والمفترض أن تُجهزها الجهات المسئولة قبل الاعتماد الرسمي على هذا النوع من المركبات، وفي بعض الأحوال لا يكون هذا متوفرًا بالشكل المطلوب.

في المقابل، تعتمد السيارات التي تعمل بالهيدروجين على خزان مدمج به الهيدروجين الذي يتفاعل كيميائيًا مع الأكسجين الموجود في الهواء ليولد الكهرباء اللازمة لتشغيل محرك السيارة.

أزمة طاقة

 

عمرو مصطفى نائب رئيس هيئة البترول السابق
عمرو مصطفى نائب رئيس هيئة البترول السابق

وييرر عمرو مصطفى، نائب رئيس هيئة البترول السابق، التوجه نحو إنتاج السيارات النظيفة بأزمة الطاقة التي ضربت الأسواق العالمية خلال السنوات الماضية، سواء المتعلقة بعدم توافر الوقود في بعض الأحيان، أو ارتفاع أسعاره في أحيان أخرى.

ويقول إن السوق العالمية عانت من أزمات وقود متلاحقة، كبدت الدول خسائر ضخمة على مستوى تكلفة استيراد الوقود اللازمة للاستهلاك؛ سواء في السيارات أو غيرها. وهو ما دفع بعض الدول إلى التفكير في بدائل تسمح بتخفيض حجم الخسائر التي تتحملها الموازنات الحكومية.

وقد بلغ حجم استهلاك الوقود داخل مصر معدل زيادة من 5 لـ 7% سنويًا في مختلف أنواع الوقود، بما فيها البنزين بأنواعه. لذا اتجهت الحكومة منذ فترة إلى الاعتماد على الغاز بديلًا مؤقتا. وبقي الأمر هكذا حتى بات من الضروري البحث عن بديل لهذا البديل.

ارتفاع نسبة السيارات النظيفة

يلفت نائب رئيس هيئة البترول السابق إلى أن ما عانت منه أوروبا على مستوى الطاقة خلال أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، دفع الاتحاد الأوروبي إلى التوسع بشكل مباشر في السيارات العاملة بالطاقة النظيفة. وبالمثل في الشرق الأوسط ومصر، ظهرت اتفاقيات بين دول المنطقة وكبريات الشركات المصنعة للسيارات النظيفة لتعزيز تلك الصناعة محليًا، والتوسع في البنية التحتية القائمة عليها.

ووفق تقديرات الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات، المعنية بتسجيلات المركبات التي تعمل بالطاقة البديلة، فقد نمت السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبى بنسبة 11.1 % لتصل إلى 233.4 ألف سيارة خلال الربع الثاني من 2022. فيما زادت المركبات الكهربائية الهجينة الموصولة بالكهرباء من حصتها في السوق خلال الربع الثاني من العام أيضًا، إلى 8.7 % من تسجيلات السوق، ارتفاعًا من 8.4 % في الربع الثاني من عام 2021.

وازدادت الحصة السوقية لطرازات السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبي إلى 9.9 % من إجمالي عمليات تسجيل سيارات الملاكي خلال الربع الثاني من العام الجاري. وذلك على حساب مركبات الوقود التقليدي (الديزل والبنزين) التي هبطت حصتها السوقية من جملة التسجيلات إلى 55.8 % مقابل 62 % خلال الفترة المقابلة من العام الماضي.

أزمتا كورونا والحرب الروسية الأوكرانية دفعا الاتحاد الأوروبي إلى التوسع بشكل مباشر في السيارات العاملة بالطاقة النظيفة (الصورة: وكالات)
أزمتا كورونا والحرب الروسية الأوكرانية دفعا الاتحاد الأوروبي إلى التوسع بشكل مباشر في السيارات العاملة بالطاقة النظيفة (الصورة: وكالات)

هيدروجين أم كهرباء

هناك تشابه في خصائص تشغيل السيارات العاملة بالهيدروجين والكهرباء، من حيث أن كلاهما ينتج عنه طاقة كهربائية نظيفة تُشغل محرك السيارات، بعكس البنزين الملوث للبيئة. لكن يبقى أن التوسع التدريجي الذي يشهده العالم في إنتاج كلا النوعين يواجه تحديات يتعلق بعضها بالبنية التحتية، والبعض الآخر بسعر بيع تلك السيارات، خاصة في الدول التي تعاني من اقتصاديات هشة ومتوسطة في معدلات النمو السنوي، وفق ما يقوله علاء الملك خبير السيارات.

