ضمن عدد الأسبوع الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2022. سلّطت مجلة الإيكونوميست البريطانية الضوء على زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى السعودية. حيث عقد لقاء مع العاهل السعودي وولي عهده محمد بن سلمان، وأيضا شارك في القمة الخليجية، والقمة العربية- الصينية الأولى، مع عدد من قادة الدول العربية.
وجاء في المقال، الذي حمل عنوان “الخليج يتطلع إلى الصين.. قمة في السعودية حول الطاقة والمال مع رسالة إلى أمريكا”: كان المزاج في شبه الجزيرة العربية متوترا. كانت أسعار النفط تتراجع وسط ركود البلدان الغنية، وجعل الصراع الذي يختمر في الخليج العربي، السعودية قلقة من الهجمات على حقولها النفطية، وحريصة على شراء صواريخ باليستية لردع منافسيها.
بدلاً من ذلك، لجأ الأمير السعودي الشاب والقوي محمد بن سلمان -بعد أن صدّته أمريكا- إلى الصين، التي وقعت صفقة سرية لتزويد المملكة بالأسلحة التي تريدها.
إذا كانت هذه القصة تثير إحساسًا بالديجافو -مصطلح نفسي يعني شوهد من قبل- فمن المؤكد أنها يجب أن تفعل ذلك.
اقرأ أيضا: فايننشال تايمز: “حقبة جديدة” للعلاقات الصينية- السعودية تؤرق واشنطن
حدث ذلك قبل أربعة عقود، وأدى إلى إقامة العلاقات الصينية- السعودية في عام 1990. الكثير من أصدائها ظهرت اليوم، حيث وصل شي جين بينج في زيارة إلى المملكة العربية السعودية في السابع من ديسمبر/ كانون الأول، وهي رحلته الثانية إلى المملكة.
ليس كل شيء هو نفسه، بالطبع. على عكس الثمانينيات، تتمتع المملكة وجيرانها الخليجيون الآن بعلاقات تجارية قوية مع الصين. ومع ذلك -بالإضافة إلى التغيير- يواصل السعوديون التعامل مع الصين باعتبارها شوكة لأمريكا، التي أصبحت في نظرهم “شريكًا غير موثوق به” بشكل خاص خلال العقد الماضي.
العلاقة مع بكين
التحدي الذي يواجه دول الخليج هو كيفية الموازنة بين هاتين النظرتين للصين. لقد أصبح الأول مغريًا بشكل متزايد، الصين سوق تصدير كبير ومصدر رئيسي للاستثمار في الخليج. والثاني، الذي تعمل فيه الصين كوسيط استراتيجي ضد أمريكا غير المنتظمة، أقل إقناعًا، فالصين ليست بديلا سهلا.
علاوة على ذلك، في محاولتهم لعب إحدى القوى ضد الأخرى، قد يسرع قادة الخليج في تخلي أمريكا عنهم، وهو ما يخشونه.
لنبدأ بعلاقة الخليج الاقتصادية مع الصين التي تنمو بينما تبقى الطاقة في الصميم. في العام الماضي، جاء 51% من واردات الصين من النفط من الدول العربية، وجاء أربعة أخماسها من دول مجلس التعاون الخليجي الست. مثلما حدث في نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث وقعت شركة سينوبك العملاقة للطاقة، اتفاقية لمدة 27 عامًا لشراء الغاز الطبيعي المسال من قطر، وهي أطول صفقة غاز من نوعها على الإطلاق.
منذ عام 2005، وقعت الصين صفقات استثمارية كبيرة، وعقود تنموية مع دول عربية بقيمة 223 مليار دولار، كما يقول معهد أمريكان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث في واشنطن. ومن هذا المجموع، كان 52% مع دول مجلس التعاون الخليجي -حصلت الجزائر ومصر والعراق على الكثير من الباقي- فيما تسارعت وتيرة تلك الصفقات في أواخر عام 2010.
وعلى الرغم من تباطؤه منذ ذلك الحين -بسبب الوباء وتراجع الاستثمار الصيني في جميع أنحاء العالم- لا تزال الصين تنظر إلى الخليج على أنه واعد.
محور القلق الأمريكي
في النصف الأول من عام 2022، تلقت المملكة العربية السعودية 5.5 مليار دولار من الاستثمارات والعقود من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية، كانت أكثر من أي دولة أخرى. ولا يزال جزء كبير من هذا الاستثمار يركز على الطاقة والتجارة الزيتية أيضًا.
ومع أن الواردات الصينية من المنطقة -تقريبًا- عبارة عن بتروكيماويات وسلع أخرى. لكن، تحرص دول الخليج على تحويل اقتصاداتها بعيدًا عن النفط، والنظر إلى الصين كشريك رئيسي في هذا الجهد.
وفي العام الماضي، ضخت بكين أموالا في الفنادق في سلطنة عمان، وتصنيع السيارات في السعودية. مثل هذه المشاريع لا تزال جديدة، مع ذلك، الاستثمار غير النفطي لا يزال بطيئا.
