على هامش موقعها الإلكتروني، وتحت مسمى “موازنة المواطن“، تعرض وزارة المالية موازنة مبسطّة، توضح فيها أبرز بنود الموازنة العامة للدولة، ضمن سياسة تتبعها الوزارة منذ العام المالي 2014/ 2015.

تنقسم “موازنة المواطن” إلى 16 فصلًا، تحوي تعريفات لمفاهيم الموازنة العامة، ومراحل إعدادها. وكذا الرؤية الحكومية لركائز الموازنة سنويًا. بالإضافة إلى أهم التوجهات والخطوط العريضة للعام المالي. فضلًا عن الاستثمارات بالخطة العامة للتنمية.

تُعرف الوزارة الموازنة بأنها عبارة عن بيان يُوضح كل من الإيرادات المتوقع أن تحصّلها الدولة خلال العام المالي، وخطة الحكومة في إعادة إنفاقها لتحسين جودة حياة المواطن. وبحسب الرؤية الحكومية لموازنة العام المالي 2022/ 2023، فإنها تستهدف توسيع القاعدة الضريبية. ما يعني المزيد من دفع الضرائب، والاستمرار في سياسة تسعير السلع والخدمات جبريًا، والتي تعدّ أحد الحلول لكبح جماع موجات التضخم.

توجهات الدولة اقتصاديًا

بدفع من اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول على القرض -تقُدر قيمته بنحو 3 مليار دولار- فإن الـ23 محورًا التي أعُلن عنها في مسودة موازنة المواطن، تدفع في اتجاه زيادة نسب القطاع الخاص في الاستثمارات العامة.

وقد بدأ هذا التوجه بالإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة للتخارج من الأنشطة الاقتصادية، وإطلاق حوار مجتمعي واسع النطاق في هذا الشأن، وإنشاء صندوق فرعي يتبع صندوق مصر السيادي لإدارة عمليات بيع الشركات المملوكة للدولة. فضلًا عن استهداف طرح 12 شركة قطاع عام عبر برنامج الطروحات العامة للعام المالي 2022/ 2023، ودمج 7 مواني مصرية. وكذا دمج 7 فنادق تحت مظلة شركة واحدة، وزيادة نسب مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات المُنفذة من 30% إلى 65% خلال 3 أعوام.

إجمالي استثمارات القطاع الخاص بين 2014/ 2021
إجمالي استثمارات القطاع الخاص بين 2014/ 2021

كما تعتزم الدولة الإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليار دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات. إضافة إلى رفع نسب مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص PPP في مجالات التحّول الرقمي والمدارس والبنية التحتية، واستهداف زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الـ5 المقبلة.

يشار إلى أن أكبر رقم حققته مصر في قيمة الصادرات كان 45.2 مليار دولار خلال العام المالي 2021/ 2022. بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات بقيمة 7.7 مليار دولار مع السعودية لزيادة الاستثمارات الدولارية، ومثلها مع قطر والإمارات، واتفاقيات مع بلدان الاتحاد الأوروبي في مجالات الطاقة والغاز، إضافة إلى مجموعة من التوجهات الاقتصادية الأخرى.

توزيع الاستثمارات

تُبين موازنة المواطن أن الاستثمارات الكلية للدولة ستصل إلى 1.4 تريليون جنيه، منها 1.1 تريليون قيمة الاستثمارات العامة، وتشمل استثمارات الخزانة “شراء الأذون والسندات”، واستثمارات الهيئات الاقتصادية والمركزية والشركات العامة، بنسبة 78.6% من الاستثمارات الكلية. فضلًا عن استثمارات القطاع الخاص التي تصل إلى 300 مليار جنيه، بنسبة 21.4% فقط من الاستثمارات الكلية. فيما تُمثل استثمارات دواوين المحافظات البالغة 17.5 مليار جنيه نسبة 1.2%.

