في الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وقعت الحكومة السودانية ومجموعة مواني أبوظبي اتفاقا لإنشاء وتطوير ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر بتمويل إماراتي. وأعلنت الحكومة السودانية موافقتها على تشييد الميناء في منطقة “أبو عمامة” كجزء من حزمة استثمارات تبلغ قيمتها ستة مليارات دولار.

وسيُبنى الميناء عبر شراكة بين مجموعة “إنفكتس” السودانية ومجموعة “مواني أبو ظبي”. وتشمل حزمة الاستثمارات بناء منطقة تجارة حرة ومشروع زراعي ووديعة في بنك السودان المركزي بقيمة ثلاثمائة مليون دولار.

وقال وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، إن المشروع “سيسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني وتوفير آلاف الفرص وحل مشكلة مياه الشرب في المناطق المطلة على البحر الأحمر” عن طريق إنشاء خط أنابيب لنقل المياه من النيل إلى المنطقة. من جانبه اعتبر العضو المنتدب لمجموعة مواني أبو ظبي، محمد رجب الشامسي، المشروع بمثابة شراكة توفر قيمة مضافة لصالح البلدين.

ويرى محللون اقتصاديون -بحسب ما نقلت “بي بي سي“- إن الميناء الجديد سينافس ميناء بورتسودان الرئيس، الذي ظل يعاني من مشكلات في البنية التحتية وتعرضه للإغلاق المستمر بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي شرقي السودان.

وبحسب وكالة “رويترز“، سيشمل المشروع -الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمال بورتسودان- منطقة اقتصادية ومطار ومنطقة زراعية بمساحة 400 ألف فدان. بالإضافة إلى طريق بطول 450 كيلومترا سيربط ميناء أبو عمامة بمنطقة أبو حمد الزراعية بولاية نهر النيل السودانية.

وسبق أن قال أسامة داود عبد اللطيف، رئيس مجلة إدارة مجموعة “إنفكتوس” السودانية، إن الميناء سيكون قادرًا على التعامل مع جميع أنواع السلع وسينافس ميناء بورتسودان. وسيشمل أيضًا منطقة تجارية وصناعية حرة على غرار جبل علي في دبي بجانب مطار دولي صغير. وستحصل السودان على 35% من صافي أرباح مشروع، وفقا لوزير المالية.

المساعي الإماراتية الحثيثة

في يونيو/ حزيران الماضي، وقعت الإمارات مذكرة تفاهم على المشروع الذي سبق وتم الإعلان عنه في يوليو/ تموز من العام الماضي، في ظل حكومة انتقالية بقيادة مدنية. ولكن تأجلت الموافقة الحكومية عليه وقتها بسبب اعتراضات سياسية.

وقال مسئولان سودانيان لرويترز آنذاك إن الخطوط العريضة للاتفاق تم التوصل إليها بين الزعيم السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد خلال زيارة الأول للدولة الخليجية.

لقاء سابق بين رئيس الإمارات محمد بن زايد ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (وكالات)
لقاء سابق بين رئيس الإمارات محمد بن زايد ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (وكالات)

فيما يأتي الاتفاق الرسمي الحالي بعد أيام من إعلان الحكومة السودانية -التي يقودها الجيش- مؤخرًا عن خارطة انتقالية تقضي بابتعاد الجيش عن السياسة من خلال تشكيل حكومة مدنية يرأسها رئيس وزراء بصلاحيات واسعة، بالإضافة إلى مجلس للسيادة برئاسة مدنية.

ووقع على الاتفاق نحو 40 من الأحزاب والنقابات المهنية، من بينها قوى الحرية والتغيير، وذلك إلى جانب البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”. واتفقت الأطراف الموقعة على مدة انتقالية سنتين تبدأ من تاريخ تعيين رئيس الوزراء. لكن العديد من النشطاء المؤيدين للديمقراطية رفضوا الاتفاق، قائلين إنه يجب محاسبة القادة العسكريين على عمليات القتل. ودعوا إلى استمرار الاحتجاجات، والمطالبة بعودة الجيش إلى الثكنات.

اقرأ أيضًا: الإمارات الفاعل الأكبر.. خريطة النفوذ الخليجي في دول الصراعات العربية

واستولى البرهان على السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، مما أدى إلى عرقلة الانتقال الصعب إلى الحكم المدني الذي بدأ بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019. وحينها تعهدت الإمارات والسعودية بتقديم منح ومساعدات عينية مجتمعة بقيمة 3 مليارات دولار للسودان، والتي يقول القادة العسكريون والمدنيون إنها لم يتم تسليمها بالكامل، وفق “رويترز“.

