تبدأ الحكاية من آدم حين شعر بالوحدة فخلق له الله حواء تؤنسه وتكون رفيقة وشريكة، فبات ناموس الكون كلما كان هناك آدم كانت حواء، تلك أمور بديهية، سكنت في وجداننا، حتى صارت الوحدة رغم جمالها أحيانًا صارت عبء ثقيل، وبات كل طرف عندما يكون بمفرده فإن من حوله يدفعونه لإيجاد الشريك، حتى مع كل الضغوط بتنوعاتها في لحظة يتمنى أحدهم أن يجد شريك يطمئن إليه ويأنس بوجوده لتطيب الحياة، فلماذا حين يرتبط البعض تُصبح الحياة أكثر تعاسة؟
هل يعرف الرجل المرأة؟
الغرب مهووس بالتعرف على الرجل والمرأة، من وقت لآخر تجد كتاب يتحدث عن كل طرف، هناك “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، ثم نجد كتاب “لماذا يحب الرجال العاهرات” و”الرجال بتوجهون نحو الشرق والنساء نجو اليمين” و”فن الإغواء” و”كيف تستعيدين زوجك قبل فوات الآوان”. هذه مجرد أمثلة عرفنا عنها من الترجمة، بينما هناك عشرات العناوين وربما مئات لم نسمع بها ولم نعرفها.
يسعون لذلك وعوالمهم مفتوحة، لا فصل بين البنات والأولاد في المدارس ولا قيود على الصداقة بين الولد والبنت، ولا قيودعلى العلاقات دون زواج، لكنهم يقدمون ما يُشبه كتيب التعليمات، يساعدون الانسان لفهم نفسه وفهم الآخر، وفق عالم متغير في كل لحظة، وتنعكس تغيراته على ساكنيه.
يشكو البعض من ارتفاع معدلات الطلاق، وعن تعدد الخلافات، وعلى الصعيد الآخر تخرج النكات لتسخر من كون المرأة لا تعرف نفسها، وهناك الميمز الشهير “ما انت لو مهتم كنت عرفت لوحدك” انتشار مثل هذا الميمز هو حالة من السعي للتخلي عن المسئولية، ودفع أي جهد للتعرف على الشريك، بأن يصف الرجل المرأة بأنها لا تعرف ماذا تُريد وبذلك يُصبح الرجل برئ من التقصير.
لكن الحقيقة أن الغالبية لا يعرف الرجل المرأة ولا تعرف المرأة الرجل.
الصورة المشوهة
خلال العقود الثلاث الماضية وربما امتدت أكثر من ذلك نبتت توجهات لعزل البنات وحدهن وكذلك الأولاد في المدارس، صحيح أن وجود مدارس للبنات ومدارس للأولاد فقط كانت قائمة من قبل ذلك لكنها كانت مقتصرة على المدارس ذات الصبغة الدينية، مثل مدارس الراهبات والرهبان، والمدارس التابعة للأزهر. لكن كان التعليم العام مختلط، فكان هذا الاختلاط يقدم معرفة ولو بدائية لكل طرف عن الاخر، تكبر بالمعرفة مع الوقت، وفى مراحل التعليم المختلفة.
لكن حتى التعليم الرسمي أصبح السائد فصول للبنات وفصول للأولاد بل أن البعض بالغ وجعل من الفسحة أو وقت الراحة في اليوم الدراسي وقت للبنات وآخر للأولاد، فأصبح كل طرف يكون صورته عن المرأة من المنزل – الشارع- الدراما وحاليا مواقع التواصل، ومن ثم تعاظم دور الأسرة في تكوين المعرفة عن الطرف الآخر، فالبيت الذي يعنف في الرجل زوجته يتربي فيه الذكر على أن تعنيف المرأة أمر عادي، والمرأة لابد أن تكون خانعة، فصورة الأم هي مصدر المعرفة الأول لدى كثير من الرجال، وكذلك صورة الأب، ويُصبح كل من الأب والأم هم الأيقونة للولد والبنت والقياس والتعامل يبدأ منهما رغم أن الأب أو الأم مجرد فردين، وهناك ملايين الاختلافات، فكل انسان مختلف عن غيره يتفق معه في موقف أو مبدأ ويختلف في كثير.
ومع استهجان بعض الأسر وجود صداقة بين الولد والبنت تزداد الفجوة، ليكبر الولد والبنت ومعرفتهم هشة عن بعضهما البعض، بينما تقدم الدراما في المسلسلات والأفلام شخصيات درامية بالأساس تعكس واقع العالم الدرامي وليس الواقعي، وجاءت العوالم الافتراضية لتقدم نماذج تتمتع بكثير من الزيف، أشخاص مخبأين خلف هواتفهم وشاشات حاسباتهم ويصنعون شخصيات ربما لا تُشبههم، قد تكون تحقيق لأحلامهم وقد تكون خيالات، النتيجة أن هناك شخصيات مزيفة كثيرة يتم اعتمادها من تلك العوالم الافتراضية.
تتأخر معرفة الرجل بالمرأة حتى المرحلة الجامعية، وربما حتى مرحلة الارتباط فتكون مرجعيته في التعامل معها تلك النماذج التي عبأتها ذاكرته، ولا يُكلف نفسه التخلي عنها واكتشاف شريكته بشكل حقيقي، وكذلك تفعل المرأة، فالاستسهال طريقة مريحة أكثر من التعب والاكتشاف، والنتيجة تثبت صور مزيفة ومشوهة عن الرجل عند المرأة وعن المرأة عند الرجل.
المعرفة الضرورية
ونحن نتحدث عن العلاقات السامة، والاستغلال والاهتمام الذي لا يُطلب وكثير كثير من الأمور الخاصة بالعلاقات والتفاعل مع الآخرين نتجاهل أننا لا نعرف الآخر، ونتجاهل أن المعرفة التي نملكها عن الآخر مشوهة في جزء كبير منها، وأننا بحاجة ملحة إلى التعرف على الآخر بجدية وليس وفق صور وأنماط سبق إعدادها وفق أشخاص آخرين غيرنا، بات من المهم أن نعرف لماذا يُحب الرجال نموذج روقة؟ الذي قدمته الفنانة نورا في فيلم العار، ولماذا ترفع النساء شعار الاهتمام ما بيتطلبش، إننا بحاجة لدراسات وكتب في التنمية الذاتية معنية باكتشاف الرجل الآن وليس قديمًا، والمرأة حاليًا وليست تلك الصور المخزنة في اللاوعي أو حتى في ذكرياتنا، المرأة القوية ليست بالضرورة تحتاج رجل ضعيف، والرجل القوي ليس بالضرورة معنف، هل يحدث ذلك بنقاشات وندوات، ببرامج وكتب من متخصصين، ربما بكل الوسائل، المهم أولا أن نعترف بأن كثير من الرجال يجهلون حقيقة المرأة الشريك وكثير من النساء تجهلن الرجل الذي ترافقه، بدلًا من الوصول إلى الفشل ثم اتهام الآخر بالتقصير، فالغالبية تبدأ رحلتها مع الشريك وهي لا تعرفه، مسقطة عليه الأحكام الخاصة بعلاقات أخرى وخبرات آخرين، وهذا ظلم كبير للنفس وللشريك، وعامل هام في الوصول إلى الفشل، لذا من الضروري أن نعرف من معنا.