تعتزم الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، التي يرأس مجلس إدارتها وزير المالية الدكتور محمد معيط، استثمار 5% من أموال الاحتياطي المتوفرة لديها في محافظ الأوراق المالية.
التأمين الصحي الشامل هي هيئة عامة اقتصادية تمثل البديل لهيئة التأمين الصحي الحالية بعد تعميميها بجميع المحافظات، وتستهدف تحقيق وضمان استدامة تغطية تأمينية شاملة تعتمد على التكافل الاجتماعي، بالتعاقد مع شبكة من مقدمي الخدمات الصحية المعتمدة من القطاع العام والخاص.
اقرأ أيضا.. المعاشات في خانة العجز.. من يُنصف “العالقين” في قانون التأمينات الجديد؟
استثمار جزء من أموال الهيئة في الأوراق المالية يتماشى مع فكر إدارتها التي تتضمن تشكيلًا من القطاع الخاص والحكومة، على حد سواء بوجود أعضاء من رجال الأعمال مثل إبراهيم العربي ومحمد السويدي، وأسماء مرتبطة بالاستثمار في سوق المال، مثل شريف سامي رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي (سابقًا)، والدكتورة هبة نصار، الأستاذة باقتصاد القاهرة، والتي لديها دراسات في مجال اقتصاديات الصحة العامة.
كما يرتبط النشاط الجديد للهيئة مع فكر وزير المالية ذاته الذي ظل طوال حياته مرتبط بعالم الاكتواريات، وهو مجال يقوم على تقدير المخاطر الخاصة بالتغطيات التأمينية، وتقييمها ووضع الأسعار المناسبة لها ودراسة حالات السوق، كما حرص وزير المالية أيضًا على تمثيل المتخصصين في ذلك المجال بمجلس إدارة الهيئة بضم وائل عبد الهادي، رئيس الجمعية المصرية للخبراء الاكتورايين.
لماذا المحافظ المالية؟
محافظ الأوراق المالية تلعب دورًا في تحقيق معدل عائد مميز، لكنها في الوقت ذاته تتضمن قدرا من المخاطر، والنجاح فيها مرهون بكيفية إدارتها، وامتلاك القائمين عليها المعلومات والخبرات اللازمة لكيفية التقييم والتطور السريع في الاستثمار.
إشكالية الاستثمار في محافظ الأوراق المالية ترتبط أيضاً باحتياجها للاختيار الدقيق والمناسب بين الأوراق المالية والأصول المالية المختلفة التي تتكون منها محافظ الأوراق المالية، والمقارنة المستمرة للعائد بالمخاطر.
دخول هيئة التأمين الصحي للمحافظ المالية يعني أنها ستتعاقد مع بنوك استثمار متخصصة في الأوراق المالية التي ستتولى توجيه وترشيد المستثمرين، لكن يتطلب الأمر توزيع الأصول المالية المكونة للمحفظة المالية توزيعًا جيدًا، من ناحية تعدد وتنوع القطاعات الاستثمارية المختلفة.
لم يُحدد “معيط” قيمة الاستثمارات المستهدفة التي سيتم تخصيصها للأوراق المالية في تصريحاته التي أكدها على هامش مؤتمر اليورومني، الذي استضافته القاهرة قبل يومين.
وبلغ إجمالي أموال وأصول الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل في 30 يونيو/حزيران 2022 نحو 55.6 مليار جنيه، بينما سجلت إجمالي الإيرادات منذ انطلاقها تجريبيًا في محافظة بورسعيد خلال شهر سبتمبر/أيلول 2019، ما قيمته 58.5 مليار جنيه.
البنك الدولي حاضر
شهد العام الماضي، تسجيل إيرادات الهيئة نموًا سنويًا بنسبة 43%، وزيادة عوائد الاستثمار بنسبة 74%، وارتفاع الفائض بنسبة 37%، كما قاربت المحفظة الاستثمارية لها 50 مليار جنيه.
مشروع هيئة التأمين الصحي الشامل، يأتي ضمن تعاون مع مؤسسات دولية، فرئيس الوزراء استعرض قبل ثلاثة أيام، النتائج والتوصيات الأولية لتقييم عمليات نظام التأمين الصحي الشامل التي أعدها البنك الدولي بجانب الدراسة الاكتوارية لفحص المركز المالي للمنظومة المقدمة من إحدى الشركات العالمية المتخصصة.
