شهد العالم أسبوعًا من الاحتجاجات العمالية. كان أبرزها في كوريا الجنوبية وفرنسا وبريطانيا. بينما يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنع إضراب شامل في قطاع السكك الحديدية، سيكلف حال تنفيذه، خسائر تقدر بملياري دولار يوميًا، ستؤثر حتمًا على الاقتصاد الأمريكي. هذا فضلًا عن خسارة آلاف الوظائف وبطء حركة التجارة الأمريكية وشحن البضائع وحركة الركاب، وفق تقديرات أولية.

يأتي ذلك في وقت تستمر معدلات التضخم عالميًا في الارتفاع، وتؤثر على تكاليف المعيشة بشكل ظاهر. لا سيما أسعار الغذاء. وسبق أن أشار صندوق النقد الدولي أن العالم سيشهد بداية من 2023 قلاقل اجتماعية ستؤدي إليها مجموعة عوامل بينها ارتفاع أسعار الغذاء والوقود في البلدان الأكثر فقرا. 

 السكك الحديدية

في أمريكا وقع الرئيس بايدن قانونًا يجبر النقابات العمالية والشركات على قبول اتفاق حل وسط، يتجنب إغلاق السكك الحديدية الذي يلوح في الأفق على مستوى البلاد. وناشد الرئيس الأمريكي الكونجرس سرعة تمرير الإجراء، الذي توسط فيه خلال الصيف.

قال: “التداعيات الاقتصادية التي قد تنجم عن إضراب السكك الحديدية ستكون كارثية وستكلف مئات الآلاف من الوظائف”. فيما قالت “الواشنطن بوست” إن الإضراب محتمل بعد أن رفضت عدة نقابات وساطة البيت الأبيض.

أقر مجلس النواب مشروع القانون الذي يمنع الإضراب، تلاه إقرار مجلس الشيوخ الخميس الماضي. وسبق وقال بايدن إن “مشروع القانون ينهي نزاعًا صعبًا، ويساعد على تجنب كارثة اقتصادية.

وتشير تقارير أن الإضراب المزمع تنفيذه سيكلف يوميًا ملياري دولار. ذلك إلى جانب وقف 7 آلاف قطار شحن. وقد هددت النقابات بالإضراب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

قانون غرفة التجارة

ونقلت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن هذه الصفقة لم تلب من المطالب ما يكفي لمعالجة مخاوف العمال المتعلقة بنمط الحياة. ولم تضف الحق في أيام إجازة مرضية. يقول أحد العمال الذي تحدث للصحيفة: “كان عليا الاختيار ما بين أن أشارك في عيد ميلاد ابني أو أن أذهب لطبيب الأسنان فاخترت ابني”.

وقال عامل آخر، للصحيفة نفسها، في إشارة إلى قانون الكونجرس لتعطيل الإضراب، اعتاد المشرعون التدخل لعرقلة الإضراب وفرض الأمر الواقع كلما تصل نقابات السكك الحديدية إلى حافة الإضراب. حدث ذلك 18 مرة منذ دفعت غرفة التجارة الأمريكية بقانون عمال السكك الحديدية في 1926، لمنع الإضرابات في المرفق، بسبب العواقب الاقتصادية المحتملة له.

اقرأ أيضًا: تصاعد عالمي في تسريح العمالة.. الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها الكئيبة

النقابات تتحفظ

بموجب هذا القانون الأخير، تُمنح السلطة صلاحية منع إضراب عمال السكك الحديدية. وهو ما ترفضه 4 نقابات من أصل 12 شاركت في مفاوضات الاتفاق. وهددت النقابات الأربع بالإضراب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مرضى بحلول 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

الإضراب المزمع تنفيذه سيكلف يوميًا ملياري دولار ووقف 7 آلاف قطار شحن. (الصورة: وكالات)
الإضراب المزمع تنفيذه سيكلف يوميًا ملياري دولار ووقف 7 آلاف قطار شحن. (الصورة: وكالات)

مطالب العمال تتلخص في الأجور، والحصول على إجازة مرضية مدفوعة الأجر. ويرى العمال أن المفاوضات لم تفكك أزمة جدول التشغيل الصعبة التي تجعل فرصة الحصول على إجازة صعبة. وتقول نقابات السكك الحديدية إنها لم تكن قادرة على الحصول على المزيد من الامتيازات لأن الشركات الكبرى كانت تعلم أن الكونجرس سيتدخل.

