عكس ما يظن البعض، لم تفاجئ نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة الفلسطينيين. بل، فقط، أكدت لهم ما عرفوه منذ فترة طويلة، وهو أن فكرة حل الدولتين أصبحت بعيدة المنال على نحو متزايد. لذلك، يرى محللون أن أي خطوة تتخذها الحكومة الإسرائيلية الجديدة المنتظرة التي تضم أقصى اليمين الإسرائيلي  برئاسة بنيامين نتنياهو، تعتبر بمثابة ضربة إضافية لتطلعات الشعب الفلسطيني، قد تشجع على التعاون بين الأطراف الفلسطينية المتنافسة، إلى حد الوحدة الوطنية.

في تحليل حديث لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، يلفت الباحثان يوهانان تسوريف وعلي العور، إلى أن التغيرات في المجتمع الإسرائيلي على مدى العقد الماضي، أو أكثر، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تؤكد الدعم المتزايد للأحزاب المعارضة لحل سياسي بين أصحاب الأرض ودولة الاحتلال.

التغيرات في المجتمع الإسرائيلي على مدى العقد الماضي تؤكد الدعم المتزايد للأحزاب المعارضة لحل سياسي

في هذا السياق، يتساءل الفلسطينيون بشكل متزايد عن فائدة استمرار الاعتماد على العملية التي تم إنشاؤها مع اتفاقيات أوسلو. وبينما كان قيام السلطة الفلسطينية انجازا يستحق الحفاظ عليه، لكن هذا الانجاز لم ينتج عنه دولة فلسطينية مستقلة. لكن، من وجهة النظر الإسرائيلية، لا تزال السلطة، على الرغم من الانتقادات الموجهة لها ولزعيمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الوسيلة الأكثر فاعلية للنضال السياسي والدولي ضد الدولة العبرية.

يرى المحللان أيضا أنه من المرجح أن تلقى المقاومة والاحتجاجات الفلسطينية صدى إقليميًا، وأن تتخذ بعدًا من الاحتجاج الشعبي الجماهيري، إلى جانب زيادة التعاون بين الفصائل المتنافسة. لذلك، نصحا الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بأن عليها أن تدرس أعمالها بعناية، وتحدد الأولويات، وتنقل ما أسموه بـ “رسالة التهدئة إلى الفلسطينيين”.

اقرأ أيضا: العرب والكنيست.. اللامبالاة في مواجهة محاولات الدمج

لا لحل الدولتين

عززت نتائج انتخابات الكنيست الخامس والعشرين التقييمات التي شكلها العديد من الفلسطينيين على مدى السنوات الماضية. تأكدوا أن إسرائيل لن تعترف أبدًا بالشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير. بينما ترفض إسرائيل حل الدولتين، وفي أفضل الأحوال، ستوافق على توسيع نطاق الحكم الذاتي الفلسطيني. كما ستستمر في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، وليس إخلاء البؤر الاستيطانية هناك.

يؤكد المحللان أن الشغل الشاغل لإسرائيل هو التنسيق الامني وليس الحل السياسي. وأن الأصوات في إسرائيل التي تسعى إلى إقامة علاقات على أساس التعايش والسلام ضعفت بشكل كبير. مع خطر متزايد من أن الصراع القومي سوف يتحول إلى صراع ديني.

أيضا، هناك تقارير مسربة من مفاوضات الائتلاف في إسرائيل، تشير إلى أن ممثلين عن حزب الصهيونية الدينية يطالبون بالسيطرة على الإدارة المدنية، وإلغاء قانون فك الارتباط، وترخيص المستوطنات وضمها.

يقول التحليل: يُنظر إلى هذه المطالب على أنها محاولة لـ “تهويد الضفة الغربية،” والقضاء نهائيًا على فكرة الدولتين، والتي -كما يراها غالبية الفلسطينيين- يعارضها معظم أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وبالطبع، إزالة السلطة الفلسطينية، التي يرون أنها عقبة أمام تحقيق أهدافهم.

مع ذلك، والكلام لا يزال لتسوريف والعور، يبدو أن نتائج الانتخابات في إسرائيل، والخوف من أن تتراجع الحكومة الجديدة عن الإنجازات السياسية السابقة للفلسطينيين، تضخ بقوة جديدة في عروق السلطة، مما يثبت قدراتها على البقاء، حتى في مواجهة نزع الشرعية والانتقادات غير المسبوقة لسياستها وأدائها على الساحة المحلية.

أضافا: حتى ممثلو المعارضة يدركون أنهم سيحتاجون حتما إلى الاتفاق أو التعاون مع السلطة الفلسطينية.

