سلطت وقائع الاعتداء الأخيرة على الأطقم الطبية داخل المستشفيات الحكومية، ضوء الاهتمام على قطاع التمريض، باعتباره الأكثر احتكاكًا بالجماهير، وتعرضًا للإيذاء اللفظي والبدني. كما فتحت الحديث عن مستوى الأداء المهني للمضارين/ات، والحاجة الملحة إلى خطة تدريب وتطوير.
ومع إطلاق الدولة مؤخرا مشروع التأمين الصحي الشامل الذي يقوم على تقديم خدمات طبية ذات جودة عالية لجميع فئات المجتمع دون تمييز وتتكفل الدولة من خلاله بغير القادرين، أصبح من الضروري الاهتمام بقطاع التمريض – دراسة وتدريب وتطوير وحماية – حيث يمثل تقريبا 70% من المنظومة الطبية في مصر.
ومؤخرًا، وبعد أحداث مستشفى “قويسنا”، أعربت نقابة التمريض عن تمسكها بالمسار القانوني، دون تنازل عن حقوق أعضائها الذين طالهم الاعتداء أثناء تأدية عملهم.
300 ألف ممرض
وفق نقيب التمريض د.كوثر محمود، فإن عدد أعضاء نقابة التمريض المسجلين في كشوفها يبلغ 300 ألف، بينهم 220 ألف يعملون بالقطاع الحكومي، و25 ألفًا بالقطاع الخاص.
وحسب أحكام القانون رقم 115 لسنة 1976 “لا يجوز مزاولة مهنة التمريض إلا لمن كان اسمه مقيدًا في السجلات التي تعدها وزارة الصحة والسكان لهذا الغرض. وكذا في جداول نقابة مهنة التمريض. ويجدد الترخيص بمزاولة المهنة كل خمس سنوات وفقًا للأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون”.
ويرى هشام مبروك، عضو النقابة العامة للتمريض، أن تجاوز الجماهير ضد قطاع التمريض لا يحدث بمعزل عن سياق معاناة “الأطقم العاملة”. يقول إن ذلك يأتي لأن المستشفيات الحكومية -وهي بؤرة الاشتباكات اليومية بين الجمهور وأطقم التمريض- تعمل في “فترات ليلية” بطبيب طوارئ واحد. بما يحفز مرافقو المرضى -عند حدوث مشكلة- على التطاول على الممرضات والممرضين.
اعتداء بلا إحصاء
وسجل عام 2022 وقائع اعتداء على الأطقم الطبية بـ”مستشفى نبروه، قصر العيني، البنك الأهلي، وغيرها”، وفي القلب منها “التمريض”. في وقت لا يوجد إحصاء رسمي بحالات الاعتداء تلك، وفق نقيب التمريض.
وبمحاذاة وقائع الاعتداء، فإن أطقم التمريض في المستشفيات الحكومية، وعلى الرغم من دورهم المحوري، تعاني من معوقات معطلة لآداء العمل على نحو يسمح بتقديم خدمات طبية مكتملة للمرضى.
اقرأ أيضًا: حادث مستشفى قويسنا وسمات “الدولة الرخوة”
يأتي ذلك في الوقت الذي تكفل الدولة لخريجي مدارس، ومعاهد، وكليات التمريض وظيفة فور انتهاء مدة الدراسة بالمستشفيات الحكومية والجامعية، وهيئات التأمين الصحي، والوحدات الصحية.
ووفق تصريحات د.كوثر محمود نقيب التمريض فإن موجة الاعتداء على “الأطقم” أثناء تأدية عملها داخل المستشفيات الحكومية تصاعدت فيما بعد أحداث ثورة يناير، بينما ليس لدى النقابة إحصاء محدد بالحالات والأماكن. لكنها تشير إلى أن الأولوية الآن ليست للإحصاء، بقدر ما هي للتأمين الجيد، عن طريق شركة أمن خاص من ناحية، ونقطة شرطة من ناحية أخرى.
وأبلغت -بدورها- النقابات الفرعية وعددها 25 نقابة، بضرورة عدم التنازل عن محاضر الاعتداء محل التحقيق، لحين الحصول على حقوق الأعضاء. وأضافت: “نحتاج الآن، وبشكل ضروري إلى إقرار قانون المسئولية الطبية للحفاظ على حقوق الطرفين؛ المرضى والفريق الطبي”.
وقد لفتت إلى أن واقعة قويسنا الأخيرة -على سبيل المثال- شهدت “مفاوضات” لإنهاء الأزمة. لكنها رفضت التنازل، باعتباره تهاونًا في حق التمريض ككل، حسب وصفها. وأضافت: “قلت، وأكرر للأعضاء جميعًا “أنتم أصحاب حق، ولا تتنازلوا عن حقوكم مهما كان المعتدي”.