لا شيء من هذا يسبب الكثير من القلق في أمريكا. بل إن العلاقات الخليجية المتنامية مع الصين، في القطاعات الاستراتيجية، هي التي تقلق الجالسين في واشنطن، خاصة الاتصالات والأمن والدفاع التي تتطور بشكل متزايد.
أعضاء مجلس التعاون الخليجي هم عملاء متحمسون لهواوي -عملاق الاتصالات الصيني الخاضع للعقوبات الأمريكية- ويسعدهم التعامل مع شركات مثل SenseTime، وهي شركة استخبارات فنية مدرجة في القائمة السوداء من قبل أمريكا لدورها في التجسس على الأويجور في شينجيانج. ففي سبتمبر/ أيلول، أعلنت شركة مملوكة لصندوق الثروة السيادية السعودي عن مشروع مشترك بقيمة 207 مليون دولار مع SenseTime لبناء مختبر للذكاء الاصطناعي في المملكة.
أيضا، باعت الصين طائرات مسيرة مسلحة للإمارات، من بين دول أخرى، استخدمتها في ميادين المعارك في جميع أنحاء المنطقة. وفي مارس/ آذار، وقعت السعودية صفقة مع عملاق دفاعي صيني مملوك للدولة، لتصنيع طائرات بدون طيار في المملكة.
أيضا، يقول جواسيس أمريكا إن الصين تساعد السعودية في بناء صواريخ باليستية أيضًا.
في الشهر الماضي في حوار المنامة -وهو اجتماع أمني سنوي في البحرين- جاء المسئولون الأمريكيون مع تحذيرات. وقال بريت ماكجورك، مستشار الرئيس بايدن للشرق الأوسط، إن التعاون المتزايد مع الصين في المنطقة سيضع “سقفًا” للعلاقات مع أمريكا. واعترف مسئول آخر بالتوترات في العلاقة، لا سيما بشأن إيران.
اقرأ أيضا: لماذا يغازل حلفاء أمريكا روسيا والصين؟
رقصة السيف
تم استقبال الرئيس شي بترحيب حار أكثر من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي سادت رحلته إلى السعودية في يوليو/ تموز -وهي أول رحلة له كرئيس- جوا من اليأس. كانت أسعار النفط مرتفعة، وكانت الانتخابات تلوح في الأفق، وكان بحاجة إلى المساعدة.
لكن، أرسله السعوديون إلى وطنه خالي الوفاض. لم يكونوا في حالة مزاجية ليكونوا كرماء.
على النقيض من ذلك، يعود شي إلى وطنه بمجموعة من الصفقات الاستثمارية الكبيرة وشراكات أخرى. حيث التقى بالقيادة السعودية، بما في ذلك محمد بن سلمان -ولي العهد والحاكم الفعلي- وجاء بعد ذلك، في جدول أعماله، قمة مع زعماء الخليج، واجتماع آخر مع قادة من مختلف أنحاء العالم العربي.
لذلك، يمزح السعوديون حول احتمال انضمام السيد شي إلى رقصة السيف التقليدية. في إشارة إلى الاستقبال التراثي للمملكة.
رغم الغضب الأمريكي، يصر المسئولون السعوديون على أن لا شيء من هذا يعني ازدراء أمريكا، “فالصين دولة مهمة”، كما يقولون، والمملكة تعاملها على هذا النحو. ومع ذلك، كان لفريق بايدن علاقة صعبة مع المملكة، ويعتبر الصين منافسه الرئيسي.
إن الاستقبال اللطيف للسيد شي -على عكس الاستقبال الفاتر لبايدن- لن يكون جيدًا في واشنطن.
شعور بالثقة
يقول المسئولون الخليجيون في جلساتهم الخاصة إنهم غاضبون من أمريكا التي تبدو سياستها غير متماسكة.
تحدث ثلاثة رؤساء متتاليين عن تقليص دور أمريكا في الشرق الأوسط، لكنهم لا يريدون أن تكتسب قوى أخرى نفوذاً كبيراً عند مغادرتهم. مثل هذه الإحباطات في الخليج مفهومة.
ولكن الأمر كذلك بالنسبة لأمريكا. تشكو دول مجلس التعاون الخليجي من أن أمريكا لم تفعل ما يكفي لحمايتها من عدو دول الخليج العربي، إيران، التي وقعت الصين معها “شراكة استراتيجية” لمدة 25 عامًا العام الماضي.
بينما شي هو أحد القادة القلائل الذين يتمتعون بنفوذ حقيقي على إيران. إن معظم النفط المُصدَّر من المواني الإيرانية، يجد طريقه إلى مصافي النفط الصينية.
ومع ذلك فهو متردد في استخدامه للضغط على الحكومة الإيرانية.
لكن، مدعومين بارتفاع أسعار النفط والاقتصادات المتنامية، يشعر حكام الخليج بالحزم. إنهم يعتقدون أن هذه هي اللحظة المناسبة لهم للخروج من ظل أمريكا.
سيتعين على بايدن قبول دور صيني أكبر في المنطقة. لكن يجب على الجانبين أن يدرك أنه -الآن كما في الثمانينيات- لا يمكن للصين أن تحل محل أمريكا بالكامل في الخليج