دعت فجوة النقد الأجنبي في السوق المصرية خلال الفترة الحالية، الحكومة إلى تبني عدة استراتيجيات تسعى من خلالها إلى تعزيز الموارد الدولارية، لإنقاذ السوق من تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب أزمة “نقص العملة”. أبرز تلك الاستراتيجيات هي مستهدف زيادة إيرادات السياحة إلى 30 مليار دولار سنويا خلال الـ 3 سنوات القادمة.

اقرأ أيضا.. “التأشيرة” وأشياء أخرى.. محاولة جديدة لإنقاذ قطاع السياحة من “السنوات العجاف”

ورغم أن صافي احتياطي النقد الأجنبي في مصر ارتفع إلى 33.411 مليار دولار في أكتوبر/تشرين أول من 33.198 مليار دولار في سبتمبر/أيلول، إلا أن السوق تعاني من فجوة كبيرة تسببت في تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار إلى مستويات قياسية، وارتفاع أسعار مختلف السلع والمنتجات، ما دفع الحكومة لمحاولة الإسراع في خطط اجتذاب أعداد مضاعفة من السياح من الخارج بداية من 2023، لزيادة النقد الأجنبي داخل السوق في محاولة للسيطرة على زمام الأزمة الراهنة.

ومع تحقيق مصر عائد سنوي من السياحة وصل خلال العام المالي 2021/2022 إلى 10.7 مليار دولار. فسيكون تحقيق عائد الـ 30 مليار دولار تحديًا يحتاج إلى حزمة من المحفزات للقطاع السياحي بأكمله. فهل تستطيع الحكومة تنفيذ استراتيجيتها لدعم النقد الأجنبي من خلال السياحة؟ وما هي التحيات التي قد تؤثر على هذا البرنامج بالنسبة لهذا القطاع؟.

انتعاش مؤقت

توقف حركة السياحة والطيران وقت أزمة كورونا
توقف حركة السياحة والطيران وقت أزمة كورونا

خلال الفترة الماضية التي سبقت جائحة كورونا انتعشت السياحة المصرية بشكل تدريجي عما كانت عليه عقب حادث سقوط الطائرة الروسية بسيناء في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وما تلاها من إحجام على مستوى الطيران الروسي إلى مصر. ومع ذلك شهد قطاع السياحة حاليا تقلبا واضحا على مستوى حجم ايرادات المحققة، نتيجة الأحداث العالمية التي أثرت على أعداد الوفود القادمة إلى القاهرة.

ووفق إيرادات قطاع السياحة، فقد تراجع عائد الدولة في 2020 والنصف الأول من 2021، بسبب التأثير المباشر لتداعيات جائحة كورونا التي أثرت على تدفقات السياح. وما لبث السوق أن شهد تعافيًا تدريجيًا نهاية عام 2021 حتى اندلعت الحرب الروسية على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط الماضي، وتركت تأثيرها على أعداد السياح الوافدة من البلدين اللذين يعتبران من أهم مصادر السياحة الوافدة إلى مصر.

قال البنك المركزي، إن الإيرادات السياحية خلال العام المالي 2021-2022 سجلت نحو 10.7 مليار دولار. وجاء جزء كبير من تلك الإيرادات قبل فترة الحرب الروسية الأوكرانية، لكن في الأشهر التي تلتها تراجعت أحجام الوفود بشكل ملحوظ.

ووفق الخبير السياحي عامر شبيب، فإن أعداد الوفود السياحية كانت بدأت في التعافي بشكل جيد أوائل 2022، بعد تراجع حدة الإصابات بفيروس كورونا، حيث نمت السياحة المصرية بشكل مقبول، ما مكن القطاع من تحقيق عائد دولاري أفضل بنهاية 2021.

لكن ثمة محور آخر أثر بشكل مباشر على السياحة المصرية وهي الحرب الروسية الأوكرانية التي اشتعلت في فبراير 2022، بين البلدين الأكثر من حيث تعداد الوفود السياحية القادمة إلى مصر. حتى توقفت الكثير من الرحلات السياحية التي كان مخططا وصولها إلى المدن السياحية المصرية خاصة القادمة من أوكرانيا. وبالتالي كان هناك تأثير واضح على مستوى العائد الدولاري للسياحة المصرية.