واقع غير مشجع
ويعد العجز القائم حاليًا في أطقم التمريض وجه آخر للمعاناة نظير غياب عوامل الجذب، وتفشي “التسرب”، حسب تصريحات “نقيب التمريض”، التي أشارت إلى أن مرتب “الممرض/ة” لا يتعدى 3000 جنيهًا، رغم أن مدة العمل تصل إلى 12 ساعة يوميًا.
وفي مقابل هذه المدة يحصل “الممرض/ة” على بدل 20 جنيهًا في المستشفيات الحكومية، مقابل (من 250 إلى 300 جنيهًا) في القطاع الخاص.
وتضيف نقيب التمريض أن الممرضات الأمهات تعاني من غياب دور الحضانة بالمستشفيات الحكومية، وبعضهن يبيت داخل المستشفى حفاظًا على سير العمل، وتقديم الرعاية الطبية للمرضى. وتتساءل:”كيف يمكن أن تؤديها على وجه أكمل، وهي قلقة على أطفالها ممن لم يتجاوزوا سن الخامسة؟”.
وحسبما أفاد د.أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء سابقًا، فإن غياب التمريض يسبب أزمة حقيقية في المنظومة الطبية بأكملها. غير أن هناك تخصصات جديدة مثل تمريض الحالات الحرجة، والتمريض الطائر، تحتاج إلى التطوير بشكل أكبر داخل الكيات والمعاهد.
يضيف شوشة أن زيادة أعداد الخريجين، مع ضعف التأهيل، والتدريب بالشكل المطلوب، يتسبب في زيادة الأزمات، سواء نقص الأعداد بالمستشفيات، أو أخطاء من شأنها وقوع أضرار بالغة على المرضى.
وقد دعت “نقيب التمريض” وزارة التضامن الاجتماعي لإعادة النظر في ترخيص دور حضانة بالمستشفيات الحكومية، كمساهمة في عوامل الجذب، وتطوير الآداء القائم بالأساس على نفسية مقدم الخدمة الطبية.
تجربة الفلبين
بمحاذاة جوانب المعاناة، لم تخف د.كوثر محمود أزمة السكن غير الملائم لأطقم التمريض وبصفة خاصة في القطاع الحكومي. لافتة إلى أن ثمة أوضاع غير مشجعة على الإقامة.
يقود ذلك إلى الكشف عن تسرب “أطقم التمريض” بالسفر إلى الخارج. وهو أمر يحدث بشكل فردي -على حد قولها- دون تدخل من الدولة. وهو ما يسبب خسائر في الأطقم الطبية، وللدولة أيضًا من ناحية “مصادر الدخل”.
وتستشهد نقيب التمريض بدولة الفلبين، التي تمكنت من حل أزمتها مع التمريض بإقامة منظومة للتعاقد مع أطقم التمريض من خلال مؤسسات الدولة المعنية، وحولت مهنة “التمريض” إلى سلعة تصديرية تدر عائدًا بالعملة الصعبة للبلاد، وتسهم من جانب آخر في تطوير كفاءة التمريض الداخلي عبر عوائد قادمة من الخارج.
“نريد أن يصبح التمريض مصدر دخل للبلد، عن طريق دراسة احتياجات الأسواق العربية، والأوروبية للتمريض المصري، وربط تعاقدات السفر بإشراف الدولة، ومتابعة الأطقم العاملة بالخارج”؛ تقول دنقيب التمريض.
وعالميًا، يكشف تقرير أعدّته منظمة الصحة العالمية في 2020، بالشراكة مع المجلس الدولي للممرضات وحملة “التمريض الآن”، أن هناك اليوم أقل من 28 مليون ممرض وممرضة حول العالم. وفي الفترة بين عامي 2013 و2018، ازداد عدد العاملين في مجال التمريض بواقع 4.7 ملايين شخص.
ويضيف التقرير: “لا تزال هناك فجوة عالمية يتعين سدّها بواقع 5.9 ملايين ممرض وممرضة، حيث تتركز الفجوات الأكبر في بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا وإقليم المنظمة لشرق المتوسط، بالإضافة إلى بعض مناطق أمريكا اللاتينية”.
نسبة عجز تصل 35%
تقول الدكتورة سحر حلمي رئيس قطاع الموارد البشرية والبحوث بوزارة الصحة، إن نسبة العجز في قطاع التمريض في مصر وصلت إلى 35%. وتشير نقيب التمريض إلى أن العاملين في القطاع خاضوا معركة “كورونا” في ظروف صعبة، وتركوا أسرهم وأولادهم، وتفرغوا لمعالجة المصابين بإمكانات محدودة، وبدلات دون المستوى.
اقرأ أيضًا: أزمات تحاصر البالطو الأبيض.. “كورونا” يكشف محنة الأطباء المصريين
تضيف: “والآن لابد أن يسترد هذا القطاع أهميته عبر تحسين الظروف المعيشية”. لافتة إلى أن النقابة تتلقى دعمًا سنويًا من وزارة المالية لا يتجاوز “20 ألف جنيه”. معربة عن أملها في تفهم وزير المالية لوضع الممرضين. وهم يمثلون 70% من عمل الأطقم الطبية.
