تحت عنوان “10 أحداث واتجاهات رئيسية”، رصد معهد الشرق الأوسط أبرز ما شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2022. والتي ظهرت نتيجة الأزمات العالمية، أو أسباب إقليمية ومحلية.

وشهدت هذه القائمة محاولات الرئيس الأمريكي جو بايدن لعودة الثقة مع الشرق الأوسط في مواجهة روسيا والصين، وتحرر دول الخليج من الهيمنة الأمريكية. مع تعمق العلاقات الإيرانية- الروسية وسط ضغوط دولية متزايدة، في وقت قرّبت فيه الحرب الروسية أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بعضهما البعض.

شهدت القائمة محاولات الرئيس الأمريكي لعودة الثقة مع الشرق الأوسط في مواجهة روسيا والصين وتحرر دول الخليج من الهيمنة الأمريكية

على جانب آخر، تشهد السياسة الإسرائيلية تغييرات كبرى، بينما ينهي العراق أزمته السياسية المستمرة منذ عام، ويتطلع إلى تحسين العلاقات الإقليمية. في وقت يُناقش فيه تأثير ظهور جيل جديد من الشباب وسط التأثيرات المناخية المتطرفة يضع ضغطًا على سياسة المناخ لتحقيق ذلك.

اقرأ أيضا: يائير لابيد يكتب: كيف يمكن للدول أن تعمل معًا حتى عندما لا تتفق؟

مصر.. تحديات الأمن الاقتصادي والاستقرار

تأتي مصر كأحد أبرز دول العام 2022 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تجسد أبرز تحديات الأمن البشري “الدراماتيكية”، وفق تعبير ميريت مبروك، مدير ومؤسس برنامج مصر بالمعهد. والتي تشير إلى أن “هناك خط قصير وصلب يربط بين الأمن الاقتصادي والاستقرار”.

تقول: غزت روسيا أوكرانيا، وألحقت الضرر بالاقتصاد العالمي بنقص الغذاء والطاقة واضطرابات شديدة في سلسلة التوريد، مما أثر على الاقتصادات المختلفة بطرق مختلفة. في مصر، الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المنطقة، كانت الآثار محسوسة على الفور تقريبًا. فهي أكبر مستورد للحبوب في العالم، وتجلب ما يقرب من 80% من هذه الحبوب من روسيا وأوكرانيا. بينما يرتبط الخبز المدعوم باستقرار مصر ارتباطًا وثيقًا.

تضيف: لم ينجو هذا الدعم من الإصلاحات الاقتصادية الشاملة لعام 2016 فحسب. بل، في الواقع، لم يتغير سعر الخبز الذي توفره الدولة منذ أكثر من 35 عامًا.

في محاولة لحماية نفسها من الاضطرابات الاقتصادية الداخلية، قامت مصر بتخزين إمدادات الحبوب. لكن، رغم هذا التحوط المؤقت، كان على القاهرة أن تكافح للعثور على الحبوب. والأسوأ من ذلك، اضطرت إلى صرف المزيد من إمداداتها من العملات الأجنبية المتضائلة للقيام بذلك.

وأضافت: ببطء ولكن بثبات، أدى الانكماش العالمي إلى الضغط على اللحامات المتوترة في الاقتصاد المصري، وكشف عن نقاط الضعف الهيكلية الرئيسية.

وأوضحت أنه “ربما تم إخفاء نقاط الضعف هذه، أو التغلب عليها، في ظل الظروف العادية. لكن عام 2022 أعاد إلى الحياة أسوأ مخاوف كل اقتصادي”.

كان على القاهرة أن تكافح للعثور على الحبوب والأسوأ أنها اضطرت إلى صرف المزيد من إمداداتها من العملات الأجنبية المتضائلة

نقص حاد للعملة الأجنبية

في محاولة لتعزيز النمو، أنفقت مصر لسنوات طويلة على البنية التحتية العامة. وفرت هذه المشاريع فرص عمل على المدى القصير وتهدف إلى تعزيز الاستثمار، لكنها ساعدت -أيضًا- في سحب العملات الأجنبية.

