كان لتصعيد الأحداث من قبل المحامين الأثر البالغ في كشف سوءة قانون الضريبة الموحد، وقرارات وزارة المالية ورئيس مصلحة الضرائب، وقد بدأ التصاعد منذ أن اقترب موعد نفاذ قرار رئيس مصلحة الضرائب بإلزام ذوي المهن الحرة في التسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، والذي ينتهي بحلول تاريخ الخامس عشر من ديسمبر الجاري، وقد اعترض المحامون على التسجيل في هذه المنظومة على اساس أنهم ليسوا أصحاب مهن تجارية تقتضي التعامل مع هذه المنظومة، إلى أن تصاعدت الأحداث من بيانات من نقيب المحامين، والتي اعتبرها المحامون أنفسهم أنها غير كافية، وأنها تتسم بالميل السياسي ولا تحمل طابع الجد الذي يتفق مع التصدي للأزمة، ثم كانت وقفة المحامين الأولى في مقر النقابة العامة للمحامين اعتراضا على هذا القرار، والتي اعتبرها معظم المحللين السياسيين أنها أول وقفة اعتراضية تمثل حراكا سياسي مجتمعيا منذ فترة طويلة، وهو الأمر الذي حرك أعضاء مجلس النواب وحملهم على التقدم بالعديد من طلبات الإحاطة لرئيس مجلس النواب حول ضرورة فض الالتباس واستدعاء وزير المالية ورئيس مصلحة الضرائب ونقيب المحامين لمجلس النواب للاستماع إليهم، إلى أن وصل الأمر إلى وقفة ثانية للمحامين يوم الاثنين الموافق 4 / 12 / 2022 اعتراضا منهم على ضرورة وقف تلك الإجراءات واعتراضا كذلك على خطاب نقيب المحامين بشأن تلك الأزمة، وأنه ومجلس النقابة لم يقدموا ما يرضي المحامين أو يعبر عن مطالبهم.

اقرأ أيضا.. حماية خصوصية المتهمين

وقد كشفت تلك الأحداث عن عورات النظام الضريبي الموجود في قانون الضريبة الموحد، إذ بحسب نص قانون الضريبة الموحد فإن تعريف الضريبة هو أنها: فريضة مالية أيا كان وعاؤها أو القانون الذي ينظمها، وتتولى مصلحة الضرائب ربطها وتحصيلها. ومن هذا التعريف فإن التسجيل الإلكتروني يجب أن يكون من خلال مصلحة الضرائب ذاتها، وهي المسؤول الأوحد عن موقع التسجيل، ولا يكون ذلك بمثابة عبء مالي جديد على الممولين غير عبء الضريبة، لكن حقيقة الأزمة تكمن في صدور قرار وزير المالية رقم 337 لسنة 2022 والمنشور في الوقائع المصرية بتاريخ 19 يولية سنة 2022، والذي جاء في مادته الأولى أن يُرخص لشركة تكنولوجيا تشغيل الحلول الضريبية بالعمل مقدم خدمة لمنظومة الفاتورة الضريبية الإلكترونية. على أن تلتزم الشركة بأن تؤدي إلى مصلحة الضرائب مبلغ مائة ألف جنيه عقب صدور القرار، كما تؤدي إليها كل ثلاثة أشهر ما يعادل 10% من قيمة مقابل الخدمة، وذلك مقابل منح الشركة ترخيص تقديم الخدمة.

وهذا القرار مؤداه الطبيعي إلزام كل ممول بسداد 4000 أربعة آلاف جنيه اشتراك في المنظومة الإلكترونية، كذلك سداد 2000 ألفي جنيه قيمة التوقيع الإلكتروني، 700 سبعمائة جنيه شهادة الختم الإلكتروني، 325 جنيه قيمة 30 فاتورة كحد أدنى سنويا، وفي حالة عدم السداد تفرض غرامة قدرها 20000 عشرين ألف جنيه سنويا. والسؤال الافتراضي الأول ما الداعي لوجود الشركة كوسيط بينها وبين العملاء والممولين؟ ولماذا يتحمل الممول الحصة المفروضة من الشركة والتي لا تتحصل منها وزارة المالية سوى على 10% منها؟ ولماذا تسمح مصلحة الضرائب بأن تكون ملفات الممولين وبياناتهم في حوزة شركة خاصة؟ ذلك كله بعيدا عن من يملك الشركة، ولماذا تم الترخيص لها عن طريق الأمر المباشر؟