وقد استلمت النقابة عام 2012، وكان معاش الممرض بعد اشتراك 15 جنيهًا سنويًا لا يتجاوز 50 جنيهًا. وفي 2016 وصل الاشتراك 60 جنيهًا، والمعاش 150 جنيهًا، وفق نقيب التمريض.
ومع مطالبة نقابة التمريض بزيادة أعداد الكليات على مستوى الجمهورية أملًا في سد العجز، فإن ثمة عشوائية في توزيع الممرضين والممرضات على المستشفيات الجامعية داخل المحافظات.
وفي الوقت الذي ترفع وزارة التعليم العالي يدها عن مسئولية التوزيع، باعتبار وزارة الصحة الجهة التي تتولى عمليتي التوزيع والتكليف، والمنوط بها سد العجز من الأماكن ذات الوفرة التمريضية، فإن إحصائية غير رسمية كشفت عن عجز يصل إلى 80% بمحافظة سوهاج، في الوقت الذي تحقق محافظة شمال سيناء فائضًا بنسبة 25%.
كذلك، تبلغ نسبة الممرضات 80% من العاملين في مهنة التمريض مقابل 20% للممرضين “الذكور”. كما أن هناك 5000 وحدة صحية، و570 مستشفى، و18 مستشفى جامعي، غير منظومة التأمين الصحي.
وبينما تعاني المستشفيات الجامعية التي تقدم خدماتها لملايين المواطنين سنويًا من نقص في قطاع التمريض، تستحوذ الوحدات التابعة لوزارة الصحة، والتي تقدم 30% من الخدمات الصحية، على 70% من الممرضات.
ويرجع خبراء أزمة العشوائية في التوزيع، ومعاناة المستشفيات الجامعية، إلى تطبيق الكادر -عام 2014- والذي كفل مساواة بين ممرضة تعمل بوحدة صحية، ونظيرتها التي تعمل بمستشفى حكومي. وهو ما طالبت نقيب التمريض مقابله تقديم حوافز إضافية للعاملين بالمستشفيات الجامعية. مع منح رئيس الجامعة رفض تعديل طلبات التكليف التي تتقدم بها الممرضات للعمل بالوحدات الصحية.
مواجهة مع جهات النصب
يعاني قطاع التمريض أيضًا من انتشار ظاهرة المعاهد الخاصة، والتي تقبل طلابًا من خلفيات التعليم الفني على غير قواعد المهنة. وتنشط هذه المعاهد غير المرخصة في فترة ما بعد نتيجة الثانوية العامة لقبول الحاصلين على مجموع 50%. بما يوقع “التمريض” تحت طائلة كوارث خريجي هذه الأماكن غير المرخصة في المجال الطبي.
نقيب التمريض وصفت هذه الأماكن المنتشرة في معظم المحافظات بأنها بوابة للنصب والاحتيال وخداع الأهالي، مستشهدة بـ”واقعة” حدثت بمحافظة المنيا، من أحد خريجي هذه الأماكن في مستشفى خاص.
وأضافت: “قلت للمحافظ قبلها بعدة أشهر، لابد من إغلاق هذه الأماكن نظير خطورتها على المهنة، وبعد أن نفى وجودها بالمحافظة فوجئنا جميعًا بالحادث”.
وتداول نشطاء مقطع فيديو يبرز شابين يعملان بالتمريض بأحد المستشفيات الخاصة بمركز أبو قرقاص، ويركب أحدهما “الكانيولا” وهو مغمض العينين لطفل رضيع، وتحفظت عليهما أجهزة الأمن.
واستطردت قائلة:” تقدمنا ببلاغ للنائب العام ضد هذه المعاهد غير المرخصة، وخريجي الدبلومات الفنية لا يصلحون للتمريض، وبعضهم يعمل في مستشفيات غير معروفة”.
ولفتت إلى أن التمريض قبل 20 عامًا كان ستة مستويات على النحو الآتي (ممرضة، مساعدة ممرضة، مولدة، مساعدة مولدة، مدرسة تمريض بعد الشهادة الإعدادية، معهد فني، وكلية تمريض)، والآن مستويين فقط، (المعهد الفني “فوق متوسط”، أو بكالوريوس التمريض).
وحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة، والإحصاء لعام 2021/2020، فإن إجمالي أعداد خريجي كليات التمريض بلغ 6591 خريج في 2020، مقابل 6204 خريج عام 2019 بزيادة 6.2%.
بينما إجمالي أعداد خريجي المعاهد الفنية للتمريض 5151. ذلك مقابل 4415 عام 2019، بزيادة 16.7%. وإجمالي أعداد خريجي مدارس التمريض 8917 عام 2020/2021، مقابل 9892 لـ”2019/2020” بتراجع بلغ 9.9%.