تأسست جماعة الإخوان على مبادئ تجعل منها تنظيما اجتماعيا سياسيا يطمح إلى الوصول إلى الحكم عبر كل الطرق الممكنة، وفي سبيل ذلك اختلفت تكتيكات الجماعة من مجتمع لآخر، وضمت الجماعة بين جنباتها تشكيلة مختلفة من أصحاب الفكر الإسلامي، ولكن كانت القيادة دائما للأكثر تطرفا وتزمتا بين التنظيم.

“إخواننا المجاهدين” هكذا أطلقت الجماعة على العناصر المسلحة في الشيشان وأفغانستان والبوسنة، لم تحمل الجماعة السلاح في مصر قبل 2011 ولكنها لم تلفظه تماما، وعملت على دعم المسلحين ماليا وسياسيا عبر أذرعها الاقتصادية والإعلامية والدينية، كذلك فإن الجماعة أعلنت رفضها تصرفات “الجماعة الإسلامية” التي كانت قد انشقت عن الإخوان، ولكنها لم تدخل مواجهة من أي نوع مع التنظيم المسلح وتركت هذه المواجهة للدولة.

بعد فض اعتصام رابعة، وتشقق الطبقة الأولى من قيادة التنظيم، اختلفت المسارات بين استخدام العنف لمواجهة النظام الجديد وإسقاطه، أو الاستمرار في السلمية حتى الوصول إلى كتلة حرجة من المواطنين قادرة على تحريك الشارع في مواجهة النظام، وحسم التنظيم قراره باستخدام العنف عبر اختيار أبرز صقور الجماعة “محمد كمال” على رأس التنظيم، ليحمل راية التسليح، والتحول إلى السيناريو السوري في مواجهة الدولة المصرية.

ولكن كان لتجربة الإخوان في سوريا واليمن عامل مهم في تراجع الجماعة عن استراتيجية العنف التي بدأتها في أغسطس 2013، فان تجربة إخوان سوريا واليمن في حمل السلاح كانت من الفشل بحيث تجعل من المستحيل تكرار ذلك، تصور الإخوان أن وجود البنية التنظيمية وقواعد السمع والطاعة، قادرة على صناعة ميليشيا قوية في وقت وجيز، ولم يضعوا في حسبانهم البنية الفكرية للتنظيم، والتي كان قوامها نشر الدعوة، وعدم الدخول في صدام مع المجتمع، وهو ما يتعارض تماما مع البنية الفكرية للتنظيمات المسلحة التي تعتمد الولاء والبراء نبراسا لها.

بعد فترة وجيزة من استخدام إخوان سوريا للسلاح وانطلاق الحملات الإعلامية الداعمة لها، نفر إلى سوريا “مجاهدو الأرض” من مشرقها ومغربها، فاجتمع في سوريا مقاتلون من جميع أرجاء العالم، وكانت النتيجة الطبيعية أن قوات تنظيم الدولة الإسلامية استوعبت طموح وجموح المجاهدين، بل واستقطبت الآلاف من مقاتلي الإخوان بين جنباتها.

انهزم إخوان سوريا من إخوانهم المجاهدين قبل هزيمتهم من الجيش السوري، في تجربة مختلفة قليلا ولكنها اتفقت في النتائج.. خسر إخوان اليمن معركتهم مبكرا وخرجوا من صراع الحكم في اليمن بعد سوريا.

استوعب إخوان مصر الدرس جيدا، وعلموا أن الحلفاء الدوليين للجماعة لن يراهنوا على تنظيم يخسر معاركه، ويهرب من الميدان مخلفا وراءه تنظيمات أكثر غباء وقسوة.

عندما حانت لحظة الحقيقة داخل مجلس شورى الجماعة حول الاستمرار في استخدام العنف، كان قرار الأغلبية بالتراجع، وهو ما تم في أكتوبر 2015 بعد مرور عامين من العمليات النوعية والقنابل بدائية الصنع، والاغتيالات والاشتباكات.

رغم مساهمة الجماعة في تلك العمليات عبر الدعم والتمويل والتسهيل، الا أن الجماعة كانت حريصة على أن يظل التنظيم بعيدا عن الصورة، وأن تكون التنظيمات المسلحة على هامش التنظيم، لتسهيل عملية التخلص منها بعد ذلك.

“نختلف معهم ولا ننكر عليهم” كانت هذه الجملة هي ملخص موقف الجماعة من التنظيمات الإسلامية العنيفة باستثناء “داعش”، فإن الجماعة التي كانت تعلن رفضها استخدام العنف في طريقها للوصول إلى السلطة في مصر، لا ترفض استخدام العنف في المطلق.

رغم ما يبدو من توقف الجماعة حاليا عن استخدام العنف، الا أنها لازالت ترى نفسها في هدنة من جانب واحد مع النظام، وأن هناك ثمة معركة مقبلة مع الدولة المصرية التي واجهتهم، والشعب الذي دعم الدولة واختار جانبها.. الموتورون من أبناء الجماعة داخل السجون وخارجها، ينتظرون الفرصة ويحلمون بيوم يدفع فيه المصريون ثمن إزاحة الجماعة من الحكم.

راهنت الدولة على أن الجماعة سوف تتفكك عبر الضربات الأمنية الكبيرة التي تلقتها خلال السنوات الماضية، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ولا يبدو أن الجماعة تنوي على حل التنظيم أو وقف النشاط، بل لازالت تبحث عن دور لها في مستقبل مصر، وعلى استعداد للانتظار ثمانين عاما أخرى من أجل فرصة التمكين.

إذا كنا نبني جمهورية جديدة فلا يجب أن نغفل مخلفات الجمهورية القديمة، وأبرزها التنظيم الإسلامي الاجتماعي الذي يضم الآلاف في صفوفه، ورغم ضعفه إلا أن بعضا من قوته التنظيمية لازالت حاضرة.