رئيس الوزراء السابق يتفقد موقع تحطم الطائرة الروسية في شرم الشيخ
المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء السابق يتفقد موقع تحطم الطائرة الروسية في شرم الشيخ

ويواصل شبيب لـ “مصر 360”: “كما عانى الاقتصاد العالمي خلال 2022 من موجة التضخم التي ضربت غالبية دول العالم، وأثرت بشكل مباشر على معدلات الإنفاق لدى المواطنين وعلى رأسها حجم إنفاق السياح؛ فتراجعت أعداد الوفود السياحية على مستوى دول العالم وليس مصر فقط”.

ويوضح شبيب أن لجوء عدد من دول العالم إلى رفع معدلات الفائدة وما تلاها من تحركات على مستوى الأسعار قلّص من اتجاه الأفراد نحو إنفاق الرفاهية، وتوجيه الأموال نحو السلع الأساسية والاحتياجات الضرورية فقط.

فجوة الإيرادات المستهدفة

وقال حسين شكري، خبير السياحة، إن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تسببت في غياب سياح الدولتين، في وقت كانت السياحة المصرية تعتمد عليهما بشكل مباشر في زيادة الإشغال الفندقي بالمدن السياحية المصرية خلال 2022، وبالتالي مستهدف الـ 30 مليار دولار يقتضي توفير بديل لسائحي الدولتين.

أضاف لـ “مصر 360” أن هناك فجوة كبيرة حدثت على مستوى إيرادات السياحة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، فقد تراجعت إيرادات السياحة بحوالي 600 مليون دولار خلال الربع الأول من 2022. “آخر 3 أشهر من 2021 حققنا 3 مليارات دولار وفي أول 3 أشهر من العام الجاري رجعنا لـ 2.4 مليار“.

كما لفت إلى أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، سيضر بقطاع السياحة العالمي بأكمله، خصوصا أن الاقتصاد العالمي يعاني من متقلبات اقتصادية عالمية نتيجة الحرب ومن قبلها جائحة كورونا. الفارق بين حجم الإيرادات الحالية التي تدور في حدود 10 : 11 مليار دولار سنويًا وحجم المستهدف 30 مليار يُعتبر كبيرا للغاية والزيادة بمبلغ 20 مليار سيواجهها تحديات عدة حال استمرار الأزمات العالمية الناجمة عن حرب روسيا وأوكرانيا.

ووفق وكالة السياحة الحكومية الأوكرانية، وصل عدد رحلات السياحة الأوكرانية للخارج في عام 2021، إلى نحو 14.7 مليون رحلة سياحية أجنبية. فيما احتلت تركيا المرتبة الأولى في استقبال السياح الأوكران بنسبة 28% وجاءت مصر في المرتبة الثانية بنسبة 21%، بنحو 3 ملايين سائح. 

أزمة مستحقات

من جانبه بين محمد فاروق خبير السياحة، أن التحديات التي عطلت قطاع السياحة السنوات الماضية تولدت من أزمات عالمية. لكن على مستوى السوق الداخلي هناك تحديات أيضًا حجمت قدرة القطاع السياحة على النمو وقد تؤثر عليه في الوصول إلى مستهدف الـ 30 مليار دولار خلال الـ 3 سنوات القادمة.

لفت فاروق إلى تحد خاص باستحقاقات البنوك لدى الشركات السياحية، والتي كان قد أطلق البنك المركزي مبادرة بشأنها لتأجيلها حتى نهاية 2022، وبالتالي ستعاني بعض الشركات من أزمة سداد المستحقات الواجبة عليها بعد فترة من المعاناة على مستوى حجم الإيرادات المتأثر بالأزمات الاقتصادية العالمية. وهنا سيكون على الحكومة التباحث مع شركات السياحة بشأن تلك المديونيات.

اقتصاديات المواطن” عالميا أيضًا هي أحد التحديات التي تعاني منها السياحة المصرية، فالظروف الاقتصادية أثرت على حجم الإنفاق، “السائح الأجنبي ينفق أقل من 100 دولار في مصر، وقد يتراجع هذا المعدل أكثر بعد الأزمات الاقتصادية العالمية. وهنا سيكون تحقيق عائد الـ 30 مليار صعبًا“.

