يتوقع خبراء أن يسفر اجتماع شهر يناير/ كانون الثاني القادم، لممثلين عسكريين من دول غرب إفريقيا، عن تحديد آليات تشكيل قوة إقليمية جديدة، أٌعلن عنها في القمة التي جمعت رؤساء هذه الدول منذ أيام. وهي قوة لحفظ السلام والمساعدة في استعادة الأمن والنظام الدستوري في دول المنطقة، للتخلص من وصمها بـ”حزام الانقلابات”، بعد أن شهدت عددا منها خلال العامين الماضيين.

أسفرت القمة الـ 62 لتكتل غرب إفريقيا “الإيكواس” (عٌقدت في 4 ديسمبر/ كانون الأول الجاري) في أبوجا بنيجيريا، عن قرار تشكيل قوة عسكرية إقليمية. وذلك في ضوء الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة غرب إفريقيا. حيث تصدرت التحولات الأخيرة بالدول الثلاث مالي وبوركينا فاسو وغينيا جدول المباحثات.

كما ركزت القمة على ضرورة محاربة الإرهاب والتطرف بآليات جديدة. لاسيما بعدما أعلنت فرنسا الشهر الماضي انتهاء أعمال قوة برخان العسكرية (مهمة عسكرية فرنسية بهدف وقف تقدم المسلحين الإسلاميين في مالي). ما قد يضع المنطقة على حافة الانهيار الأمني.

اقرأ أيضًا: فرنسا تخسر نفوذها في غرب إفريقيا أمام الدب الروسي.. كل أسباب التراجع

البيان الصادر عن القمة ذكر: “قرر قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إعادة ضبط هيكلنا الأمني لضمان قدرتنا على حفظ أمننا في المنطقة.. القادة عازمون على تشكيل قوة في المنطقة ستتدخل عند الحاجة سواء كان ذلك في مجال الأمن أو الإرهاب أو لاستعادة النظام الدستوري داخل الدول الأعضاء”

تطور مؤسسي

يتصاعد الإرهاب في دول غرب إفريقيا بشكل أسرع من أي منطقة أخرى. حيث صرح وزير أمن الدولة في غانا ألبرت كان داباه أنه بين 1 يوليو/ تموز و30 سبتمبر/ أيلول الماضي، تم تسجيل 264 هجومًا إرهابيًا في غرب إفريقيا. ما أدى إلى مقتل 745 شخصًا.

وشهدت دول مالي وتشاد وغينيا وبوركينا فاسو انقلابات متتالية منذ عام 2020، هددت آمال التحول الديمقراطي في القارة الإفريقية.

يقول الباحث في الشؤون الإفريقية، عباس محمد صالح، أن التوجه نحو إنشاء قوة إقليمية من قبل مجموعة دول غرب إفريقية لمواجهة الإرهاب والانقلابات العسكرية يعكس مدى التطور المؤسسي الذي تمضي فيه “الإيكواس” باعتبارها مظلة إقليمية فرعية تضم دول المنطقة في اتخاذ قرارات لمعالجة التحديات المختلفة والعمل وفقها بصورة جماعية. كما يعكس في الوقت نفسه التراجع الملموس في مفهوم السيادة في المنطقة لصالح عقيدة جماعية للتدخل “المبرر”.

يتصاعد الإرهاب في دول غرب إفريقيا بشكل أسرع من أي منطقة أخرى (الصورة: وكالات)
يتصاعد الإرهاب في دول غرب إفريقيا بشكل أسرع من أي منطقة أخرى (الصورة: وكالات)

مخاوف أمنية

ويمكن تفسير تفشي التطرف في هذه المنطقة بفعل مجموعة من العوامل؛ أبرزها الهشاشة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي. ويعكس ذلك نسبة الإرهاب المرتفعة في الدول الأكثر تعرضًا للانقلابات العسكرية. حيث جاءت بوركينا فاسو في المركز الرابع عالميًا، ومالي في المركز السابع، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي.

لذلك، أعلنت الإيكواس عن قيامها بأدوار مستحدثة منها التدخل للمساعدة في استعادة النظام الدستوري في بعض الدول التي تتعرض لانقلابات وتوترات سياسية.

الباحث في الشؤون الإفريقية عباس محمد صالح
الباحث في الشؤون الإفريقية عباس محمد صالح

ويأتي هذا الاقتراح في إطار مساعي دول المنطقة لإيجاد بدائل لإحلال الأمن والسلام في المنطقة. حيث أعلن زعماء دول غرب إفريقيا نهاية الشهر الماضي عن تفعيل مبادرة أكرا التي تضم (بنين، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار، وغانا، وتوجو، ومالي، والنيجر) لمواجهة انتشار الإرهاب في الساحل في ظل تراجع القوات الأوروبية.

دوافع

يقول عباس محمد صالح، أن الهدف الأساسي من تكتل الإيكواس هو تطوير تقاليد جماعية تقوم على الفهم والتضامن المشترك في مواجهة الأزمات والتحديات من خلال التدابير الوقائية الفعالة.

وهو يرى أن الإيكواس صارت من أهم التجمعات الإقليمية في القارة. الأمر الذي ساعدها على تطوير عقيدة جماعية، وكذلك الاستجابة الفعالة في مواجهة كافة أنواع المهددات الناشئة.

ويرجع “صالح” إنشاء هذه القوة الجديدة إلى 4 دوافع؛ أولها، خبرة التكتل الفرعي في التدخل في حالات سابقة كما حدث في جامبيا ضد الرئيس السابق عمر جامع في 2017 لإرغامه على تسليم السلطة والامتثال لبروتوكول التكتل ورغبة الشعب الجامبي.