إضراب محتمل

واليوم، العمال أمام خيار الإضراب أو الشعور بالانتصار بزيادة المكافأة بمقدار 5 آلاف دولار وبأثر رجعي حتى 2020، وزيادة في الأجور. إلى جانب يوم إجازة إضافي مدفوعة الأجر. وهو ما يمثل الزيادات الأكبر منذ أكثر من أربعة عقود.

رفضت شركة خطوط السكك الحديدية إضافة أيام مرضية مدفوعة الأجر خلال المفاوضات. بينما قالت إن النقابات والتي تمثل نحو  115 ألف عامل، وافقت على مدار 6 أعوام مضت على التخلي عن الإجازات المرضية مدفوعة الأجر لصالح أجور ومزايا أعلى.

لكن النقابات تقول إن هيكلة السكك الحديدة في 6 سنوات مضت، ألغت ما يقرب من ثلث الوظائف. ما جعل العمل أكثر ضغطًا على الذين بقوا من العمال.

قال بايدن بعد توقيعه مشروع القانون: “أعلم أن الاتفاق لم يتضمن مطلب إجازة مرضية مدفوعة الأجر. وهو حق كل عامل في أمريكا. لكن رحلة الكفاح لم تنته”. مشيرًا إلى أن الأجور سترتفع بمعدل يسبق التضخم. وأضاف: “سأواصل الكفاح من أجل إجازة مدفوعة الأجر ليس فقط لعمال السكك الحديدية، ولكن لجميع العمال الأمريكيين”.

وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي: “من وجهة نظري، يتعين علينا تجنب الإضراب. حيث لن يؤثر على الركاب الذين يعتمدون على السكك الحديدية فحسب. بل سيؤثر أيضًا على إمدادات الطاقة ومياه الشرب في البلاد”.

الرئيس الأمريكي جو بايدن (الصورة: وكالات)
الرئيس الأمريكي جو بايدن (الصورة: وكالات)

ديمقراطيون وجمهوريون

وحاول الحزب الديمقراطي تمرير اقتراح بمد الإجازة المرضية 7 أيام مدفوعة الأجر. لكن فشل مجلس الشيوخ في ذلك. وصوت نحو 52 عضوًا منه لصالح الاقتراح. بينما لم يصوت 43 آخرين.

وغرد ائتلاف العمال بوزارة النقل والتجارة الأمريكية: “عار على 43 من القادة المنتخبين الذين تخلوا عن الطبقة العاملة. لن ننسى ذلك”.

وقال السيناتور بيرني ساندرز: “على الكونجرس العمل لحماية عمال السكك الحديدية”، مضيفا أنهم يعملون في وظائف خطرة في طقس قاسٍ، ولا يحصلون على إجازة مرضية مدفوعة الأجر. واصفًا الموقف بأنه “أمر شائن ألا تتم الاستجابة لمطلب الإجازة”.

وتعتمد حركة نقل الكثير من البضائع في الولايات المتحدة على خطوط السكك الحديدية. وسبق أن حذرت مجموعات الأعمال، بما في ذلك غرفة التجارة الأمريكية واتحاد مكتب المزارع الأمريكي، من أن توقف خدمة السكك الحديدية سيتسبب في تضرر الاقتصاد بشكل بالغ (ملياري دولار يوميًا). فضلًا عن تجميد نحو 30% من شحنات البضائع الأمريكية، وتقطع السبل بملايين الركاب. ويتسبب في خسارة 750 ألف وظيفة، بالإضافة إلى حدوث ركود.

احتجاجات بريطانيا

بينما تتخذ بريطانيا إجراءات تقشفية، تستهدف كبح الإنفاق العام، يرفع العمال شعارات تطالب بأجور أعلى، في خضم معدل التضخم المرتفع.

