رغم التفاؤل الحكومي بتوقعات أن تحقق مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج الحصيلة الدولارية المطلوبة منها للخزينة المصرية وتُقدر بـ 2.5 مليار دولار خلال فترة 4 شهور تنتهي في 14 مارس/ آذار القادم. تبدو المؤشرات الأولية مثيرة للتساؤلات حول ماهية البيانات التي بنت وزارة المالية عليها توقعاتها الخاصة بإدخال قرابة نصف مليون سيارة. خاصة مع عدم تسجيل المبادرة رقمًا ملحوظًا، رغم مرور 20 يومًا على انطلاقها رسميًا، و47 يومًا على إصدار القانون الخاص بها.
المبادرة التي أقرها مجلس النواب كانت تستهدف زيادة الحصيلة الدولارية بشكل عاجل. ذلك بغرض سد النقص الحاد في العملة الصعبة، والذي يتسبب يوميًا في انخفاض قيمة الجنيه. الأمر الذي ارتد بتبعاته على المستوردين، وحد من قدرة المستوردين علي توفير العملة الأجنبية الضرورية لفتح الاعتمادات المستندية اللازمة لاستيراد بضائعهم.
ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أقر مجلس النواب مشروع قانون مُقدم من الحكومة لمنح تيسيرات للمصريين المقيمين بالخارج، تتضمن إعفاء سياراتهم من الضرائب والجمارك في مقابل وديعة بالعملة الصعبة في حسابات وزارة المالية، بنفس قيمة الرسوم والضرائب التي كان من المفترض سدادها، على أن يتم استرداد الوديعة بدون عوائد بعد 5 سنوات، بالجنيه المصري، وفق سعر الصرف المعلن من البنك المركزي حينها.
اقرأ أيضًا: الدولار يدخل دوامة المضاربات.. لماذا لم يصمد الجنيه في تعويم 2022؟
انطلقت المبادرة رسميًا في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بإطلاق التطبيق الإلكتروني الخاص بها بالهواتف الذكية، والذي يستمر في تلقي الطلبات حتى 14 مارس/ آذار المقبل.
وبحسب بيانات مصلحة الجمارك، لم تتلق المبادرة سوى 27 ألف طلب حتى الآن، تمت الموافقة على 2700 منها. وهي التي استوفت الشروط بودائع لا تزيد عن 42 مليون دولار خلال 20 يومًا. وهو معدل يوضح أن العائد قد لا يتجاوز 252 مليون دولار، إذا استمر الحال بوتيرته الحالية.
تقدر وزارة الهجرة عدد المصريين بالخارج بأنه يتراوح ما بين 10 إلى 14 مليونًا. يفترض أن يقبل 5% منهم على الأقل على إدخال سيارتهم إلى مصر، بما يعادل 500 ألف شخص.
بحسبتها الأولية تلك، تراهن وزارة المالية على إدخال 500 ألف سيارة مقابل إيداع 2.5 مليار دولار خلال أربعة أشهر. وتفترض المبادرة أن يتم إدخال 625 مليون دولار بصورة شهرية على مدار أربعة أشهر فقط، حتى لا تؤثر على سياسة تعزيز صناعات السيارات المحلية، التي تستهدف الدولة دعمها، واعتبرت مدة 120 يومًا كافية لمن يرغب بالاستفادة من المصريين بالخارج.
لماذا لم تتحقق المستهدفات؟
يمثل غياب المعلومات العثرة الأولى التي تقف في طريق المبادرة، مثلها مثل المبادرات الحكومية الأخرى. فلا يستطيع المسئولون توفير معلومات واضحة مُبسطة خطوة بخطوة، تُعرف كل مواطن بكيفية التصرف، وتُراعي في الوقت ذاته اختلاف المستويات التعليمية والخبرات. ولا تقوم القنصليات في الخارج بمهامها على أكمل وجه في دعم مبادرات الدولة.
