أشار تقرير حديث لـ المونيتور/ Al Monitor، إلى تنامي التكامل الإقليمي بين مصر ودول حوض النيل. مستدلا بارتفاع التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل بنسبة 32.6% في عام 2021. وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الشهر الماضي.
ووصف التقرير الزيادة بأنها “تمثل انتعاشًا قويًا”، بعد الانخفاض الطفيف المسجل في عام 2020 في أعقاب جائحة فيروس كورونا، والذي “يعيد المعاملات بين البلدان إلى مسارها التصاعدي السابق”.
وقال: يعكس نمو العلاقات التجارية بين مصر ودول حوض النيل، سعي القاهرة لجعل التعاون مع المنطقة أحد الركائز الأساسية لسياستها الخارجية في السنوات الأخيرة. مدفوعًا بالخلاف مع إثيوبيا حول إدارة مياه النهر، وأيضًا، بسبب الخلاف مع إثيوبيا حول إدارة مياه النهر، والتي تؤثر على الأمن القومي والفرص الاقتصادية في دول الحوض.
ونقل عن زينب محمد، المحللة السياسية في أكسفورد إيكونوميكس أفريكا، قولها: لقد شهدنا جهودًا ملحوظة لتوسيع البصمة الاقتصادية لمصر في إفريقيا. تعتمد مصر بشكل كبير على نهر النيل في الحصول على المياه، ويعد تركيز الحكومة على تعزيز التجارة في حوض النيل جزءًا من استراتيجية لإقامة علاقات أكثر ودية مع دول المنبع. بينما هي في خضم نزاع مع إثيوبيا.
لقراءة بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء اضغط هنا
اقرأ أيضا: هل تتحول صفقة بريتوريا إلى اتفاق سلام دائم في إثيوبيا؟
العودة إلى إفريقيا
في تحليلها حول علاقة مصر بدول جنوب الصحراء الإفريقية، أشارت الباحثة أميرة عبد الحليم إلى أن القاهرة، بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، و30 يونيو/ حزيران 2013، كثفت جهودها لتأسيس وجودها واستعادة القيادة والنفوذ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
تقول: أجبرت الاحتجاجات الشعبية في عامي 2011 و2013 الحكومة المصرية على إعادة النظر في سياستها الخارجية، خاصة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تراجع دور مصر بشكل كبير منذ عام 1995. كما شهدت هذه الفترة تطورات مستمرة في قضية مياه النيل، ففي أواخر وضع رئيس إثيوبيا، ميليس زيناوي، حجر الأساس لمشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) في أبريل/ نيسان 2011.
كما أنشأت وزارة الخارجية المصرية منصبين دبلوماسيين جديدين في أبريل/ نيسان 2011، وهما نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية ومساعد وزير الخارجية لشؤون السودان وجنوب السودان.
وفي عام 2013، أنشأت الحكومة وكالة الشراكة المصرية الجديدة، والتي بدأت العمل في يونيو/ حزيران 2014. بهدف إرسال متخصصين في التنمية إلى الدول الأفريقية والإسلامية والمساعدة في تنظيم برامج التنمية في هذه الدول.
وأكدت أميرة أن البعد الأفريقي كان حاضراً بوضوح في السياسة الخارجية لمصر بعد الانتخابات الرئاسية عام 2014.
أضافت: تضمن دستور 2014 أحكامًا تؤكد البعد الأفريقي للهوية المصرية، فكانت أولى الجولات الخارجية للرئيس السيسي بعد توليه منصبه لدول أفريقية، منها الجزائر والسودان.
وأشارت إلى أنه منذ توليه منصبه في يونيو/ حزيران 2014، وحتى أغسطس/ آب 2017، كانت 21 زيارة رسمية من أصل 69 زيارة رسمية للرئيس السيسي في إفريقيا.