وتشهد البلاد إضرابات يومية خلال الشهر الجاري، في ظل توقعات باستمرارها حتى بداية العام المقبل، حيث من المقرر أن تنضم إليها قطاعات صحية باستثناء قطاعات الطوارئ. وتتزايد تهديدات زعماء النقابات العمالية، في وقت يشهد تنسيقًا لحركة الإضرابات التي سينضم إليها عمال النقل بما يشمل الحافلات والسكك الحديدية، وقطاعي الصحة والمدارس وخدمات البريد.

كذلك، تعرضت الخدمة الصحية في المملكة المتحدة لتوترات، بعد إعلان عمال الإسعاف عزمهم تنظيم إضرابات قبل عيد الميلاد (الكريسماس) وبعده.

صورة لإضراب سابق في بريطانيا (وكالات)
صورة لإضراب سابق في بريطانيا (وكالات)

وتستعد هيئة الصحة الوطنية بالفعل ليومين من الإضرابات التاريخية لطواقم التمريض في 15 و20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. وذكرت نقابات عمالية الثلاثاء أن عمال الإسعاف سينفذون إضرابًا في 21 و28 ديسمبر/ كانون الجاري، حسبما أفادت وكالة بلومبرج للأنباء.

وتنسق اتحادات “جي إم بي” و “يونايت” و “يونيسون” العمالية أكبر إضراب لطواقم الإسعاف منذ 30 عامًا، في معظم مناطق إنجلترا وويلز. وذكر اتحاد “يونيسون” أن 10 آلاف من أعضائه سينظمون إضرابًا بسبب الرواتب وظروف العمل، ولن تتأثر شرقي إنجلترا بالإضراب.

وقالت شارون جراهام الأمينة العامة لاتحاد “يونايت”: “تأكدوا أننا الآن في معركة حياتنا من أجل هيئة الصحة الوطنية ذاتها”.

فرنسا

تشهد حركة القطارات اضطرابًا كبيرًا في فرنسا بسبب إضراب للمراقبين أجبر الشركة الوطنية على إلغاء 60% من رحلاتها، يوم الجمعة الماضي، في تحرك يمكن تجديده خلال احتفالات نهاية العام.

وأعلنت “الشركة الوطنية الفرنسية لسكك الحديد” (اس ان سي اف) عن تسيير قطار واحد من أصل اثنين، وواحد من كل أربعة على شبكة القطارات السريعة (تي جي في) وواحد من كل قطارين على الشبكة العادية بين المناطق، وإلغاء كل الرحلات الليلية.

وبالنسبة للرحلات الدولية، تنوي الشركة تأمين الحركة العادية لقطارات “يوروستار” إلى بريطانيا، وتاليس (بلجيكا وهولندا والمانيا)، وتأمين واحدة من كل ثلاث رحلات للقطار السريع إلى سويسرا وواحد من اثنين إلى ألمانيا وواحد من ثلاثة إلى إيطاليا، وإلغاء الرحلات إلى اسبانيا.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شهدت فرنسا حركة احتجاجات واسعة، شملت العاملين في السكك الحديدية والنقل، الرافضين لمخططات حكومية بإصلاح نظام المعاشات، تشمل تعديلًا لنظم التقاعد. بما يسمح أن يعمل الناس فترات أطول كي يحصلوا على معاش كامل.

واضطرابات فرنسا تأتي تأثرًا بأزمة وقود وارتفاع في التضخم ملحوظ منذ إبريل/ نيسان الماضي، بما يشمل قطاع الغذاء.

مسيرة للعمال المضربين في فرنسا (وكالات)
مسيرة للعمال المضربين في فرنسا (وكالات)

وسبق أن قال وزير الاقتصاد برونو لومير أواخر أغسطس/ آب الماضي، إن بلاده تشهد أزمة ولن يتحسن الوضع قبل بدايات العام 2023. بينما قال الرئيس إيمانويل ماكرون إنّ الأشهر المقبلة ستستدعي بذل الجهود والتضحيات من الشعب.

