للصين مع وسائل التواصل الاجتماعي، ومع تطبيق تويتر تحديدا، حكاية عجيبة، فهي من ناحية تحظره داخل حدودها، لكن في الوقت عينه تحقق من ورائه مكاسب اقتصادية وتسويقية هائلة، وكذلك تستخدمه في مراقبة المعارضة، وسحقها من خلال عقوبات قاسية.

بعض تلك القصص مخيف، ويذكرنا بعمل اللجان الإلكترونية في مصر وحجب المواقع الإلكترونية، لكن مع الفارق الشاسع بين آلة تستخدم التكنولوجيا إلى أقصى آفاقها المخيفة، وبين عمل “المانيفلة” البلدي رغم تقدم تلك “المانفيلة” نسبيا عما كانت عليه قبل 2011.

المخيف هو الشعور أن السلطات في مصر ربما ترى الصين نموذجا وأفقا لاستخدام التقنية بكفاءة وجرأة أعلى، ربما علينا أيضا أن نتأمل كيف تتحول التكنولوجيا في يد السلطة من أداة كان من المفترض أن تمنح الحرية للإنسان، إلى وسيلة لقمع تلك الحرية.

وفي ظل استحواذ إيلون ماسك مؤخرا على ذلك التطبيق والتقارير المنتشرة التي تحذر من تشابك مصالحه مع الصين، قد يخبرنا هذا أيضا عن التحولات داخل وداي السيليكون، تحولات بدأت مع ستيف جوبز في منتصف السبعينات كأنها ضربة داود الضعيف ضد العملاق جالوت، وقد حرر المعرفة من يد الطاغية المحتكر IBM، لكن سرعان ما تحول سكان ذلك الوادي وأولهم ستيف جوبز إلى طغاة العصر الحالي في اتحاد غير مسبوق بين الاستبداد ورأس المال والمعرفة التقنية.

آخر الأمثلة التي حدثت مؤخرا التي تشرح كيف تستخدم الصين تويتر للقمع، هي التشويش على أخبار الاحتجاجات الأخيرة في بكين العاصمة وشنغهاي التي تعد المركز المالي للبلاد، والتي اندلعت ضد القيود الصارمة التي تتخذها السلطات الصينية لمكافحة فيروس كوروناالتي تأثر بسببها الملايين لما يقرب من ثلاث سنوات، بشكل يبدو أنه لم يعد محتملا، فمن غير المألوف أن يعبر الصينيون علنا عن غضبهم من قادة الحزب الشيوعي، ويمكن أن يؤدي أي انتقاد حكومي مباشر إلى عقوبات قاسية، إلا أن الاحتجاجات تلك المرة طالبت بإقالة هؤلاء القادة، وعلى رأسهم الرئيس شي جينبينغ.

لذا أغرقت الحكومة الصينية تويتر بطوفان من المواد الإباحية وروابط المواعد للبالغين من خلال حسابات باللغة الصينية، وبحسب موقع واشنطن بوست بحيث طغت على أخبار الاحتجاجات بنسبة 50%، لذا سيكون البحث عن منشورات تدور حول أخبار الاحتجاجات، أمرا مرهقا وستظهر في الأغلب منشورات عديمة الفائدة.

وهي ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الصين حسابات يشتبه ارتباطها بالحكومة الصينية، كانت تويتر تعمل على إزالة الحسابات والتعليقات المشبوهة يدويا، لكن عليه الآن أن يواجه هذه الحسابات بعدد أقل كثيرا من الموظفين، بعد أن تم تخفيض إجمالي موظفي تويتر من حوالي 7,500 إلى ما يقرب من 2,000، في ظل إدارة ماسك.

ووفق تقرير نشر على هيومان رايتس ووتش، كتبته الباحثة في شؤون الصين Yaqui Wang، أن هؤلاء اللذين استخدموا أدوات تحايل مثل شبكة VPN  لفك الحظر المفروض على تويتر من قبل السلطات الصينية، دفعوا ثمنا شخصيا غاليا، بالسجن، عند تغريدهم حول تعامل السلطات مع جائحة كوفيد في فبراير 2020.

قامت شرطة الإنترنت في الصين بمطاردة وتهديد مستخدمي الإنترنت الذين يعبرون عن آرائهم. في البداية، ركز عملاؤها على منصات التواصل الاجتماعي المحلية. في عام 2018 ، بدأوا حملة جديدة لاحتجاز مستخدمي تويتر داخل الصين – أصحاب الحسابات الذين وجدوا طرقًا للالتفاف على الحظر الذي تفرضه الحكومة – وإجبارهم على حذف حساباتهم.

الآن، امتدت الحملة إلى المواطنين الصينيين الذين يعيشون خارج الصين.