كيف زادت مصروفات الحكومة؟

تُظهر موازنة المواطن زيادة بند المصروفات العامة للدولة من تريليون و369 مليار جنيه في العام المالي 2018/ 2019، إلى 2 تريليون و70 مليار جنيه. ذلك بزيادة نحو 701 مليار جنيه، بنسبة 33.9% خلال 5 أعوام مالية فقط.

ويعدّ بند الفوائد هو القيمة الأكبر خلال تلك الفترة. إذ ارتفع من 533 مليار جنيه في 2018/ 2019 إلى 690.2 مليار جنيه في موازنة العام الحالي، بنسبة زيادة 22.8%. في حين زاد بند الأجور وتعويضات العاملين من 266.1 مليار جنيه عام 2018/ 2019 إلى 400 مليار جنيه في موازنة العام الحالي بنسبة 33.5%.

وقد زاد بند شراء الأصول غير المالية “الاستثمارات الحكومية” من 143.3 مليار جنيه عام 2018/ 2019 إلى 376.4 مليار جنيه، بزيادة نحو 61.9%. في حين كانت الزيادة في بند الدعم والمنح حوالي 19.2% فقط. وزاد هيكل أجور الدولة من 266.1 مليار جنيه في 2018/ 2019 إلى 400 مليار جنيه في العام المالي الجديد، بنسبة زيادة 33.5%. في حين كانت معدلات التضخم السنوية خلال الفترة الماضية تتراوح بين 5% وحوالي 18.7%، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

الضرائب

تكشف موازنة المواطن أن بند الضرائب مثّل نسبة 77% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة. وبلغ حجم الزيادة السنوية في نسبة الضرائب من إجمالي الإيرادات العامة ما بين 1.5 إلى 3% خلال الفترة بين 2018/ 2019 إلى 2022/ 2023.

وتُظهر الموازنة انخفاض حجم المنح التي حصلت عليها الحكومة المصرية من 2.6 مليار جنيه عام 2018/ 2019 إلى 900 مليون جنيه فقط في 2022/ 2023، بنسبة انخفاض نحو 65.4%. فيما لم تكسر الإيرادات الأخرى خلال نفس الفترة نسبة الـ50% زيادة. حيث بلغت 41.6% فقط. والإيرادات الأخرى تُمثل حصيلة الخصخصة وبيع الشركات وغيرها.

وتشرح الحكومة خطتها لإجراء تعديلات ضريبية على قانون ضريبة الدخل وقانون ضريبة القيمة المضافة لتحصيل ضرائب على التجارة الإلكترونية. وتتوقع الحصول على 10 مليارات جنيه في الموازنة الجديدة. مع العمل على استمرار تفعيل قانون الضرائب على المهن الحرة وتحصيل الضرائب المفروضة على الأرباح الرأسمالية.

تقسيم إيرادات الضرائب في موازنة 2022/ 2023
تقسيم إيرادات الضرائب في موازنة 2022/ 2023

كيف زاد العجز؟

تُوضح بيانات موازنة المواطن زيادة نسبة العجز النقدي، والذي يمثل الفارق بين حجم الإيرادات ومصروفات الدولة. حيث زادت من 428 مليار جنيهًا خلال العام 2018/ 2019 إلى 553 مليار جنيهًا 2022/ 2023، بنسبة ارتفاع نحو 22.6%.

وقد زاد العجز الكلي من 430 مليار جنيه عام 2018/ 2019 إلى 558 مليار جنيه في موازنة العام الحالي بنسبة توازي نفس نسب العجز النقدي 22.6%. ومثلّت نسبة العجز الكلي بالنسبة للناتج المحلي نحو 6.1%.

نسبة العجز الكلي بين 2018 – 2023
نسبة العجز الكلي بين 2018 – 2023

أين تصرف الأموال؟

يُظهر التقسيم الوظيفي لموازنة المواطن، حجم المصروفات على القطاعات الـ10 الموجودة بها. وهي: الخدمات العامة، والنظام العام، والشؤون الاقتصادية، وحماية البيئة، والإسكان، والصحة، والشباب والثقافة والشؤون الدينية، والتعليم، والحماية الاجتماعية، والأنشطة الوظيفية المتنوعة.