وعلى مستوى المؤشرات الاقتصادية، خفّضت مؤسسة التصنيف الائتماني “ستاندرد أندي بورز جلوبال” نظرتها المستقبلية للجدارة الائتمانية لفرنسا إلى “سلبية” بدلًا من “مستقرة”.

وبلغت نسبة النمو في منطقة اليورو تراجعا وانكماشا للقطاع الخاص، وتأثرت دول الاتحاد الأوربي بأزمة الغاز على إثر الحرب الأوكرانية الروسية.

كوريا الجنوبية

في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، شهدت كوريا الجنوبية إضرابًا لعمال المترو. نفذته النقابتان العماليتان اللتان تمثلان نحو 13 ألف عامل (يمثلون 80% من قوة العمل في الشركة المشغلة لمترو العاصمة). ويأتي الإضراب نتاج خطط معلنة بهيكلة شركة المترو.

وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أطلق سائقو الشاحنات التابعون لنقابة اتحاد العمال (تمثل 25 ألف عامل) إضرابًا على مستوى البلاد، هو الثاني من نوعه في أقل من 6 أشهر. ما تسبب في خسائر قدرت بـ 1.2 مليار دولار.

ويطالب السائقون بتحسين ظروف العمل وضمنها رفع الأجور. وتتزايد احتمالات أن ينفذ العمال تهديداتهم الأخيرة بالإضراب وأن يستمر لفترة طويلة. في وقت تبتعد فيه الحكومة ونقابة سائقي الشاحنات عن منطقة الحلول الوسط في المفاوضات، بحسب تصريحات لوزارة الصناعة في كوريا الجنوبية.

سائقو شاحنات يهتفون خلال احتجاجات وإضراب أمام مركز للنقل بمدينة جنوب سول، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. (وكالات)
سائقو شاحنات يهتفون خلال احتجاجات وإضراب أمام مركز للنقل بمدينة جنوب سيول، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. (وكالات)

وزادت حدة الاضطرابات في سلسلة الإمدادات في البلاد الخميس الماضي. وهو اليوم الثامن من الإضراب على مستوى البلاد. مع انضمام أكثر من 20 ألف سائق إليه. وتأهب الحكومة لإصدار الأوامر للمزيد منهم بالعودة إلى العمل.

ولم يتم تحديد موعد بعد لجولة قادمة من المفاوضات. وقال مصدران حضرا اجتماع الأربعاء الماضي، إن الأصوات تعالت بالصراخ خلال اللقاء بين ممثلي الحكومة ونقابة “تضامن سائقي شاحنات البضائع” المنظمة للإضراب.

وتقول الحكومة إنه لن يكون هناك تمديد لنظام الحد الأدنى للأجور لسائقي الشاحنات لما بعد ثلاث سنوات أخرى. وهو شيء تقول النقابة إنه يجب أن يكون دائمًا وينبغي التوسع فيه.

تظاهرات بالآلاف

وبالأمس، نظم آلاف العمال النقابيين مسيرات احتجاجية في جميع أنحاء كوريا، للتنديد بإصدار الحكومة أمر بالعودة إلى العمل.

وأطلق أعضاء الاتحاد الكوري للنقابات العمالة (KCTU) التجمعات في وقت واحد في 15 موقعًا على مستوى البلاد، من أجل دعم الإضراب العام لسائقي الشاحنات، الذي دخل أمس يومه الثالث عشر.

وانضم نحو 3500 من أعضاء الاتحاد الذين يعملون في مجال نقل البضائع والإنشاءات والخدمات، إلى المسيرة التي عقدت في مدينة أوي وانج، على بعد حوالي 25 كيلومترًا جنوب العاصمة سيول، وهي مركز لوجستي رئيسي.

وتجمع ألف آخر في مظاهرة بالقرب من مصنع هيونداي للصلب في مدينة دانغجين، على بعد 80 كيلومترا جنوب غرب سيول، بينما تجمع أيضا نحو ألف عامل في مظاهرة أخرى في مدينة بوسان الساحلية الجنوبية. كما شملت المواقع الأخرى إنتشون وجوانغجو وجزيرة جيجو.