يقول عاصم عبد الزاهر، مصري يعمل بالسعودية، إن العاملين في المملكة لا يعرفون حتى الآن خطوات إدخال بيانات السيارات ولا كيفية تحويل مبلغ الوديعة، ولا كيفية توثيق الإقامة. خاصة وأن البنك المتعامل معه قال له: “لا يجوز التحويل لحساب جهة حكومية”.
أسئلة دون إجابات
يفتقد المصريون في السعودية، وهم الأكثر رغبة في التسجيل بالمبادرة في ظل تكتلهم العددي البالغ 2.5 مليون شخص تقريبًا، لحلقة تواصل مباشرة لعملية التسجيل. يشير حسام عليّ أحد المقيمين هناك، إلى تساؤل لم يجب عليه أي مسئول حتى الآن، يتعلق بالحركة في الحساب الذي يتم تحويل الأموال منه، ومدى ضرورة توافر المبلغ المطلوب بالكامل قبل 3 أشهر من تاريخ إقرار القانون.
الأمر ذاته ينطبق على سلوى فريد، التي تم رفض طلبها لعدم كفاية المستندات المطلوبة وتم إرجاع الوديعة لها. تتساءل: هل من حقها أن تقدم مرة أخرى خلال مدة الأربعة أشهر بعد استيفاء الأوراق؟ بينما اضطر فريق ثالث إلى إرسال الاستفسارات على رقم السفارة المصرية بالخارج على “واتس آب” مذيلًا بضرورة الرد العاجل من أجل اللحاق بالمدى الزمني لها.
محمد مجاور، مصري مقيم بالخارج أيضًا، يشير إلى عدم مساواة بين مغتربي الخليج والأوروبيين. يقول في الخليج يتم وضع وديعة قيمتها 15 ألف دولار لسيارة. في حين أن موديل السيارة ذاتها تدفع عليه 4 آلاف دولار في أماكن أخرى. وهو لا يجد تبريرًا لذلك من القائمين على المبادرة التي تنشط فيها وزارتي المالية والهجرة.
ضبابية المشهد
يعتري الكثير من المصريين في الخارج قلقًا من عدم وضوح فكرة التحويل النقدي لهم، والجهة التي ستتلقى الأموال. خاصة مع بعض الرسائل التي تصل لبعضهم ولا يستطيعون تفسيرها لغياب الثقافة البنكية المتعلقة بتحديث الحسابات.يقول محيي عواد إن البنك يرفض التحويل باليورو. وهو العملة الأصلية للحساب البنكي الخاص به، منتقدًا شرط التحويل بالدولار.
وفي وقت اشتكى فيه قطاع عريض من المصريين بالخارج من عدد المستندات المطلوبة، يطالب صبري ناصر، مصري بالخارج، بدور أكبر للسفارة والقنصلية. ويقترح تخصيص موظفين لفحص الأوراق وكشف الحساب، والإجابة على التساؤلات. بما يعطي المواطن قدرًا من الموثوقية أثناء تحويل المبلغ المطلوب للاشتراك بالمبادرة. فوجود مظلة رسمية في العلاقة أمر يشجع الآلاف من وجهة نظره.
كما يعتبر أحمد عليّ، شرط عدم مرور ثلاثة سنوات على السيارات “أحد العثرات الكبرى”. لأن عام التصنيع يكون سابقًا للموديل بعام كامل. ما يعني أن سيارات 2019 تم صنعها 2018، ولن يجوز دخولها ضمن المبادرة، التي تشترط عدم مرور 3 سنوات على السيارة المراد إدخالها لمصر. وبالتالي ستكون بداية السيارات المقرر إدخالها سيارات 2020.
ليسوا كلهم أثرياء
محمد أبو العيش، عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للمصريين بالخارج، يعزو ضعف تسجيل المصريين بالخارج بالمبادرة إلى افتراضات غير دقيقة لمتوسط دخل الفرد بالخارج. فعلي سبيل المثال إذا كان دخله 15 ألفًا، لن يستطيع جمع قيمة الوديعة خلال المهلة المحددة بالقانون.