وتوضح البيانات استئثار قطاع الخدمات العامة على النسبة الأكبر من إجمالي موازنة عام 2022/ 2023. وقد بلغت مصروفاته نحو 49.33%، بزيادة بلغت 164.4 مليار جنيه عن موازنة العام الماضي.

وأبرز مكونات قطاع الخدمات العامة هي “القطاع الأجهزة التشريعية والتنفيذية وأجهزة الشؤون المالية، والشؤون الخارجية، ومعاملات الدين العام، وتشمل مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء، والمجالس التخصصية، ودواوين عموم المُحافظات، والجهاز المركزي للمحاسبات، ووزارة المالية ومصالحها، ووزارة الخارجية، وقسم الدين العام”.

ويستحوذ قطاع الحماية البيئية على أعلى نسبة نمو حقيقي بلغت 12.91% (أعلى من كل القطاعات) ونمو اسمي بلغ 27.71%. وذلك على النقيض تمامًا من موازنة العام الماضي 2021/ 2022 إلا إنه ما يزال أقل البنود حجمًا. حيث تصل نسبته 0.17% من إجمالي المصروفات العامة.

ولا تعد هذه النسبة كافية على الإطلاق. إذ مثلت الاستدامة البيئية الهدف الخامس في الأجندة التي بدأت في 2016، المعروفة باسم “رؤية مصر 2030″، هذا فضلًا عن تصريحات الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية حول التركيز على مبادرات التحسين البيئي ومشروعات الاقتصاد الأخضر.

على العكس، حقق باب النظام العام انكماشًا حقيقيًا بلغ 4.18%، ونموًا اسميًا 8.38%، بعدما بلغ في العام الماضي نموًا حقيقيًا بنسبة 5.26% ونموًا اسميًا بنسبة 9.57%.

كما حقق باب الشباب والثقافة والشؤون الدينية نموًا اسميًا 9.98% وانكماشًا حقيقيًا 2.77%.

النمو الأسمى: يقيس القيمة النقدية لجميع الأشياء والخدمات المُنتجة دون التكيف مع معدلات التضخم وتغيرات الأسعار.

النمو الحقيقي: يعدّ المؤشر الأكثر أهمية لأنه يعبر عن حجم الزيادة الحقيقية ويقيس معدلات التوسع الاقتصادي وتغيرات الأسعار وفارق معدلات التضخم.

كذلك، سجل باب الأنشطة المتنوعة نموًا اسميًا بمقدار 7.4%%، وانكماشًا حقيقيًا بنسبة 5% في حين حقق قطاع الشؤون الاقتصادية نموًا اسميًا بلغ 3.7% وانكماشًا حقيقي بنسبة 8.3%.

وسجل باب الإسكان تراجعًا اسميًا بنسبة 5.2%، وانخفاضًا حقيقيًا بنسبة 16.2%.

مخصصات الصحة

تشرح الحكومة -في بيان موازنة المواطن- أن المخصصات المالية لقطاع الصحة بلغت 310 مليارات جنيه، بنسبة 14.9% من المصروفات العامة، ونحو 3.1% من إجمالي الناتج المحلي الذي تخطى 9.3 تريليون جنيه. بينما تُكشف بيانات موازنة المواطن أن قطاع الصحة ورغم حصوله على أعلى نسبة زيادة بنمو اسمي 17.8% ونمو حقيقي 4.1%؛ فإنها نسب غير كافية لحل أزمات مشاكل قطاع الصحة. فضلًا عن تحميّل قطاع الصحة جزءًا من فوائد الدين العام حتى تبدو المخصصات المالية متوافقة مع نص دستور 2014، الذي خصص نسبة لا تقل عن 3% من إجمالي الناتج المحلي للصحة.