فإن كان أمر تطوير المنظومة الضريبية يفوق مقدرات مصلحة الضرائب ووزارة المالية، فلا يجب أن يكون ذلك على حساب الممول، ولا ينبغي أن يصبح الممول سلعة متداولة لصالح شركة تجني المكاسب المالية منه دونما حاجة لذلك أو دون أي مقابل يتم تقديمه للمواطن، فأمر تطوير المنظومة يجب أن تتحمله الدولة بهيكلها دون تحميل المواطنين أية أعباء، وإن كان هناك ضرورة للتطوير على حساب الممول، فيجب أن يكون ذلك لمرة واحدة تقوم فيها الشركة بإنشاء وتفعيل المنظومة لصالح مصلحة الضرائب وتحت رعايتها، وتسلمها كاملة للعاملين بمصلحة الضرائب، على أن يتم ما تحمله الممول من العبء الضريبي ولا يتم تكراره مرات جديدة، بعد تدريب العاملين بمصلحة الضرائب عليه، وفي المجمل لا داعي لوجود شركات وسيطة، فكيف تناسى رئيس مصلحة الضرائب وقت إسناده للشركة القيام بدور الوسيط كمقدم خدمة أنها تسمح بتداول بيانات العملاء للعاملين بهذه الشركة، وأن ذلك يتعارض بشكل رئيسي مع حقهم في الاحتفاظ بتلك البيانات بعيدة عن الأعين غير المسؤولة، وهنا لابد فقط أن نشير إلى أن هذه الشركة المنشأة لهذا الغرض حديثا لا تستفيد من ورائها الدولة سوى بنسبة قليلة جدا كما جاء في القرار، وهي نسبة 10%.

هذه هي الحقيقة المسكوت عنها أو التي يجب أن تثار في أزمة المهن الحرة والفاتورة الإلكترونية، بعيدا عن وجود قرار من وزير المالية يحمل رقم 531 لسنة 2005 والذي اعتبر في مادته الأولى أن المهن غير التجارية هي المحاماة والطب والهندسة والصحافة والمحاسبة والمراجعة.

وأرى أن الحل المنطقي والسليم لهذه المشكلة والتي يشكل أساسها الرئيسي ويتحمله هم السادة أعضاء مجلس النواب، الذين أقروا قانون الضريبة الموحد، والذين تقدم بعضهم في هذه الأزمة ببعض طلبات الإحاطة لتجنب اشتعال الأزمة بين قطاع المحامين وأصحاب المهن الحرة وبين وزارة المالية ومصلحة الضرائب، وهذا الحل يتلخص في ضرورة المراجعة التشريعية لقانون الضريبة الموحدة وإعادة مناقشته بشكل جدي، وذلك بعد عرضه على المختصين والمخاطبين بأحكامه حتى يتسنى الوصول لأفضل صياغة قانونية تصلح للجميع. كما يجب من زاوية ثانية أن يتم مراجعة التعاقد مع تلك الشركة سابقة البيان ومعرفة جدوى تلك الخطوة، وفي حالة ضرورتها يجب ألا يتم تحميل المواطنين ذلك العبء، كما يجب بشكل رئيسي أن تحرص وزارة المالية على مصلحة الممولين عدم تسريب بياناتهم لشركة خاصة، أو أن يكونوا مجرد سلعة لتحقيق الربح، وهذا ما يتفق والدور الرئيسي للدولة من افتراض حمايتها للمواطنين، وأن على الجميع توخي الدقة في القوانين التي يتم إصدارها بشكل متسرع دون مناقشات جدية من المخاطبين بأحكامها أو من المتخصصين في موضوعها، عسى ألا يتعرض المجتمع لمثل هذه الأزمات مرات جديدة، فنحن في وقت يصعب فيه على الجميع تحمل مثل هذه الأحداث والانشقاقات المجتمعية.