124 سنة من العمل النقابي المنظم في مصر، شاركت المرأة في النضال من أجل تأسيسه والدفاع عن أعضائه. وقد كانت وما تزال جزءًا من الحراك الجماهيري بطول تاريخ الحراك الوطني. ومع ذلك، فقدت النساء حق التمثيل النقابي المُستحق بنضالها وحضورها، بفعل “الهيمنة الذكورية” على نشاط النقابات. إضافة إلى النظرة التقليدية لدورها، وعدم وجود آليات واضحة في لوائح النقابات تحقق التمثيل العادل للنساء داخل مواقع صنع القرار.

تمثيل النساء بصورة عادلة في المواقع القيادية بالنقابات ينقصه الكثير من الدعم والتدريب والوعي. فضلًا عن تدخلات مجتمعية تساهم في تغيير نظرة المجتمع “الدونية” للمرأة، بالإضافة إلى مراجعة التشريعات من قوانين ولوائح التي تٌعطِل تمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار.

كانت المرأة العاملة في طليعة المشهد الثوري، قبيل 25 يناير 2011. حيث بدأت أولى النشاطات الاحتجاجية من المحلة الكبرى. وترصد التقارير أن 3 ألاف امرأة من العاملات بالغزل والنسيج طالبن زملائهن من الرجال بالتوقف عن العمل والانضمام للإضراب.

اقرأ أيضًا: في اليوم العالمي للمرأة.. كيف ألهمت 14 سيدة النساء في مصر؟

على مستوى النقابات العمالية، ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، فإن نسبة تمثيل النساء في مختلف تنظيمات الهياكل النقابية منخفضة للغاية. إذ لم تسجل أي امرأة تواجدًا بالاتحاد العام -في انتخابات 2018- فيما بلغت نسبة تمثيلهن على مستوى النقابات العامة 4,7%. وهي تتراوح ما بين مقعد واحد إلى ثلاثة مقاعد فقط في مجالس الإدارات.

وتبين الدراسة أن عدد النقابات التي لا يوجد بها تمثيل نسائي تبلغ 7 نقابات عامة، بنسبة 22%. بينما ترتفع النسبة إلى 7.8% باللجان النقابية ذات المستوى الأدنى. فيما تشير الدراسة إلى أن تراجع نسب مشاركة النساء تؤثر على مسارات دوائر صنع القرار ومدى استجابتها لقضايا المرأة وتعزيز وجودها في المواقع القيادية.

تحجيم لدور المرأة

فاتن الحسيني، نائب أول النقابة العامة للسياحة والفنادق بالاتحاد العام للنقابات، واجهت تعنتًا شديدًا خلال عملها التطوعي من رؤساء النقابات. وهو اعتبرته “هيمنة ذكورية” لإبعاد المرأة عن تولي المواقع القيادية بالعمل النقابي.

تحكي الحسيني، التي عملت كمدربة بمنظمة العمل الدولية واستطاعت تدريب المئات من النساء بالنقابات المختلفة على تولي الأدوار القيادية، عن معاناتها ضد محاولات تحجيم دورها. تقول إنها فوجئت بتجميد عضويتها دون تحقيق، وحذف اسمها من تمثيل الجمعية العامة للاتحاد العام، رغم اختيارها بالانتخاب، طبقًا لمحضر الإيداع بوزارة القوى العاملة.

تقول: “ولأنني متمكنة ومتميزة في موقعي عايزين ينسفوني”.

تتهم الحسيني رئيس النقابة بتحجيم دورها النقابي وتعطيل الأنشطة التي تقوم بها، ومنها ممارسة النشاط الثقافي. حيث تشغل رئيس لجنة التثقيف والتدريب. تقول إنه يحرض العمال على عدم حضور الدورات معها. قائلًا لهم: “ست اللي هتشغلكم”.

على مستوى النقابات المهنية

بحسب سمية العجوز، نائب وكالة الشرق الأوسط للأنباء، ووفق تجربتها في الترشح على مقعد نقيب الصحفيين لدورتين متتاليتين، فإن عملية اختيار المرشحين داخل النقابات المهنية تعتمد على قدرة المرشح على الحصول على امتيازات من الدولة لصالح أعضاء النقابة وتقديم خدمات مميزة، لكسب التأييد، وكلها أشياء لا تمنحها الحكومة إلا مرشحيها المختارين.

تقول العجوز، لـ”مصر 360″: “تواجه المرأة حربًا شرسة وهيمنة ذكورية من الرجال تمنعها من الفوز في الانتخابات.. أنا كمرشحة على مقعد النقيب، لم أحصل على صوت واحد يدعمني”.

