بعد أن صوت الجمهور الإسرائيلي لليمين في انتخابات الكنيست الأخيرة. تبدو هذه النتيجة الواضحة كطريق لحل أزمة النظام السياسي الإسرائيلي، والتي انعكست في الجولات الخمس للانتخابات في ثلاث سنوات ونصف مضت. تغيرت فيها الكثير من أصوات المؤيدين للتيارات السياسية في الدولة العبرية.

لكن، في الوقت نفسه، يُشير تحليل لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS، أعده كلا من أوري ويرتمان منسق “التقييم الاستراتيجي” بالمعهد، ومئير ألران رئيس برنامج الأمن الداخلي بالمعهد، نائب مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلي الأسبق. إلى أن هذه النتائج “تجلب معها تحديات كبيرة للعديد من القضايا المحلية والسياسة الخارجية، بما في ذلك العلاقات مع الولايات المتحدة والسياسة تجاه الفلسطينيين”.

نتائج انتخابات الكنيست الخامس والعشرين 2022

يحاول التحليل الإجابة على أسئلة هامة: ماذا تكشف نتائج الانتخابات عن المجتمع الإسرائيلي؟ وما هي التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة؟ حيث سيؤثر سلوك الحكومة اليمينية القادمة بشكل كبير على الجو السياسي في الداخل، وقد يزيد من تعميق الانقسامات. وهذه القضايا لها عواقب مهمة على الأمن القومي الإسرائيلي، ومرونة المجتمع، والمكانة الدولية.

يقول: إن نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست الخامسة والعشرين، حتى قبل تشكيل حكومة جديدة، تخلق أساسًا محتملًا للاستقرار الحكومي، والذي يمكن أن يسهل التخطيط طويل المدى وإدارة أكثر فاعلية لقضايا الأمن القومي الحرجة.

اقرأ أيضا: تضحيات “أسود المقاومة” تربك حسابات إسرائيل والفصائل

السؤال المركزي في هذا السياق هو التأثير المستقبلي لأحزاب الصهيونية الدينية على المزاج العام وعلى القرارات المتعلقة بالقضايا الحساسة في الدولة العبرية. مثل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والعلاقات اليهودية- العربية داخل إسرائيل. وعلى وجه الخصوص، القضايا المتقلبة، مثل المتعلقة بالأماكن المقدسة في القدس.

علاوة على ذلك، هناك أسئلة أساسية تتعلق بمعنى وجوهر هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، على خلفية الاستقطاب المتزايد في المجتمع الإسرائيلي والأغلبية اليمينية الواضحة بين السكان اليهود في إسرائيل.

الانحياز إلى اليمين

يؤكد المحللان أن انتخابات المجلس التشريعي الإسرائيلي الخامسة والعشرين 2022، والتي انتهت بفوز واضح للكتلة اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو. جعلت من المرجح أن تخرج إسرائيل من الأزمة السياسية في السنوات الثلاث والنصف الماضية، والتي شهدت خمسة انتخابات للكنيست.

ويلفت التحليل إلى أن فحص بيانات التصويت في هذه الانتخابات، حسب القطاع، ومن منظور طويل الأمد. يرسم صورة شاملة وديناميكية تعكس التغيرات التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي. فقد ازداد إقبال الناخبين في انتخابات عام 2022، من 67.4 % في انتخابات 2021 إلى 70.6 %، لكنه انخفض من متوسط ​​78.8 % في الانتخابات بين عامي 1973 و1999.

وفي انتخابات عام 2022، كان هناك عدد أكبر من ناخبي اليمين مقارنة بانتخابات عام 2021، مما عزز كتلة نتنياهو. يتضح هذا من نمط التصويت في المدن التي تم تحديدها تقليديًا مع اليمين (عسقلان 3.2 % أكثر من عام 2021، بئر السبع 4.6 %، وديمونا 6.9 %). في المقابل، حافظ ناخبو يسار الوسط على إقبال مشابه لانتخابات عام 2021 (تل أبيب + 0.4 %، جفعتايم + 0.3 %، وهرتسليا + 0.3 %).