تحسين العلاقات مع دول حوض النيل
عملت الحكومة المصرية على تعزيز العلاقات مع دول حوض النيل. وتحقيقا لهذه الغاية، سعت مصر إلى توثيق العلاقات الثنائية مع هذه الدول، ومشاركة أكثر فاعلية في المنظمات الإقليمية. حيث تم إطلاق حملة دبلوماسية شملت عدة زيارات رئاسية إلى السودان وإثيوبيا ورواندا وأوغندا وكينيا وتنزانيا، فضلاً عن استضافة العديد من الأحداث الأفريقية.
كما طورت مصر عدة مشروعات تعاونية مع دول حوض النيل. فقد ساعدت وزارة المياه والري في تمويل 90% من مشروع أوغندي لحماية المنطقة الغربية من البلاد من الفيضانات المفرطة. كما قدمت لأوغندا 1.5 مليون دولار كمساعدة إنمائية.
وساعدت الحكومة المصرية جنوب السودان على تطوير أنظمة الصرف الصحي والري، وحفر 180 بئراً في كينيا.
وفي فبراير/ شباط 2018، أطلقت وزارة الزراعة مبادرة زراعية مشتركة مع الحكومة الإريترية. ولم تكن هذه هي المبادرة الأولى في مجال الزراعة، حيث تسعى مصر لنشر نظام المزارع النموذجية كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في إفريقيا.
أيضا، عززت مصر وجودها في الكوميسا، المنظمة الإقليمية التي انضمت إليها في عام 1998. وتعد القاهرة هي واحدة من العواصم القليلة التي وقعت وصدقت على منطقة التجارة الحرة الثلاثية للكوميسا-إياك-سادك، التي تم إطلاقها في عام 2015.
وقد أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني، أن القيمة الإجمالية لصادرات مصر إلى دول حوض النيل في عام 2021 بلغت 1.55 مليار دولار، بزيادة قدرها 29.5% عن العام السابق، مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، عندما بلغت قيمة صادراتها إلى دول المنطقة 1.22 مليار دولار. ولا يزال الارتفاع المسجل في عام 2021 يمثل زيادة بنسبة 27%.
اقرأ أيضا: الجيش النيجيري يدير برنامجًا للإجهاض القسري.. “تحررهن” من الإرهابيين لا يعني الخلاص
نمو الصادرات
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بالكاد تجاوزت قيمة صادرات مصر إلى دول حوض النيل 200 مليون دولار. وفقًا لدراسة أجريت عام 2020 حول هذا التبادل.
ففي عام 2009، ارتفعت الصادرات إلى حوالي 900 مليون دولار، ومنذ ذلك الحين ظل الرقم مستقرًا إلى حد كبير عند حوالي مليار دولار، حتى الزيادة الجديدة في العام الماضي، متجاوزًا علامة 1.5 مليار دولار لأول مرة.
وتظهر البيانات الواردة من مركز التجارة الدولية (ITC)، المستندة إلى إحصائيات الأمم المتحدة، زيادة معتدلة في التجارة أكثر من تلك المعلنة من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والذي لا يفصل مصدر البيانات في تقريره.
ووفقًا لتقرير المونيتور، بناءً على خريطة التجارة لمركز التجارة الدولية، بلغت قيمة صادرات مصر إلى دول حوض النيل 1.3 مليار دولار في عام 2021. بزيادة 15.7% عن عام 2020، و9.5% عن مستويات ما قبل الجائحة.
ويشير تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن ما يزيد قليلاً عن 95% من صادرات مصر لعام 2021 إلى المنطقة، تتركز في خمسة بلدان: السودان، الذي يشكل بمفرده ما يزيد قليلاً عن 50% من الإجمالي. كينيا، بحوالي 25%. وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا، بأرقام أكثر تواضعًا.
ومع ذلك، تظهر بيانات مركز التجارة الدولية -الأكثر تفصيلاً- زيادة أكثر دقة في صادرات مصر إلى دول حوض النيل.
ووفقًا لأرقام المركز، كان المحرك الرئيسي لنمو الصادرات هو السودان، حيث ارتفع بنسبة 50% عن عام 2020. بينما تراجعت الصادرات إلى كينيا فعليًا بنسبة 3.2% في عام 2021.