ولا يتعلق التوسع المأمول مثلًا في سيارات الهيدروجين بالسيارة نفسها بقدر كيفية وتكلفة إنتاج النوع الذي تعتمد عليه من الوقود. فغالبية دول العالم لا تزال في مراحل إعداد الاستراتيجيات الخاصة به. وهنا في مصر وحتى مع البدء في أولى الخطوات الفعلية لإنتاج الهيدروجين الأخضر خلال قمة المناخ COP27، فإن مراحل الإنتاج بشكل مكثف لن تسبق عام 2025.

اقرأ أيضًا: بعد اعتماد تعريفة الشحن.. هل يصطدم توطين السيارات الكهربائية بنقص المحطات؟

معنى هذا أن الإنتاج الحالي من الهيدروجين لن يكفي التوسع المستهدف في هذا المجال. وسيحتاج انتشار سيارات الهيدروجين وقت طويل لحين توفير هذه الطاقة في باقي الدول غير المنتجة.

هنا سنكون أمام معضلة، وهي مركزية الإنتاج التي سترتبط بعدد معين من الدول دون غيرها. وحتى عمليات التصدير؛ فإنها سترتبط بدول الجوار التي سيكون بإمكانها استيراد كميات من الهيدروجين الأخضر من الدول المنتجة. لكن باقي الأسواق البعيدة سيكون اعتمادها على هذا النوع من السيارات ضئيل للغاية، وفق علاء الملك.

على النقيض، يمكن توفير بنية تحتية للسيارات الكهربائية بشكل أسهل من خلال محطات ومراكز الشحن الكهربائي للسيارات، وتزويدها بأنظمة الشحن السريع والمتوسط، وهي التكنولوجيا الأسهل من إنتاج الهيدروجين. إذ تعاني سيارات الهيدروجينية من تحد على مستوى أسعار البيع.

وتتجاوز تلك العاملة بالهيدروجين حاجز الـ 50 ألف دولار، في حين يتراوح سعر السيارة الكهربائية بين 25 و 30 ألف دولار. ويرجع فارق السعر هذا إلى العدد القليل للسيارات الهيدروجينية، على عكس الكهربائية. لكن ربما تتراجع الأسعار مستقبلًا مع اتجاه شركات التصنيع إلى زيادة إنتاج سيارات الهيدروجين لتخفيض التكلفة، وفق الملك.

البطاريات والمسافات

بعض التحديات التي تواجه السيارات الكهربائية وتحول دون تحول المستهلكين بشكل أكبر نحو الاعتماد عليها، يلخصها خبير السيارات في طول المدة التي تستغرقها عملية الشحن. وقد تصل إلى حوالي 45 : 60 دقيقة لشحن بطاريات السيارة بالكامل. وهي مدة طويلة للغاية في حال تعطل مواطن هذه المدة لشحن سيارته، مقارنة بشحنها بالغاز والهيدروجين، ضمن عملية لا تستغرق أكثر من 5 دقائق فقط.

كما أن المسافة التي تقطعها السيارة الهيدروجينية أكبر من مثيلتها في نظيرتها الكهربائية من حيث عدد الكيلومترات التي تقطعها. إذ أن شحن سيارة كهربائية بالكامل يساعدها على السير حوالي 400 كم، في حين الهدروجينية يمكنها قطع مسافة تتجاوز الـ 550 كم.