هكذا، من الواضح أن “اليمين” يشكل أغلبية متزايدة بين السكان اليهود في إسرائيل.

أيضا، ارتفعت نسبة إقبال الناخبين في الوسط العربي، التي وصلت في انتخابات عام 2021 إلى مستوى تاريخي منخفض بلغ 44.6 %، إلى 53.2 %، على الرغم من التوقعات بانخفاض كبير آخر. ولا يزال هذا أقل من نسبة المشاركة البالغة 64.8 % في انتخابات 2020، وهي أعلى نسبة منذ عام 1999.

وهكذا، ارتفعت القوة النسبية للأحزاب العربية في الانتخابات الماضية مقارنة بعام 2021 (10.8 % مقابل 8.6 %). لكن، لم تزد القوة السياسية المشتركة النسبية، ويرجع ذلك أساسًا إلى الانقسام الذي ترك حزب “بلد” العربي القومي تحت العتبة الدنيا البالغة 3.25 %.

صعود الصهيونية الدينية

لاحظ التحليل كذلك، هذه المرة، استمرار الاتجاه السائد في أوساط الجمهور العربي في الابتعاد عن الأحزاب الصهيونية.

في انتخابات 1992، اختارت أغلبية بنسبة 52.3% من الناخبين العرب الأحزاب الصهيونية. وحصل حزب العمل على 20.6% من أصواتهم. بعد ثلاثين عامًا، صوت 14.2% فقط من العرب للأحزاب الصهيونية. بدأ هذا الاتجاه بعد اندلاع الانتفاضة الثانية. مشيرا إلى تنامي الهوية الفلسطينية في الجمهور العربي.

أيضا، ارتفعت قوة الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة من 12.8 % من الأصوات في عام 2021 إلى 14.2 % في عام 2022. فعلى الرغم من زيادة “شاس” و”يهودية التوراة” تمثيلهم المشترك في الكنيست من 16 إلى 18 مقعدًا، ظلت قوتهم النسبية في الكنيست مستقرة خلال العقدين الماضيين. في حين نمت من 8.2 % من الأصوات في عام 1992 إلى 14.2 % في عام 2022، فقد ظل تمثيلهم السياسي مستقرًا إلى حد ما منذ عام 2003، بين 16 و18 مقعدًا.

يقول التحليل: بالنظر إلى أنه في المتوسط ​، تمتلك العائلات الأرثوذكسية المتشددة عددًا من الأطفال يبلغ ضعف عدد العائلات غير الأرثوذكسية المتطرفة -حيث زاد ناخبو حزب “يهودية التوراة” من 3.3 % من السكان في عام 1992 إلى 5.9 % اليوم- يمكن تفسير هذا الاستقرار الانتخابي بعدد كبير من الأصوات الأرثوذكسية المتشددة التي تذهب إلى الأحزاب غير الأرثوذكسية المتطرفة.

وأضاف: التغيير الأبرز والأكثر أهمية هو النمو البارز للقائمة المشتركة للصهيونية المتدينة “عوتسما يهوديت”، بقيادة بتسائيل سموتريش وإيتمار بن غفير، على التوالي، والتي فازت بـ 14 مقعدًا. حيث زادت 8 نواب أكثر مما كانت عليه في عام 2021.

تمتلك العائلات الأرثوذكسية المتشددة عددًا من الأطفال يبلغ ضعف عدد العائلات غير الأرثوذكسية المتطرفة وهو ما يتحكم في نسب التصويت

اقرأ أيضا: العرب والكنيست.. اللامبالاة في مواجهة محاولات الدمج

تقسيم الكتل الانتخابية

يفسر المحللان هذا النمو الكبير في صعود الصهيونية الدينية، بالتصويت في المحليات. ففي انتخابات عام 2021، صوتت أغلبية كبيرة من المؤيدين الجدد لقائمة الصهيونية الدينية “عوتسما يهوديت”، لقائمة “يمينا” -البيت اليهودي- بقيادة نفتالي بينيت وأيليت شاكيد.