قطاع السياحة مطالب بالبحث عن وسائل ترفيه ومقاصد سياحية أكثر جذبًا للسائح الأجنبي وتكون قادرة على زيادة حجم إنفاقه بشكل مضاعف مثلما فعلت بعض دول الخليج، خاصة وأن سياحة المقاصد الأثرية لا تتمتع بحجم إنفاق قوي كما هو الحال في مقاصد الترفيه المزودة بتكنولوجيات حديثة ذات عنصر جذب وإنفاق أعلى من تلك الأثرية.

الضرائب

لاجئون أوكرانيون بعد اندلاع المعارك فبراير الماضي
لاجئون أوكرانيون بعد اندلاع المعارك فبراير الماضي

كما تُعاني شركات السياحة العاملة بالسوق -منذ فترة- من بعض الضرائب على المنشآت السياحية والفندقية في ظل ما عانت منه من تعثرات على مستوى سداد المديونيات بسبب تراجع العائد من السياحة منذ 2020 -وفق مصادر باتحاد الغرف السياحية-.

خلال السنوات الماضية تحملت الفنادق والعقارات السياحية بعض الضرائب التي لم تكن ضمن خطتها سابقًا ما تسبب في تراجع هامش الربح المستهدف. في وقت كانت تتطلع فيه الشركات المالكة لتلك المنشآت لزيادة الطاقات الاستيعابية بها ورفع عدد الغرف الفندقية.

أضافت المصادر أن تقليص حجم الضرائب على المنشآت السياحة سيساعدها على التوسع في عمليات التطوير وإعادة هيكلة منشآتها ما يضمن إقناع أكبر شريحة من السياح الأجانب للدخول إلى السوق بدلًا من المقاصد المنافسة في الشرق الأوسط.

وشددت على حتمية التركيز السنوات القادمة على زيادة الطاقة الاستيعابية بالمطارات لتتواكب مع خطط التنمية المستهدف بقطاع السياحة، وكذلك إنشاء مطارات بالوجهات السياحية الحديثة التي توليها الحكومة اهتمامًا حاليًا لتسهيل عمليات التنقل بين الوجهات وبعضها تيسيرًا على السائحين الأجانب الذين يركزون على تلك التفاصيل في اختيار وجهاتهم السياحية.

ولفتت إلى أن الطاقة الاستيعابية حاليًا في الفنادق المصرية تصل إلى حوالي 17 مليون سائح كحد أقصى، وهو عدد يحتاج إلى تطور خلال الـ 3 سنوات القادمة حال ما تمكن قطاع السياحة من زيادة وافديه كما هو مُخطط.

خفض سعر الدولار

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري

أما تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار فيُعتبر سلاح ذو حدين على السياحة المصرية، فهناك من ذهب إلى أنه قد يزيد من تنافسية مصر مع الوجهات السياحية المجاورة بالشرق الأوسط. “تراجع الجنيه هيخفض تكلفة السفر والإقامة في مصر وده حافز كبير شرائح معينة من السياح أصحاب الدخل المتوسط” -وفق وليد البطوطي الخبير السياحي لـ “مصر 360-.

مدة الإقامة في المقاصد السياحية المصرية قد تتضاعف مع تراجع سعر صرف الجنيه، وبالتالي سيمثل ذلك فرصة لمزيد من الإنفاق حتى لو كان متوسطًا لكن طول مدة الإقامة ستُعوض ذلك.

فيما ذهب خبراء آخرون إلى أن تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار سيُقلص من إيرادات قطاع السياحة. باعتبار أن الإنفاق على الترويج والتطوير والمنشآت السياحية سيزداد بما يقارب الـ 30 : 40%. ومن شأن ذلك أن يمثل مزيدًا من الضغط على الشركات والقطاع بأكمله.

ولفتوا إلى أن إقناع السائح الأجنبي يحتاج إلى تطور مستمر سواء على مستوى الترويج أو إنشاء منصات ترفيه جديدة غالبًا من يتم توفيرها من الخارج بالعملة الصعبة التي تُعاني منها السوق المحلية.