مرة أخرى، تلفت مبروك إلى أن ذلك “ربما كان ممكنًا إذا لم يؤد الانكماش الاقتصادي العالمي إلى تصرف المستثمرين الأجانب. سحبوا أموالهم بسرعة من الاقتصادات النامية، وقاموا بإعادة الاستثمار في الاقتصادات المتقدمة، التي يُنظر إليها على أنها أكثر أمانًا”.

تقول: أصبح الوضع مزريًا للغاية في وقت سابق من هذا العام، لدرجة أن وزير المالية محمد معيط قال علنًا أن “مصر لم يعد بإمكانها الاعتماد على الأموال الساخنة”. مشيرًا إلى أنه في غضون أربع سنوات، كان عليه إدارة ثلاث صدمات للاقتصاد نتيجة لذلك.

في الربع الأول من عام 2022 وحده، خسرت مصر حوالي 20 مليار دولار في رأس المال الهارب. في غضون ذلك، كان لا يزال يتعين على مصر أن تدفع بالعملة الصعبة مقابل وارداتها، بينما تكافح مع ارتفاع الديون الخارجية.

ولفتت إلى أنه في أعقاب الحصول على قروض صندوق النقد الدولي، خفضت مصر قيمة عملتها بنسبة 14.5% في 27 أكتوبر/ تشرين الأول، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين بشكل أكثر حدة أمام الدولار، مما كان له عواقب وخيمة.

أدى النقص الحاد في العملات الأجنبية إلى توقف واردات المواد الغذائية والأعلاف في المواني، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الحيوية في الداخل. كما عاودت السوق السوداء -التي كانت خامدة لسنوات- الظهور، ويتم تداولها حاليًا عند 30-32 جنيهًا مصريًا مقابل الدولار الأمريكي، مما أدى إلى اكتناز العملات ورفع أسعار الذهب. كما شهد القطاع غير النفطي انكماش لما يقرب من عامين كاملين، وشهد مؤخرًا أكبر انخفاض له منذ ما يقرب من عامين ونصف.

أيضا، ليس الاقتصاد السحابة المظلمة الوحيدة في الأفق. تتعرض مصر، إلى جانب بقية المنطقة، لتهديد شديد من جراء تغير المناخ. حيث يعتبر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر مناطق العالم إجهاداً مائياً.

العام الجاري شهد تحولًا مهمًا نحو مشاركة أعمق في الشرق الأوسط من قبل إدارة بايدن لكنه كان بمثابة إعادة مشاركة بحدود

اقرأ أيضا: القمة الأمريكية الإفريقية| بايدن ينفض غبار الترامبية.. ونتائج رهن تنفيذ التعهدات

تحولات تكتيكية لإدارة بايدن

تلفت بريان كاتوليس، نائب رئيس قسم السياسة إلى ان العام الجاري شهد تحولًا مهمًا نحو مشاركة أعمق في الشرق الأوسط من قبل إدارة بايدن، لكنه كان بمثابة إعادة مشاركة بحدود.

في النصف الأول من العام، أدت سلسلة الهجمات التي شنتها الجماعات المدعومة من إيران ضد شركاء الولايات المتحدة في المنطقة -بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج- إلى زيادة الشكوك حول التزام أمريكا طويل الأجل تجاه المنطقة. علاوة على ذلك، دفعت حرب روسيا ضد أوكرانيا والتحوط من قبل بعض شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، جنبًا إلى جنب مع الضغوط المتزايدة على أسعار الطاقة والغذاء، إدارة بايدن إلى تبني نهج جديد وأكثر انخراطًا بحلول أوائل صيف 2022.

عززت إدارة بايدن مشاركتها في أجزاء رئيسية من المنطقة أثناء استعدادها لزيارة الرئيس إلى الشرق الأوسط في صيف عام 2022. وأدت الزيارة إلى عدد من الاتفاقيات مع شركاء رئيسيين مثل السعودية وإسرائيل حول مجموعة من الجبهات. كما أسفر عن اتفاقيات مبتكرة، بما في ذلك اتفاقية I2U2، التي جمعت بين إسرائيل والهند والولايات المتحدة. تبعتها شراكات ثنائية للولايات المتحدة لتسريع الطاقة النظيفة مع السعودية والإمارات في يوليو/ تموز، ونوفمبر/ تشرين الثاني على التوالي.