وبينما نمت الصادرات إلى إثيوبيا بنسبة 14.4% خلال عام 2020. لكنها لا تزال أقل بنسبة 28.1% من مستويات ما قبل الجائحة. وتظهر تنزانيا وأوغندا، وإن كان ذلك ببطء، اتجاها تصاعديا.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن المنتجات الرئيسية التي تصدرها مصر للمنطقة تشمل البلاستيك ومشتقاته 13.8%، والسكريات 10.6% والملح والأسمنت والطوب 5.4%.
تعزيز التجارة
في عام 2021، بلغت قيمة واردات مصر من دول حوض النيل 783 مليون دولار، بزيادة 39.4% عن العام السابق، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. حيث استحوذ السودان مرة أخرى على ما يقرب من نصف الإجمالي، تليه كينيا 32%، والكونغو 14%.
بدلاً من ذلك، بلغت الواردات من دول حوض النيل -كما جمعتها مؤسسة التجارة الدولية- 418 مليون دولار، على الرغم من أن سبب الاختلاف بين الرقمين لم يتضح. في هذه الحالة. لكن، ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن المنتجات الرئيسية التي استوردتها مصر، تشمل البن والشاي والتوابل 30%، والماشية 27%، والنحاس ومشتقاته 14%.
ينقل تقرير المونيتور عن سالي فريد، الأستاذة بكلية الدراسات العليا الأفريقية بجامعة القاهرة، قولها إنه لزيادة تعزيز التجارة، يجب توجيه المزيد من الجهود لتطوير البنية التحتية في مجالات مثل النقل والطاقة والاتصالات.
كما أشارت إلى الحاجة إلى مزيد من التنسيق والتكامل بين اللوائح والمعايير التجارية. وقالت: هناك فجوة بين التجارة الفعلية بين مصر ودول حوض النيل والآمال المعلقة عليها، وتقليص هذه الفجوة يتطلب المزيد من الجهود.
التكامل الإفريقي
يؤكد التقرير أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت القاهرة إلى السعي إلى تنمية علاقات أوسع وأوثق مع دول شرق إفريقيا منذ عام 2014 هو الخلاف الذي لا يزال دون حل حول إدارة مياه النيل التي تم إطلاقها مع ديس أبابا حول بناء سد النهضة.
ومع ذلك، فإن حسابات مصر تشمل أيضًا الفرص الاقتصادية التي يوفرها التكامل الإقليمي الأكبر، المبني -من بين أمور أخرى- على موقعها الاستراتيجي والبنية التحتية واتفاقيات التجارة الدولية المعمول بها.
في هذا السياق، أشار أحد خبراء أكسفورد إيكونوميكس أفريكا، لـ المونيتور، إلى أن مصر ركزت اهتمامها على السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، وهي أكبر منظمة اقتصادية إقليمية في القارة.
ويشير التقرير إلى أنه في السنوات الأخيرة، أبرمت مصر أيضًا العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والاستخباراتي مع دول مثل كينيا وأوغندا وبوروندي والسودان. كما بذلت القاهرة جهودًا لتوضيح تعاون أكبر مع دول حوض النيل في قطاعات مثل الزراعة والصحة والتعليم والبنية التحتية.
وينقل عن محمد سليمان، المدير في McLarty Associates، وهي شركة استشارات استراتيجية مقرها واشنطن، قوله: “تدعم التجارة العلاقات متعددة الأطراف وتخفف التوترات بين العواصم الإقليمية. وينبغي الترحيب بأي جهد لزيادة التجارة والنظر إليه على أنه تطور إيجابي”.
وأضاف: لكل دولة من دول حوض النيل أهداف تنموية محددة، وشواغل تتعلق بالموارد على المدى القريب، ونقاط قوة متخصصة. مشيرًا إلى أن كل الفوائد من زيادة التجارة.