تصل قيمة الوديعة للسيارات الكهربائية موديل 2019 تسلا 3 إلى 6300 دولار، أما السيارة فولكس فاجن فتبلغ 2352 دولار. بينما تختلف سيارات البنزين حسب نوع السيارة وطرازها وسعر المحرك. وتتراوح وديعة السيارات حتى 1000 سي سي بين 5500 دولار و12 ألف دولار، والسيارات من 1100 سي سي وحتى 1600 سي سي تتراوح بين 7 آلاف دولار و18 ألف دولار. فيما السيارات من 1600 سي سي وحتى 2000 سي سي تتراوح بين 45 ألف دولار و130 ألف دولار. وتتراوح السيارات أعلى من 2000 سي سي بين 135 ألف دولار ونحو 900 ألف دولار.
اقرأ أيضًا: “إعفاء”سيارات المصريين بالخارج.. مهدئ لـ”أعراض الدولار” و”التجميع” هو الحل
يقول أبو عيش إن عمر السيارة أيضًا أحد المشكلات الأساسية. حيث يشترط إن كان الشخص مالكًا أول للسيارة ألا يزيد عمرها على 3 سنوات من سنة الصنع. وهو أمر يحتاج لمراجعة للسماح بالسيارات التي مر عليها خمس سنوات. ذلك فضلًا عن ارتفاع تقييم سعر السيارات التي سيتم إدخالها. ما يجعل شروط المبادرة تستهدف سيارات المصريين بالخليج وفقط.
واشتكت رابطة تجار السيارات بمصر أكثر من مرة من قواعد استيراد السيارات المستعملة. وأكدت على لسان رئيسها أسامة أبو المجد أن مصر الدولة الوحيدة بالعالم التي ترفض إدخال موديل العام السابق وتشترط موديل السنة فقط.
لماذا تتأخر الحلول؟
يقول خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، إن بعض الشروط تقلل من فاعلية المبادرة مثل الاختلاف بين تقديرات السيارات في الخليج وأوروبا. ذلك إلى جانب عدم وجود فائدة على الوديعة لمدة خمس سنوات. وهو أمر يجعل البعض يفضل وضع الأموال في البنوك بدلًا من إدخال سيارة.
ويشير سعد أيضًا إلى اشتراط استيراد السيارة من دولة المنشأ أو الدولة المقيم بها المغتربين. ما يقلل من شريحة تريد إدخال سيارات مستوردة من دولة ثالثة بشروط أو مواصفات أعلى وسعر أقل. علاوة على مشكلة الحساب البنكي وضرورة أن يكون ساريًا لمدة 3 أشهر قبل المبادرة.
ويرى أحمد أبوبكر، مدير عام جمارك السيارات بالقاهرة، أن معظم شكاوى المصريين المتعلقة باستيراد السيارات تتعلق بمهلة الـ 3 أشهر المحددة لإيداع الوديعة المالية في البنك. لكنه يبرر الاختلاف بين الاستيراد من الدول العربية وأوروبا لاختلاف النسب الضريبية بينهما، وطبيعة الشريحة الخاصة بـ”سي سي” والقيمة اللترية لكل لسيارة.
معايير التقييم على السيارات المستوردة من الخارج وفقًا لمبادرة إعفاء سيارات المصريين بالخارج، تتمثل في: شريحة أولى 1600 سي سي، وتقدر قيمة الضرائب الخاصة بها بـ 66% على السيارة. وشريحة ثانية من 1600: 1900 سي سي قيمة الضرائب 224% على السيارة. بينما الشريحة الثالثة 2000 سي سي قيمة الضرائب تصل 278 % على السيارة.
يطالب أبو بكر بإعطاء تسهيلات للمواطنين من أجل تشجيع المصريين بالخارج للانضمام والدخول للمبادرة. خاصة أن فوائدها للمواطن أكثر من الدولة، على حد قوله. وهو أمر تطرق له نواب البرلمان أيضًا الذين تحدثوا عن إمكانية التقدم بمشروع قانون جديد خاص بسيارات المصريين بالخارج؛ لتسهيل الشروط على المواطنين.