بينما الدافع الثاني يتمثل في تصاعد وتيرة ظاهرة التغييرات غير الدستورية للحكومات والأنظمة من خلال الانقلابات أو الاستيلاء العسكري على السلطة في الإقليم بشكل متكرر.

ويتركز الدافع الثالث في الترابط الوثيق بين الإرهاب وعدم الاستقرار والمهددات الناجمة عن الانقلابات، كما حدث في الساحل مؤخرا. أما الدافع الرابع فيمثل الاهتمام الدولي المتزايد بتداعيات اتساع نطاق رقعة عدم الاستقرار في غرب إفريقيا من دول الساحل وصولًا إلى الدول الواقعة على خليج غينيا كـ “أحجار الدومينو”.

ويشير الباحث إلى أن هناك اهتمام دولي لدعم الإيكواس باعتبارها شريكًا موثوقًا في مجال السلم والأمن الإقليمي في هذه المنطقة. وكذلك في مجال ترسيخ وحماية الديموقراطيات الناشئة في المنطقة، في ظل الحرب الباردة الجديدة بين الغرب من جهة وروسيا والصين. وهي تتخذ في بعض جوانبها صراع بين القيم الديموقراطية والأوتوقراطية عالميًا.

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدوريات أمنية في مالي (أرشيفية - وكالات)
قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدوريات أمنية في مالي (أرشيفية – وكالات)

جهود وطنية

ومن حيث احتمالية وجود قوى دولية داعمة لفكرة إنشاء قوة عسكرية إقليمية، يرى المتخصص في الشأن الإفريقي، محفوظ ولد السالك، أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ستسعى إلى الاعتماد على مواردها في نشر وتمويل هذه القوة. ذلك انسجاما مع الرغبة الشعبية السائدة في منطقة الساحل والغرب الإفريقي، الرافضة لأي حضور أجنبي هناك.

كما إنه قياسًا على قوة مجموعة الخمس في الساحل التي تلقت الدعم والتمويل من فرنسا وشركائها الغربيين، وكانت نتائجها ميدانيًا هزيلة جدًا، فإن الايكواس ستبتعد عن محاولة تكرار التجربة نفسها.

يضيف ولد السالك أن اجتماع يناير/ كانون الثاني المقبل، بين المسئولين العسكريين هام لبلورة رؤية محددة بشأن هذه القوة العسكرية واحتياجاتها.

المتخصص في الشأن الإفريقي محفوظ ولد السالك
المتخصص في الشأن الإفريقي محفوظ ولد السالك

يقول إن الإيكواس رأت من خلال تجربتها منذ 2020 في التعاطي مع الانقلابات العسكرية الخمسة التي عرفتها مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري، أن الطريق الأنجح هو وجود قوة عسكرية تتدخل مباشرة لإعادة السلطة للمدنيين، بدل هذا المسار الطويل الذي لم ينته حتى الآن. حيث تعيش الدول الثلاثة مسارات انتقالية ينتظر أن تنتهي في 2024.

وفضلًا عن البعد المتعلق بالتصدي للانقلابات العسكرية، يؤكد السالك أنه سيكون منوطًا بهذه القوة كذلك التصدي لانتشار الجماعات المسلحة “الإرهاب” في الغرب الإفريقي. حيث باتت دول كتوجو، وبنين، وغانا، وكوت ديفوار وغيرها مهددة على صعيد الأمن والاستقرار، وآخر المؤشرات على ذلك، الهجوم الأخير نهاية الأسبوع الماضي في منطقة “بيتو” ببوركينا فاسو قرب الحدود مع غانا وتوجو.

هل تنجح؟

ويعتقد محفوظ ولد السالك، أن نجاح الدور السياسي لهذه القوة سيكون مرهونًا بمدى الوسائل والإمكانات. متوقعًا أن تُبذل جهود فاعلة فيما يخص التصدي للانقلابات العسكرية، التي يبدو أنها ما تزال قائمة. فقد تعرض رئيس بوركينافا سو الانتقالي الحالي النقيب إبراهيم تراوري لمحاولة انقلابية مؤخرًا. وهو الذي لم يكمل بعد 100 يوم في السلطة، بعد انقلاب على المقدم بول هنري سانداوجو داميبا، الذي انقلب بدوره يناير/ كانون الثاني الماضي على الرئيس المدني روك مارك كريستيان كابوري.

أما بخصوص التصدي للجماعات المسلحة “الإرهاب”، فيرى “السالك” أن المهمة ستكون صعبة. لأن هذه القوة ستكون في مواجهة مجموعات مسلحة مجهولة متخفية، تعرف المنطقة جيدًا، وتعتمد نهج طول النفس. وهكذا، فإنه سيكون صعبا على القوة المشتركة تغطية كامل حدود البلدان المستهدفة. كما أن الوسائل اللوجستية والمعدات وعامل الخبرة والتجربة، كلها معوقات ستمثل تحديات أمام هذه القوة العسكرية.

وهناك تحديات أمنية بغرب إفريقيا ضاعفتها الاضطرابات السياسية الأخيرة بفعل سيولة عدد الانقلابات العسكرية والصراع على السلطة كما في مالي وبوركينافاسو.

وهنا يجب التأكيد على أن التنافس بين القوى الدولية على النفوذ في المنطقة يعمل على توسيع الفجوة واختلاف الرؤى ووجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وصعوبة التوصل إلى اتفاق فيما يخص آلية مواجهة التحديات السياسية والأمنية، ويتوقف مستقبل تلك المبادرات المقترحة على تفهم نقاط الضعف والإشكاليات التي واجهت الكيانات السابقة، والتفريق بين إجراءات حماية الأنظمة الدستورية ومفهوم التدخل في السيادة الوطنية للدولة.