تشير العجوز إلى ما تعانيه المرأة من تحديات عند محاولة الحصول على حقها في الترشح والفوز بمواقع اتخاذ القرار، تبدأ المعاناة بإطلاق الشائعات عليها والتدليس الممنهج لصالح الرجال.

تضيف: “لا توجد آليات للدعم والتمكين”.

تراجع الأداء النقابي

في هذا السياق، يُرجِع نقيب الصحفيين السابق، يحيى قلاش، أزمة ضعف تمثيل النساء في النقابات المهنية إلى تراجع الأداء النقابي في مصر بشكل عام خاصة بعد عام 2011.

يقول قلاش إن العمل النقابي يعتمد على التواجد داخل الكيانات الحية على أرض الواقع في اللجان والأنشطة، وعقد لقاءات مباشرة مع أعضاء الجمعية العمومية ومناقشة قضاياهم ودعمها، وخوض معارك حقيقية من أجل الحقوق. هذا الزخم هو ما يفرز عمل نقابي يفوز من خلاله الأجدر بالمنصب.

بحسب قلاش، فإن حصول المرأة على مقاعد نقابية، يتم تمريره عن طريق القوائم التي يتم إعدادها قبيل الانتخابات، ويتوقف الأمر هنا على قدرتها على عمل تحالفات مع مرشحين آخرين. بينما كان تواجد العناصر النسائية بالمجلس فيما قبل عام 2011، أكثر الأمور إيجابية وقبولًا، كون المرشحة المرأة لا تخضع للضغوط ولا تقع تحت تأثير أزمات المناصب بالمؤسسات الصحفية.

اقرأ أيضًا: تقرير حقوقي: 140 جريمة عنف ضد النساء المصريات في 2021

يضيف: “لذا شاهدنا صعود عدد من الصحفيات بين أعضاء المجالس بشكل طبيعي، وشغلت المرأة مناصب قيادية مثل أمين الصندوق وسكرتير عام النقابة، وكانت أمينة السعيد أول وكيل عام للنقابة”.

وأشار قلاش إلى سلبية وجود لجنة للمرأة داخل النقابة (القرار الذي أثار جدلًا داخل الجماعة الصحفية بعد الانتخابات السابقة مباشرة، ما بين مؤيد ورافض للفكرة). ووصف الأمر بأنه تراجع للخلف.

يضيف أن الصحفيات هن اللاتي وقفن ضد فكرة إنشاء لجان خاصة بالمرأة داخل النقابة واعتبرن نضال المرأة مع الرجل يكون من أجل أهداف مشتركة وليس من أجل قضايا مرتبطة بالنوع.

يقول لـ”مصر 360″: “إن عدد أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين من النساء يبلغ 45%. لكن الغالبية منهن يعزفن عن الترشح لمجلس النقابة حاليًا. رغم وجودهن سابقًا في مقدمة الصفوف بوعى نقابي في خدمة المهنة والصحفيين منذ 80 سنة عند تأسيس النقابة سنة 1941”.

انتخابات التجديد النصفي لنقابة المهن التمثيلية (أرشيفية - وكالات)
انتخابات التجديد النصفي لنقابة المهن التمثيلية (أرشيفية – وكالات)

قبلية العادات

وفقًا للمهندسة إيمان علام، المرشح السابق على مقعد نقيب المهندسين للدورة السابقة، فإن المرأة توجه تحديات من سيطرة الفكر القبلي على العمل النقابي. إذ يرفض الذي يرفض وجود المرأة في المواقع القيادية كممثل عن النقابة العامة خاصة بالنقابات الفرعية بالمحافظات.

تقول: “فلم تحصل المرأة إلا على مقعد واحد بالانتخابات الماضية، مقعد رئيس للنقابة الفرعية بمحافظة كفر الشيخ من بين 24 فرع لنقابة المهندسين”.

وهي تشير إلى ضعف فرص فوز النساء بمقاعد بسبب عدم قدرتهم على بناء تكتلات بسبب سيطرة العادات والتقاليد القبلية في التصويت. تقول إن هيئة المكتب المركزي بالقاهرة المكون من 7 أعضاء لم تمثل فيه النساء تمامًا. أما المجلس الأعلى لنقابة المهندسين المكون من 63 عضوًا ممثلين عن الشُعب والنقابات الفرعية لم تشغل النساء فيه إلا ثلاث مقاعد فقط.