كان هذا واضحا في المدن التي حقق فيها الحزبان المتحالفان مكاسب كبيرة (بئر السبع 15.7 %، القدس 14.2 %، أشكلون 13.3 %)، وكذلك في المدن التابعة لأحزاب كتلة يسار الوسط.

بشكل عام، خسرت قائمة “يمينا” أكثر من 80 % من ناخبيها لعام 2021 (من 6.21 إلى 1.19 % من الأصوات). في حين ضاعفت الصهيونية الدينية “عوتسما يهوديت” قوتها بأكثر من الضعف (من 5.1 % إلى 10.8 %).

يقول التحليل: يبدو أن تقوية الصهيونية الدينية – عوتسما يهوديت – نتجت عن اختفاء “البيت اليهودي”، الذي فشل في تجاوز العتبة الانتخابية. أولئك الذين يسعون إلى حزب على يمين الليكود وجدوا الآن قائمة حزبية واحدة فقط -الصهيونية الدينية- كما هو الحال عندما فاز “إسرائيل بيتينو”، بقيادة أفيجدور ليبرمان، بخمسة عشر مقعدًا في انتخابات عام 2009 .

أيضا: في المقارنة بين ثلاث كتل (يمين، يسار وسط، وعرب). نمت الكتلة اليمينية -بقيادة نتنياهو- من 48.3% في عام 2021 إلى 49.6% في عام 2022. فيما تراجعت كتلة يسار الوسط -وعناصرها اليمينية- من 41.5% إلى 38.3%. وارتفعت الكتلة العربية من 8.6 % إلى 10 %.

ما الدلالة؟

يقول التحليل: إن الحكومة القائمة على ائتلاف من 64 عضوًا كنيست، تخلق أساسًا متينًا إلى حد ما للبقاء، وبالتالي لاستقرار الحكومة. هذا مهم للتخطيط طويل الأجل ولإدارة أكثر فعالية لقضايا الأمن القومي الحرجة.

من بين أمور أخرى، سيمنع الاستقرار الحكومي وضع تدار فيه الدولة بدون ميزانية، وسيساعد صانعي القرار على الشروع في خطوات مثل توسيع اتفاقيات إبراهيم. وربما خطوات من شأنها أن تسهم في الفصل السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين. وهي قضايا يوجد اتفاق واسع عليها في الجمهور الإسرائيلي، حتى لو كانت القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية قد تثير الجدل داخل الائتلاف الناشئ.

من ناحية أخرى، قد يشكل حزبا الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت في الحكومة القادمة تحديات خطيرة لاستقرار الائتلاف، على الأقل في مجالين مهمين من مجالات الأمن القومي.

يتعلق التحدي الأول بالقضية الفلسطينية، فيما يتعلق بمقاربة متوقعة أكثر صرامة تجاه الفلسطينيين، وموقف أكثر تساهلاً تجاه سكان المستوطنات في الضفة الغربية، مما يؤدي على الأرجح إلى زيادة العنف وتدهور محتمل في العلاقات اليهودية- العربية داخل إسرائيل.

يضيف المحللان: ستكون قضية الأماكن المقدسة في القدس في مركز الزلزال، ومن المرجح أن تسرع الاشتباكات واسعة النطاق في كل من الضفة الغربية والقدس، مما قد يؤدي إلى التطرف والعنف بين الجمهور العربي والإسرائيلي.

التحدي الثاني، يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من بروز حزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت في الحكومة. قد يضر هذا بالعلاقة الخاصة مع إدارة بايدن، وكذلك العلاقات الوثيقة مع الجالية اليهودية الأمريكية.

لذلك، تشير هذه الصورة المعقدة إلى وجود توتر بين استمرارية السياسة الإسرائيلية في قضايا الشؤون الخارجية الأساسية والتغييرات المحتملة في المجال الداخلي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العربية- اليهودية والخلافات المتوقعة المتعلقة بجوهر إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.