خيارات السلطة

على ضوء نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بدأ رئيس السلطة محمود عباس حديثه لصالح المصالحة الوطنية، واجتمع عزام الأحمد -ممثل فتح في محادثات المصالحة- في لبنان في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني مع مسؤول حماس البارز موسى أبو مرزوق. هناك، أشادت حماس باقتراح السلطة، الذي أيدته الأمم المتحدة، للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، بشأن ما إذا كانت السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية تشكل ضمًا فعليًا.

كما أن إعلان مكتب التحقيقات الفدرالي عن فتح تحقيق في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وقرار اللجنة الثالثة للأمم المتحدة بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، يعود الفضل فيه إلى السلطة الفلسطينية.

لذلك، يتزايد الانشغال في الخطاب الداخلي الفلسطيني بعد الانتخابات، بمسألة فائدة استمرار السعي وراء الخيار السياسي، والإطار الأساسي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني.

يقول التحليل: هناك دعوات متزايدة للتنصل من الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب اتفاقيات أوسلو، والاستجابة للدعوة الشعبية للمصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية. في الوقت الحالي، لن يُترجم الخطاب والصوت الحر فيما يتعلق بالسيناريوهات والنتائج المحتملة التي قد تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية إلى إجماع قابل للتنفيذ.

ومع ذلك، فإن هذا الخطاب، ومحاولات زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية من قبل الفصائل الإسلامية المعارضة، والجماعات المسلحة المحلية في الضفة الغربية، تبرز في وقت تبدو فيه السلطة الفلسطينية ذات أهمية خاصة، للتعامل بفعالية مع التحديات السياسية والدولية التي تطرحها الحكومة الإسرائيلية الجديدة المنتظرة.

هناك دعوات متزايدة للتنصل من التزامات أوسلو والاستجابة للدعوة الشعبية للمصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية

اقرأ أيضا: تضحيات “أسود المقاومة” تربك حسابات إسرائيل والفصائل

أمر واقع

قد يكون فحص ثلاث عمليات مر بها الفلسطينيون على مدى أكثر من ثلاثة عقود مفيدًا حول الكيفية التي من المحتمل أن يستجيبوا بها للتحديات التي ستشكلها الحكومة الإسرائيلية الجديدة بالنسبة لهم.

يلفت التحليل إلى أن القبول بوجود إسرائيل في المنطقة “بدأ يلقى تعبيراً عملياً” -حسب تعبير الباحثين- مع اندلاع الانتفاضة الأولى في أواخر عام 1987 “والتي، في الواقع، عبرت عن الاعتراف بضعف القوة الفلسطينية، واستعدادها للعيش بشكل مستقل إلى جانب إسرائيل وليس في مكانها”.

بعد تسعة وعشرين عامًا، في عام 2017، اعترفت حماس، أيضًا، بحدود قوتها. وقبلت مبدأ الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967. لكن دون اعتراف بإسرائيل أو نية السلام معها، وطالبت بالإجماع في هذا الشأن.

أضاف التحليل: في أعقاب اتفاق أوسلو الموقع عام 1993، بدأ الفلسطينيون الانتقال من المرحلة الثورية إلى بناء المؤسسات. لكن في البداية، واصل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الروح الثورية بعد توقيع اتفاقات أوسلو، وألحق ضرراً كبيراً باحتمال تقدم أي قرار مع إسرائيل. لكن محمود عباس، بصفته نائبه آنذاك، عارض بشدة هذه السياسة.

كان انتخاب عباس عام 2005، وفق إسرائيل “شديد الشفافية، واستند إلى عرضه العلني لسياسته المقصودة، بما في ذلك الالتزام الكامل باتفاقات أوسلو، والاستعداد لتنفيذها كما تم التوقيع عليها”.

في عهد عباس، وبفضل سلام فياض، خلال سبع سنوات من توليه رئاسة الوزراء، وآخرين. تم بناء نظام فلسطيني على أسس مؤسسية وفعالة أكثر من تلك التي استخدمها عرفات، الذي وصفه الباحثان بأنه “أدار نظامًا غير هرمي لم يتسم بانقسامات واضحة في الأدوار والسلطات”.

وضع السلطة

يرى الباحثان أن اتفاقيات أوسلو “تعتبر أهم إنجاز للفلسطينيين منذ أن بدأوا نضالهم ضد الوجود اليهودي في المنطقة”. يعود هذا الإنجاز، في جزء كبير منه، وفق تفسيرهما، إلى قرار منظمة التحرير بقبول قواعد اللعبة والقرارات الدولية التي سبق لها رفضها.

يقولان: تسعى حماس اليوم أيضًا -وإن كان ذلك بقليل من النجاح- إلى تطوير شبكة علاقات دولية، أي تعكس وعيها بهذه الحاجة. لكن الحفاظ على السلطة الفلسطينية مهم بشكل أساسي من أجل الحفاظ على الدعم الدولي. السلطة، على الرغم من ضعفها المستمر، هي حاليًا “الوطن القومي للفلسطينيين”.