حساسية دوائر صنع القرار

الدكتورة منى حبيب، الأمين العام لنقابة العلوم الصحية، تعتبر التنظيمات النقابية حساسة تجاه تمكين المرأة وتصعيدها على مستوى صناعة القرار السياسي. وهو ما يعكسه ظهور أقوى للنساء بالنقابات المستقلة. فالمرأة تجد طريقًا أسهل نسبيًا للمشاركة والتمثيل في الدوائر الخاصة داخل التشكيلات النقابية المستقلة. ذلك بعيدًا عن الأدوات والممارسات والمعوقات النقابية التقليدية الحساسة تجاه قضايا النوع الاجتماعي.

وأشارت إلى أن قانون العمل لم تتم مناقشته مع النقابات وتم تمريره دون عرضه على المخاطبين به. تقول لـ”مصر 360″: “إن الوضع العام لديه مشكلة في الاعتراف بفكرة التنظيم. لذلك المشكلة مركبة ومتداخلة في ممارسة الدور النقابي للنساء. حيث يتطلب العمل النقابي للمرأة التحرك على مستويين، القضايا العمالية والعمل على قضايا النوع الاجتماعي”.

وتضيف: “هناك العديد من حالات التحرش في أماكن العمل لا تدفع النساء للمشاركة بالعمل العام ومن ثم الخروج من سوق العمل كله وليس الأداء النقابي فقط”.

معوقات في طريق المشاركة

تشير مي صالح، رئيس الوحدة الاقتصادية والاجتماعية بمؤسسة المرأة الجديدة، إلى الإرث الثقافي الذي يعرقل خطوات المرأة في المشاركة بالعمل العام. حيث تغيب عدالة تكافؤ الفرص في تولي المناصب القيادية والتوظيف، إضافة إلى الأعباء الأسرية التي تدفعها إلى الإحجام عن المشاركة في الأدوار النقابية، لعدم التفرغ.

وتضيف: “تتنازل المرأة عن أدوارها في العمل النقابي لأنه يتطلب توجداها لوقت كبير وحضورها للاجتماعات والأنشطة والتنقل بين المحافظات”.

ووفق صالح، هناك حالة مقاومة من الرجال لأدوار النقابيات تعكس مدى قناعتهم بمشاركة المرأة. حيث ظلت هذه الأدوار حكرًا علي الرجل لوقت طويل. تقول: “هم يعتقدون أن تواجد العناصر النسائية عملية اختراق لمواقعهم من شأنه أن يهز مكانتهم فيعقدون تكتلات ضدها”.

اقرأ أيضًا: النساء والعدالة الاجتماعية في مصر

وتخالف صالح، رأي نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش، معتبرةً أن اللجان النوعية للمرأة مهمة كمرحلة انتقالية. لكنها ليست كافية لتمكين النساء. إذ يجب أن يتم دمجها داخل كل اللجان من أجل تعزيز المساواة.

وتلفت إلى أن “الكوتة” حل مؤقت لتعويض ضعف التمثيل النسائي في النقابات، يمكن اللجوء إليه لسد الفجوة ضد سيطرة فكرة أن المجتمع غير متقبل لوجود النساء بالمواقع القيادية.

تروي ناهد مرزوق، رئيس اللجنة الخارجية بالنقابة العامة للكيماويات سابقًا، عن وجود تعنت في الترقيات الوظيفية ضد النساء بمواقع العمل، كانت هي إحدى ضحاياها، رغم كونها كادر نقابي.

وكانت تشغل موقع أمين الصندوق باللجنة النقابية بالشركة. حيث تم تجاوزها في الترقية بتنحيتها عن منصب مدير عام ومنحه لرجل أصغر سنًا وأحدث وظيفيًا.  حتى لا تكون رئيستهم امرأة.

تقول مرزوق: “فهمي لقوانين العمل ولائحة الشركة ودوري في التصدي لمشكلات العمال وحلها هو ما مكنني من الدفاع عن حقي في انتزاع المنصب من مغتصبيه”.

تحرك المجتمع المدني

وقد دعت دار الخدمات النقابية في مؤتمر العام الماضي بحضور 30 نقابة ومنظمة أهلية، إلى تقديم كل أشكال الدعم والمساندة للنساء النقابيات اللاتي يتعرضن للعنف أو الإساءة إلى السمعة بسبب ممارستهن للعمل النقابي.

وحددت آليات تنفيذية، منها تطبيق مبدأ التمثيل النسبي (الكوتا) في مختلف الهيئات النقابية. بالإضافة إلى تنمية قدرات ومهارات النقابيات وتمكينهن ودعمهن لتحسين أدائهن النقابي.