أوضحت وثائق نشرتها نيويورك تايمز كيف أرادت شرطة شنغهاي اكتشاف هويات الأشخاص الذين يقفون وراء حسابات معينة، وتتبع اتصالات مستخدميهم. يمكن لضباطها بعد ذلك تهديد أفراد الأسرة في الصين أو احتجاز أصحاب الحسابات عند عودتهم إلى البلاد من أجل إجبار المعارضين أو المنتقدين عبر الإنترنت على حذف المنشورات أو حتى الحسابات بأكملها.

يلفت التحقيق إلى أن الحكومة الصينية أطلقت حملة عالمية عبر الإنترنت لتلميع صورتها وتقويض الاتهامات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وهناك قدر كبير من هذا الجهد يبذل في الخفاء، تحت ستار شبكات آلية تنتج منشورات آلية وأشخاص يصعب تتبعهم عبر الإنترنت.

لكن المخاوف الأكبر الآن تأتي من مصالح ماسك في الصين بعد استحواذه على تويتر، وإمكانية تعرضه لضغوط أقوى حكومة سلطوية في العالم، والتي لها تاريخ طويل من البراعة في التلاعب بالشركات الأجنبية وإجبارهم على اتباع خط الحزب الشيوعي من خلال منح تلك الشركات قدرة على النفاذ إلى السوق الصيني.

هناك الكثير من الأمثلة التي توضح كيفية التلاعب بالشركات الأجنبية من قبل الحكومة الصينية من أجل الاستمرار في التواجد داخل السوق الصيني. أزالت آبل، وفق تقرير هيومان رايتس ووتش، مئات من تطبيقات VPN من متجر التطبيقات الصيني، مما يجعل من المستحيل تقريبا على المستخدمين في البلاد التحايل على الرقابة الحكومية وحماية بصمتهم الرقمية.

وكذلك أوردت بعض التقارير أن إدارة الشركة حذرت مبدعي بعض البرامج على آبل تي في + من تصوير الصين في صورة سلبية، ولم ترد شركة آبل على تلك التقارير.

وفي عام 2020، تمكنت الحكومة الصينية من إغلاق اجتماع على زووم عقد في الولايات المتحدة، حول مذبحة ساحة تيانانمن عام 1989.

كما شجعت بكين أيضا مقاطعة الشركات التي أعربت علنا عن مخاوفها بشأن العمل الجبري وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى في شينجيانغ، مما أجبر شركة بحكم إنتل على الاعتذار عن رسالتها التي طلبت من الموردين عدم التعامل مع المدينة.

في الوقت الذي تمنع فيه الصين 1.4 مليار مواطن من الدخول إلى موقع تويتر، إلا أن الحكومة الصينية أظهرت على نحو متكرر أنها تهتم كثيرًا بصورتها خارج البلاد. يستخدم دبلوماسيوها ووسائل الإعلام الحكومية وصحفيوها موقع تويتر في الدعاية للحكومة والبلاد، وتتباهى سلطاتها المحلية بالإعلانات العالمية على الموقع، مما يجعل الصين الأسرع نموا على المنصة وأحد أكبر إيراداتها خارج الولايات المتحدة، وفق تقرير رويترز.

وكذلك تعد شركات الألعاب والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا في الصين من عملاء تويتر الرئيسيين. تقدر مبيعات تويتر للإعلانات الخارجية للعملاء الصينيين بـ “مئات الملايين من الدولارات سنويًا”.

حظرت تويتر الإعلانات السياسية والإعلانية الممولة من قبل وسائل الإعلام الحكومية في عام 2019، بسبب الخوف من “اختلال حاد في المعلومات” والذي ينشأ عندما تستمر الحكومات التي تمنع الوصول إلى تويتر داخل دولتها في استخدامه لاتصالاتها الخاصة.

ومع ذلك، وجدت رويترز عشرات الإعلانات للحكومات المحلية الصينية، وكذلك لوسائل الإعلام الحكومية نفسها، منشورة على تويتر. حيث واصلت السلطات المحلية الصينية شراء إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية والمحتوى حتى بعد أن تسببت جائحة كورونا في إغلاق حدود البلاد، وجدت رويترز أكثر من 300 حساب يمثل الحكومات المحلية في الصين.

أظهر تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز وموقع  بروبابليكا للتحقيقات الاستقصائية كيف أصبحت مقاطع الفيديو، التي تصور أفرادا من أقلية الإيغور العرقية يعيشون حياة سعيدة وحرة، جزءًا أساسيا من حملة إعلامية نسبها تويتر في نهاية المطاف إلى الحزب الشيوعي الصيني، الذي قام بحذف الشبكة التي تقف وراء تلك المنشورات، والحسابات المرتبطة بشركة قال إنها ساعدت في تصوير مقاطع الفيديو الدعائية.

ألم أخبركم، هذا عالم مخيف لنا، سعيد للحكومات الاستبدادية التي وجدت ضالتها في إحكام قبضتها بشكل أكبر في تقنيات كان عليها أن تهبنا الحرية والازدهار.