وأضافا: إذا حاولت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعادة الساحة الفلسطينية إلى واقع ما قبل أوسلو، أو إعادة تعريف علاقاتها مع الفلسطينيين بطريقة يعتبرها الأخيرون حكمًا ذاتيًا لا يهدف إلى الاستقلال الكامل. فإنها بذلك ستلتقي بنظام فلسطيني غير راغب في التنازل عما اكتسبه بالفعل، أو الآمال والتطلعات التي تدعم تبرير استمرار وجود السلطة الفلسطينية.

وأوضحا أن السلطة الفلسطينية -ككيان وطني- مقبولة من قبل الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني، وضرورة الحفاظ عليها تحظى بإجماع فلسطيني كامل تقريبًا. فقط، يدور الخلاف حول السياسة التي يجب على السلطة تنفيذها، وكيف يجب أن تعمل.

وتابعا: حتى الآن، فإن الادعاءات العديدة بأن السلطة الفلسطينية هي مجرد مقاول من الباطن ينفذ السياسة الإسرائيلية، لم تقوض وضعها بشكل كبير. وحتى حماس، على الرغم من معارضتها للتنسيق الأمني ​​بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تدرك اليوم، أكثر مما كانت عليه في الماضي، حدود العنف المسلح.

وأكدا أن مشاركة حماس في الانتخابات، والضغط الذي مارسته لإجراء الانتخابات، والتصريحات المتكررة من قبل قادتها لعباس وشخصيات أخرى من فتح بأنهم لا يستطيعون دفع القضية الفلسطينية بمفردهم، وأن التكامل التوافقي بين فتح وحماس فقط يمكن أن يكون له أي تأثير. هو “إثبات نضجهم السياسي، واعترافهم بالحدود التي تجاهلوها سابقًا”.

محمود عباس وإسماعيل هنية في الجزائر في يوليو/ تموز

اقرأ أيضا: مركز إسرائيلي: نتائج الانتخابات النصفية لن تؤثر على دعم أمريكا

عودة الوحدة

رغم أنه لم يتم تشكيل حكومة إسرائيل الجديدة بعد، لكن ملامحها الناشئة تثير قلق الفلسطينيين. خاصة سياستها المحتملة تجاه الفلسطينيين، إلى الحد الذي يكون أكثر قسوة ووحشية فيما يتعلق بالنزاع والسكان من أصحاب الأرض، والتي من المرجح أن تشجع ديناميكية التعاون بين العناصر المختلفة في الساحة الفلسطينية.

لكن، وفق التحليل، بسبب الفجوات الكبيرة بين هذه العناصر، من الصعب في هذه المرحلة التحدث عن المصالحة بين المنظمات، لكن “الفهم المشترك بأن تهديدًا حقيقيًا للحلم الوطني قد نشأ هو أمر كاف لخلق تعاون”.

يقول: إن الصمود -وهي فكرة مشتركة استشهد بها جميع الفلسطينيين كدرس مركزي في عام 1948- كحلقة وصل بين جميع الفصائل والتيارات. يشير إلى معنى ضمني هو “لن يتكرر الأمر أبدًا”. لن يتم طردنا مرة أخرى، ولن نسمح بالاستيلاء على أراضينا أو احتلالها، وما زلنا صامدين ونقاوم”.

ويحذر من أن البعد الجماهيري للنضال الفلسطيني قد يجد تعبيرا ملموسا، ويؤدي إلى اهتمام إعلامي واهتمام دولي كبير ومستمر.

يقول: لقد بدأت السلطة الفلسطينية بالفعل العمل في هذا الاتجاه، وقد يؤدي تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل إلى تسريع العمل المخطط له مسبقًا. ستكون الساحة الدولية محور النضال الفلسطيني ضد إسرائيل، وهذه المرة ستكون فرص تحقيق نجاح دولي كبير أكبر. بل إنها قد تحصل على دعم من الولايات المتحدة، إذا نفذ قادة حزب الصهيونية الدينية نواياهم. عندها سيصبح النضال في الضفة الغربية أكثر كثافة وثباتًا، وستكون إمكانية الوحدة الفلسطينية بين الفصائل أكثر واقعية مما كانت عليه في الماضي.

لذلك، ينصح التحليل الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تحدد بوضوح أهداف علاقاتها مع الفلسطينيين، وتفحص عناصر القلق لدى الجانب الفلسطيني، وتفكر في أي من تطلعات الأحزاب القادمة، التي تم التعبير عنها قبل الانتخابات، يمكن تنفيذها. وماذا يجب تأجيله، وماذا ستكون تكلفة كل خطوة.