وزادت التجارة بين الإمارات والسودان منذ عام 2019. وصدرت الإمارات 1.37 مليار دولار إلى السودان في عام 2021. وكانت الصادرات الإماراتية الرئيسية إلى السودان هي الأحجار الكريمة والسكر والمعدات الكهربائية، تبعا لموقع “المونيتور”. ولم يعثر الموقع الأمريكي على بيانات حديثة عن الصادرات السودانية إلى الإمارات.

ويشير “المونيتور” إلى أن الاتفاقية “تتماشى مع طموحات دولة الإمارات في توسيع عمليات موانئها في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية”. كما أتت في إطار النمو السريع للعلاقات الاقتصادية ومشاريع الطاقة بين الإمارات والقارة الأفريقية، ومنها:

  • وقع مكتب أبوظبي للصادرات اتفاقية تمويل مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في يونيو/حزيران. وأسست الصفقة خط ائتمان بقيمة 20 مليون دولار بينهما بهدف تعزيز التجارة الإماراتية مع غرب إفريقيا.
  • في يوليو/تموز، بدأت الإمارات وكينيا محادثات حول إبرام اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة. وقد أبرمت الإمارات سابقًا مثل هذه الاتفاقيات، والتي هي في الأساس اتفاقيات تجارة حرة، مع إسرائيل والهند وإندونيسيا.
  • وقعت شركة الطاقة المتجددة الإماراتية “مصدر” اتفاقية في أغسطس/آب لتطوير مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية في تنزانيا. ثم وقّعا اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي في سبتمبر/أيلول التالي.
  • قدمت “مصدر” عرضا في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 في نوفمبر/تشرين الثاني حول إمكانات إفريقيا لتصبح مركزا للهيدروجين.

ما وراء هذا التنامي

بحسب موقع “أفريكا ريبورت“، فإن الإمارات باتت في موقع ممتاز لتكثيف نفوذها على ممر البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بفضل مشاريع مواني بمليارات الدولارات والتي “تُمكن الإماراتيين من درء المنافسة من القوى الإقليمية الأخرى”. فمن خلال هذه الاستثمارات في إفريقيا، أصبحت الإمارات رابع أكبر مستثمر عالمي في القارة بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة.

وأفادت تقارير أن مجموعة مواني دبي العالمية وقعت اتفاقية امتياز في مارس/آذار الماضي لثلاثة مواني كينية -مومباسا ولامو وكيسومو- بعد أن عرضت تطوير وتشغيل وتوسيع الخدمات اللوجستية للنقل في جميع المرافق الثلاثة بالإضافة إلى ميناء آخر في مدينة نيفاشا.

وتتوسع مواني دبي العالمية (التي تدير عملياتها في 40 دولة) بقوة في جميع أنحاء إفريقيا، وتفتخر باستثماراتها في مصر والجزائر وجيبوتي ورواندا وأرض الصومال وموزمبيق والسنغال. واستحوذت شركة تابعة لها على حصة مسيطرة في شركة AFMCG النيجيرية.

ويقول توربجورن سولتفيدت، المحلل الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة “مابلكروفت” وهي شركة عالمية للمخاطر والاستشارات الاستراتيجية: “على الجانب التجاري، تعمل الإمارات على تحسين قدرتها على الوصول إلى الأسواق في جميع أنحاء إفريقيا، بالاعتماد على مكانتها كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية وإعادة التصدير”.

اقرأ أيضًا: الشركات الأجنبية في مواني مصر: “تطوير” يشوبه الفساد وتعارض المصالح مع دبي

وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء في الإمارات، بلغت الصادرات غير النفطية وإعادة الصادرات للدولة الغنية بالنفط إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) 22.2 مليار دولار و39.4 مليار دولار على التوالي، في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021. وخلال الفترة نفسها، بلغت ذات الصادرات إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا) 4 مليارات دولار و6.4 مليار دولار على التوالي.

يضيف سولتفيدت: “المزايا الجيوسياسية مهمة أيضا. على الرغم من أن مركز ثقل صادرات النفط الإماراتية يتجه شرقا، لا يزال يتعين على الصادرات الأوروبية عبور مضيق باب المندب. بالنظر إلى حالة عدم اليقين بشأن الحرب في اليمن، ودور الإمارات في الصراع، من الأهمية بمكان أن تحافظ الأخيرة على وجود أمني قوي في وحول البحر الأحمر وخليج عدن”.

ومن منظور أمني، فإن الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان عوامل حاسمة في طموحات الإمارات في المنطقة. والعديد من هذه الدول مهمة أيضا تجاريا حيث يمكن أن تكون بمثابة بوابات لأسواق أكبر، مثل إثيوبيا. وتبرز كينيا كأولوية تجارية رئيسية أخرى عبر ما أبرزته الجهود الإماراتية المستمرة للاستثمار في العديد من المواني الكينية.