يتوقع منتصر زيتون عضو الشعبة العامة للسيارات أن يظل الاتجاه العام عالميًا نحو السيارات الكهربائية. ذلك بسبب البنية التحتية القابلة للتهيئة (الصورة: وكالات)
يتوقع منتصر زيتون عضو الشعبة العامة للسيارات أن يظل الاتجاه العام عالميًا نحو السيارات الكهربائية. ذلك بسبب البنية التحتية القابلة للتهيئة (الصورة: وكالات)

لمن المستقبل؟

يتوقع منتصر زيتون، عضو الشعبة العامة للسيارات، أن يظل الاتجاه العام عالميًا نحو السيارات الكهربائية. ذلك بسبب البنية التحتية القابلة للتهيئة في دول العالم لنشر هذا النوع من السيارات. على عكس الهيدروجينية التي يرتبط الاعتماد عليها بالتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وزيادة الأعداد المصنعة لهذه السيارات، وبتكلفة أقل مما هي عليه الآن.

فصعوبة استيراد الهيدروجين لدى بعض الدول البعيدة عن تلك المنتجة له، يجعل إمكانية الاعتماد عليه بمثابة أمر غير مُجدي اقتصاديًا للمواطن. خاصة في ظل ارتفاع التكاليف التي ستتحملها الدولة حال قررت استيراد الهيدروجين وتوفيره للسيارات الخاصة ووسائل النقل العامة بها.

ويلفت “زيتون” إلى حتمية أن تبقى دول العالم منفتحة بشكل مباشر على التكنولوجيات الحديثة التي يتم الوصول إليها. ويقترح  أن تمنح السيارات الهيدروجينية مجالًا للتطبيق بشكل يعطي جدوى اقتصادية للدولة والمواطن على حد سواء. وكذلك التنويع بين أنواع السيارات، بحيث لا تكون هناك مركزية تضر بالسوق في المستقبل.

وهو لا يستبعد على المدى البعيد أن تصبح سيارات الهيدروجين ذات جدوى اقتصادية مميزة. لكن ذلك يتطلب الوصول إلى طريقة ديناميكية لبناء محطات شحن كافية في مدة قصيرة تقارب تلك الموجودة في الكهربائية.

هل مصر مؤهلة؟

وفق مصدر بعضو الشعبة العامة للسيارات باتحاد الغرف التجارية، فأن مصر في المراحل الأولى لصناعة السيارات النظيفة، بحيث لا يمكن الجزم بأن السوق المصرية قادرة على التوسع في إنتاج أي من السيارات الكهربائية أو الهيدروجينية. ونحن لا نزال بحاجة إلى التكنولوجيا الخاصة بكيفية التصنيع بكفاءة مثلما هو الوضع خارجيًا.

لكن المصدر، يشير إلى موافقة مجلس النواب المبدئية على مشروع قانون إنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات باعتباره بادرة نحو توطين صناعة السيارات في مصر خلال السنوات القادمة. وإن كان الأمر سيتعلق في البداية بالسيارات العادية العاملة بالوقود وليس الكهربائية والعاملة بالهيدروجين.

ويوضح المصدر أن الشركات المحلية بإمكانها التوسع مبدئيًا في تصنيع مكونات السيارات بما يصل لحوالي 40 : 50% من إجمالي أجزاء السيارة. ومع مرور الوقت وبالحصول على تكنولوجيا صناعة السيارات من الخارج سيكون بإمكانها التوسع مستقبلًا في أنواع أخرى من السيارات، وفقًا لتوجهات الدولة حينها.

ومع ذلك، فإن الواقع الحالي يؤكد أن السوق المحلية لا تزال بعيدة بشكل كبير عن استخدام أو تصنيع كلا النوعين من السيارات (الكهربائية والهيدروجينية). فالسوق لا يزال في منتصف الطريق فيما يتعلق بالاعتماد على الغاز البديل للبنزين. وبالتالي سيكون هناك صعوبة لإقناع المواطنين بالاعتماد على نوع آخر من السيارات. خاصة وأن سعرها مرتفع عن قدرة المواطن المتوسط لشرائها.