وتقول الحكومة في بيان موازنة المواطن، إنها ستعمل على إنشاء وتطوير 15 مستشفى و104 وحدات صحية بنحو 2.8 مليار جنيه، وإنشاء وتطوير 94 مستشفى ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل، وتوفير 1500 سرير رعاية مركزة بالمحافظات، وزيادة نسب الأسرّة الحكومية بنحو 11%.

إلا أن كل تلك الاستثمارات الحكومية لم تتعرض لأزمة أوضاع الأطباء والطواقم الطبية، التي تسببت في هجرة أكثر من نحو 60% من أطباء مصر للخارج، حسب النقابة العامة للأطباء.

ويُعاني الأطباء من تدّني هيكل رواتبهم الذي يصل لنحو 3700 جنيه، في حين يصل راتب نظيره بالسعودية لحوالي 22 ألف جنيه.

إضافة إلى ذلك، هناك تراجع في مستويات الخدمات الصحية التي يحصل عليها المواطنين. مع العلم أن نسبة إنفاق المواطن على الصحة بلغت 10.4% من إجمالي الإنفاق السنوي بقيمة 6408 جنيه.

وتكشف دراسة صادرة عن وزارة التعليم العالي، أن عدد الأطباء البشريين الحاصلين على رخص مزاولة مهنة الطب حتى نهاية عام 2018، بدون الأطباء على المعاش، بلغ 212 ألفًا و 835 طبيبًا. بينما العاملون فعليًا في مصر بالجهات المختلفة يصل عددهم تقريبًا إلى 82 ألف طبيب فقط، بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة مهنة الطب.

وتظهر الدراسة أيضًا أنه طبقًا لهذا العدد، يكون معدل الأطباء في مصر 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن. بينما المعدل العالمي 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن.

التعليم.. نمو ولكن

تُظهر بيانات موازنة المواطن نموًا اسميًا في قطاع التعليم بنحو 11.6%، وانخفاضًا حقيقيًا بنسبة 1.3%.

تصرف الحكومة حوالي 85% من موازنة القطاع على الرواتب، في حين لا تكفي النسبة المتبقية لبناء مدارس وفصول جديدة لحل مشكلة كثافة الطلاب في الفصول ولا حتى التعيينات الجديدة للمعلمين. إذ يبلغ العجز في المعلمين 320 ألف معلم. ويبلغ عجز الفصول نحو 250 ألف فصل، تصل تكلفة إنشاءها لحوالي 120 مليار جنيه. ذلك قبل تحرير سعر الصرف الأخير في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت كثافة الفصول في التعليم الابتدائي 52 طالبًا، وفي المرحلة الإعدادية  48 طالبًا، وفي الوقت نفسه، بلغ التسرب في المرحلة الابتدائية 0.2%، وفي المرحلة الإعدادية 1.7%.

كذلك، يصل حجم إنفاق الأسرة على التعليم حوالي 8850 جنيهًا بنسبة 12.5% من إجمالي الإنفاق الكلي للأسرة، منها 38.6% مصروفات للرسوم الدراسية، و28.3% على الدروس الخصوصية، و11.3% على الكتب والأدوات المدرسة.

كيف تُسدد الحكومة ديونها؟

بمجرد النظر إلى بندي سداد القروض والفوائد في بيانات موازنة المواطن، يظهر أن خدمة الدين على مدار الفترة الماضية احتلت ومازالت ومرشحة لسنوات قادمة أن تحتل الجزء الأكبر من مصروفات الموازنة العامة. ففي العام المالي 2021/ 2022 بلغت النسبة 47.6%، في حين بلغت 54% في العام المالي الحالي 2022/ 2023.

خدمة الدين "سداد القروض والفوائد كنسبة من المصروفات العامة
خدمة الدين “سداد القروض والفوائد كنسبة من المصروفات العامة

وتلجأ مصر إلى الاستدانة في الأغلب لسداد أقساط القروض والفوائد. لكن كان المستجدّ في موازنة العام الجديد هو ارتفاع نسبة خدمة الدين، لتصبح أكثر من نصف مصروفات الموازنة العامة.