يقول مصدر مسئول بوزارة المالية، إن الحكومة تستهدف بدء الاستثمار في البورصة بعد استيفاء الدراسات لتنويع المحفظة الاستثمارية وتعظيم العائد على أموال الهيئة، خاصة إنها توفر فرص غير مسبوقة للاستثمار الطبي مع استهدافها تقديم القطاع الخاص 50% من خدماتها تحت مظلة الهيئة.
تعتمد هيئة التأمين الصحي الشامل على المساهمة التكافلية بواقع 2.5 في الألف من الإيرادات السنوية الإجمالية للمنشآت الفردية وللشركات والهيئات الاقتصادية، أياً كانت طبيعتها أو النظام القانوني الخاضعة له.
لكن المصدر بوزارة المالية، يؤكد مساعي الحكومة لتعظيم العائد من الاستثمار بالهيئة في ظل تحمل الخزانة العامة تكاليف العلاج لغير القادرين بوجه عام ومن بينهم العمالة غير المنتظمة، وكذلك المسجلين ببرنامج تكافل وكرامة، بجانب تحملها 5% من الحد الأدنى للأجور عن المواطن الواحد.
تجربة “غالي”
تعيد فكرة استثمار أموال التأمين الصحي في المحافظ المالية، إلى الأذهان تجربة سابقة لوزارة المالية مع أموال المعاشات، تعود لعام 1981 عندما قررت استثمار فائض صناديق المعاشات والتأمينات في بنك الاستثمار القومي بفائدة 2%، قبل أن ترفض التأمينات العائد بعدها بسنوات حينها لضعفه، ليتم احتسابها بفائدة البنوك التجارية في 1990.
قرر الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق حينها ضم أموال التأمينات إلى الخزانة العامة بمبلغ 192 مليار جنيه على أن تتولى الوزارة صرف المعاشات للعاملين، وترددت من يومها شائعات لا تزال راسخة في أذهان أصحاب المعاشات، تزعم بأن وزارة المالية خسرت جزءًا منها في المضاربة بالبورصة، وهو أمر تواصل وزارات المالية وهيئة التأمينات نفيه على مدار العشرين عامًا الماضية.
ضم بطرس غالي أموال التأمينات لوزارة المالية أسفر عن دخولها في سد عجز الموازنة العامة للدولة ومع تبني الدولة سياسة فك التشابكات المالية، تراكم ذلك المبلغ حتى أصبح بالتريليونات حاليًا، وعلى وزارة المالية إعادته على مدار عقود.
الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أعاد التأكيد على تلك النقطة تحديدا في تصريحات للصحفيين على هامش مؤتمر يورومني حينما شدد على استثمار 5% من أموال التأمين الصحي الشامل هي المرة الأولى التي يتم فيها استثمار أموال التأمينات بمجال أوراق مالية.
وقال مسئول وزارة المالية، إن تجربة استثمار أموال التأمين الصحي الشامل مختلفة تمامًا فوزارة المالية لم تضمها إليها، كما لا تزال الوزارة حاليًا تتحمل أعباء تجربة بطرس غالي، وتبنت سياسة فك التشابكات المالية مع التأمينات حتى أنها حولت 768 مليار جنيه من الخزانة العامة لصناديق المعاشات خلال 40 شهرًا.
التشابكات المالية
من المقرر، أن تسدد وزارة المالية نحو 45 تريليون جنيه للهيئة القومية للتأمينات والمعاشات على مدار 50 عامًا حتى 2068، لفض التشابكات المالية معها.
يقول ريمون نبيل، محلل أسواق المال، إن تلك الخطوة إيجابية، خاصة أنها فرصة لتنمية موارد الهيئة، فالأسهم المصرية حاليًا يتم تداولها بـأقل من 70% من قيمتها العادلة، كما أن البورصة حاليًا تشهد ارتفاعا في قيم التداولات اليومية عند 2 مليار جنيه وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2016.
يعتبر نبيل أن إدارات الاستثمار والمخاطر ستتولى اختيار مجموعة من الأسهم والصناديق الجيدة التي لديها توزيعات ثابتة وهو أمر ينطبق على كثير من الأسهم المقيدة في البورصة التي يتوقع أن تحقق مسار مرتفع طوال العامين المقبلين.