المواني التي تسيطر عليها الإمارات في البحر الأحمر (مصر 360)
المواني التي تسيطر عليها الإمارات في البحر الأحمر (مصر 360)

تعزيز المكانة

تقول آنا جاكوبس، محللة شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية: “تتمتع مواني دبي العالمية بانتشار عالمي هائل، لكنها تتطلع إلى تخصيص المزيد من الموارد، على وجه التحديد نحو تطوير موانئها وإمكاناتها اللوجستية في القرن الأفريقي”.

وأوضحت أن الاستراتيجيات التجارية لمواني دبي العالمية ومواني أبوظبي متجذرة في الرؤية الوطنية للإمارات ومبادئها الخمسين التي تم الإعلان عنها العام الماضي -والتي توضح أهمية التنمية الاقتصادية واستراتيجية التنويع الاقتصادي الخاصة بها.

ويرى محلل الشرق الأوسط في مجموعة “مابلكروفت” أنه من المرجح أن يؤدي ظهور مواني أبوظبي كلاعب رئيسي في القرن الأفريقي إلى جانب مواني دبي العالمية إلى تعزيز مكانة الإمارات في المنطقة. “فمع استثمار كل من دبي وأبو ظبي في المنطقة، هناك مجال كبير لدولة الإمارات لتوسيع نفوذها في مجموعة من المجالات بما في ذلك الخدمات اللوجستية والطاقة والأمن”.

بينما أشار جيمس دورسي، الزميل الأول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة إلى السياق الأوسع. وهو المنافسة بين الإمارات وتركيا والسعودية وإيران وقطر وإسرائيل إلى حد ما. ويقول “لقد كثفت جميعها عملياتها في إفريقيا.. لكن بالطبع، القرن الأفريقي هو الأكثر استراتيجية”.

اقرأ أيضًا: أبو قير الجديدة.. لماذا الإمارات رغم تجاربها في تحييد المواني؟

وبحسب جاكوبس فإن “الإمارات هي الرائدة حقا في هذه القطاعات في هذه المرحلة. لكن المملكة العربية السعودية، باعتبارها أكبر اقتصاد في مجلس التعاون الخليجي، ستلحق بسرعة إذا تم اتباع هذه الاستراتيجيات الوطنية بسياسات قابلة للتنفيذ”.

ويلفت “معهد دول الخليج العربية” في واشنطن، إلى أن بناء القواعد العسكرية على طول جانبي ساحل البحر الأحمر كان أمر أساسي للإمارات، أولاً لضمان المصالح الأمنية مثل عملياتها في اليمن، وعمليات مكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة، وهو عمق استراتيجي لمواجهة إيران. ومع ذلك، فإن مصالح الإمارات على المدى الطويل -وكذلك مصالح منافسيها- هي اقتصادية واستراتيجية.

“تعمل البلاد على جعل نفسها مكونا أساسيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتأمين جبل علي في دبي كمركز رئيسي للخدمات اللوجستية والتجارية ليربط آسيا بإفريقيا عبر البنية التحتية لشركة مواني دبي العالمية، لمواجهة المنافسة من خلال فائض من المواني الجديدة التي بناها منافسون لديهم طموحات مماثلة في إيران وباكستان وعُمان وأماكن أخرى على طول القرن الأفريقي”، يضيف المعهد.

كما تحاول الإمارات أن تجعل طبيعة مشاركتها أكثر جاذبية للحكومات الأفريقية والشركاء من القطاع الخاص: فبدلا من اتباع المسار الصيني، الذي كان يُنظر إليه سلبًا على أنه نمط استعماري زائف في إفريقيا، فهي “معجبة أكثر بالنموذج التركي”. ولا يزال الأمن الغذائي والمائي يمثل مصلحة مهمة لها في شرق إفريقيا.

“مواني أبوظبي تبحث عن مشاريع في إفريقيا في محاولة لمضاهاة منافستها اللدودة مواني دبي العالمية. وبدعم من أعلى السلطات في الإمارة، تكافح المؤسسة الحكومية -التي تحولت في أقل من عامين من لاعب إقليمي فرعي إلى عملاق عالمي- من أجل بناء إمبراطورية أفريقية مناسبة”، يعلق تقرير لـ”أفريكا إنتلجنس” على توسع مجموعة مواني أبو ظبي مؤخرا.