أخيرًا، كانت الصفقة البحرية الإسرائيلية- اللبنانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 نتاجًا لدبلوماسية مهمة بقيادة الولايات المتحدة.

أيضا، اعتبرت كاتوليس زيارة بايدن للتحدث في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “أحدث مثال على هذا النهج الجديد”.

بالتزامن، يشير روس هاريسون مدير الأبحاث بالمعهد إلى إعادة تكثيف التنافس بين القوى العظمى في الشرق الأوسط. حيث يرى أن الغزو الروسي لأوكرانيا “كان بمثابة الانقلاب الرحيم لتعاون القوى العظمى في الشرق الأوسط، مما أدى بشدة إلى تأليب الولايات المتحدة ضد روسيا في المسارح الأوروبية والشرق أوسطية. وفي الوقت الذي كان من الممكن أن تدفع فيه روسيا طهران لإعادة الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة، تحركت بشكل خطير نحو تحالف عسكري وثيق مع إيران.”

لا تخطط الحكومة الجديدة المتوقعة للتراجع عن سياسات سابقتها فحسب بل تهدف إلى اقتناص أرضية أيديولوجية تحويلية

السياسة الإسرائيلية

يشير نمرود جورين زميل الشؤون الإسرائيلية، إلى أن عام 2022 شهد في كلا من بدايته ونهايته رئيس وزراء يميني للدولة العبرية. لكنه لوضح أن هناك فارقا كبيرا، حيث شهدت الدولة ثلاث عمليات تغيير كان لكل منها أهمية محلية وإقليمية كبيرة. أولها السياسة التي نفذتها حكومة بينيت/ لابيد خلال النصف الأول من العام، “حكومة التغيير” كما أطلق عليها عند إنشائها في منتصف عام 2021. قد بشكل فعال مجموعة متنوعة من القضايا المحلية، وحققت العديد من الانجازات في السياسة الخارجية.

يقول: لكن، في الوقت نفسه، كانت المعارضة اليمينية للحكومة تصل إلى آفاق جديدة، وكانت المشاعر الشعوبية والقومية تتصاعد وتندمج، والتنافس الشخصي داخل الأحزاب الوسطية واليسارية والعربية كان لها أثرها. لم تتعامل الحكومة مع هذه الأمور بنجاح، وانهار الائتلاف.

أوضح: وصلت الكتلة المناهضة لنتنياهو إلى انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني مجزأة، بينما ظلت كتلة نتنياهو موحدة. كانت نتائج التصويت غير مسبوقة، مما قلل من التمثيل البرلماني لليسار الإسرائيلي، وهو ما يمثل أعلى مستوى على الإطلاق لليمين المتطرف، ومنح نتنياهو أغلبية مريحة للتحالف مع شركاء حزبه من الأرثوذكس المتطرف واليمين المتطرف.

وأكد أن إسرائيل تمر بلحظة تغير قواعد اللعبة “لا تخطط الحكومة الجديدة المتوقعة للتراجع عن سياسات سابقتها فحسب، بل تهدف إلى اقتناص أرضية أيديولوجية تحويلية”.

وأضاف: إن التقسيم الداخلي للعمل، والنوايا السياسية المعلنة تثير بالفعل مخاوف بشأن مستقبل ديمقراطية إسرائيل. مما يتسبب في احتكاك مع حلفائها العالميين الديمقراطيين، وخلق مصادر متعددة للتوترات المحتملة بين اليهود والعرب والفلسطينيين والإسرائيليين.

وأكد أن التصعيد داخل بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل والمنطقة الأوسع، أصبح جميعها سيناريوهات محتملة لعام 2023 وسيحتاج المجتمع الدولي إلى الانخراط واتخاذ الإجراءات مسبقًا. يمكن أن يشمل ذلك التعبير عن رسائل واضحة حول المواقف والتوقعات والخطوط الحمراء.