التأثير على مصر

لا تنفك استراتيجية الإمارات للتوسع البحري واللوجستي عبر المواني من التأثير على مصر، ففي إطار الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الأخيرة وضعت الجارة الخليجية نصب أعينها الاستثمار في مجموعة من المواني.

وتستعد الحكومة المصرية للتخلي عن إدارة المواني التجارية المطلة على نهر النيل، وتسليمها إلى القطاع الخاص، وذلك بعد الضغوط التي مارسها صندوق النقد الدولي ودول عربية تملك استثمارات وودائع مهمة في البلاد، وفق ما ذكره موقع “أفريكا إنتلجنس“الفرنسي.

توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل ومجموعة مواني أبو ظبي لإنشاء ميناء نهري بالمنيا جنوبي مصر (وكالات)
توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل ومجموعة مواني أبو ظبي لإنشاء ميناء نهري بالمنيا جنوبي مصر (وكالات)

الموقع الاستخباراتي قال في تقرير -نشره 14 ديسمبر/كانون الأول- إن “الهيئة العامة للنقل النهري” في سبيلها للانسحاب من إدارة المواني التجارية المطلة على ضفاف نهر النيل، والتحول إلى دور تنظيمي بحت في علاقتها بالمواني في المستقبل.

فيما وافق البرلمان في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مشروع قانون لخصخصة المواني النهرية في البلاد، والتي تخضع حاليا لسيطرة الهيئة العامة للنقل النهري. حسب الموقع الفرنسي، فإن مشروع القانون يحدُّ من اختصاص الهيئة في تنظيم النقل النهري، وينقل إليها صلاحيات تنظيمية أخرى كانت مقسمة سابقاً بين عدة وزارات وهيئات محلية مختلفة.

اقرأ أيضًا: الإمارات “الزبون المتوقع”.. لماذا يثير طرح المواني المصرية في البورصة المخاوف؟

وأبوظبي شرعت بالفعل في التجهيز للاستفادة من هذه السوق الواعدة الجديدة. فقد وقعت “المجموعة المصرية للمحطات متعددة الأغراض” -في مارس/آذار- اتفاقية مبدئية مع سيف المزروعي، رئيس قطاع مواني أبوظبي، تتضمن إنشاء ميناء نهري في محافظة المنيا وإدارته وتشغيله.

وتتنافس كل من مجموعة “مواني دبي العالمية” الإماراتية، ومجموعة “عجلان وإخوانه” السعودية، وشركة “مها كابيتال” إحدى الأذرع التابعة لجهاز قطر للاستثمار، على عقود إدارة المواني البحرية، التي تقع على شواطئ البحر الأحمر، عند طرفي قناة السويس، وعلى طول شواطئ البحر المتوسط.

وفي ورقة سياسات، بعنوان: “رأس المال الخليجي في شرق إفريقيا.. الأنماط وارتباطات السياسات الخارجية وتأثيرها على مصر“، الصادرة عن “مصر 360” للباحث محمد عبد الكريم، أشار الباحث إلى تأثير النشاط الاستثماري الخليجي في شرق إفريقيا على مصر؛ فيقول إن الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا والصومال على وجه التحديد ساهمت في تغذية السياسات المناهضة لمصر ومصالحها ودورها الإقليمي أو حتى علاقاتها الثنائية في بعض الحالات.

كما أن بعض هذه الاستثمارات -مثل استثمارات الإمارات في أرض الصومال- ساهمت في تعزيز قدرات إثيوبيا الإقليمية اقتصاديا وعسكريا في مقابل تحجيم مكانة مصر الإقليمية لصالح اضطلاع الإمارات بدور أكبر على حساب وحدة دولة الصومال الفيدرالية، ودون أن تستطيع القاهرة مواجهة هذه السياسة الإماراتية، التي تتعارض مع صلب قواعد سياسات القاهرة العربية والإفريقية. وبالتالي خصمت في المحصلة من رصيد القاهرة في مستويات سياسية وشعبية صومالية بشكل ملموس حتى شهور قليلة خلت.

ويختتم بأن رؤية الاستثمارات الخليجية وأنماطها في شرق إفريقيا تضع مصر في مكانة محددة للغاية ضمن نظام إقليمي فرعي جديد يقوم بالأساس على استراتيجيات الشركات والصناديق السيادية وأغراضها الاقتصادية، بتعظيم الاستفادة من موارد الدول الإفريقية في هذه المرحلة الحرجة، وبشروط سياسية غير مسبوقة، تتجاوز المفاهيم التقليدية عن الأمن القومي ودوائره، وتعيد إنتاج نظام “للتكالب الرأسمالي” على شرق إفريقيا، وما يستتبعه من ضبط السياسات الخارجية لدوله، وتهديد مصالح دول أخرى من بينها مصر.